التقى الممثل الكوميدي الأميركي جونا هيل معالجه النفسي فيل ستوتز قبل خمس سنوات. كان فاقداً الثقة بنفسه، يعجز عن مدّها بالمودّة. لم يستطع انتزاع صورة المراهق من رأسه. آنذاك، سبقته البدانة وحَبّ الشباب إلى حسم الانطباع السيئ في الأذهان. ظنّ أنّ خلاصه من ألم الحياة يضمنه النجاح والجوائز. وثائقي «ستوتز» (Stutz - «نتفليكس»)، يبيّن أنّ الطبيب هو أيضاً مريض، والمريض إن أُعطي دوراً آخر، داوى وشفى.
يردّ هيل الجميل لمَن قاده إلى حياة أفضل. يتبادلان المقاعد، هو في كرسي المعالج، وطبيبه في مقعد المرضى، حيث يعتاد الارتماء مَن يصبّون آهاتهم عليه. «أعطني ما عندك»، يفتتح الجلسة ويُردفها بمزحة «أتعبني ما تلقيه عليّ. تفضّل!».
يسأل المعالج عما يعتقد أنه السبب لتركيب استوديو أخضر وإشعال كاميرات تصوّر جلسة العلاج. سببان يحلّيان روح العمل: «التقدير والاحترام»، فهيل يكنّ لستوتز حباً يجيد التعبير عنه مرات خلال الساعة والنصف الساعة، مدّة الوثائقي. خلفهما تستلقي أسباب أخرى، كإعجابه بأفكاره وحاجته إلى خلق تأثير عام، فتُبدِّل (الأفكار)، كما فعلت في حالته، شكل العلاقة مع الذات.
خطر له تصوير جلسة واحدة في يوم، فامتدّت لعامين. الفيلم جوانب إنسانية مضيئة بعد عتمات. ليس هيل شخصية مشهورة سوى في القدرة على التحوّل إلى نموذج في التخطّي يلهم الملايين. هو هنا إنسان يتخلّص من عذاباته ويقول للمُنقذ شكراً. طريقته في الشكر هي صناعة الأفلام، فيمنحه حضوراً يقلب الأدوار: لا يعود المعالج رجلاً يسأل وينتظر البوح. يصبح طرفاً في لعبة الصراحة وتأكيداً على أننا جميعاً نتألم.
يُظهر نظريته كاكتشاف ثوري يقود إلى الشفاء، ويفصّلها بامتنان إلى نتيجتها: التصالح مع الماضي. اعتاد دفع المال لمعالجين ظنّ أنّ حل مشكلاته سيكون على أيديهم فلم يفعلوا سوى الإصغاء، في حين أصدقاؤه تولّوا إسداء النصيحة. أراد العكس «أن ينصحني الطبيب ويصغي الصديق!». استقال من العلاج التقليدي، وهرع إلى عيادة فيل. قلَبَ نسخته القديمة إلى ولادة عظيمة للنفس الجديدة.
ركّز على «قوة الحياة» وهو يُخرج هيل من دوامته. يذكر زيارته للمرة الأولى «كان يتصرف معي كأنه يعطي مجموعة أوامر لتنفيذها». يجهّز فيل ردّه «أردتُ نتيجة سريعة، لكن ليست سرعة تجعل المريض يتعافى خلال أسبوع. هذا مستحيل. أريده أن يشعر ببعض التغيير». وكم تغيّر هيل!
يبني العلاج على طبقات بينها الجسد، العلاقة مع الآخرين، النظرة إلى الذات. ويمارس على هيل اختبارات يمكن استعارتها في المنازل. يصبّ الانتباه حيال ما يجري في اللاوعي، على اعتبار أنّ الاعتراف بوجوده يمهّد للتعافي. ويرمي مفتاحاً للاقتحام «واحدة من الطرق الفعّالة لسبر اللاوعي هي الكتابة. إنها حل سحري. قد يسألني أحدهم (ماذا أكتب؟). إن بدأتَ فستراها كمرآة أمامك. ستشهد انعكاسك».
يذلّل أمام هيل صعوبة إدراك الأعماق ويرسّخ في رأسه أملاً رائعاً «لكل مشكلة حل». ينبهّه إلى دور الشغف في رفع «قوة الحياة»، وفَضْل الامتنان في غسل الرواسب. ويحذّره من «العامل المجهول»، «قوة خفية تريد إبقاءك كما أنت من دون تغيير أو تطوّر. تحجب طاقتك وتربّي فيك الخوف. إنها صوت المستحيل، يظهر ليردع الهمم». ما أنشطه قُبيل النهوض من الفراش وأمام القرار والإقدام على مجهود!
يجمعهما جرح لا يندمل: موت الأخ. يحمل هيل ندبة وفيل ندوباً. كلاهما يتشارك الخسارة. يمضغها مع اللقمة. يمرّ الوقت والمرء يقبع هناك؛ في اللحظة المُرّة. خروج ستوتز من «وظيفته» يضعه أمام عاصفة تمتهن الهبوب: الذات. عادتُه أن يضمّها إليه في حين آخرون يفلشونها. يحيّدها من أمامهم. يستعير هيل دوره بأحلى ما يكون: الإصغاء بحُب. يهديان الفيلم للأخوين المغادرين بلا وداع.
بدأ هيل العلاج انطلاقاً من رغبته في إيجاد السعادة. نشأته بكيلوغرامات إضافية، جعلت تقديره لنفسه مريعاً للغاية. راح فيل يشرح له «فكرة الظل»: «إنه نسخة أخرى منك تشاء إخفاءها عن الجميع». عندما زار عيادته في سنّ الثالثة والثلاثين، كان كسب جولات من الشهرة وحسَّن كثيراً من جسده. المفارقة، أنّ الأشياء حوله لم تتفق مع نظرته إلى ذاته. أمسكه معالجه من نقطة ضعفه «هذه النظرة نابعة من داخلك. لا يمكن التقدّم من دون الاعتراف بالهشاشة». دلَّه إلى عناق هيل البدين. صحّح النظرة الخاطئة وطمر الجرح.
يرنّ منبّه المعالج، فيبتلع أقراص الدواء. خلف إصابته بالباركنسون، تتخذ ذرائع شخصية فسحة للاختباء. بتأثّر واضح بأسلوبه في العلاج، يحاول هيل التقاط خيوطه. يسأله عن الطفولة والنساء، وستوتز يجيب. لم ينفع معه التنصّل برمي الدعابات، فهيل يسدّ بوجهه احتمال التهرّب من الجواب. في الفيلم، يشكره ويعالجه.
يعلم فيل ما يتوصّل هيل إليه: «لا أحد معفياً من الألم. المعالج يصارع كسائر البشر». يجد شيئاً جميلاً في رؤية ضعفه؛ إذ يوضح له أنّ الإنسان لا يمتلك الإجابات لجميع أسئلة الحياة. «السعادة تعتمد على هذه الحقيقة وردّ الفعل تجاهها»، كلام الطبيب ذهب.
جونا هيل ومعالجه النفسي فيل ستوتز: لا إعفاء من الألم
فيلم «Stutz» خلاصة تجربة ملهمة على «نتفليكس»
جونا هيل ومعالجه النفسي فيل ستوتز: لا إعفاء من الألم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة