«بكتيريا متطرفة» لإزالة التلوث النفطي

بحث جديد من «كاوست» يشير إلى إمكانياتها المستقبلية

تحتوي البيئات القاسية في  السعودية مثل فوهة بركان الوعبة على كائنات حية قاسية مفيدة
تحتوي البيئات القاسية في السعودية مثل فوهة بركان الوعبة على كائنات حية قاسية مفيدة
TT

«بكتيريا متطرفة» لإزالة التلوث النفطي

تحتوي البيئات القاسية في  السعودية مثل فوهة بركان الوعبة على كائنات حية قاسية مفيدة
تحتوي البيئات القاسية في السعودية مثل فوهة بركان الوعبة على كائنات حية قاسية مفيدة

في يوم 30 من شهر يناير (كانون الثاني)، عام 2007، جنحت السفينة السياحية النرويجية «إم إس نوردكاب» التي كانت تقل 370 شخصاً، لفترة وجيزة بالقرب من جزيرة ديسبشن التي تقع في أرخبيل جزر شتلاند الجنوبية، في الطرف الشمالي لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).
في ذلك اليوم، نتج عن تلك الحادثة تسرب لزيت الديزل في السفينة بما يقدر بين 130 إلى 200 غالون غطى أكثر من 5 كيلومترات من الساحل. وحينها صرح المعهد القطبي النرويجي بأنه من غير المعروف ما إذا كان التسرب سيكون له أي تأثير على البيئة الهشة.
بعدها، وفي يوم 4 فبراير (شباط) 2007، أفادت «محطة الأبحاث الإسبانية» بأن اختبارات الماء والرمل كانت نظيفة، ولم يجدوا فيها علامات للتلوث بالنفط. وفي يوم 17 من الشهر، صرحت شركة «NVC»، وشركتها الأم، مجموعة «Hurtigruten» بأنه بعد إجراء تحقيق مكثف وتحليل للمنطقة من قبل العديد من السلطات، اختفت جميع آثار التصريف المحدود لزيت الغاز البحري من السفينة الجانحة. وأضافت الشركة أن هذا يتوافق مع حقيقة أن زيت الغاز البحري يتبخر بسهولة ويتحلل بسرعة، مما يساعد على تقليل أي تأثير قد يحدثه التسرب على البيئة.
تجدر الإشارة إلى أن جزيرة ديسبشن التي يبلغ قطرها نحو 12 كيلومتراً تُعدّ موطناً لحياة برية غنية، وكانت عبارة عن بركان نشط. ويشير بعض العلماء إلى أن الجزيرة اكتسبت شكلها عقب انفجار عظيم حدث قبل 4 آلاف سنة.
رحلة البحث
بعد حادثة السفينة أصبحت الجزيرة مسرحاً نشطاً يعج بالعلماء من جميع العالم لدراسة مناخ وبيئة القارة المتجمّدة الجنوبية. وأخيراً ظهر بحث علمي جديد بقيادة علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، أظهر من خلال إجراء تحليل شامل للمجتمعات البكتيرية القاطنة بجزيرة ديسبشن، إمكانية استخدام البكتيريا المتطرفة التي تكيّفت على الحياة في درجات حرارة مرتفعة تفوق الـ60 درجة مئوية، ومنها البكتيريا المحبة للحرارة، في إزالة التلوث النفطي.
وقصة هذا البحث بدأت مع انضمام الدكتورة جونيا شولتز إلى «كاوست» كباحثة ما بعد الدكتوراه، مع البروفسور ألكسندر روسادو، أستاذ علوم الأحياء. ففي بداية عملها بالجامعة ركزت أنظارها على توصيف «الميكروبيوم»؛ البكتيريا النافعة التي تنمو في البيئات الأرضية القاسية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك البراكين والصحارى والبيئات الحرارية الأرضية. وهذه الكائنات الحية القاسية التي تنمو في أكثر البيئات قسوة في العالم، بما في ذلك تلك التي تحب الحرارة (أليف الحرارة)، لديها إمكانات هائلة لعدد لا يُحصى من تطبيقات التقنية الحيوية.
تقول شولتز: «الكائنات الحية القاسية تنمو في ظل العديد من الظروف القاسية، وهي بالفعل تكيفت عبر الزمان مع البيئة المحيطة لها، لتظل نشطة في التمثيل الغذائي في الظروف الصعبة». وأضافت: «إن هذه الكائنات الحية القاسية تظهر قدرات تكيفية وفسيولوجية متنوعة، وغالباً ما تفرز منتجات حيوية قيمة».
هذه المنتجات الحيوية تشمل الإنزيمات والمركبات النشطة بيولوجياً التي يمكن توظيفها في صناعات مثل الزراعة والصيدلة، وحتى استكشاف الفضاء. ويمكن أن توفر هذه الكائنات الحية القاسية أيضاً طريقة آمنة وفعالة لتنظيف التلوث النفطي.
وحول استخدام تلك البكتيريا في عمليات تنظيف التلوث النفطي، توضح شولتز: «لا شك أن بعض أنواع البكتيريا تمتص البترول كمصدر للكربون والغذاء والطاقة. وللقيام بذلك، تقوم أولاً بإفراز المواد الخافضة للتوتر السطحي - وهي مواد وظيفتها العمل على تكسير التوتر السطحي للنفط - قبل امتصاص البترول المستحلَب في خلاياها، حيث يتحلل بفضل النشاط الإنزيمي».
مواجهة التلوث
منذ فترة دراستها لنيل درجة الدكتوراه، كان يغمر شولتز الفضول لمعرفة ما إذا كانت هذه البكتيريا موجودة في بركان جزيرة ديسبشن أم لا، حيث إنه من المؤسف أن هذه القارة التي كانت في السابق نقية أصبحت الآن معرضة للتلوث، بما في ذلك التلوث النفطي، ويأمل العلماء في العثور على مصادر للمجتمعات البكتيرية المحلية، مع إمكانية المساعدة في إزالة التلوث.
في تحقيق ذلك الهدف، قامت شولتز وزملاؤها بعزل 126 سلالة بكتيرية من العينات التي تم جمعها في موقعين للطاقة الحرارية الأرضية في الجزيرة. وتقول في ذلك: «يمكن أن تفرز هذه الكائنات أليفة الحرارة منتجات حيوية قيمة ومثيرة للاهتمام، ليس فقط لإزالة التلوث النفطي، ولكن للعديد من التطبيقات».
ومع ذلك، من الصعب محاكاة البيئات القاسية في المختبر لتخليق هذه السلالات البكتيرية. ذلك بسبب أن الكتلة الحيوية الخلوية للكائنات الدقيقة منخفضة جداً في البيئات القاسية، مما يجعل استخراج الحمض النووي أمراً صعباً وشيقاً.
بعد بذل كثير من الجهد والمثابرة، تمكن الباحثون من جمع ما يكفي من الحمض النووي عالي الجودة لإجراء التحليل الجيني، وتخليق 126 سلالة بكتيرية. كانت السمات الجينومية والإمكانات الأيضية لسبع سلالات من نوع «أنوكسيباسيلوس فلافي ثيرموس» (Anoxybacillus flavithermus) مثيرة للاهتمام بشكل خاص.
ونجح الفريق العلمي في تحقيق نجاح ملموس، فيما يخص تحديد الجينات المتعلقة بتثبيت الجينوم (الخريطة الجينية)، في ظل تقلبات درجات الحرارة، وبروتينات الصدمة الحرارية والبرودة، وإصلاح الحمض النووي ضد الأشعة فوق البنفسجية ومقاومة الظروف القلوية. وكذلك الجينات الخاصة بالنشا وتدهور السليلوز.
أثناء قيام الفريق بتحليل جميع السلالات الـ126 القادرة على إفراز المواد الكاسرة للتوتر السطحي وتحلل النفط، نمت 76 سلالة من بين هذه السلالات بشكل جيد في البيئات المخلقة التي كان النفط الخام هو المصدر الوحيد للكربون، في حين أظهرت ثلاثون سلالة نتائج جيدة بشكل خاص في تحلل النفط، كما أفرز 13 من هذه المواد الكاسرة للتوتر السطحي، بما في ذلك سلالة واحدة من مجموعة «إيه فلافي ثرموس» A flavithermus.
ويُشكل النفط أحد أكثر الملوثات تعقيداً على الأرض، وستعتمد كفاءة وفعالية التحلل الميكروبي على عوامل متعددة، بداية من المتغيرات البيئية المحلية، مثل درجة الحرارة ودرجة الحموضة، إلى الكسور والكمية والتركيب النفطي الموجود في أي موقع معين.
وتشير شولتز إلى أن الفهم الكامل للسلالات البكتيرية المحلية، وقدرتها الأيضية، يُعد أمراً بالغ الأهمية، لأنه يفيد في تصميم اتجاهات مستقبلية لمعالجة مشكلة التلوث النفطي، ليس فقط في القارة القطبية الجنوبية، ولكن في جميع أنحاء العالم. وتضيف: «أنا متحمسة تجاه الإمكانيات التي توفرها الكائنات الحية القاسية، وأتطلع إلى استكشاف البيئات السعودية القاسية للحصول على منتجات حيوية جديدة تسهم في خدمة أنواع التطبيقات».


مقالات ذات صلة

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

الاقتصاد موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد مضخات نفطية في حقل بمدينة ميدلاند في ولاية تكساس الأميركية (رويترز)

نوفاك: سوق النفط متوازنة بفضل تحركات «أوبك بلس»

قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك يوم الجمعة إن سوق النفط العالمية متوازنة بفضل تحركات دول «أوبك بلس» والالتزام بالحصص المقررة.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقشا خلاله اتفاق «أوبك بلس» الخاص بإنتاج النفط.

«الشرق الأوسط» (بغداد) «الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد شعار «وكالة الطاقة الدولية»... (رويترز)

هل تراجع إدارة ترمب دور الولايات المتحدة في تمويل «وكالة الطاقة الدولية»؟

يضع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، والجمهوريون في الكونغرس «وكالة الطاقة الدولية» في مرمى نيرانهم، حيث يخططون لمراجعة دور الولايات المتحدة فيها وتمويلها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان
TT

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

الذكاء الاصطناعي في علوم تقويم الأسنان

تقويم الأسنان هو ذلك الفرع من فروع طب الأسنان الذي يهتم بتشخيص ومعالجة اعوجاج الأسنان وسوء الإطباق وعدم تناسق حجم الفك العلوي مع الفك السفلي. ويُعاني نحو 45 في المائة من المراهقين العرب من سوء الإطباق، وهم بحاجة إلى علاجات تقويم الأسنان لتحسين صحتهم الفموية وعلاج تلك المشكلات.

إمكانات الذكاء الاصطناعي

يمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في مجال تقويم الأسنان، مع تطبيقات تتراوح من الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية إلى التشخيص وتخطيط العلاج، وتقييم النمو والتطور، وتقييم نتائج العلاج.

> الكشف التلقائي عن المعالم التشريحية وتحليل القياسات الرأسية. أحد المجالات الأكثر شيوعاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقويم الأسنان، هو الكشف التلقائي عن معالم القياسات الرأسية وتحليلها، وهي من أهم المؤشرات لتشخيص درجة سوء الإطباق أو اعوجاج الأسنان.ويتم إنشاء هذه القياسات بواسطة الذكاء الاصطناعي على الصور الشعاعية الثنائية والثلاثية الأبعاد (الأشعة المقطعية للفم والأسنان). وتُظهر الدراسات أن دقة هذه الأدوات تتنبأ بالنمو الهيكلي والسنوي العام لدى المرضى بنسبة تصل إلى 99 في المائة، مقارنة بنسبة 75 في المائة عند المراقبين البشر.

> تخطيط العلاج ودعم القرار السريري. التشخيص وتخطيط العلاج هما مكونات حاسمة في علاجات تقويم الأسنان، وينطويان على نظرة ذاتية وتعقيد كبير. وتساعد أنظمة دعم القرار السريري المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في تقليل هذه التحديات من خلال مساعدة الأطباء. وعلى سبيل المثال، فإن قرار خلع الأسنان هو قرار مهم في تقويم الأسنان ويمكن أن يختلف بين طبيب وطبيب. وأظهرت أنظمة دعم القرار المعتمدة على الشبكات العصبية الاصطناعية دقة عالية في تقدير قرارات خلع الأسنان، حيث بلغت دقتها 94 في المائة. يمكن استخدام هذه الأدوات أيضاً لتقييم احتياجات علاج تقويم الأسنان وتقدير نتائج العلاج.

تقييم التماثل الوجهي

> تقييم التماثل الوجهي والتنبؤ بموقع الأسنان المدفونة. تم تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم التماثل الوجهي بدقة عالية قبل وبعد الجراحة الفكية باستخدام صور الأشعة المقطعية المخروطية (CBCT) للفم والأسنان، مما يوفر دقة تصل إلى 90 في المائة. وتساعد هذه النماذج أطباء تقويم الأسنان في الحصول على تقييم دقيق للحالة وتحليل التغيرات التي تحدث بعد الجراحة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بموقع واتجاه ووضع الأسنان المدفونة أو المطمورة، مثل الأنياب، مما يوفر لأطباء تقويم الأسنان تصوراً ثلاثي الأبعاد مفصلاً للحالة السريرية. ويساعد هذا التصور في صياغة خطة علاجية شاملة ومتكاملة تأخذ في الاعتبار جميع الجوانب المعقدة للحالة، مما يضمن تحقيق أفضل النتائج العلاجية للمرضى وتقليل المخاطر المحتملة.

ماسحات ضوئية وطابعات تجسيمية

> التطورات في تكنولوجيا الماسحات الضوئية وعضات التقويم الشفاف. أحدثت التطورات في الماسحات الضوئية داخل الفم وتكنولوجيا الطابعة الثلاثية الأبعاد (التجسيمية) الطريق لتطوير برمجيات التنبؤ بالذكاء الاصطناعي لعلاج تقويم الأسنان.

> توفر هذه الأدوات الرقمية لتخطيط العلاج نهجاً دقيقاً لعلاج تقويم الأسنان، حيث تسمح لأطباء تقويم الأسنان بمحاكاة وتحريك الأسنان بدقة أثناء العلاج.

يتم صنع عضات التقويم الشفاف حسب خطة العلاج لتضمن ابتسامة جذابة ووظيفة فم طبيعية، مما يساعد في تحسين النتائج وتوضيح العملية العلاجية للمرضى.

> تقييم مجرى الهواء باستخدام الذكاء الاصطناعي. تلعب البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تقييم مجرى الهواء في تقويم الأسنان. يمكن لهذه البرمجيات تحديد أنماط مجرى الهواء، وتحديد التباينات التشريحية، وحساب حجم مجرى الهواء.

وتستخدم البرمجيات الترميز اللوني لتوفير تصور سهل لمجرى الهواء وهياكله، مما يساعد في صياغة أجهزة وعلاجات لوقف التنفس خلال النوم، وهو أمر مهم للغاية لصحة المريض.

رئيس جمعية الذكاء الاصطناعي في طب الأسنان في الشرق الأوسط.