إبداعات شيخ الخطاطين المصريين خضير البورسعيدي في قاعة بيكاسو

معرض «الخط حياتي» يجمع انسيابية الحروف وتوالدها متناغمة مع زخارف وتشكيلات هندسية

من أحدث أعمال الفنان البورسعيدي  -  لوحة أخرى من أعماله
من أحدث أعمال الفنان البورسعيدي - لوحة أخرى من أعماله
TT

إبداعات شيخ الخطاطين المصريين خضير البورسعيدي في قاعة بيكاسو

من أحدث أعمال الفنان البورسعيدي  -  لوحة أخرى من أعماله
من أحدث أعمال الفنان البورسعيدي - لوحة أخرى من أعماله

تحتضن قاعة بيكاسو بالزمالك معرضا للخط العربي بعنوان «الخط حياتي» للفنان خضير البورسعيدي، أحد أبرز الخطاطين في العالم الإسلامي. افتتح المعرض د. حسام بدراوي، وعدد كبير من الفنانين التشكيليين والمهتمين باقتناء لوحات الفنان المتميز. ويستمر المعرض حتى 16 يوليو (تموز) الحالي.
وكعادته يطل نقيب الخطاطين المصريين بأعماله المستوحاة من التراث الإسلامي في شهر رمضان من كل عام بغاليري بيكاسو، بمجموعة لوحات تنتمي إلى كلاسيكيات فن الخط العربي ومجموعة أخرى تمثل تيار الحداثة والابتكار يضفي فيها لمسة إبداعية جديدة تُضاف لديوان الخط العربي. جسدت اللوحات انسيابية الخط العربي وجمالياته وفخامته، وترجمت الأعمال المعروضة رؤية خضير البورسعيدي لجماليات الحروف العربية.
التجول بين لوحات المعرض يؤكد للمتلقي أن الخط العربي فن حيوي متجدد لا تخفت جمالياته أبدا بمرور العصور. ويعكس اسم المعرض محتوى اللوحات التي حرص البورسعيدي على أن تشتمل على جملة من التكوينات والتصميمات التي يتميز بها فن الخط العربي، والمفعمة بأشكال من الرؤى المبتكرة، تعكس علاقته المتفردة بفن الخط العربي وتفاعله مع الحروف، حيث برز فيها فهم الفنان لشخصية كل حرف وإتقانه لمكامن الجمال فيه.
ينتظر عشاق الخط العربي المعرض السنوي للفنان خضير البورسعيدي نظرا لأنه يمثل مدرسة بصرية قديمة وتقليدية هي «توالد الحروف» التي أخرجها من بعدها التعليمي، متمردا على قواعدها صائغا بعدا جديدا يحسب له، يعتمد على تداخل حركات الحروف المختلفة في تناغم فريد، مستغلا الطاقات المنبعثة من كل حرف فيمنحه حرية التمدد والاستطالة محتفظا في الوقت ذاته بأبعاده وقياساته التقليدية.
يؤمن البورسعيدي طوال مشواره الفني الممتد لأكثر من 50 عاما بأن هناك حروفا جامحة وأخرى مسالمة، فاستطاع وبقدرة الفنان أن يروضها جميعا لتصبح طوع بنانه، وما بين خطه لآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والأمثال والأقوال العربية المأثورة يحافظ الفنان على أسلوبه متلاعبا بالنسب والفراغات بين الحروف والكلمات في تناغم بصري بديع، مطعما لوحاته بوحدات زخرفية تبرز جمال وبهاء اللوحة. ويحرص البورسعيدي على تضافر التشكيلات الهندسية الإسلامية مع انسيابية الحروف لتحقيق الجمال الفني النسبي المبني على الأسس والاشتراطات الكلاسيكية، وجودة العلاقة بين الحروف، والمقاييس والنسب التكوينية، والعـلاقات اللونية، وكفاءة تكامل التشكيلات.
ويعد الفنان خضير البورسعيدي صاحب إنتاج إبداعي متميز في وقت وقف الخط العربي فيه عند طريقين: الأول الاتجاه الكلاسيكي التقليدي، والثاني هو الاتجاه الحروفي، فكانت الميزة الأساسية في أعماله هي فهمه وتعامله مع معالم النجاح في الطريقة الحروفية وإكسابها رونق الطريقة الكلاسيكية للخط العربي، فكان البعد التكويني للوحة الخط العربي وسهولة إدراك العين لها.
بدأ البورسعيدي فن الخط وعمره 10 أعوام، ودرس الخط العربي على يد كبار الخطاطين المصريين: محمد حسني وسيد إبراهيم ومحمد عبده. وشارك في كتابة آخر كسوة للكعبة أرسلتها مصر للسعودية عام 1962. وكتبها في السعودية بمفرده عام 1982، كما قام بكتابه المصحف الشريف كاملا 7 مرات.
وبلغ عدد اللوحات التي أبدعها البورسعيدي في مشوار حياته ما يزيد على 5000 لوحة خطية، وتميزت أعماله بطابع تلقائي وتجديدي. حصل البورسعيدي على عدد كبير من الجوائز، منها: جائزة الكوفة التقديرية في الخط العربي عام 1995، والوسام الذهبي لمهرجان كاظمة العالمي بالكويت عام 1996. وجائزة الصين في الفن الإسلامي عام 1996، ويحضر معارضه كثير من الشخصيات العامة والشهيرة، فزاره مثلا في متحفه الخاص بالحسين الرئيس مأمون عبد القيوم، رئيس دولة المالديف.
وأقام البورسعيدي أكثر من 80 معرضا خاصا في مصر، من أشهرها معرضه الرمضاني بقاعة بيكاسو، وله معرض دائم بمتحفه الخاص بالحسين، كما أقام الكثير من المعارض الدولية في دبي، والشارقة، والكويت، والرياض، وبغداد، والبحرين، والجزائر، وفرنسا، وبلغاريا، وفرانكفورت، وروما، ولوس أنجلوس، كما اقتنت الكثير من المتاحف الفنية والمؤسسات والشخصيات الدولية لوحاته، ومنها: متحف لاهور بباكستان، وكلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، ودار الأوبرا المصرية، ومتحف الشارقة، ووزارة الأوقاف الكويتية، والأكاديمية المصرية للفنون بروما، وسلطان بروناي، ورئيس دولة المالديف وغيرهم.
وتم تكريم البورسعيدي في عدد كبير من الفعاليات، حيث كرمته دار الأوبرا المصرية في مهرجان الموسيقى العربية السادس عام 1997. وكرمته وزارة الثقافة في مهرجان الخط العربي عام 2000 بقصر الفنون وعين قومسيرا له، كما كرمته محافظات أسيوط والسويس والغربية بمصر إضافة إلى جامعة أسيوط.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».