أوكرانيا في مفترق طرق: هل يتراجع الغرب بعد خيرسون؟

خيرسون
خيرسون
TT

أوكرانيا في مفترق طرق: هل يتراجع الغرب بعد خيرسون؟

خيرسون
خيرسون

يرى لاشا تشنتوريدزي، أستاذ ومدير برامج الدراسات العليا في الدبلوماسية والعلاقات الدولية بجامعة نورويتش الأميركية، أن تحرير خيرسون يمثل نجاحاً كبيراً آخر لنضال الشعب الأوكراني ضد القوات الروسية. ويعتبر الانسحاب الروسي من خيرسون أبرز انتكاسة لموسكو منذ هزيمتها في خاركيف. ويقول تشانتوريدزي في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إنه، مع ذلك، قد يتحول انتصار أوكرانيا إلى سلاح ذي حدين، حيث إنه ربما يدفع أهم حليف لها وهو الولايات المتحدة إلى حث كييف على السعي للتوصل إلى تسوية دبلوماسية مع موسكو. وهذا الخيار قد يبدو معقولاً، ومنطقياً، وإنسانياً من وجهة نظر واشنطن، ولكن على المدى الطويل لن يبدد التهديدات الأمنية لأوكرانيا وأوروبا.
ويضيف تشانتوريدزي أن تجميد الحرب في أوكرانيا ربما يفيد روسيا والغرب، ولكنه لن يحل المشكلات التي أسفرت عنها هذه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وروسيا والغرب. وتتمثل أكبر مشكلة للجيش الأوكراني بعد خيرسون في القيام بعمليات برية في شتاء يتسم بالجمود. وسيكون اجتياح نهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا غير ممكن حيث إنه سوف يسفر عن خسائر غير مقبولة. والخيار الوحيد للعمليات الهجومية بالنسبة للجيش الأوكراني أو الروسي هو في منطقة دونيتسك.
وعلى أي حال، سوف يؤدي الشتاء إلى تعقيد الجهود الهجومية من خلال اختبار قدرة تحمل الأفراد والمعدات. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الزيادات في تكاليف المعيشة وأي أزمة في إمدادات الطاقة إلى نفاد صبر الحلفاء الأوروبيين. فسوف تواصل موسكو استغلال حالات الغموض والقلق المحيطة بالحرب بالتلويح من حين لآخر بالأسلحة النووية والـ«قنابل القذرة». وسوف تواصل كييف مهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي بأسطولها الجديد من الزوارق غير المأهولة. وتعتبر خسارة سفن رئيسية من أسطول البحر الأسود انتكاسة لروسيا أكبر من انسحابها من خيرسون.
ولا شك أن تجميد الحرب بعد خيرسون يحمل في طياته بعض المكاسب الملموسة بالنسبة لموسكو، خصوصاً إذا ما تم التوصل لهدنة وفق«الحقائق الجديدة». ومن الممكن أن يزعم الكرملين تحقيق انتصار، عبر بالإصرار على أنه استرد من أوكرانيا قدراً كبيراً من «الأراضي التاريخية» الروسية.
وسوف يضمن الجسر البري من روسيا إلى شبه جزيرة القرم الأمن طويل المدى للقرم ولأسطول البحر الأسود. ومن الممكن أن تستغل موسكو فترة توقف الحرب لعدة سنوات من أجل إعادة هيكلة قواتها البرية ومهاجمة أوكرانيا مرة أخرى عندما يكون قد تمت إعادة بناء الجيش الروسي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أي توقف في الحرب سوف يساعد موسكو على تعزيز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها لكي تكون أفضل استعداداً للقيام بـ«عملية عسكرية خاصة» في المستقبل.
وسوف تبذل موسكو ما بوسعها لتغيير وضعها في الحرب، بما في ذلك تنفيذ نسختها من تدابير «فرض السلام». ويعتبر تهديد الغرب بالأسلحة النووية والقنابل القذرة، ومهاجمة دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عرضياً بالصواريخ أو المسيرات، مؤشرات لمثل هذه التدابير.
ومن ناحية أخرى، سوف تخسر أوكرانيا إذا وافقت على تجميد الحرب وتركت القوات الروسية تعزز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها. ومن المؤكد أن السلام سوف يحقق مكاسب من خلال إزالة الضغط من فوق كاهل حلفاء كييف الغربيين، والشعب الأوكراني. وبعد ذلك، سوف يكون من المستحيل على كييف استعادة أراضيها المسلوبة. وفي الوقت نفسه، سوف يتعين على القوات الأوكرانية الاحتفاظ بحالة استعداد دائمة لمواجهة أي هجمات روسية جديدة. كما أن كييف تخشى فقدان الدعم الغربي لقضيتها.
ويرى تشانتوريدزي أن موسكو باستغلالها عقودها السخية لإمداد الدول بالطاقة، سوف تجدد حملتها الساحرة في العواصم الأوروبية والبحث عن حلفاء محتملين هناك كما فعلت من قبل. وأكبر خوف لدى كييف يتمثل في احتمال أن يفوز بالرئاسة الأميركية بعد عامين شخص لديه استعداد للتعامل مع الروس. فالدول الكبرى غالباً ما تساوم وتتعامل كل منها مع الأخرى، وأدوات تجارتها هي المصالح القومية للدول الأصغر. ولا يريد القادة الأوكرانيون المتاجرة بمصالح بلادهم.
ويدرك واضعو السياسات في البيت الأبيض ووزارة الخارجية أنه لا يمكن تسوية أي شيء بشكل حاسم عن طريق هدنة بين روسيا وأوكرانيا. وسوف يتم تمرير المشكلة للإدارة المقبلة، أو حتى للإدارة بعد المقبلة. وحتى إذا كان من الممكن تحقيق سلام طويل المدى بين أوكرانيا وروسيا، فإن لدى روسيا عدة صراعات مجمدة يمكنها أن تبدأها من جديد إذا شعرت بالثقة بأن الجيش الروسي قادر على الانتصار فيها، أو أنها يمكنها تحقيق مزايا جانبية، في مولدوفا وجورجيا على سبيل المثال. وقد تحول موسكو اهتمامها نحو كاراباخ، لتبدأ تحسين الوضع المتراجع لحليفتها أرمينيا. كما تشعر المعارضة في بيلاروس بقلق بالغ من أنه حال التوصل إلى هدنة في أوكرانيا، قد تتجه روسيا شمالاً وتضم دولتهم بكل بساطة.
وتتمتع روسيا بالفعل بتواجد عسكري كبير في بيلاروس ويعتبر رئيسها المضطرب والذي لا يمكن التكهن بتصرفاته، في جيب موسكو. ولا شيء يمنع موسكو من اختلاق صراعات جديدة، خصوصاً إذا رأى الكرملين أنها يمكن أن تلحق الضرر بالمصالح الغربية. ومن وجهة النظر السياسية، فإن هزيمة روسيا تماماً في أوكرانيا هي خيار أفضل كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة، حتى لا تستطيع شن حرب أخرى مماثلة طوال جيل على الأقل.
ويقول تشانتوريدزي إنه على أي حال، هناك أسباب أخرى وراء احتمال رغبة واشنطن في تحقيق السلام، إذ إن تهديدات روسيا المتكررة باستخدام الأسلحة النووية تعزز هذا الاتجاه. وإذا ما توصلت أوكرانيا وروسيا إلى تسوية، حتى لو لسنوات قليلة، فإن ذلك سوف يزيل التهديد الفوري بحرب نووية بين الناتو وروسيا. ومن المؤسف أن ما يعرف بالثالوث النووي الأميركي، والمفروض أنه يوفر أفضل مستوى لردع الهجوم، فشل في تحقيق مهمته.
وعندما ينجح الردع، ليس من المعقول أن يتحدث الأعداء عن استخدام أسلحة نووية لتحقيق أهداف الحرب. وجميع الإدارات الأميركية بعد الحرب الباردة لم توفر التمويل الكافي للترسانة النووية الأميركية، بل وأهملتها – وتم عمل القليل للغاية لتطوير رؤوس حربية جديدة أو أنظمة إيصالها.
وخلال السنوات الأخيرة، تم التعبير عن المشاعر المتعلقة بالتخلص من الأسلحة النووية أو إلغاء الناتو حتى على أعلى مستويات الحكومة الأميركية. وفي الوقت نفسه، استثمرت روسيا في مجموعة واسعة النطاق من الرؤوس الحربية وأنظمة الإيصال، وأوضحت بصوت مرتفع استعدادها لاختبارها. ويختتم تشانتوريدزي تحليله بأن ذلك هو سبب أن المسؤولين في واشنطن الذين يعرفون ما هو على المحك يريدون انتصار الدبلوماسية؛ حتى يتوافر للولايات المتحدة الوقت لإعادة النظر في وضعها الاستراتيجي وإجراء التعديلات اللازمة.


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟