زوجات الأنبياء - الحلقة (16): راحيل.. زوجة يعقوب وأم يوسف

زوجات الأنبياء - الحلقة (16): راحيل.. زوجة يعقوب وأم يوسف
TT

زوجات الأنبياء - الحلقة (16): راحيل.. زوجة يعقوب وأم يوسف

زوجات الأنبياء - الحلقة (16): راحيل.. زوجة يعقوب وأم يوسف

فياضة بالعطاء والعطف والحنان، سجل لها التاريخ مواقفها العطرة الخيرة، وكانت مثال الأم العطوف والزوجة الوفية العابدة الشاكرة والصابرة.
زوجة نبي وأم نبي منحه الله جمال الوجه والصورة وبهاء الطلعة لكل من ينظر إليه.. إنها راحيل زوجة سيدنا يعقوب، وأم سيدنا يوسف الصديق عليهما السلام.
يذكر د. أحمس حسن صبحي في كتاب «المبعوثون إلى الأرض، قصص الأنبياء عليهم السلام» أنه عندما كان يعقوب بن إسحاق عليهما السلام أحب إلى أمه رفقة بنت بتوئيل من أخيه العيص فرتبت له أمه دعوة صالحة من أبيه إسحاق كان قد نودي بها لابنه العيص، ولما كانت الدعوة من نصيب يعقوب عليه السلام خشيت أمه عليه من أخيه العيص أن يقتله فأوصته باللحاق بخاله لابان بن ناهر والإقامة معه في بلدته «فدان آرام» بالعراق.
وانطلق يعقوب إلى خاله مزودا بنصيحة من أبيه أن يتزوج من بنات خاله ولا يتزوج من بنات كنعان، وكان خاله لديه ابنتان، ليا وهي الابنة الكبرى، وراحيل الابنة الصغرى التي فاقت أختها جمالا ونقاء وذكاء، وكانتا في سن الزواج.
أراد يعقوب الزواج براحيل التي أحبها، لكن والدها طلب منه صداقا قدره خدمته لمدة سبع سنوات في رعي غنمه وإبله في خلالها، ووافق سيدنا يعقوب على ذلك، وظل يعمل ويكد لمدة سبع سنوات حتى إذا جاء موعد الوفاء ليتزوج السيدة راحيل، فزوجه خاله ابنته الكبرى ليا على خلاف الاتفاق، حيث إنه طلب الزواج براحيل، وغضب يعقوب وحدث خاله لابان في ذلك فقال له: يا ابن أختي متى رأيت الناس يزوجون الصغرى قبل الكبرى. فهلم فاخدمن سبع سنين أخرى حتى أزوجك راحيل.
وكان الناس في ذلك الوقت يجمعون بين الأختين إلى أن بعث الله موسى وأنزلت التوراة ونسخ ذلك في شريعة التوراة، وقد حرم الإسلام ذلك فقال الله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَة وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا» سورة النساء الآية 23.
ويضيف د. مصطفى مراد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر في كتابه «زوجات الأنبياء» أن سيدنا يعقوب ظل يخدم خاله سبع سنوات أخرى يرعى الغنم ويكد ويتعب لكي يتزوج راحيل، وفي خلالها ولد ليعقوب بضعة أولاد من زوجته ليا، لكنه كان مصرا على الزواج بمن أحبها، وخفق قلبه لها حتى وصل إلى مبتغاه وتزوج راحيل.
ووهب لابان لكل بنت من ابنتيه جارية.. زلفى جارية لليا وبلهة جارية لراحيل، ولما رأت راحيل أن أختها قد ولدت ليعقوب أربعة أبناء في حين تأخرت هي في الحمل، أهدته جاريتها بلهة فولدت له، وكذا فعلت ليا أيضا منافسة لأختها، فوهبت له الجارية زلفى لتلد له.
وكانت راحيل عاقرا لا تحمل، فدعا يعقوب ربه أن يهب له غلاما من راحيل. وما كان من السيدة راحيل إلا أن توجهت هي أيضا إلى الله تسأله الولد الصالح، حتى استجاب لهما الله ووهبهما سيدنا يوسف عليه السلام، طفلاً جميلاً أشبه بجدته السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وغلاما شريفا، لهذا كان أقرب أبناء (يعقوب) إلى قلبه.
وحينما وضعت «راحيل» ابنها الأول يوسف عليه السلام وكان يعقوب غائبا نحو الشام فنزل عليه جبريل وقال يا يعقوب: إن الله تعالى وهبك ولدا لم يرزق مثله أحدا من الناس، فذبح ألف رأس من الغنم قربانا لله وشكرا على هبة يوسف له وقام بتوزيعها على الفقراء والمساكين.
ويقول د. أحمس حسن صبحي في كتاب «المبعوثون إلى الأرض، قصص الأنبياء عليهم السلام».. كان ليعقوب - عليه السلام - اثنا عشر ولدا من راحيل وأختها والجاريتين، وولدت له راحيل ولدين هما: يوسف وبنيامين، وكان يوسف عليه السلام هو الوحيد من أبناء يعقوب الذي خصه الله بالنبوة. وظلت راحيل مع زوجها سيدنا يعقوب في العراق لمدة عشرين عاما، كانت تعبد الله فيها وتؤمن به مع زوجها. حتى جاء أمر الله إلى يعقوب أن يعود إلى مسقط رأسه ببلاد المقدس، فجمع يعقوب ماله وأولاده الذين امتثلوا لأمره جميعا، فساعدوا والدهم في جمع أغنامهم وأغراضهم، على حين اهتمت راحيل بأمر الأصنام، فجمعت أصنام والدها ودمرتها.
وفي بيت المقدس حملت راحيل مرة أخرى فولدت بنيامين الشقيق لسيدنا يوسف، وجهدت راحيل في ولادة بنيامين كثيرا حتى ماتت.
إن بعضا من مظاهر السعادة التي كان يحس بها سيدنا يعقوب سرعان ما اختفت ملامحها على وجهه. ذلك لأنه كان يعلم عن إخوة يوسف كراهيتهم له، وحقدهم عليه، لما يستأثر به هو وأخوه بنيامين من عطف أبيهما دونهم.
وكثيرا ما حاولوا أن يصرفوا أباهم عن هذا الأمر، لكن قلبه لم يطاوعه، لأن راحيل أمهما كانت أقرب وأحب زوجاته إليه، وإذا كان الله قد شاء أن تنتهي حياتها، وهي تضع ولدها بنيامين، فقد كان على يعقوب أن يكون لابنيها الأب والأم معا، فإنه لا يستطيع أن يمسك قلبه عن هذا الحب، فإحساس القلوب لا يملكه أحد.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.