زار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس (الاثنين) خيرسون، المدينة الرئيسية في جنوب البلاد التي استعيدت من الروس الأسبوع الماضي، حسبما أفاد مصدر في الرئاسة الأوكرانية وكالة «الصحافة الفرنسية».
وانسحبت القوات الروسية من خيرسون قبل أيام، بعد 8 أشهر من احتلالها، تاركة الطريق مفتوحة أمام الجنود الأوكرانيين لدخول المدينة، الجمعة.
وردد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النشيد الوطني الأوكراني، بينما رُفع علم بلاده في المدينة. وأظهرت صور نشرها مدير مكتب الرئاسة أندريه يرماك الرئيس الأوكراني وهو يردد النشيد الوطني، ويضع يده فوق صدره، بينما رُفع علم أوكرانيا الأزرق والأصفر قرب مبنى الإدارة الرئيسي في وسط خيرسون.
وقال زيلينسكي مخاطباً القوات الواقفة أمام المبنى الإداري في الميدان الرئيسي للمدينة: «إننا نمضي قدماً... نحن مستعدون للسلام، السلام لدولتنا كلها». وخرج الآباء مع أطفالهم إلى الميدان، وكان بعضهم يدفع عربات الأطفال، والبعض الآخر يلوّح بالأعلام الأوكرانية أو يتدثر بها، وفق «رويترز».
وشكر زيلينسكي حلف شمال الأطلسي والحلفاء الآخرين على دعمهم المتواصل في الحرب، وقال إن «إرسال الصواريخ من الولايات المتحدة أحدث فرقاً كبيراً لكييف». وقال زيلينسكي: «أنا سعيد حقاً، ويمكنكم أن تروا ذلك من رد فعل الشعب، فرد فعلهم غير مصطنع».
وقبل دقائق من وصوله، سُمعت أصوات القصف القريبة من مركز خيرسون، وبعدما أنهى خطابه سُمع دوي إطلاق مزيد من قذائف المدفعية في أنحاء المدينة.
وفي موسكو، شدد الكرملين، الاثنين، على أن خيرسون لا تزال جزءاً من روسيا، وذلك بعد زيارة زيلينسكي المدينة الجنوبية التي انسحبت منها قوات موسكو الأسبوع الماضي. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، عن تلك الزيارة: «نترك الأمر من دون تعليق»؛ لكنه أضاف: «تعلمون أن تلك المنطقة جزء من روسيا الاتحادية». وساد الفرح في خيرسون بجنوب أوكرانيا، الأحد، غداة استعادتها، بعد شهور بقيت فيها تحت احتلال القوّات الروسيّة التي اتّهمها الرئيس فولوديمير زيلينسكي بأنّها ارتكبت «فظائع» في هذه المدينة. ويشكو كثير من السكّان من أنّ القوّات الروسيّة التي أنهت إخلاء المدينة، الجمعة، بعد 8 أشهر من وجودها فيها، قد عاثت خراباً في أرجائها.
وشهدت المدينة، الأحد، أجواء من البهجة، إذ رُفِعت فيها الأعلام الأوكرانيّة، وتعانق سكّانها مع جنود كييف، بينما أطلقت السيّارات أبواقها تعبيراً عن الفرح، حسبما أفاد صحافيّو وكالة «الصحافة الفرنسية».
كما شوهدت مركبات عسكريّة مدمّرة ومبانٍ مشوّهة، بينما انتشرت رائحة أخشاب محترقة في هذا الميناء الاستراتيجي المطلّ على البحر الأسود، والذي كانت الحرب لا تزال مستعرة فيه منذ بضعة أيّام.
وقال زيلينسكي مساء الأحد، إنّ القوّات الروسيّة التي كانت تحتلّ جزءاً من خيرسون استعاده الجيش الأوكراني، قد ارتكبت فيه «فظائع» سبق أن اقترفتها في مناطق أوكرانيّة أخرى كانت تحتلّها.
وأضاف: «عُثِر على جثث قتلى، جثث مدنيين وعسكريين. في منطقة خيرسون، ترك الجيش الروسي خلفه الفظائع نفسها (التي ارتكبها) في مناطق أخرى من بلادنا؛ حيث تمكّن من الدخول»، واعداً بـ«العثور على كلّ قاتل، وإحالته للقضاء».
وأشار زيلينسكي أيضاً إلى إحصاء 400 «جريمة حرب» روسيّة، من دون أن يوضح ما إذا كانت تتّصل بمنطقة خيرسون وحدها، أم بغيرها أيضاً.
ومع امتداد طوابير الانتظار خارج مراكز توزيع المساعدات الغذائيّة والطوارئ، كان عدد كبير من البالغين والأطفال يجوبون شوارع خيرسون، ملفوفين بالأعلام الأوكرانيّة الزرقاء والصفراء.
وتجمّع البعض في الساحة الرئيسة بالمدينة، من أجل التواصل مع أقاربهم من خلال خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية «Starlink» المملوكة لإيلون ماسك، رئيس «تيسلا» و«تويتر».
وقال سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أولكسي دانيلوف، الاثنين، إن الجنود الروس الذين لم يتمكنوا من الانسحاب من منطقة خيرسون مع وحداتهم، ارتدوا ملابس مدنية، في محاولة للتهرب من الاعتقال والمحاسبة على جرائم الحرب. وذكرت وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية «يوكرينفورم»، أن دانيلوف قال في تصريحات للتلفزيون الوطني: «في الواقع، يرتدي جزء معين (من العسكريين الروس) ملابس مدنية للاختباء وتجنب المحاسبة».
وفي الوقت ذاته، قال دانيلوف إن جهاز الأمن والجيش الأوكرانيين يقومان بعمليات التفتيش اللازمة في المنطقة، بما في ذلك عند حواجز الطرق. وأضاف أن مسؤولي جهاز الأمن تفاخروا بالفعل، خلال اجتماع ترأسه الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أمس، ببعض الاعتقالات.
وقالت القيادة العسكرية الأوكرانية في جنوب البلاد، إنها استعادت مؤخراً في المجمل 179 بلدة. وذكرت وكالة «يونيان» الأوكرانية للأنباء، الأحد، نقلاً عن الجيش هناك، أنه تم تحرير مساحة تبلغ نحو 4500 كيلومتر مربع، شمال غربي نهر دنيبرو في الأيام القليلة الماضية. وفي إطار الهجمات المضادة الأوكرانية الناجحة، انسحب الروس من عاصمة خيرسون ومواقع أخرى على الضفة الغربية لنهر دنيبرو الأسبوع الماضي.
ويعتبر مراقبون دوليون ذلك واحداً من أكبر الانتكاسات للجيش الروسي في الحرب الجارية منذ أكثر من 8 أشهر ونصف شهر، حسب وكالة الأنباء الألمانية.
إنسانياً، وصلت أول قافلة إنسانية أممية للمواطنين في مدينة خيرسون الأوكرانية بعد تحريرها. وجاء في بيان من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن القافلة تحمل أغذية ومياهاً للشرب ومنتجات نظافة وأواني للمطبخ، بالإضافة إلى أسرة وأغطية ومصابيح شمسية.
وقد تم تزويد أكثر من 6000 شخص بالمساعدات. كما تلقى مستشفى أدوية ومواد لعلاج أكثر من ألف مريض. ووفقاً لمصادر أوكرانية، ما زال هناك نحو 80 ألف شخص من إجمالي السكان البالغ عددهم 280 ألف شخص يوجدون في المدينة.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإن المياه والكهرباء نادرتان في خيرسون، كما تفتقر الأسواق للطعام، كما لا تمتلك المستشفيات والأطباء الأدوية الكافية. ومن المقرر تسيير مزيد من القوافل خلال الأيام القليلة المقبلة.