«الدرون» تكثف طلعاتها في سماء المكلا

تنظيم القاعدة يواصل هيكلة مؤسساته لإدارة المدينة

عناصر من تنظيم {القاعدة في اليمن} في أحد شوارع المكلا أمس («الشرق الأوسط»)
عناصر من تنظيم {القاعدة في اليمن} في أحد شوارع المكلا أمس («الشرق الأوسط»)
TT

«الدرون» تكثف طلعاتها في سماء المكلا

عناصر من تنظيم {القاعدة في اليمن} في أحد شوارع المكلا أمس («الشرق الأوسط»)
عناصر من تنظيم {القاعدة في اليمن} في أحد شوارع المكلا أمس («الشرق الأوسط»)

كثفت الطائرات من دون طيار «درون» طلعاتها على مدينة المكلا جنوب اليمن، والتي تستهدف في طلعاتها عناصر تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب وقياداته، بعد أن أصبحت مدينة المكلا منذ 2 أبريل (نيسان) الماضي إمارة إسلامية غير معلنة، وتجمع فيها قيادات التنظيم من عدة جنسيات هم وعائلاتهم، وقتل على أثر تلك الطلعات أكثر من 20 عنصرا من التنظيم، من بينهم قياديون، كان أبرزهم أبو بصير ناصر الوحيشي زعيم التنظيم في شبة الجزيرة العربية، والذي تولى القيادة خلفًا له أبو هريرة قاسم الريمي الذي يوجد هو الآخر بالمدينة، إضافة إلى آخرين.
كما استطاعت «الدرون» صباح أمس الجمعة قتل 4 أفراد من عناصر التنظيم كانوا بالقرب من أحد معسكرات التدريب التابعة للتنظيم، والتي يقومون فيها بتدريب مئات المجندين الجدد في التنظيم، ليتم توزيعهم بعد ذلك على دفعات بعدة جبهات، منها جبهة شبوة غرب مدينة المكلا، وفيها ثاني أكبر وجود بعد محافظة حضرموت لعناصر «القاعدة»، كما عمل التنظيم على نقل بعض معسكرات التدريب، بعد استهدافها بواسطة «الدرون» خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب تراجع بعض المتدربين فيها عن استكمال تدريباتهم.
وكان التنظيم قد أعدم اثنين من عناصره المتهمين بالتخابر لأميركا وجهات أخرى خارج التنظيم. وقال التنظيم في بيانه الذي تمت قراءته قبيل الإعدام أن مساعد صالح محمد الخويطر المكنى بأبو حسام الخالدي ونائف صلاح الخاضور المكنى بأبو عامر المطيري قد قاموا بزرع شرائح إلكترونية تساعد الطائرات من دون طيار «درون» على إيجاد أهدافها بدقة.
لتنقل الجثتين بعد الإعدام إلى خور المكلا بوسط المدينة عبر موكب من الأطقم العسكرية التابعة للتنظيم، في شكل مشابه لموكب إحضار الخويطر والخاضور لمكان الإعدام، ليتم صلب الجثتين على أكبر جسرين بالمدينة، وسط ذهول المواطنين المارين، في حادث تشهده المدينة لأول مره.
كذلك استحدث التنظيم مؤسسات جديدة تابعة له تعمل على إدارة شؤون المدينة، فقد حول التنظيم المجمع القضائي بالمدينة إلى مركز لإدارة دوريات «الحسبة» التي تُكلف بالبحث عن المخالفين لبعض تعاليم الشريعة الإسلامية، وتنفيذ الحد الشرعي فيهم فورًا. إضافة إلى ذلك فقد حول التنظيم مجمع المؤسسة الاقتصادية اليمنية بوسط المدينة إلى مركز لإدارة أمن مدينة المكلا، والذين ينادون أنفسهم باسم «أبناء حضرموت» وهي أول مؤسسة استحدثها التنظيم بالمكلا فور دخوله في 2 أبريل الماضي.
كما بدأ التنظيم خلال الأيام الأخيرة من سيطرته على المدينة، بسلسلة ممارسات أغضبت الكثير من المواطنين، كان أهمها إعلان التنظيم يوم الجمعة الماضي عن بدء حملة واسعة لهدم الأضرحة والمقامات والقباب والرموز الدينية التي يعود أكثرها لصوفية حضرموت، حيث قام في خطوة استباقية بإغلاق المقابر والأماكن التي تحتوي على تلك الرموز، استعدادًا لبدء حملة الهدم التي حشد لها متطوعين من أفراد التنظيم ومناصريه بالمدينة، مبررًا دعوته لهدم تلك الرموز بأنها تدعو إلى الشرك بالله، من خلال توسل بعض الأشخاص للموتى عبر طقوس خاصة تقام حول تلك الرموز بهدف التقرب إلى لله.
وأكد الناطق باسم الحكومة اليمنية راجح بادي في اتصال مع مراسل «الشرق الأوسط» على متابعة الحكومة اليمنية في الرياض لممارسات «القاعدة» في مدينة المكلا، خصوصًا محاولة إدخالها المدينة في صراع طائفي من خلال التحريض على هدم بعض الرموز التاريخية والدينية للمدينة.
وقال الدكتور رشيد بامخلاه لـ«الشرق الأوسط» وهو رئيس جبهة مستقبل حضرموت وهي إحدى التيارات السياسية الشعبية بمحافظة حضرموت جنوب اليمن، إن على المجتمع الدولي ضرورة التدخل السريع لتخليص مدينة المكلا عاصمة حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة، متهمًا أحد الأحزاب اليمنية بالتواطؤ والانقلاب على السلطة المحلية بالمحافظة، وتسليمها للتنظيم الإرهابي لأغراض سياسية مشتركة بين التنظيم وذلك الحزب السياسي اليمني، والذي يقول بامخلاه إن جل عناصر التنظيم ينتمون سياسيًا لذلك الحزب، كما أن بعض القيادات في ذلك الحزب ظهرت على رأس أحد المكونات الاجتماعية التي ظهرت بعد السقوط، والذي ترعاه «القاعدة»، ليكون أداة طيعة، وماكينة لتذويب عناصر التنظيم ضمن النسيج المجتمعي العام للسكان كما يقول الدكتور بامخلاه.
كذلك طالب الدكتور بامخلاه بمحاسبة جميع المتورطين فيما سماها صفقة تسليم المكلا، بدءًا بمن أعطى أوامره بانسحاب الجيش النظامي، مرورًا بتسليم المقرات والدوائر الحكومية لـ«القاعدة»، وانتهاءً بالمكون الذي أنتجته «القاعدة» والحزب اليمني الداعم لها في حضرموت.
كذلك رفض مدير عام مديرية حجر غرب مدينة المكلا محمد باعلوي جميع الممارسات التي يطبقها تنظيم القاعدة بمدينة المكلا، خاصًا بالذكر ما أعلنته «القاعدة» مؤخرًا من استهدافها للأضرحة والمقامات والقباب التاريخية بالمدينة، في أسلوب مماثل للأساليب التي تمارسها «داعش» بالعراق، وسوريا، وليبيا، واصفًا المجتمع الحضرمي بالخالي من الطائفية، قائلاً: «إن جميع سكان حضرموت من أتباع المذهب الشافعي، وما الصوفية إلا طريقة من طرق التعبد، وحضرموت اشتهرت بالوسطية والاعتدال التي أرست دعائمها المدرسة الصوفية منذ مئات السنين بحضرموت»، مضيفًا «إن لغة القتل والإرهاب، لم يعرفها المجتمع الحضرمي، وما هي إلا نتاج لما صُدر لنا من الخارج، ومن مؤسسي مدارس التشدد والتكفير العالمية»، وطالب باعلوي بمحاسبة كل من ساهم في تسليم مدينة المكلا لأيدي مقاتلي تنظيم القاعدة، وفي مقدمتهم الأحزاب اليمنية التي تتبنى فكر التكفير، ونبذ تعدد الرؤى والأفكار.



الحوثيون يتبنّون أول هجوم مميت باتجاه إسرائيل منذ نوفمبر 2023

طائرة حوثية من دون طيار أُطلقت من مكان غير معروف لمهاجمة السفن في البحر الأحمر (رويترز)
طائرة حوثية من دون طيار أُطلقت من مكان غير معروف لمهاجمة السفن في البحر الأحمر (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون أول هجوم مميت باتجاه إسرائيل منذ نوفمبر 2023

طائرة حوثية من دون طيار أُطلقت من مكان غير معروف لمهاجمة السفن في البحر الأحمر (رويترز)
طائرة حوثية من دون طيار أُطلقت من مكان غير معروف لمهاجمة السفن في البحر الأحمر (رويترز)

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، الجمعة، أول هجوم مميت ضد إسرائيل بطائرة مسيّرة استهدفت تل أبيب وأدت إلى مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين، بالتزامن مع إبلاغ سفينة شحن في خليج عدن عن تعرّضها لهجوم دون إصابات، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عنه.

وتشنّ الجماعة الحوثية منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ إذ تدعي أنها تحاول منع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما تزعم أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلحة.

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

بدا الأمر هذه المرة مختلفاً مع إفاقة السكان في تل أبيب على دوي انفجار المسيّرة التي يرجّح الجيش الإسرائيلي أنها مطوّرة من طائرة «صماد 3» ذات المكونات الإيرانية.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، في بيان متلفز، إن جماعته استهدفت أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة (تل أبيب) بواسطة طائرة مسيّرة جديدة اسمها «يافا»، زاعماً أنها قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية، وأنها حققت أهدافها بنجاح.

وهدّد المتحدث الحوثي بأن تل أبيب ستكون منطقة غير آمنة وستكون هدفاً أساسياً في مرمى جماعته التي ستركز على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مدعياً وجود بنك أهداف عسكرية وأمنية حساسة.

وكانت الجماعة في الأسابيع الماضية تبنّت منفردة ومشتركة مع فصائل عراقية مدعومة من إيران هجمات سابقة ضد سفن في ميناء حيفا وأخرى في البحر المتوسط، دون أن يكون لها أي أثر، وذلك ضمن ما تسميه الجماعة المرحلة الرابعة من التصعيد.

صورة وزّعها الحوثيون لاستهداف إحدى السفن في البحر الأحمر بزورق مسيّر مفخخ (أ.ف.ب)

ومع هذه التطورات يشكك مراقبون يمنيون في قدرة الجماعة الحوثية على تنفيذ هجمات مؤثرة في إسرائيل، ولا يستبعدون أن يكون الهجوم الأخير تم تنفيذه من مناطق أخرى غير يمنية، بتخطيط إيراني، في حين قامت الجماعة بتبنيه لدرء خطر الرد الإسرائيلي على طهران.

ومنذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وجدت الجماعة الحوثية فرصة لتبييض جرائمها ضد اليمنيين ومحاولة التحول لاعباً إقليمياً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، مع الهروب من استحقاقات السلام واستغلال التطورات لتجنيد مئات الآلاف بذريعة الاستعداد لمحاربة إسرائيل بينما أعين قادة الجماعة مصوّبة على بقية المناطق اليمنية المحررة.

حصاد الهجمات والضربات

مع استمرار الهجمات الحوثية ضد السفن، أفادت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية وشركة «أمبري» البريطانية للأمن البحري، الجمعة، بأن سفينة أُصيبت بمقذوفات مجهولة على بُعد 83 ميلاً بحرياً، جنوب شرقي مدينة عدن اليمنية دون إصابات.

وفي بيان متلفز، تبنى المتحدث العسكري الحوثي، يحيى سريع، الهجوم الذي قال إنه استهدف السفينة «لوبيفيا» لعدم التزام الشركة المشغلة لها بالحظر الذي فرضته جماعته على الموانئ الإسرائيلية؛ وهو ما يرفع عدد السفن التي تعرّضت للهجمات إلى 171 سفينة.

وكان الجيش الأميركي أفاد، الخميس، بأن قواته نجحت في تدمير صاروخين أرض - جو وأربع طائرات حوثية من دون طيار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وأوضحت القيادة المركزية الأميركية، في بيان، أن هذه الأسلحة تقرّر أنها تمثل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة وقوات التحالف والسفن التجارية في المنطقة، وقد تم اتخاذ الإجراءات لحماية حرية الملاحة وجعل المياه الدولية أكثر أماناً.

وتبنى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطبته الأسبوعية، الخميس، مهاجمة 170 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بدء التصعيد في نوفمبر الماضي، كما أقرّ بتلقي أكثر من 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، معترفاً بسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، جراء الضربات.

حاملة الطائرات الأميركية «روزفلت» حلّت محل الحاملة «أيزنهاور» للتصدي لهجمات الحوثيين (أ.ب)

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استُهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وأثّرت الهجمات على مصالح أكثر من 55 دولة، وفقاً للجيش الأميركي، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، وهو حجر أساس للاقتصاد العالمي؛ إذ دفعت الهجمات أكثر من 10 شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة.

صورة جوية لسفينة شحن أصابها صاروخ حوثي في خليج عدن وأدى إلى مقتل 3 من بحارتها (الجيش الأميركي)

وتسبّب تصعيد الحوثيين في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.

وتقول الحكومة اليمنية إن الحل ليس في الضربات الغربية الدفاعية ضد الحوثيين وإن الوسيلة الأنجع هي دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وجميع مؤسسات الدولة المختطفة وإنهاء الانقلاب المدعوم إيرانياً.

وفي أحدث تصريحات لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، دعا الجماعة الحوثية إلى «تحكيم العقل والتعاطي الإيجابي مع المساعي الحميدة لإحلال السلام، (...) والتوقف عن المتاجرة المكشوفة بأوجاع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».