أفلام فرنسيس فورد كوبولا الصغيرة تبقى كبيرة

آخر فيلم له لم يوزع بعد

المخرج كوبولا خلال التصوير، من «شباب بلا شباب» أحد آخر أفلامه
المخرج كوبولا خلال التصوير، من «شباب بلا شباب» أحد آخر أفلامه
TT

أفلام فرنسيس فورد كوبولا الصغيرة تبقى كبيرة

المخرج كوبولا خلال التصوير، من «شباب بلا شباب» أحد آخر أفلامه
المخرج كوبولا خلال التصوير، من «شباب بلا شباب» أحد آخر أفلامه

من الطبيعي أن يُذكر اسم المخرج فرنسيس فورد كوبولا ويقرن مباشرة بأفلامه الضخمة: «العراب» في أجزائه الثلاثة و«سفر الرؤيا الآن» و«واحد من القلب» و«نادي القطن» و«بيغي سو تتزوّج» من بين أخرى.
يكفيه «العرّاب» الأول والثاني و«سفر الرؤيا الآن» لوضعه على منصّة «كبار» المخرجين. لقد ذهب في أفلامه الثلاثة هذه، إلى حيث لم يذهب أحد سواه لا في سينما «الغانغسترز» (كما حال «العرابين» وفي سينما الحرب «سفر الرؤيا الآن»). «نادي القطن» كان من المفترض به أن يكون البلورة المنفردة بدوره في سينما «الميوزيكالز»، «واحد من القلب» في السينما الرومانسية. لكن هذين الفيلمين تحديدًا نالا من هجوم النقاد الغربيين أكثر مما كانا يستحقّانه. رغم ذلك، هما وبقية الأفلام المذكورة نوعية من الأفلام الكبيرة التي تعالج مواضيع وشخصيات ومناطق إنسانية لم تعد تثير اهتمام هوليوود اليوم. إنتاجات السينما الحالية الكبيرة مصروفة على كل ما هو غير إنساني شكلاً ومضمونًا. أفلام مثل «ترانسفورمرز» و«ذا أفنجرز» و«جوراسيك بارك». ليس هناك إنسان بل كومبيوترات و«سوبرهيروز» وحيوانات.

* شباب يبحث
* على ذلك، وأحد أسباب تألّق أفلام كوبولا الكبيرة هي أنه انطلق، في بعضها على الأخص مثل «العراب الأول» و«سفر الرؤيا» و«واحد من القلب» كانطلاقته مستقلاً عن تعليمات هوليوود. ألبرت رودي، منتج «العراب» قال لي في مكتبه الكائن اليوم على بعد يسير من استديوهات «فوكس»: «كوبولا كان دخيلاً على هوليوود في تلك الآونة. باراماونت (الشركة التي موّلت «العرّاب») اعتقدت أنه بما أن كوبولا جديد على هوليوود، فإنها تستطيع فرض ما تريد عليه. لكنه كان عنيدًا وإلا لخسر الفيلم وخسر من فيه».
مثل سواه في الستينات، بينهم مارتن سكورسيزي وبرايان دي بالما، جاء كوبولا من السينما التي نصفها بـ«المستقلة» التي لا بد، بسبب عدم استحواذها على عناصر الإنتاج المادية القوية، أن تكون صغيرة من تلك التي تعرض في صالات نيويورك فتمر عابرة لا تلفت سوى اهتمام المتابعين الخالصين. من عام 1959 إلى عام 1968 أنجز خمسة أفلام ومشاهد من فيلم للمنتج روجر كورمان بعنوان «الرعب» (1963). «قوس قزح فينيان» (1968) كان أول احتكاك له مع شركة كبيرة هي وورنر: فانتازيا موسيقية مسحوبة عن كتاب مقتبس بدوره عن مسرحية، ومن بطولة فرد إستير والمغنية البريطانية بيتولا كلارك. رُشّح الفيلم لأوسكارين ولخمسة غولدن غلوبس وهو إذ لم ينل منها شيئًا، إلا أنه كان اللافت الأول لموهبة رجل يستطيع أن ينفّذ فيلمًا عالي العناصر الإنتاجية بأسلوبه الفني الخاص.
فيلمه الثاني كان أيضًا من توزيع وورنر، لكن إنتاجه انتمى لشركة أسسها بنفسه هي «أميركان زيتروب». الفيلم هو «أناس المطر»: دراما عن امرأة (شيرلي نايت) تبحث عن استقلالها. هذا الفيلم كان أصغر حجمًا. عمل من النوع الذي سيميل إلى تحقيقه كوبولا حتى وسط أعماله الكبيرة الأخرى. بعده دخل «العرّاب» ثم «المحادثة» (1974) الذي يبدو كما لو أنه صيغ كإنتاج أول، لكنه في واقعه بقي فيلمًا مستقل الاتجاه أسلوبًا وفنًا.
وفي حين أن جورج لوكاس وستيفن سبيلبرغ، وهما مخرجان من جيله، بدآ بأفلام صغيرة ثم دخلا عرين الأفلام الكبيرة وبقيا فيها إلى اليوم، فإن كوبولا هدف للتنويع. «العراب 2» حدث سنة 1974 أيضًا، ثم تبعه «سفر الرؤيا» بعد سنوات من الشقاء، سنة 1979 وبعده «واحد من القلب» (1981) ثم توقّف كوبولا عن كل هذا النمط على ازدواجية منحاه ما بين الفني والمؤسساتي - الهوليوودي، ليقدّم أول فيلم مستقل فعلي له منذ تركه تلك الأفلام مع نهاية الستينات. الفيلم هو «المنبوذون» (أو The Outsiders) سنة 1983 الذي جمع له كل أولئك الذين غدوا لاحقًا نجومًا كبيرة في السنوات التالية: توم كروز، باتريك سوايزي، مات ديلون، س. توماس هاول، دايان لاين، وروب لاو من بين آخرين.
هذه دراما شبابية بالأبيض والأسود حول عصبتين من الشبّان الأولى من الفقراء والثانية من الأغنياء. شيء مثل فيلم «وست سايد ستوري» لجيروم روبنز، وروبرت وايز من دون موسيقى أو قصّة حب روميو - جولييتية.
في العام ذاته، وإن عرض لاحقًا، أخرج «رامبل فيش»: مرّة أخرى مع شباب يحاول شق طريق ضبابي: مات ديلون يحاول تحقيق ذاته ومثله الأعلى راكب الدرّاجات الخارج عن المجتمع ميكي رورك.
عودة لهوليوود

قطع كوبولا إجازته عن هوليوود وعاد إليها لفيلمه الكبير «نادي القطن» (1985) عن حياة الثلاثينات وموسيقى الجاز وملاهي مدنها وعصاباتها. ثم انتقل إلى الفيلم الكوميدي الخفيف «بيغي سو تتزوّج» (1986) وعينه مجددًا على الشخصيات البشرية في أزماتها. الموضوع ذاته تناوله في «حديقة الحجر» (1987). سقوط هذا الفيلم والضغط الذي مارسته باراماونت عليه أديا إلى قيامه بإخراج «العرّاب 3» سنة 1990. ألبرت رودي يقول: «كل واحد كان يريد من كوبولا أن يعود إلى «العراب» وأنا أحدهم. لكن كوبولا كان يمانع. لم يجد في ذاته الرغبة إلا بعد أن طاردناه لأجل القيام بهذه المهمّة».
قبل ذلك، صوّر المخرج وضعه هو في فيلم رائع اسمه «تاكر: الرجل وحلمه»: إنه عن مصمم سيارات فعلي اسمه برستون تاكر (قام به جف بردجز) صمم سيارات سابقة لأوانها في الخمسينات. مستقل الإرادة والتمويل. لكن خطّته واجهت رفض شركات الصناعة الكبرى (فورد وكريزلر وجنرال موتورز مثلاً) على إنتاجها. صنعها بنفسه وخسر. استبدل تاكر بكوبولا وسياراته بأفلام المخرج وشركات صناعة السيارات بشركات هوليوود وستجد نفسك أمام ما يشبه السيرة الذاتية.
كوبولا، بعد مغامرات أخرى على الجانبين لا يمكن وصفها بالسيئة أو الفاشلة، التزم بالسينما المستقلة من جديد. بعد توقف دام عشر سنوات عاد سنة 2007 بفيلم «شباب بلا شباب»، عمل فني رائع عن قصّة حب موغلة في الغموض من بطولة ألكسندرا ماريا لارا وتيم روث، ثم بفيلم «تيترو» (2009) وبعده بعامين «تويكست» ولديه الآن فيلم جديد هو «رؤية بعيدة». مر الفيلم مرور الكرام على الشاشات الأميركية مطلع الشهر الماضي، لكنه ما زال بلا عقد توزيع خارجي حتى الآن.
هذا الوضع المؤسف ليس من نصيب كوبولا، لكنه كاشف عن سينما ما عادت تريد أن تستوعب ما يمكن للعبقرية الفنية توفيره. ليس أنه بالضرورة يحقق أفلامًا صعبة (ليست على منوال أفلام ترنس مالك على أي حال)، لكن حتى في داخل هذا المحيط، يتأكد افتراقه لا عن هوليوود كصناعة ورأسمال فقط، بل عن جمهور إن لم تزره دومًا لن يزورك، إن لم تمنحه ما يبحث عنه لن يمنحك فرصة البقاء.
ليس بالضرورة أن الجمهور يطلب من كوبولا ما لا يستطيع كوبولا توفيره: فيلم كبير، شاهق، رائع، لكن الشروط صارت صعبة إذ على كوبولا لكي يستجيب أن يتنازل عن مرتبته ليصبح جنديًا. والوقت تأخر حتى عن ذلك.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.