جدل عراقي حول استحداث كليات أهلية للطب البشري في عهد «وزارة العصائب»

TT

جدل عراقي حول استحداث كليات أهلية للطب البشري في عهد «وزارة العصائب»

ما زال الجدل المحلي متواصلاً بشأن القيادي في حركة «عصائب أهل الحق» نعيم العبودي، الذي ألحقه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بكابينته الوزارية التي شكلها نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأسند إليه حقيبة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والجدل يتمحور حول انتماء العبودي إلى جناح سياسي في ميليشيا مسلحة وحصوله على شهادة دكتوراه من جامعة لبنانية غير معترف بها في وزارة التعليم العراقية، ثم جاءت قضية موافقته على تأسيس 3 جامعات أهلية للطب البشري، لتزيد من حجم الجدل حول شخصية الوزير والوزارة في عهد حركة «العصائب».
وقرر الوزير العبودي السماح بإنشاء كليات (الكفيل، والعين، والسبطين التي تتبع كلية الطب في جامعة طهران) للطب البشري، في خطوة تجاوزت الممانعة التي كانت قائمة منذ سنوات في الوزارة لافتتاح هكذا نوع من الكليات.
وقوبل القرار الجديد بممانعة شديدة من نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، ونقابة الأكاديميين العراقيين، وأصدرت النقابات الأربع بياناً مطولاً موجهاً إلى رئيس الوزراء محمد السوداني، حول ظاهرة استحداث كليات الطب.
ورغم أن موضوع استحداث 3 كليات للطب البشري، هو الذي أثار القضية، فإن النقابات الأربع تعترض أيضاً على عمليات استحداث أخرى تتعلق بكليات الصيدلة وطب الأسنان، ووصفوا الأمر بـ«السابقة الخطيرة».
وأحصى البيان أكثر من 5 مخالفات وقرارات صادرة عن الجهات الرسمية ورئاسة الوزراء بشأن منع التوسع في كليات المجموعة الطبية، وأكدوا أن «الاستحداث مخالفة صارخة لقانون التعليم العالي الأهلي رقم 25 لسنة 2016، وضوابط المستشفى التعليمي المقرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي».
وختمت النقابات الأربع بيانها بتوجيه رسالة إلى رئيس الوزراء، قالت فيها إن «صحة العراقيين أمانة في أعناقنا وأعناقكم، وإن استحداث كليات طبية أهلية بهذه الطريقة المخالفة للقانون سيؤدي حتماً إلى تخرج أطباء غير مؤهلين مع عدم الحاجة إليهم، ما يشكل خطراً جسيماً على أرواح الأبرياء».
ولوحت النقابات بـ«اتخاذ خطوات لاحقة» لم تكشف عن طبيعتها في حال لم تتوقف عمليات الاستحداث الجديدة.
من جانبه، يقول مسؤول سابق في وزارة التعليم، لـ«الشرق الأوسط»، إن «معظم، إن لم نقل، جميع الكليات الأهلية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم بعد 2003 تقف وراءها جماعات وأحزاب سياسية نافذة قادرة على تحويل أي قانون أو تشريع لمصالحها الخاصة».
ويضيف أن «معظم الكليات الأهلية لا تتمتع بأدنى قدر من معايير الجودة والكفاءة، الجميع يعرف ذلك، لكن إرادة الإثراء الفاحش على حساب الجودة والرصانة هي المتحكمة على الأرض».
ويتابع: «أكبر كارثة تواجه التعليم الأهلي في الكليات الطبية هي أعداد الطلبة الذين يقبلون كل عام، ففي حين كان العدد المقرر للقبول من قبل وزارة التعليم يقدر بنحو 60 طالباً فقط للمرحلة الواحدة، تصل اليوم أعداد الطلبة في كليات الصيدلة وطب الأسنان إلى أكثر من 350 طالباً في المرحلة الواحدة، ولك أن تتخيل حجم الكارثة التعليمية التي تتسبب بها الكليات الأهلية».
ورغم الضجة الكبيرة المثارة حول قضية الاستحداث، فإن بياناً من وزارة التعليم لم يصدر حول ذلك.
من جانبه، هاجم عضو لجنة الصحة النيابية السابق جواد الموسوي، أول من أمس، بشدة قرار استحداث 3 كليات طب عام أهلية، واصفاً إياه بـ«اليوم الأسود» من تاريخ التعليم في العراق.
وقال الموسوي، في بيان، إنه «يوم أسود من تاريخ التعليم في العراق، فقد تم بأيام قليلة وبطريقة غير مسبوقة استحداث 3 كليات طب عام أهلية رغم قرارات مجلس الوزراء وتوصيات لجنة القرار 92 وبيانات النقابات المهنية وكتب أعضاء البرلمان ولجنة التعليم النيابية، ورغم مخالفته الجسيمة لقانون التعليم العالي الأهلي».
وأشار الموسوي إلى أن «العراق لديه 36 كلية طب عام حالياً، وهي أكثر من كليات الطب العام في بريطانيا، وفي عام 2027 سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من 95 ألف طبيب، وكل هذه الزيادة بالخريجين من الأطباء يرافقها نقص شديد بالبنى التحتية للكليات الطبية، خصوصاً المستحدثة والأهلية مع عدم توفر كوادر التدريس وعدم وجود مستشفى تعليمي يحوي أدنى متطلبات الوزارة ونقص شديد بالمستشفيات والدرجات الوظيفية».
وتحدث الموسوي عن «فتح دكاكين تجارية لتخريج أنصاف أطباء لا يهدف إلا إلى الربح المادي وبضغط من جهات معروفة؛ حيث تم تغيير لجان الاستحداث الرصينة واستبدال آخرين بها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.