موسكو تتراجع في خيرسون وتعيد تنظيم دفاعاتها

تحدثت عن خسائر أوكرانية فادحة... وأقرّت بأن القرار «صعب للغاية»

قوات روسية كانت تتمركز في وسط مدينة خيرسون (أ.ب)
قوات روسية كانت تتمركز في وسط مدينة خيرسون (أ.ب)
TT

موسكو تتراجع في خيرسون وتعيد تنظيم دفاعاتها

قوات روسية كانت تتمركز في وسط مدينة خيرسون (أ.ب)
قوات روسية كانت تتمركز في وسط مدينة خيرسون (أ.ب)

شهد محور القتال حول منطقة خيرسون الاستراتيجية تطوراً لافتاً مساء الأربعاء مع منح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الضوء الأخضر للانسحاب من المدينة، وإعادة ترتيب القوات الروسية على الضفة اليسرى لنهر دنيبر. ووصف الوزير الذي أعلن موافقته على اقتراح بهذا الشأن قدمه قائد القوات المشتركة سيرغي سوروفيكين القرار بأنه «صعب للغاية»، لكنه رأى أن الأولوية لحماية أرواح السكان المدنيين وأفراد القوات المسلحة، وإعادة ترتيب الدفاعات الروسية والتحضير لهجمات في مناطق أخرى. وكان سوروفيكين قدم إحاطة موسعة بحضور وزير الدفاع حول الوضع الميداني حول خيرسون، وعلى بقية محاور القتال، وقال، إن القوات الروسية «تستأنف هجومها على محاور عدة في مناطق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا». وتحدث عن خسائر فادحة تكبدتها القوات الأوكرانية المهاجِمة على طول خطوط التماس، معلناً أن خسائر الجيش الروسي في المقابل كانت أقل بسبعة أضعاف.

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو (أ.ب)

ورداً على سؤال شويغو حول الوضع في خيرسون التي شهدت خلال الأسابيع الماضية مواجهات ضارية، وتقلبات ميدانية دفعت موسكو إلى القيام بإجلاء السكان من عدد واسع من مناطقها، أقر سوروفيكين بأن الوضع حول المنطقة معقد للغاية، مقترحاً الانسحاب من المدينة وإعادة تنظيم القوات على الضفة اليسرى للنهر الذي يفصل بعض أجزائها. وخاطب القائد العسكري شويغو بعبارة «الرفيق وزير الدفاع» التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، لكنها ما زالت مستخدمة في المؤسسة العسكرية رغم أنها غابت عن القاموس السياسي الروسي لسنوات طويلة، وقال له، إن «الوضع يتطلب إجراء تقييم شامل للوضع الحالي للاضطلاع بالدفاع على طول الضفة اليسرى لنهر دنيبر. أفهم أن هذا قرار صعب للغاية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إطلاق جزء من القوات والوسائل (التي يتم سحبها)، للعمليات النشطة، بما في ذلك العمليات الهجومية، في اتجاهات أخرى في منطقة العمليات». وأوضح، أن «تحرك القوات ستنفذ في المستقبل القريب، وسوف تحتل التشكيلات والوحدات خطوطاً دفاعية ومواقع معدة بشروط هندسية على الضفة اليسرى لنهر دنيبر».


قائد القوات المشتركة سيرغي سوروفيكين (أ.ب)

وبرر سوروفيكين اقتراحه بأنه «لا يمكن تزويد خيرسون والمدن المجاورة بوظائفها بشكل كامل، وحياة الناس في خطر دائم». وشدد على أن القوات المسلحة الأوكرانية تواصل قصف سد كاخوفكا، و«قد يؤدي ذلك إلى حدوث فيضانات؛ مما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح. هذا يهدد بعزل القوات على الضفة اليمنى لنهر الدنيبر إذا لم يتم الانسحاب من هناك». وأوضح، أن «خطط كييف الهادفة لإنشاء منطقة فيضان أسفل محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. وهذا ما تؤكده الهجمات الصاروخية المستمرة على سد محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية، وكذلك على بوابات تصريف المياه في هذه المحطة». وأضاف، أن «صعوبات بالغة تواجه عمليات تصريف المياه عبر السد الخاص بمحطة كييفسكايا للطاقة الكهرومائية ومحطة الطاقة الكهرومائية عند المصب بسبب الهجمات التي تنفذها كييف منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول)؛ ما يسبب أيضاً قلقاً بشأن فيضان محتمل للنهر». وأشار سوروفيكين إلى أن «العدو يقصف منشآت حكومية محلية ومدارس ومستشفيات ومنشآت أخرى ذات أهمية اجتماعية». وأضاف، أنه تم إجلاء أكثر من 115 ألف شخص من المنطقة خلال الفترة الأخيرة. وأضاف، أنه على طول «خط التماس بأكمله، تقاوم القوات الروسية بنجاح محاولات العدو الهجومية. فقط في اتجاه خيرسون، بلغت خسائر القوات المسلحة لأوكرانيا من أغسطس (آب) إلى أكتوبر أكثر من 95 ألف قتيل وجريح. ونحو 200 دبابة و500 مركبة مصفحة و600 مركبة لأغراض مختلفة وأكثر من 50 قطعة مدفعية وهاون. في المقابل، أشار القائد العسكري إلى أن خسائر القوات الروسية أقل من سبع إلى ثماني مرات من خسائر العدو».
وزاد سوروفيكين في إشارة إلى الخسائر «كما تعلمون، يتكبد الجانب المهاجم خسائر أكبر من تلك التي في موقع الدفاع. في هذه الحالة، تكون خسائرنا أقل بـ7 - 8 مرات من خسائر العدو. نحن نفكر أولاً وقبل كل شيء في حياة كل شخص وكل جندي روسي».
وفور إعلان القرار برزت تصريحات لبرلمانيين وخبراء روس حول أن الانسحاب من خيرسون «مؤقت»، وأنه يهدف حالياً لتقليص الخسائر فقط وإعادة ترتيب الدفاعات الروسية، وأعرب أحد أبرز الخبراء العسكريين فيكتور ليتوفكين في حديث مع وسائل إعلام روسية عن قناعة بأن القرار لا يعني التخلي عن خيرسون التي «غدت جزءاً لا يتجزأ من روسيا الاتحادية». وكان لافتاً، أن وسائل إعلام حكومية روسية بثت تقارير عن انسحاب مراسليها في خيرسون بعد دقائق من بث مقاطع من الاجتماع الذي حضره شويغو؛ ما أوحى بأن عملية الانسحاب كانت قد بدأت قبل الإعلان رسمياً عن القرار. وأفاد تقرير نقلته وكالة أنباء «نوفوستي» بأن العبارات عملت طوال ساعات النهار عن نقل الأشخاص من الضفة اليمنى لنهر دنيبر في خيرسون حتى غروب الشمس و«عندما أُعلن عن انسحاب القوات المسلحة الروسية من هناك، غادر مراسلو وكالة (نوفوستي) الضفة اليمنى على الضفة اليسرى على العبارة الأخيرة. مع جزء من المدنيين في المدينة». وقال جندي روسي يقود العبارة لوكالة «نوفوستي»: «اليوم، ظل هناك عدد قليل من المدنيين، معظمهم غادروا بالفعل قبل ذلك». أضاف، أن العبّارات «لم تنقل اليوم (أمس) الأشخاص فحسب، بل نقلت أيضاً السيارات والشاحنات، فضلاً عن سيارات الإسعاف».
على صعيد آخر، أفادت وسائل إعلام روسية رسمية، بأن نائب حاكم خيرسون الذي عيّنته روسيا، كيريل ستريموسوف، قُتل في حادث سير. وعيّن ستريموسوف، البالغ 45 عاماً، في منصبه بعد شهرين من انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وكان من أبرز مؤيدي الهجوم الروسي، وعُرف بتصريحاته العدوانية على مواقع التواصل الاجتماعي. وكان ستريموسوف مطلوباً بتهمة الخيانة من قِبل الشرطة الأوكرانية. واستُهدف العديد من المسؤولين الذين عيّنتهم روسيا في مناطق أوكرانيا الانفصالية في هجمات مختلفة خلال الأشهر الماضية، لكن لم يثبت أن حادث السير الذي أودى بحياة ستريموسوف كان مدبراً. وكان المسؤول في الأيام الأخيرة، يحث المدنيين على مغادرة الضفة الشرقية لنهر دنيبرو في مواجهة التقدم الأوكراني، مع تزايد المؤشرات إلى اقتراب لحظة تخلي القوات الروسية عن المدينة.


مقالات ذات صلة

انخفاض الصادرات يرهق الروبل الروسي

الاقتصاد انخفاض الصادرات يرهق الروبل الروسي

انخفاض الصادرات يرهق الروبل الروسي

انخفض الروبل الروسي يوم الأربعاء متأثرا بتراجع الصادرات وزيادة الواردات، بينما فشل في الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص معروض النقد الأجنبي لدى الشركات المصدرة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد موسكو تعتمد سعر خام دبي في صفقة نفط مع نيودلهي

موسكو تعتمد سعر خام دبي في صفقة نفط مع نيودلهي

قالت 3 مصادر مطلعة على الأمر إن شركة «روسنفت»، أكبر منتج للنفط في روسيا، ومؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة تكرير في الهند، اتفقتا على استخدام سعر خام دبي القياسي في اتفاقهما الأخير لتصدير النفط الروسي إلى الهند. يأتي قرار الشركتين الحكوميتين بالتخلي عن خام برنت القياسي في إطار تحول مبيعات النفط الروسية نحو آسيا، بعد حظر أوروبا شراء النفط الروسي في أعقاب غزو أوكرانيا قبل أكثر من عام. والخامان القياسيان مقومان بالدولار، وقد وضعتهما شركة «ستاندرد اند بورز بلاتس» لبيانات الطاقة، وهي وحدة تابعة لشركة «ستاندرد اند بورز غلوبال» الأميركية، ولكن تعتمد شركات النفط الأوروبية الكبرى والتجار في الغالب على أس

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد الطلب المحلي يحافظ على نمو نشاط المصانع في روسيا

الطلب المحلي يحافظ على نمو نشاط المصانع في روسيا

نما نشاط قطاع الصناعات التحويلية الروسي للشهر الحادي عشر على التوالي في مارس (آذار) الماضي، مدفوعاً بزيادة الإنتاج بأسرع وتيرة هذا العام، ونمو قوي لتوقعات الإنتاج مستقبلاً. وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز غلوبال لمديري المشتريات في مارس إلى 53.2 نقطة من 53.6 في فبراير (شباط)، لكنه ظل فوق مستوى الخمسين نقطة التي تفرق بين النمو والانكماش. ويعتمد صعود القطاع لقرابة عام على الطلب المحلي؛ إذ انخفضت طلبيات التصدير الجديدة للشهر الرابع عشر على التوالي، بينما تمضي روسيا فيما تطلق عليه «عملية عسكرية خاصة» في أوكرانيا. وذكرت ستاندرد آند بورز غلوبال في بيان: «تفاقم انخفاض الطلب من العملاء الأجانب مع انخفاض

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد روسية تصور أحدث أسعار العملة المحلية مقابل نظيراتها الأجنبية على واجهة محل صيرفة بموسكو (إ.ب.أ)

الروبل يتراجع رغم نشاط صناعي روسي فائق

نما النشاط الصناعي في روسيا بأسرع وتيرة منذ مطلع 2017، في ظل نمو أسرع للطلبات الجديدة والإنتاج؛ وفقاً لبيانات مؤسسة «ستاندارد آند بورز غلوبال» يوم الأربعاء. وقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره المؤسسة إلى 53.6 نقطة في فبراير (شباط) مقارنة بـ52.6 نقطة في يناير (كانون الثاني) الماضيين. يذكر أن تسجيل قراءة أعلى من 50 يعني نمو القطاع. وارتفعت وتيرة نمو الإنتاج خلال الشهر الماضي، ويرجع ذلك إلى قلة الواردات وارتفاع الطلبات الجديدة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحقيقات وقضايا بريغوجين يقدّم الطعام لبوتين في مطعم خارج موسكو عام 2011 (أ.ب)

«جيش فاغنر»... القوة الضاربة للكرملين

الفارق مذهل بين عامي 2018 و2022. في الأول وقعت مجموعة تابعة لـ«فاغنر» كانت تحاول التقدم قرب حقل نفطي في منطقة دير الزور السورية، تحت نيران أميركية كثيفة، فقتل أكثر من 200 مقاتل في الغارة. نفت موسكو وجود عسكريين روس في المنطقة، متنكرة لأفراد المجموعة.

رائد جبر (موسكو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.