خبراء: المتطرفون لن يسيطروا على سيناء.. ومصر ليست العراق

الإرهابيون استهدفوا بسيارات مفخخة وأسلحة ثقيلة 14 كمينًا للجيش

سيارات الإسعاف وجدت صعوبة في شق طريقها إلى المستشفيات في مدينة العريش بسبب حدة القتال ({نيويورك تايمز})
سيارات الإسعاف وجدت صعوبة في شق طريقها إلى المستشفيات في مدينة العريش بسبب حدة القتال ({نيويورك تايمز})
TT

خبراء: المتطرفون لن يسيطروا على سيناء.. ومصر ليست العراق

سيارات الإسعاف وجدت صعوبة في شق طريقها إلى المستشفيات في مدينة العريش بسبب حدة القتال ({نيويورك تايمز})
سيارات الإسعاف وجدت صعوبة في شق طريقها إلى المستشفيات في مدينة العريش بسبب حدة القتال ({نيويورك تايمز})

شن متشددون مرتبطون بتنظيم داعش موجة من الهجمات ضد الجيش في شبه جزيرة سيناء المصرية، أول من أمس (الأربعاء)، فسيطروا لوقت قصير على نقاط تفتيش رئيسية، وأعطوا مؤشرا على حملة جريئة جديدة للمسلحين في واحد من أكثر بلدان المنطقة استقرارا.
وبحسب مسؤولين ووسائل إعلام محلية، قُتل نحو 70 من الجنود والمدنيين في القتال. وأقر الجيش في وقت متأخر من يوم الأربعاء بأن 17 جنديًا و100 متشدد قتلوا في الاشتباكات.
وكان الهجوم واحدًا من أكثر الهجمات تطورا الذي يستهدف الجيش القوي منذ عقود، وكان بمثابة تحدٍّ لجهود مصر لتقديم نفسها على أنها حصن للاستقرار في المنطقة التي تتقاذفها الفوضى. وفي حين سحقت الحكومة السلطوية في مصر معظم المعارضة، وعززت دور الجيش في السنوات الأخيرة، فقد تمكن أنصار تنظيم داعش من السيطرة تقريبا على المدينة التي يسكنها 60 ألف نسمة.
وجاء الهجوم بعد مرور يومين فقط على تعرض النائب العام المصري إلى الاغتيال في تفجير في العاصمة، القاهرة.
وقد زاد نشاط الجماعات المسلحة في سيناء منذ عزل الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئيس الإسلامي محمد مرسي في 2013. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت واحدة من أقوى الجماعات المتشددة في سيناء مبايعتها لتنظيم داعش.
وقال زاك غولد الزميل الزائر بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والمتخصص في شؤون شبه جزيرة سيناء، إن طبيعة هجوم يوم الأربعاء على مدينة الشيخ زويد «جديدة ومثيرة للقلق».
فقد بدا أن المسلحين، الذين يطلقون على أنفسهم الآن «ولاية سيناء» التابعة لـ«داعش»، قد انتقلوا من تكتيكاتهم المعتادة التي تعتمد نمط حرب العصابات، على حد قوله.
وقال: «ليس هذا واحدا من هجماتهم التي تعتمد أسلوب الضرب والهرب. ويبدو أنهم يجهزون لعمل مطول». وأضاف أنه لم يكن واضحا يوم الأربعاء ما إذا كان التنظيم يريد السيطرة على المدينة، أو جر الجيش ببساطة إلى حرب مدن.
وقال: «وأي الخيارين يعد غير مسبوق».
ووصف سكان من سيناء، الذين تم التواصل معهم هاتفيا أو قاموا بنشر تعليقات شهادات على مواقع التواصل الاجتماعي، الرعب في المنطقة يوم الأربعاء. وصف اثنان من السكان اللذان كتبا تعليقات على «فيسبوك»، مشاهد من الجحيم للجثامين في شوارع الشيخ زويد. وقال آخرون إن السكان استخدموا الحمير لنقل الجرحى لأقرب مستشفى حكومي. لم تتمكن عربات الإسعاف من الوصول إلى المدينة بسبب احتداد القتال، بحسب ما صرح به مسؤولو الصحة لوسائل إعلام محلية. وعلى مدار اليوم، كان المتشددون يتمركزون فوق أسطح البنايات، ويطلقون النار على المنشآت الأمنية في المدينة، بحسب مسؤولين أمنيين.
وفي يونيو (حزيران) طالب متحدث باسم «داعش» بـ«شهر من النار» خلال رمضان الكريم، حيث حث أنصار التنظيم على تنفيذ هجمات ضد غير المؤمنين في أنحاء العالم. ومنذ ذلك الحين، هزت عمليات لمنتسبين للتنظيم أو أشخاص مشتبه في كونهم متعاطفين معهم فرنسا والكويت وتونس.
وقال تنظيم ولاية سيناء يوم الأربعاء إنه هاجم «بسيارات مفخخة وأسلحة ثقيلة، مستهدفا 14 كمينًا للجيش، وناديًا لضباط الجيش قرب الشيخ زويد، على مسافة نحو 115 ميلا شمال شرقي القاهرة. وشن المسلحون هجماتهم قبل دقات الساعة السابعة بقليل صباح الأربعاء، بحسب الجيش. وكانت المعارك لا تزال مستمرة بعد 12 ساعة، ولكنها هدأت في النهاية بحلول الليل.
وفي بيان ثانٍ، زعمت الجماعة المتطرفة أنها زرعت محيط قسم شرطة الشيخ زويد بالألغام الأرضية. وقالت وسائل الإعلام المحلية إن قوات الأمن قاتلت لساعات لكسر حصار عن قسم.
وقال ناطق باسم الجيش إن الطائرات الحربية المصرية نفذت ضربات جوية على مواقع المتشددين في الشيخ زويد.
وقال غولد إن من غير المرجح أن ينجح المتطرفون في سيناء في الاحتفاظ بأراضٍ.
«مصر ليست العراق، هذه ليست الأنبار»، قال غولد وهو يشير إلى المحافظة العراقية التي سيطر مسلحو «داعش» على مدن كبرى فيها.
وعن المتشددين قال غولد: «الجيش المصري أكثر تماسكا ويتمتع بقوة نيران أكبر، ولديه القدرة على طردهم.. والسؤال هو كم عدد المدنيين الذين سيتضررون خلال هذه العملية؟».
ومنذ سنوات ومصر تكافح في مواجهة الاضطرابات في شبه جزيرة سيناء، التي يقطنها البدو، المميزون ثقافيا ولغويا عن سكان البر الرئيسي في مصر. ولطالما اتهم رجل القبائل البدوية الحكومة المركزية بإهمالهم، وقد اعتمدوا على تهريب المخدرات والسلاح كمصدر للعيش. وقد جعل قرب سيناء لإسرائيل وقطاع غزة من المنطقة قناة مصيرية لتدفق السلاح إلى المتشددين الفلسطينيين.
ومنذ 2011، انتعش التشدد في مناطق صحراء سيناء، خاصة في الشمال قرب الحدود مع غزة. وقام رجال القبائل بدور الشرطة في سيناء خلال انتفاضة الربيع العربي في ذلك العام، مما خلف وراءه خواء أمنيا استغله المتطرفون لتأسيس ملاذات آمنة. وحصل المتشددون على أسلحة تم تهريبها من ليبيا المجاورة، والتي تم إسقاط حكومتها السلطوية خلال الربيع العربي. وكانت الجماعات الكثيرة في سيناء تطلق الصواريخ بين الحين والآخر على إسرائيل أو تشن هجمات ضد قوات الأمن على طريقة «اضرب واهرب».
ويبدو أن صلات المتشددين بتنظيم داعش زادتهم جرأة، حتى ولم يتضح أن انتسابهم للتنظيم قد أمدهم بمزيد من الأموال والسلاح. كما أثار هجوم الأربعاء تساؤلات حول فعالية حملة الجيش في سيناء، حيث أجرت الأجهزة الأمنية عمليات توقيف كاسحة، ولكن لا يزال واضحا أن المتطرفين يعملون بحرية.
وعن المعارك قال ساكن يقطن منذ وقت طويل في رفح، التي تبعد 40 ميلا شرق الشيخ زويد على الحدود مع غزة: «الوضع لم يكن بهذا السوء من قبل»، وطلب الساكن عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته. وبعد ظهيرة يوم الأربعاء، سُمع دوي انفجارين في رفح، بحسب قول سكان.
وقال الساكن، وكان يتحدث عبر الهاتف: «الجميع في حالة من الرعب.. خطوط الهاتف تواصل الانقطاع ومن ثم لا يمكننا الاتصال ببعضنا البعض».
في الوقت نفسه، قالت وزارة الداخلية المصرية أول من أمس (الأربعاء) إن قوات الأمن قتلت تسعة من الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في شقة في إحدى ضواحي القاهرة. وقالت إن الرجال كانوا يخططون لتنفيذ هجمات.
وأنكرت جماعة الإخوان الاتهام. وقالت في بيان إن عمليات القتل تعد «تحولا له ما بعده».
وكان السيسي تعهد في أعقاب اغتيال النائب العام هشام بركات يوم الثلاثاء، بتسريع تنفيذ العقوبات ضد الإسلاميين المحكومين بالإعدام. وقد صدرت بحق عدد من قادة الإخوان المسلمين، ومن بينهم مرسي، أحكام بالإعدام في محاكمات انتقدتها جماعات حقوق الإنسان بوصفها ذات دوافع سياسية.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.