ماجدة الرومي تفتتح «مهرجانات جونية الدولية» وتغني لساعتين متتاليتين

غنت بالأرمنية للمرة الأولى.. وأرسلت تحية بعنوان «تتوحد الدنيا»

ماجدة الرومي على مسرح مجمّع فؤاد شهاب الرياضي  -  رافقها على المسرح المايسترو أيلي العليا وتألّفت فرقته الموسيقية من أكثر من 50 عازفا وعازفة
ماجدة الرومي على مسرح مجمّع فؤاد شهاب الرياضي - رافقها على المسرح المايسترو أيلي العليا وتألّفت فرقته الموسيقية من أكثر من 50 عازفا وعازفة
TT

ماجدة الرومي تفتتح «مهرجانات جونية الدولية» وتغني لساعتين متتاليتين

ماجدة الرومي على مسرح مجمّع فؤاد شهاب الرياضي  -  رافقها على المسرح المايسترو أيلي العليا وتألّفت فرقته الموسيقية من أكثر من 50 عازفا وعازفة
ماجدة الرومي على مسرح مجمّع فؤاد شهاب الرياضي - رافقها على المسرح المايسترو أيلي العليا وتألّفت فرقته الموسيقية من أكثر من 50 عازفا وعازفة

«الحرية قدر الأحرار» هي الأغنية التي استهلت بها الفنانة ماجدة الرومي برنامجها الغنائي في حفلة افتتاح «مهرجانات جونية الدولية». «ما تقولوا طول هالليل قولوا بكرا جايي النهار.. ما تقولوا صار اللي صار الحرية قدر الأحرار»، بهذه الكلمات المليئة بالأمل والعنفوان أطلت ماجدة الرومي على المسرح «مجمع فؤاد شهاب الرياضي»، وهي ترتدي الأبيض علامة السلام، ولتبدأ سهرة غنائية أقل ما يقال عنها إنها نقلت الحضور إلى عالم الحلم والتفاؤل بغد أفضل. بدأ الحفل متأخرًا عن موعده (الثامنة مساء) 90 دقيقة، بسبب زحام السير كما تردد، الذي عم المنطقة وأخّر وصول المدعوين حتى التاسعة والنصف. وامتلأت مدرجات مجمع «فؤاد شهاب الرياضي» بأكملها بأمواج من الناس الذين من بينهم من كان على كرسي نقال، أو متأبطًا ذراع قريب أو صديق لتقدمه في العمر، كما لوحظ وجود العنصر الشبابي بقوة بحيث ملأت غالبيتهم مقاعد المسرح التي أضيف إليها 200 مقعد لاستيعاب جمهور ماجدة الرومي، كما قال أحد المسؤولين في المهرجان.
فعلى مدى ساعتين متتاليتين غنت ماجدة الرومي دون توقف، هي التي أعلنت للحاضرين ذلك مسبقا إذ توجهت إليهم بالقول منذ اللحظات الأولى لاعتلائها المسرح، إنها تعدهم بليلة مميزة تحمل في طياتها الكثير من الحياة والحب والسلام: «ليلتكن سعيدة بشكر حضوركن ومنمسي عليكن مع كل الحب».
رافقها على المسرح المايسترو ايلي العليا، وتألفت فرقته الموسيقية من أكثر من 50 عازفًا وعازفة، تناغموا بعزف سلس على آلاتهم الموسيقية مع صوتها الذي صدح في مدينة جونية، فطال جبال حريصا وكسروان المحيطة بالمسرح. فخيل للموجودين الذين فاق عددهم الـ3000 شخص أنهم يوجدون على جزيرة نائية غناء يحكمها عزف الكمان والبيانو والتشيللو وصوت ماجدة الرومي، بعيدا عن الأزمات والحروب السياسية التي تلف المنطقة. وقد علقت ماجدة الرومي على ذلك بقولها: «كفانا استخفافا بعقولنا. لقد لزمونا حربهم لنقوم بها بدلا عنهم بأيدينا ونحن نقول لهم فلتتوحد الدنيا».
هذه الأغنية «تتوحد الدنيا» التي أنشدتها في منتصف برنامجها الغنائي، تركت أثرها الكبير على الحضور الذي وقف يصفق لماجدة الرومي مرحبا بمبادرتها للسلام التي أطلقتها على طريقتها.
لم تبخل ماجدة الرومي في الغناء لمحبيها، بحيث اختارت برنامجا منوعا من أغانيها القديمة والجديدة معا. فبعد «عم يسألوني عليك الناس» و«وومضة عينيك» و«لون معي الأيام» و«أحبك جدا» و«اقبلني هيك» و«على قلبي ملك»، أعادت الذكريات الجميلة إلى اللبنانيين الذين ما زالت أغانيها الأولى مثل «مبارح انا وعم ودعك» و«خدني حبيبي عالهدا» و«ما حدا بعبي مطرحك بقلبي» تحمل لهم عطر أيام الشباب والرومانسية. فتلك الأغنيات شكلت في الثمانينات لغة حب خاصة بهم عبرت عن مشاعرهم وترجمت أحاسيسهم تجاه الحبيب فحفظوها عن ظهر قلب. تفاعل الحضور بشكل مباشر مع ماجدة الرومي في كل أغنية قدمتها، فأحيانا كثيرة وقفوا متحمسين يصفقون ابتهاجا بأغنيات «عالبال». وأحيانا أخرى التزمت ماجدة الرومي الصمت وأعطت إشارة للمايسترو أيلي العليا لإيقاف العزف، لتستمع إلى الحضور ينشد باقي المقطع.
وأكملت ماجدة الرومي برنامجها الغنائي براحة أكبر بعد مرور نحو 40 دقيقة، فادت «اعتزلت الغرام» و«أنا عم ودعك» لتتبعها بالأغنية الوطنية «تتوحد الدنيا» مقدمة لها بكلمات مؤثرة عبرت فيها عن المعاناة التي يعيشها العالم العربي ككل. وهي من كلمات الشاعر حيدر محمود، وألحان ميشال فاضل التي رافقها بعزف هذه الأغنية على البيانو مباشرة على المسرح.
بدت ماجدة الرومي مسترخية متمكنة من أدائها ومن وقفتها على خشبة المسرح، هي التي عانت خلال الحفل من الحر الشديد ومن شريط الميكروفون الطويل الذي كان عليها أن تجره معها كيفما تنقلت. «كتير عندي شغل بهالشريط معذبني من أول السهرة»، قالت ممازحة الناس الذين كانوا يتابعون كل تفصيل تقوم به على المسرح.
بعدها توجهت إلى أفراد الشعب الأرميني واصفة إياهم بالسفراء فوق العادة لبلدهم ورسل خير أينما حلوا. موطئة بذلك للأغنية الخاصة التي أهدتهم إياها، والتي كتبت قسما كبيرا من مقاطعها بنفسها، وشاركها بذلك الشاعر حبيب يونس. ورافق الأغنية لوحة استعراضية راقصة لفرقة رقص أرمينية. وقامت الدنيا ولم تقعد عندما فاجأت ماجدة الرومي الجميع بأداء مقطع من الأغنية بالأرمينية، وليتبعها مباشرة دخول فرقة دبكة لبنانية لتكمل اللوحة الاستعراضية الجديدة من نوعها على مسرح لبناني. فتداخل الفولكلوران مع بعضهما بعضا وتمازجا لينصهرا معا إشارة من ماجدة الرومي إلى أن الشعب الأرمني ورغم هويته الأصيلة ذاب في بلاد الأرز وصار واحدًا من مواطنيه. وعلى وقع أغانٍ لبنانية تراثية معروفة كـ«طلوا حبابنا» و«عني يا منجيرة عني» و«دبكتنا ايد بايد» و«يا غزيل يابا»، التي ختمتها بأغنية «راجع يتعمر لبنان»، أنهت ماجدة الرومي هذا الفصل الأرمني اللبناني الفني بامتياز، والذي بقي الحضور يصفق له لدقائق طويلة قبل أن تتسلم باقة ورود صفراء من أحد معجبيها وتقدم الشكر وهي تنحني لجمهورها احتراما. تلا تلك اللوحة إنشادها لأغنية «كلمات» التي شكلت المحطة ما قبل الأخيرة لختام برنامجها الغنائي، ومن ثم «يا بيروت» وأعادت إنشاد «الحرية قدر الأحرار» للمرة الثانية معلنة بذلك انتهاء الحفل.
افتتحت ماجدة الرومي مهرجانات الصيف في لبنان والمنتظر أن تتلون بأسماء مشاهير من عالم الأغنية العربية والأجنبية معا، فكانت خير بداية لموسم حافل. ولعل التنظيم والدقة اللذين رافقا افتتاح مهرجانات جونية الدولية، من قبل جمعية «أصدقاء المدينة» التي يرأسها نعمة فرام بالتعاون مع بلدية المدينة وبرعاية وزارة السياحة، لم توفرها انتقادات بعض أهل الإعلام والصحافة الذين توجهوا بكلمات العتب والملامة للمنظمين، بعد أن تم تغييبهم وعدم دعوتهم لحضوره، لا سيما أن بعض الحفلات المقررة سيغيب عنها أيضا قسم آخر منهم لعدم توفر البطاقات الخاصة بأهل الإعلام بعد نفادها (كحفلة جوني هاليداي)، كما ذكرت المسؤولة الإعلامية ماريا لبعضهم مباشرة. هذا الأمر أحدث امتعاضا لدى بعض الصحافيين، مما دفعهم لمقاطعة المهرجان والقول إنه لا يتناسب مع الاسم الذي يحمله كمهرجان دولي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».