- {جزيرة الغفران}
- إخراج: رضا الباهي
- تونس (دراما) - 2022
- ★★★★
في زمن مضى، يطرح فيلم رضا الباهي الجديد «جزيرة الغفران» القول، كانت تونس مثالاً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود. لا داعي لدى الباهي ليقدّم خطاباً وطنياً في هذا الصدد، بل يختار حكاية كتبها بوحي من بعض الوقائع التي سمعها من أبيه وهو صغير.
هناك في جزيرة جربة تعيش عائلة إيطالية نزحت إلى تونس في زمن الاحتلال الفرنسي. عاشت هناك منذ عقود وتألّفت من الأب والصبي وشقيقته الأكبر ومن الزوجة ومن شقيقتها.
لا يبدأ الفيلم بهذا التعريف بل يختار سبيلاً مغايراً. الصبي الذي كان تعود الصيد في مركب والده. يبدأ الفيلم بسماء صافية وأفق عريض وأصوات طبيعة ساكنة. بذلك لا يعلن فقط عن هدوء إيقاع الحياة فقط، بل عن المعالجة التي يختارها الباهي لفيلمه.
ذات يوم، يغوص الأب في البحر ولا يصعد. يصرخ الصبي برجال مركب قريب فيهب أحدهم للبحث عن الأب. سننتقل من هنا إلى الأب وهو في المستشفى. يبدو الآن أكبر سناً مما كان عليه وأوهن جسداً. يجول الفيلم بين أفراد العائلة. يصوّر كيف تعيش، وعن ماذا تتحدث، وعلاقات بعضه أفرادها بتونسيين قريبين. هذا يحدث من وجهة نظر الصبي لكن ليس على أساس التزام الكاميرا بوجهة النظر تقنياً. هي ليست عيني الصبي الذي يتذكر، بل حكايته كلها.
بعد حين، سيصل شقيق الزوج وسيعين نفسه ولياً على المنزل. إيطالي الهوى والشكل والهوية. ولديه حب قديم لزوجة شقيقه يحاول إضرام النار فيه. لكن الهم الرئيسي الذي يشغل باله هو رغبته في بيع المنزل ومحيطه إلى مستثمرين إيطاليين. في مشهد دال وموجز، نراه يشير بأصبعه صوب حدود العقار بينما ينظر إليه أهل البيت دون ارتياح. عندما يشرح لهم أنه اتفق مع المستثمرين على البيع وقبض منهم عربوناً، يستنكرون ما قام به. هم من عالم مختلف عن عالمه ويعيشون في سعادة الأجواء الاجتماعية والبيئية.
نقلة غير ممهّدة جيداً تنقلنا، على نحو مفاجئ، إلى مرحلة متقدّمة من الأحداث. الصبي بدأ يستمع ويقتنع بتعاليم رفاق المدرسة المسلمين. بات لا يريد أكل الخنزير ويرغب في أن تُجرى له عملية تطهير. هذا يثير والدته قبل أن تقف العائلة على تطوّر آخر. لقد استجاب الأب لدعوى قادها إمام الجزيرة لكي يعتنق الإسلام. لا من قناعة وإدراك، بل كما لو كان هناك شيء بديل سيساعده على فهم أفضل لمحيطه. تم منحه اسماً إسلامياً وتم إهداؤه القرآن الكريم باللغة الإيطالية ويريدون منه أن يؤم المسجد للاحتفاء بإسلامه.
لكن الرجل لم يسلم بعد ولا يعرف أين هو تماماً في هذا الشأن.
خلال ذلك حاول شقيقه انتزاع موافقة الكنيسة على التخلي عن الأرض عندما اكتشف أن عائلته لا تملك حق التصرّف بها ثم جلس ينتظر نتيجة ما قام به من عقاب.
«جزيرة الغفران» يحمل نسيماً محبباً يغطّي أعنف لحظاته. هو فيلم هادئ النبرة والإيقاع ربما لأكثر مما يجب. جزء من اختيار المخرج لهذا الهدوء يعود إلى مرحلته الحالية التي يشعر فيها بأنه بات في سن يتيح له أن يسرد الحكايات على نحو أقل حدّة مما كان الحال عليه في أفلامه السابقة. يسكب في الفيلم إيقاع حياته هو، لكنه في الوقت ذاته يخلق جماليات ممتعة في الصورة. هذا فيلم ممتع للنظر إليه. سهل التناول وتبيان مواقفه وقراءة شخصيات.
لكن هذا التناول يفضي إلى أن المواقف الحادّة كدوافع ونتائج مُعالجة من دون حدّة مماثلة. كما أن انتقاله، توليفياً، من نقطة مُثارة إلى أخرى إياباً وذهاباً يضيع شيئاً من ضرورة ترتيب أوليات الفيلم بعض الشيء. نحن بدايةً أمام حكاية الأب ثم أمام شقيقه المافياوي، ثم بعد ذلك في خضم موضوع الجماعات الإسلامية التي في رغبتها القيام بالدعوة إلى الدين الحنيف اعتدت على خصوصية المسيحيين المتمثلين في تلك العائلة.
لكن المقصود بالفعل يستحق التقدير. على مستوى تصوير الحياة السابقة وعلى صعيد تحوّل العيش إلى مشكلة بسبب الشقيق مرّة وبسبب الدعوات الإسلامية التي مارست الضغط الناعم (لكنه ضغط على أي حال) تفقد العائلة رغبتها وسلامة حياتها وتتحول الجزيرة من نموذج للتعايش إلى فقدان ذلك التعايش
كل الممثلين جيدين، من علي بنعامر إلى كاتيا غريغو وبديس باهي (ابن المخرج) إلى كلوديا كاردينالي (ولو في مواقع دون أخرى وبلقطات رد فعل غالباً).
ما ينتج عن الفيلم رغم هذه الملاحظات، فيلم نوستالجي معالج برقة وحنيّة ويوجه رسالة معادية للتطرف وللفصل بي الأديان بحجة جمعها تحت مظلّة واحدة.
ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
جيد جدا ★★★★ ممتاز ★★★★★