أزمة المهاجرين تضع العلاقات بين فرنسا وإيطاليا على أبواب القطيعة

مهاجرون تجمعوا لوداع زميل لهم قضى بعدما دهسته سيارة في مدينة فينتيميليا الإيطالية قرب الحدود الفرنسية (أ.ب)
مهاجرون تجمعوا لوداع زميل لهم قضى بعدما دهسته سيارة في مدينة فينتيميليا الإيطالية قرب الحدود الفرنسية (أ.ب)
TT

أزمة المهاجرين تضع العلاقات بين فرنسا وإيطاليا على أبواب القطيعة

مهاجرون تجمعوا لوداع زميل لهم قضى بعدما دهسته سيارة في مدينة فينتيميليا الإيطالية قرب الحدود الفرنسية (أ.ب)
مهاجرون تجمعوا لوداع زميل لهم قضى بعدما دهسته سيارة في مدينة فينتيميليا الإيطالية قرب الحدود الفرنسية (أ.ب)

بعد أيام من التراشق بالتصريحات السياسية القاسية والمناوشات الدبلوماسية المبطنة بالتهديدات بين باريس وروما، والتي توجها «الإنذار» الذي صدر مساء الأحد عن الناطق بلسان الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران عندما قال: «نريد تذكير إيطاليا بالتزاماتها، وفي حال رفضت التقيد بها، علينا أن نفكر بأي تدابير مفيدة»، وقبل ساعات قليلة من انعقاد المجلس الأوروبي لوزراء الخارجية في بروكسل، أجرى رئيس الجمهورية الإيطالية سرجيو ماتاريلا اتصالاً هاتفياً مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تناول الأزمة الناشبة بين البلدين حول موضوع المهاجرين، والتي تهدد بتدهور العلاقات الثنائية إلى مستوى يخشى أن يؤدي إلى عزل إيطاليا عن محيطها الأوروبي وانجرافها نحو المعسكر المتطرف الذي تقوده المجر وبولندا.
وجاء في البيان المشترك الذي صدر أمس الاثنين عن الرئاسة الإيطالية والإليزيه أن ماتاريلا وماكرون «شددا على توفير الظروف التي من شأنها تفعيل التعاون الكامل بين البلدين على كل المستويات الثنائية والأوروبية»، لكن من غير الإشارة إلى أزمة المهاجرين أو الدخول في تفاصيل استئناف التعاون أو الأسباب التي أدت إلى انفجار الأزمة. لكن رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي إيناسيو دي لا روسا، الذي يمثل التيار المتشدد داخل حزب إخوان إيطاليا الذي تتزعمه رئيسة الحكومة جيورجيا ميلوني، سارع إلى القول بضرورة دعم موقف الحكومة، بينما كان زعيم الرابطة ماتيو سالفيني الذي يشغل منصب نائب رئيس الحكومة يؤكد أن إيطاليا مستعدة للذهاب حتى النهاية في المواجهة مع فرنسا.
في غضون ذلك، وقبيل افتتاح أعمال المجلس الأوروبي لوزراء الخارجية أمس في بروكسل، قالت الناطقة بلسان المفوضية آنيتا هايبر في الإحاطة اليومية مع وسائل الإعلام: «لا نميز بين السفن التابعة للمنظمات غير الحكومية وغيرها، وثمة واجب قانوني واضح لا يقبل اللبس بأن الأولوية هي لإنقاذ أرواح البشر، بغض النظر عن الظروف التي تكون قد أدت بهم إلى حالة الطوارئ». وأضافت أن إيطاليا، حتى الآن، هي المستفيد الأول من اتفاق التعاون الأوروبي حول توزيع المهاجرين غير الشرعيين.
وكانت الحكومة الفرنسية التي وصفت إيطاليا بأنها «الخاسر الأكبر» في هذه الأزمة، قد أعلنت بلسان وزير الداخلية أن الانفراج في العلاقات الثنائية مشروط باحترام روما أحكام قانون البحار، وبنود الاتفاق الأوروبي لتوزيع المهاجرين غير الشرعيين الذي وقعته دول الاتحاد المتوسطية في يونيو (حزيران) الفائت، ثم انضمت إليه بقية البلدان الأعضاء. وأوضحت باريس أنه في حال رفضت حكومة ميلوني التقيد بهذا الاتفاق، فإن فرنسا مستعدة لنقضه.
ويعول المسؤولون الأوروبيون الذين يديرون مساعي التهدئة بين باريس وروما، ومنع ارتدادات الأزمة من تعميق الخلاف الذي بدا واضحاً أمس في مجلس وزراء الخارجية، على العلاقات الوطيدة التي تربط رئيس الجمهورية الإيطالية بنظيره الفرنسي الذي التزم الصمت حيال هذه الأزمة، تاركاً لمساعديه التلميح إلى أنه يعتبر موقف ميلوني محكوماً بالانقسام داخل الحكومة الإيطالية بين الخط المعتدل المنفتح على الحوار بقيادة وزير الشؤون الأوروبية رافايلي فيتو الذي يواصل التواصل مع نظيرته الفرنسية، وزعيم الرابطة ماتيو سالفيني الذي يقود الحملة ضد المهاجرين منذ سنوات، ويرى فيه كثيرون الوزير الفعلي للداخلية في الحكومة الإيطالية.
وفيما ألمحت أوساط مقربة من رئاسة الجمهورية الإيطالية إلى أن ماتاريلا اقترح على ماكرون ترتيب لقاء مع ميلوني على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي، قالت مصادر دبلوماسية فرنسية إن مثل هذا اللقاء الذي ليس مدرجاً على جدول أعمال ماكرون، مشروط بنتائج المحادثات بين وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني ووزيرة الشؤون الأوروبية لورانس بون التي ستنوب عن وزيرة الخارجية كاثرين كولونا التي سبق لها أن كانت سفيرة لفرنسا في روما.
ولا يخفي المسؤولون الأوروبيون في بروكسل «ارتياحهم» للتشدد الذي تبديه باريس في هذه المواجهة الأولى مع الحكومة الإيطالية الجديدة حول هذا الملف الشائك الذي تتضارب مواقف الدول الأعضاء بشأنه منذ سنوات، والذي يشكل الرافعة الأساسية للقوى اليمينية المتطرفة والمناهضة للمشروع الأوروبي. وهم يخشون من أن يؤدي فرض الخط الإيطالي المتشدد في ملف الهجرة إلى تداعيات على الملفات الأخرى، وأن يفتح شهية بعض الدول الأعضاء على الاقتداء به.
وكان الناطق بلسان الحكومة الفرنسية قد أوضح أمس أن باريس تريد جواباً واضحاً من روما حول ما إذا كانت أزمة سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» مجرد حادث عرضي، أو أنها تستهدف إعادة النظر بالقواعد الأوروبية المشتركة، الأمر الذي يستدعي اتخاذ تدابير أخرى. وطلب فيران من المفوضية الأوروبية أن تتحرك بسرعة في حال عدم التزام إيطاليا احترام القواعد المتفق عليها، فيما تحدثت مصادر دبلوماسية فرنسية عن احتمال اللجوء إلى المطالبة بإصدار بيان أوروبي استناداً إلى المادة الثانية من المعاهدة التأسيسية للاتحاد التي تنص على أن أوروبا تقوم على مبدأ احترام كرامة الإنسان. وأبلغت باريس المفوضية أنها لا ترى فائدة من عقد المجلس الاستثنائي لوزراء الداخلية نهاية هذا الشهر قبل توضيح الموقف من احترام جميع الأطراف لبنود الاتفاق التضامني حول رسو سفن الإنقاذ في أقرب الموانئ الآمنة وتوزيع المهاجرين غير الشرعيين.
ويعود هذا التصلب في الموقف الفرنسي، وإصرار باريس على الإسراع في بت الموضوع على الصعيد الأوروبي، إلى الخشية من تكرار مثل هذه الأزمة قريباً في الوقت الذي تتعرض الحكومة لسهام اليمين المتطرف في البرلمان حول ملف سياسة الهجرة. وكانت بعض المصادر الفرنسية قد أشارت إلى أن باريس على استعداد لممارسة حق النقض لمنع التوصل إلى اتفاق أوروبي حول تحديد سقف لسعر الغاز الذي يعتبر مطلباً حيوياً بالنسبة لإيطاليا في هذه المرحلة.
في غضون ذلك، تسعى ميلوني إلى الحصول على «غطاء» أميركي للتوسط مع باريس من أجل حلحلة الأزمة مقابل التأكيد لواشنطن في اللقاء الذي سيجمعها غداً الأربعاء مع جو بايدن في بالي، على استعدادها مواصلة الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا، والإبقاء على العقوبات ضد موسكو إلى متى شاءت الإدارة الأميركية، والوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهة التحدي الصيني.


مقالات ذات صلة

«الوحدة» الليبية تطلق حملة لترحيل «المهاجرين»

شمال افريقيا رصد تقرير للمنظمة الدولية للهجرة وجود أكثر من 700 ألف مهاجر غير نظامي في ليبيا (إ.ب.أ)

«الوحدة» الليبية تطلق حملة لترحيل «المهاجرين»

قالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة إنها ستطلق حملة لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم، تبدأ من العاصمة طرابلس لتتوسع لاحقاً وتشمل باقي المدن الليبية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون أفارقة تم اعتراض قاربهم من خفر السواحل التونسي (أرشيفية - رويترز)

مصرع 12 مهاجراً تونسياً وإنقاذ 29 آخرين إثر غرق مركب قبالة سواحل جربة

قضى وفُقد أكثر من 1300 مهاجر عام 2023 في غرق قوارب قبالة الساحل التونسي

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون أفارقة تم اعتراض قاربهم من خفر السواحل التونسي (رويترز)

سواحل تونس تلفظ 13 جثة متحللة لمهاجرين غرقى

أفاد مسؤول قضائي تونسي، اليوم (الأربعاء)، بأن 13 جثة لمهاجرين غرقى ينحدرون من دول أفريقيا جنوب الصحراء لفظتها سواحل ولاية المهدية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون غير شرعيين يقيمون بإحدى الغابات الواقعة خارج صفاقس (د.ب.أ)

«الأوروبي» يطالب تونس بالتحقيق في تعرُّض مهاجرين للعنف

طلبت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، من سلطات تونس فتح تحقيق في شهادات تشير إلى تورط عناصر أمن مكلفين بتنفيذ القانون بارتكاب اعتداءات جنسية بحق مهاجرين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أفريقيا أحد سواحل العاصمة السنغالية داكار (أ.ف.ب)

العثور على 30 جثة داخل قارب قبالة سواحل داكار

عثرت البحرية السنغالية، الأحد، على قارب جنح على بعد عشرات الكيلومترات قبالة سواحل داكار وعلى متنه 30 جثة على الأقل، حسبما أعلن الجيش.

«الشرق الأوسط» (داكار)

مجموعة السبع: أي نزاع إقليمي واسع النطاق ليس في مصلحة أحد

القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

مجموعة السبع: أي نزاع إقليمي واسع النطاق ليس في مصلحة أحد

القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)
القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي (أ.ف.ب)

وعدت مجموعة السبع، اليوم (الأربعاء)، بالعمل بشكل مشترك لخفض التوتر في الشرق الأوسط، وقالت إن الحل الدبلوماسي للنزاع الذي يتسع نطاقه «ما زال ممكناً»، معتبرة أن «نزاعاً إقليمياً واسع النطاق ليس في مصلحة أحد».

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، جاء في بيان أصدرته إيطاليا التي تترأس مجموعة السبع حالياً بعد مباحثات هاتفية دعت إليها، أن المجموعة «تكرر التعبير عن قلقها الشديد إزاء تصعيد النزاع في الشرق الأوسط» و«تدين بشدة» الهجوم الإيراني على إسرائيل الثلاثاء.

وأضاف البيان أن المجموعة وبعدما عبّرت عن «قلقها الشديد إزاء التصعيد في الساعات الأخيرة، أكدت مجدداً أن نزاعاً على نطاق إقليمي ليس في مصلحة أحد وأن حلاً دبلوماسيا ما زال ممكناً»، موضحاً أن «القادة قرروا البقاء على اتصال».

وأوضحت فرنسا أن وزير الخارجية جان-نويل بارو حل محل الرئيس إيمانويل ماكرون خلال هذه المباحثات الهاتفية.

أثار إطلاق إيران صواريخ على إسرائيل مساء الثلاثاء دعوات كثيرة من جانب المجتمع الدولي لضبط النفس وندّد به الغرب بشدة.

وفي وقت سابق الأربعاء، دعت إيطاليا «مجلس الأمن الدولي إلى التفكير في تعزيز مهمة قوة اليونيفيل بهدف ضمان الأمن على الحدود بين إسرائيل ولبنان»، كما أعلن مكتب رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في بيان.

وإيطاليا أكبر مساهم غربي في قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) من حيث عدد العناصر مع نحو 900 عسكري.