حين تتردد كلمة النظام النباتي يذهب العقل إلى وجبات خالية من اللحوم فقط، غير أن المفهوم يبدو أكثر تعقيداً من ذلك، ثمة أنواع تختلف بين «Plant Base»، والـ«Vegan»، والـ«Vegetarian»، فلكل منهم طريقة ووصفات قائمة «ممنوع ومسموح».
ورغم أن الاتجاهات الثلاثة شهدت رواجاً لافتاً على المستوى العالمي، لكن الأمر لم ينطبق على منطقة الشرق الأوسط، فلا تزال فكرة التوقف عن تناول اللحوم وربما حتى منتجات الألبان والدهون، غير مألوفة ويحيطها كثير من اللغط والمفاهيم المختلطة.
غير أن العادات لا تتغير إلا بالوعي، وهذا المرتكز الذي انطلقت منه شيماء المُقدم، مؤسسة مشروع «أبريكوت فوود» Apricot Food الذي يقدم وجبات منزلية شهية للنباتيين، وتوصيلها منزلياً للراغبين في ذلك. بعيداً عن اللحوم ومنتجات الألبان والدهون، وحتى المواد المصنعة والمواد الحافظة.
وتحكي المقدم عن رحلتها مع «أبريكوت فوود» والتي بدأت بمجرد نقاش طرحه زوجها، وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لم أخطط من قبل لأن أقاطع اللحوم، فأنا مثل كثر من المصريين أضع طبق البروتين الحيواني أولوية»، وتقول «زوجي كان يشاركني مخاوفه من أمراض العصر، والتي باتت تصيب الشباب من جيلنا، ومدى ارتباط ذلك بالنظام الغذائي، لا سيما اللحوم التي تفاقم الكوليسترول السيئ، ومن هنا بدأت رحلة البحث لفهم مفهوم النظام الغذائي النباتي بأنواعه الثلاثة».
عام كامل من القراءة وتجربة الوصفات النباتية، هكذا تروي المقدم، وتزيد «مهمة شاقة خضتها مع زوجي لتقديم بدائل للبروتين الحيواني، وكذلك، الكف عن استهلاك الدهون والسكر والملح والمواد المصنعة»: «في البداية زوجي هضم الفكرة ومارسها بكل جدية، لكن أنا لا أنكر ترددي، حتى وضعني القدر أمام التحول الحتمي للنباتية».
وتعاني شيماء المقدم من التهابات القولون منذ ولادتها، بل وتعيش بكلى واحدة بسبب مشكلة صحية خُلقت بها، وتروي «خلال فترة الحمل أو (أشهر الوحم) كما يطلق عليها، توقفت عن تناول اللحوم، ولاحظت كيف انعكس ذلك على صحتي، فأصبحت لا أعاني آلام القولون، بل وأعيش بكُلى واحدة دون أي أعراض مزعجة».
المهنة الأصلية للمقدم، هي الصحافة؛ لذا حين مرت بتجربة التحول إلى النباتية أرادت أن تشارك غيرها بتجربتها، لا سيما أن الحديث عن أضرار اللحوم والمواد المصنعة يتم تداوله كل يوم.
تقول «أطلقت صفحة (أبريكوت فوود) بغرض مشاركة التجربة وكتابة محتوى تثقيفي حول قيمة النظام الغذائي النباتي، وبعد تفاعل لم أكن أتوقعه، قررت مشاركة الوصفات الشهية البديلة للبروتين الحيواني والتي تعتمد على الخضراوات والفاكهة كأساس للوجبة اليومية، خاصة أن ثمة وصفات كثيرة انتهت بالفشل، ربما استهدفت أن أختصر الطريق على أي شخص يفكر في التحول إلى «النباتية».
وعن قيمة هذا النظام تقول المقدم «المطبخ المصري في الأصل نباتي، إذا أبحرنا في التاريخ سنجد أطباق العدس والفول والخضراوات هي أساس السفرة المصرية، ولكن هذا الاتجاه تغيّر، وصعد طبق البروتين الحيواني وكأنه مؤشر للمستوى الاقتصادي، إلى أن بات الطبق الرئيسي، لتتزايد طردياً مع هذا الاتجاه أمراض العصر، مثل السكري، ضغط الدم، أنواع السرطانات وغيرها».
وتلفت المقدم إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي كان لها أثر لافت في تعزيز النظام الغذائي غير الصحي، وتقول: «في عصر السوشيال ميديا ترسخت مفاهيم الأكل الخاطئ مثل الدجاج المقلي والبرغر وطبقات من صوص الجبن الغني بالدهون المهدرجة، وتراجعت بالتبعية أنواع الخضراوات والفاكهة، حتى بات من يبحث عن طبق صحي مصدراً للسخرية».
التطور السابق دفع المقدم وزوجها خالد، إلى تحويل «أبريكوت فوود» إلى مشروع مجتمعي تجاري، هدفه التوعية والتحذير من خطورة أنماط الأكل الحديثة، وفي الوقت ذاته يوفر وجبات نباتية شهية ومرضية على مستوى المذاق والصحة، وتوصيلها إلى المنازل لمن يرغب.
وتوضح «ثمة مفاهيم خاطئة حول القيمة الغذائية للحوم، بأنها المصدر الوحيد للبروتين، غير أن هناك عدداً كبيراً من البدائل النباتية على شاكلة الفطر بأنواع والفاصوليا وغيرها، كذلك الكالسيوم اللازم للعظام لا يقتصر على الحليب، بينما البروكلي على سبيل مصدر رائع له».
صحيح الحديث عن الصحة مرتكز قوي، لكن المصريين ربما يهتمون بالمذاق أولاً؛ لذا بدت مهمة المقدم معقدة، وتعلق «لا يمكن أن تمرر مفهوم صحي دون أن تحقق الرضا عن المذاق، لذا؛ جربت مئات الوصفات حتى نجحت في موازنة هذه المعادلة، وأصبحت بين قائمة طعام (أبريكوت فوود) برغر نباتي وكرات اللحم المرتكزة على الخضراوات الصحية، حتى أصناف المحشي تضمنتها قائمة الطعام ولكن على طريقة خاصة لا تخل بمبدأ الصحة أولاً».
يربط البعض بين الأنظمة المرتكزة على النباتات وبين إنقاص الوزن، وهنا تقول المقدم «لا يستهدف التحول إلى النباتية إنقاص الوزن بشكل مباشر، فهي ليست حمية يمكن اتباعها لفترة ثم التوقف، لكن هي نمط حياة يعتمد على مفاهيم القيمة الصحية، ولكن كل من تحول إلى هذا النموذج في التغذية لاحظ فقدان الوزن وتخلص من أماكن الدهون العنيدة، وكذلك، انعكس ذلك على الصحة العامة والشعور بالخفة والراحة والقضاء على مشكلات الهضم».
لم تنكر المقدم أنها في البداية تعرضت لكثير من الإحباط والسخرية، لكن مشروعها الآن واحد من أهم المصادر لرواد النظام النباتي، بل وتوفر أطباقها لبعض المحال المتخصصة في بيع الوجبات المجهزة.
وتنهي المقدم حديثها وتقول «لم أتوقع هذا النجاح ولكني استهدف من البداية التوعية بأهمية النظام الغذائي، والآن أنا أمام أحلام أكبر بانتشار الفكرة وتوسع المشروع ليصل إلى بلدان الشرق الأوسط».