يفترض أن يمدّد المجلس النيابي في جلسته الخامسة المنعقدة غداً والمخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية «مسرحية» تعطيل انتخابه، غير آبه بدعوات المجتمع الدولي إلى ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مع اقتراب دخول الشغور في سدة الرئاسة الأولى أسبوعه الثاني من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج .
فانسداد الأفق أمام انتخاب رئيس جديد لا يزال يحاصر جلسات الانتخاب ما دامت الظروف الدولية التي يمكن أن تشكل رافعة لا تزال غير ناضجة... وهي تلتقي مع انقطاع التواصل بين كبرى الكتل النيابية بحثاً عن رئيس توافقي يضع حداً للتعادل القائم بين موازين القوى بالمعنى السلبي للكلمة، والتي تتحمل مسؤولية مباشرة حيال تعطيل ملء الشغور في رئاسة الجمهورية، وإن كانت المسؤولية الأساسية تقع على عاتق المعسكر النيابي الذي يصر على الاقتراع بـ«ورقة بيضاء»، فيما الأكثرية داخل المعارضات المشتّتة تتبنى دعم ترشيح النائب ميشال معوض في مقابل الإرباك المسيطر على تكتل «قوى التغيير» الذي يقف حالياً على حافة الانقسام.
ولم يعد من مبرر، كما يقول مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، لتكرار الدعوات لعقد جلسات لانتخاب الرئيس، ما دامت المواقف لم تتبدّل، خصوصاً أنها موضع انتقاد من قبل السواد الأعظم من اللبنانيين معطوفة على استياء المجتمع الدولي من تعطيل الجلسات؛ لأن استمرار اللعب في الوقت الضائع أصبح أكثر تكلفة للبنانيين الذين يرزحون تحت وطأة الانهيار الشامل من دون أن يتوفر لهم الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، وفي ظل وجود حكومة تتولى إدارة الفراغ الرئاسي. ويتهم المصدر في المعارضة «حزب الله» بعدم جهوزيته لانتخاب رئيس للجمهورية، وبرعاية تعطيل الجلسات إفساحاً في المجال أمام تمديد الفرصة لحليفه النظام الإيراني لتسوية أوضاعه من جهة باتجاه تحسين شروطه في ملفاته ذات الصلة بدوره في المنطقة؛ وصولاً إلى الضغط لمعاودة المفاوضات في الملف النووي من جهة أخرى.
لكنه في الوقت نفسه، لا يعفي القوى المحسوبة على المعارضة من مسؤوليتها حيال استمرار تشرذمها بدلاً من أن تتوحّد تحت سقف إعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس... وبدلاً من أن تتوزّع أصواتها في البرلمان على هذا المرشح أو ذاك أو على الاقتراع بأوراق مرمّزة.
ويتوقّف المصدر في المعارضة أمام غياب بعض النواب المحسوبين عليها أو المنتمين إليها عن جلسة غد لأسباب صحية أو عائلية أو بسبب السفر. ويقول إن غيابهم «سيؤدي حكماً إلى حرمان المرشح ميشال معوض من تسجيل رقم يتجاوز تأييده من قبل 45 نائباً».
ويضيف أن آخرين من المنتمين إلى «قوى التغيير» والنواب المستقلين سيجدّدون تأييدهم للأستاذ الجامعي عصام خليفة مع أن بعضهم سيقترع لمعوض.
واستباقاً لجلسة غد، عُقد لقاء ضمّ النواب في تكتل «التغيير»: مارك ضو، نجاة صليبا، وضّاح الصادق، إلياس جرادة، رامي فنج، ياسين ياسين، والنائب المستقل غسان سكاف. وتردّد أن لدى المجتمعين أو أكثرهم رغبة في تأييد معوض، في مقابل اجتماع لعدد من النواب السنّة بدعوة من النائب محمد سليمان حضره فؤاد مخزومي، وأشرف ريفي، ووليد البعريني، وعبد الرحمن البزري، وبلال حشيمي، ورامي فنج، وأحمد الخير، وعبد العزيز الصمد، وعماد الحوت (الجماعة الإسلامية).
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر المجتمعين أن الحضور حرص على «إيجاد مساحة مشتركة بضرورة إعطاء الأولوية لانتخاب الرئيس، وإن كانوا يتوزّعون بين الاقتراع لمعوض والتصويت بورقة كُتب عليها: لبنان الجديد».
وقالت إن «الحرية متروكة للنواب المشاركين في الاجتماع الذي أريد منه الوصول إلى صيغة تنسيقية تتناول هموم مناطقهم والشأن السياسي العام؛ وعلى رأسه انتخاب الرئيس»، وأكدت أن البزري ومعه زميله شربل مسعد يتواصلان مع عدد من النواب الأعضاء في تكتل «قوى التغيير»، إضافة إلى سكاف الذي يكثّف اتصالاته بالنواب المستقلين وآخرين من «التغيير»، فيما يكرر أسامة سعد تأييده لخليفة.
أما على المقلب الآخر؛ أي المعسكر المنتمي إلى «الورقة البيضاء»، فقد علمت «الشرق الأوسط» بأن «حزب الله» نجح في إقناع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعدم الخروج عن قرار محور الممانعة بالاقتراع بـ«ورقة بيضاء» بخلاف تهويله بترشيح شخصية تنتمي إلى تياره السياسي أو من المحسوبين عليه لخوض المعركة الرئاسية.
فباسيل اضطر إلى سحب مناورته من التداول؛ لأن «الحزب» ليس في وارد السماح باللعب في الوقت الضائع، سواء لجهة تخلّيه عن الاقتراع بورقة بيضاء، وبالنسبة إلى اختيار من يرشّحه للرئاسة؛ لأنه بذلك يقحم نفسه في صدام سياسي مباشر مع حليفه على خلفية أن حجبه الأصوات عن مرشح زعيم «تيار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، لا يبرر مبادرته إلى طرح اسم منافس له.
وفي هذا السياق، تردّد أن باسيل اضطر إلى التسليم بدور «حزب الله» في إدارته ملف الانتخابات الرئاسية؛ لأسباب عدة، أبرزها أن معظم النواب في تكتل «لبنان القوي» توجّهوا إليه باللوم حيال بعض المواقف الصادرة عنه بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون من دون التنسيق معهم، إضافة إلى أن مجرد تبنّيه مرشحاً في مواجهة فرنجية سيؤدي حكماً إلى الإخلال بعلاقته مع حليفه «حزب الله».
كما أن باسيل لم يحسن إدارته مناورته على هذا الصعيد؛ لأنه ليس في وارد تمرير رسالة لمن يعنيهم الأمر بأنه قرر عزوفه عن الترشّح من دون حصوله من «الحزب» على ضمانات تتعلق بمستقبله السياسي، وبالتالي؛ فإن تمايزه عنه لم يعمّر طويلاً وإن كان يحاول أن يوحي بأنه يغرّد خارج سرب حليفه ولا يتناغم معه.
لذلك سيحرص باسيل، كما في جلسات الانتخاب السابقة، على الاصطفاف رئاسياً في المعسكر السياسي الذي يديره «الحزب»، وإن كانت مصادر في تكتله النيابي تتعامل مع إصراره على عدم الافتراق عنه بأنه يراهن على اهتزاز العلاقة بداخل الثنائي الشيعي، وهذا ما يتمناه، رغم أنه يدرك جيداً أن رهانه ليس في محله وسيحرق أصابعه لاحقاً؛ لأنه لا مجال لإحداث هوّة بين «الحزب» و«حركة أمل»، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من يدير اللعبة في داخل البرلمان، فيما «الحزب» يتولى تدوير الزوايا مع حلفائه في ظل تصاعد الخلاف بين بري وباسيل.
وعليه؛ فإن ما رُسم في جلسات الانتخاب السابقة سيبقى حاضراً في جلسة غد مع حصول تعديلات طفيفة لن تبدل من الواقع السياسي الحالي، ولن تُحدث تغييراً في ميزان القوى بعد أن انكفأ باسيل عن تسويق مناورته واضطراره للاقتراع في جلسة الانتخاب الأولى بـ«ورقة بيضاء»، على أن يصار إلى توزيع الأدوار لتعطيل انعقاد الجلسة الثانية رغم أن تياره السياسي كان أشاع عدم مقاطعته لها.
ويبقى السؤال: إلى متى يستمر تعطيل الجلسات؟ وهل يقبل النواب بملء إرادتهم تمديد مسرحية انعقادها لانتخاب الرئيس؛ فيما يدركون جيداً أنه لا جدوى من حضورهم إلى البرلمان ما لم يتبدّل المشهد السياسي المحكوم بتطيير النصاب، خصوصاً أن «حزب الله» بالنيابة عن «معسكر الورقة البيضاء» أعاد باسيل إلى بيت الطاعة وأبطل مناوراته؟
لبنان: جلسة انتخاب رئيس الجمهورية غداً تمديد لمسرحية التعطيل
«معسكر الورقة البيضاء» يعيد باسيل إلى «بيت الطاعة»
لبنان: جلسة انتخاب رئيس الجمهورية غداً تمديد لمسرحية التعطيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة