كيف أدارت الـ«سي آي إيه» جاسوسًا بمليار دولار في موسكو؟!

استطاعت واشنطن بفضله التعرف على مواطن ضعف الدفاعات الجوية السوفياتية

بطاقة لتسهيل مرور أدولف تولكشيف أنجح جاسوس زرعته الولايات المتحدة خلال عقدين داخل الاتحاد السوفياتي (واشنطن  بوست)
بطاقة لتسهيل مرور أدولف تولكشيف أنجح جاسوس زرعته الولايات المتحدة خلال عقدين داخل الاتحاد السوفياتي (واشنطن بوست)
TT

كيف أدارت الـ«سي آي إيه» جاسوسًا بمليار دولار في موسكو؟!

بطاقة لتسهيل مرور أدولف تولكشيف أنجح جاسوس زرعته الولايات المتحدة خلال عقدين داخل الاتحاد السوفياتي (واشنطن  بوست)
بطاقة لتسهيل مرور أدولف تولكشيف أنجح جاسوس زرعته الولايات المتحدة خلال عقدين داخل الاتحاد السوفياتي (واشنطن بوست)

قامت وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» بتزوير بطاقة لتسهيل مرور أدولف توكشيف داخل منشآت مؤسسته العسكرية السوفياتية من أجل تسهيل التخلص من ملفات سرية.
ورغم الجهد الكبير، لم تعمل الخطة سوى لوقت قصير في صيف 1982 (حسب كيث كيث ملتون وأرشيف ميلتون من كتاب جاسوس بمليار دولار).
كان أدولف أنجح جاسوس زرعته الولايات المتحدة خلال عقدين داخل الاتحاد السوفياتي، فقد كشفت الوثائق والرسوم أسرار الرادار وبحوث السلاح السوفياتية للمستقبل، وقام بتهريب لوحات دوائر كهربائية وصور فوتوغرافية من معمله العسكري. ساهمت أعمال التجسس في سيطرة الولايات المتحدة على السماوات في المعارك الجوية، وأكدت قابلية نظام الدفاع الجوي السوفياتي للاختراق، وأظهرت أنه بإمكان صواريخ كروز الأميركية وقاذفات القنابل الاستراتيجية الطيران تحت الرادار السوفياتي.
ومع نهاية فصل الخريف وبداية الشتاء عام 1982، فقدت الولايات المتحدة الاتصال مع أدولف، ولم يحضر خمس اجتماعات مقررة. وكان نظام المراقبة الذي طبقته الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) محكما للدرجة التي عطلت حركة حتى مسؤولي تغطية ضباط الـ«سي آي إيه» غير المعروفين للـ«كي جي بي».
وفى مساء 7 ديسمبر (كانون الأول)، وهو ميعاد المقابلة التالية المتفق عليه، أصبح مصير العملية بين يدي بيل بلانكيرت. وقبل تعيينه ضابط طيران، كان بلانكيرت قد التحق قبلها بالـ«سي آي إيه» وتم تدريبه كضابط للعمليات السرية، وكان في منتصف الثلاثينات من العمر، وطوله نحو 6 أقدام وبوصتين، ووصل إلى محطة موسكو في الصيف، وكانت مهمته هي تسليم قصاصة إلى الـ«كي جي بي» والقيام بالتواصل.
وفى تلك الليلة، تقريبا وفي وقت العشاء، خرج بلانكيرت وزوجته مع رئيس محطة الـ«سي آي إيه» وزوجته من السفارة الأميركية إلى موقف السيارات تحت رقابة دقيقة من قبل مسلحين في زي رسمي تابعين للـ«كي جي بي». دخل الزوجان السيارة التي قادها رئيس محطة الـ«سي آي إيه» وجلس بلانكيرت إلى جواره بينما الزوجتان في الخلف تحملان تورتة عيد ميلاد كبيرة.
وباعتبار أن الجاسوسية هي فن الخداع، فقد قام بلانكيرت بالخداع بأن ارتدى تحت ملابسه العادية ملابس يبدو فيها كأنه رجل روسي مسن، وكانت تورتة عيد الميلاد مزيفة، حيث كان النصف العلوي منها تورتة بينما الجزء السفلي جهازا من صنع السحرة بإدارة العمليات الفنية في الـ«سي آي إيه»، وكان اسم الجهاز «المقبس في الصندوق». أدرك الـ«سي آي إيه» أن فريق المراقبة التابع للـ«كي جي بي» كان داخل سيارة تسير خلفهم، ونادرا ما سارت إلى جوارهم، وكان من الممكن لسيارة تحمل ضابط الـ«سي آي إيه» أن تلف في منعطف أو اثنين لتختفي عن الأنظار ولو للحظات، وخلالها قفز ضابط الـ«سي آي إيه» خارج السيارة واختفي. في تلك اللحظة انتصبت التورتة، أو «المقبس في الصندوق»، واتخذت شكل رأس تماثل رأس الضابط الذي قفز للتو من السيارة.
لم يكن ذلك الجهاز معروفا من قبل في موسكو وكانت الـ«سي آي إيه» في حاجة ماسة لتطوير الجهاز خلال أسابيع. خلع بلانكيرت ملابس الشارع الأميركية ووضع على وجهه قناعا كاملا ونظارات وبدا متنكرا في هيئة رجل روسي مسن. وعلى بعد مسافة كان الـ«كي جي بي» يتعقب السيارة، وكانت الساعة تشير إلى السابعة مساء، بعد حلول الظلام.
انعطفت السيارة في أحد أركان الشارع وفتح بلانكيرت باب السيارة وقفز ثم قامت إحدى الزوجتين بوضع التورتة مكانه في المقعد الأمامي لتنتصب التورتة متخذة شكل وارتفاع رأس الضابط، ثم أسرعت السيارة.
وفى الطريق، خطا بلانكيرت أربع خطوات على جانب الطريق وفى الخطوة الخامسة تعقب الـ«كي جي بي» السيارة بينما تتخذ المنعطف. أظهرت مصابيح الشارع رجلا روسيا مسنا على جانب الطريق تجاهلته الـ«كي جي بي» واستمرت في تعقب السيارة.
نجحت خدعة «المقبس في الصندوق»، وأخفى العميل، أو هيئة الاستخبارات المركزية التي أرادت الانتقام لنفسها في السنوات الأولى للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، سرا مزعجا عن نفسه. فلم تنجح أبدا الـ«سي آي إيه» في إيجاد موطئ قدم لها في شوارع موسكو، إذ إن تجنيد جواسيس هناك كان شيئا خطيرا لأي مواطن سوفياتي أو لمسؤول تضعه الـ«سي آي إيه» على قوائمها. فإجراءات التجنيد نفسها، منذ اللحظة الأولى لاختيار الجاسوس والتواصل معه كانت دوما محفوفة بخطر الاكتشاف من قبل الـ«كي جي بي»، وفى حال القبض عليه متلبسا بالجاسوسية سوف يكون مصيره الإعدام لا محالة. وكان العملاء القلائل الذين تطوعوا أو تم تجنيدهم بواسطة الـ«سي آي إيه» خارج الاتحاد السوفياتي يمدون الـ«سي آي إيه» بالمعلومات، لكن عند عودتهم للولايات المتحدة، وغالبا لم تقم «سي آي إيه» بإغواء العملاء بالتجسس في قلب الظلام.
لوحة زيتية لتولكشيف للرسام كاثي كرانتز فيرموسكا معلقة على جدران مبنى الـ«سي آي إيه» (حسب كتاب كاثي كرانتز فيرموسكا من كتاب «جاسوس بمليار دولار»).
بعدها حدثت عملية الجاسوسية التي قلبت الموازين عن طريق العميل أدولف تولكشيف، وهو مهندس متخصص في الرادار المحمول جوا، الذي عمل داخل مؤسسة عسكرية سوفياتية. وعلى مدار ست سنوات، تقابل تولكشيف مع ضباط الـ«سي آي إيه» 21 مرة في شوارع موسكو الخاضعة لنظام مراقبة الـ«كي جي بي».
تم سرد تفاصيل قصة تولكشيف في كتاب من 944 صفحة حوى برقيات كانت تعتبر سرية عن العملية التي خضعت للتصنيف والتبويب لتوضع في كتاب بعنوان «جاسوس بمليار دولار». لم تراجع الـ«سي آي إيه» الكتاب قبل نشره، وأعطت اللقاءات مع الشخصيات الواردة بالكتاب صورة تفصيلية عن كيفية تنفيذ الجاسوسية خلال عشر سنوات من زمن الحرب الباردة.
كانت الرغبة في الانتقام من التاريخ دافع تولكشيف لخوض هذه العملية، فقد تم إعدام أم زوجته وأُرسل أبوها إلى معسكرات العمل خلال فترة «الرعب العظيم» لستالين في الثلاثينات من القرن الماضي. كذلك وصف تولكشيف نفسه بالمتحرر من وهم الشيوعية و«المنشق قلبا وقالبا»، حيث أراد ضرب النظام السوفياتي في مقتل، وفعل ذلك بخيانته لمؤسسته العسكرية بتسريب أسرارها للولايات المتحدة. ولاحظ دوما ضباط الـ«سي آي إيه» الذين تعاملوا معه أنه بدا مصمما على إلحاق أكبر أذى ممكن بالاتحاد السوفياتي رغم كل المخاطر التي أحاطت به، فقد كان الإعدام عقوبة الخيانة، إلا أنه لم يكن يريد الموت على يد الـ«كي جي بي»، فقد طلب الحصول على حبة للانتحار وحصل عليها بالفعل من ضابط الـ«سي آي إيه» لتناولها في حال تم القبض عليه.
وحسب تقدير سلاح الجو الأميركي في مرحلة ما من العمليات، فقد وفر تولكشيف على الولايات المتحدة نحو ملياري دولار أميركي كان من المفترض إنفاقها في أبحاث تطوير الأسلحة. فقد قام تولكشيف بتهريب أغلب الوثائق السرية خارج مكتبه خلال فترة ساعة الراحة المخصصة لوجبة للغذاء بإخفائها في معطفه ثم قام بتصويرها بواسطة كاميرا «بينتاكس 35 مم» مثبتة بمقعد في شقته. في المقابل طلب تولكشيف مالا من الـ«سي آي إيه» تعبيرا عن الاحترام، حيث كانت موسكو تعاني الفقر، كذلك طلب ألبومات للفرق الموسيقية الغربية، مثل «البيتلز»، و«ريد زبيلن»، و«يورايا هيب» وغيرها، لابنه المراهق. أصبح تولكشيف أحد أكثر العملاء إنتاجا خلال الحرب الباردة، إلا أنه لم يعرف سوى القليل عن العملية التي شكلت «فترة البلوغ» بالنسبة للـ«سي آي إيه» عندما نجحت في تحقيق ما كان يعتبر مستحيلا، وهو الالتقاء شخصيا بجاسوس أمام أعين الـ«كي جي بي».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».