التقدم إلى الخلف

أرنولد شوارتزنيغر… من جديد
أرنولد شوارتزنيغر… من جديد
TT

التقدم إلى الخلف

أرنولد شوارتزنيغر… من جديد
أرنولد شوارتزنيغر… من جديد

* Terminator Genisys
‫* إخراج: آلان تايلور‬
* تمثيل: أرنولد شوارتزنيغر، جاسون كلارك، إميليا كلارك، ج. ك. سيمونز.
* التقييم: (*2)
* العبارة التي استخدمت أكثر من مرّة في الأجزاء الأربعة الأولى من «ترميناتور» هي «سأعود‫» (I›ll be back) يقولها آرنولد شوارتزنيغر بلكنة تهديد أصابت هوى الجمهور في عام 1984 لأنه أحب شغل المخرج جيمس كاميرون عليه كما أحب الحبكة بأسرها: مخلوق فضائي يحط على الأرض ومهمّته قتل المرأة التي ستنجب من سينقذ الأرض. في الجزء الثاني (لكاميرون أيضًا، 1991) نفذ وعده (أو تهديده) ولو أنه انتقل الآن لينقذ المرأة وابنها من سيبورغ آخر حط على الأرض ويرفض أن يموت.‬
الرغبة في عصر آخر قطرات النجاح لهذا المسلسل السينمائي دفع صانعي الفيلم (كاتبان ومنتجان وشركة باراماونت) لإنجاز فيلم يستثمر آخر ما وصلت إليه تقنيات المؤثرات الخاصة. صرعات الديجيتال والشاشة الخضراء والكومبيوتر غرافيكس وكل تلك الخدع البصرية التي لم تكن واردة حتى قبل عشر سنوات، فما البال بعام 1984.
رغم ذلك، يبدو «ترميناتور» الأول أكثر جودة وهو ليس فيلم جيمس كاميرون الأفضل صنعًا بين أعماله. هذا التفضيل ليس عن نوستالجيا للقديم بل عن أسباب حقيقية متوفرة. الحبكة الأولى وشخصياتها كانت بسيطة: مخلوق سيبورغ (آلي، حاسوبي) يهبط من الفضاء لينفذ مهمّة. هو مخلوق لا يمكن قتله والضحية امرأة بلا مزايا قوّة. لم يكن مطلوبًا من شوارتزنيغر الذي كان في الثامنة والثلاثين من عمره آنذاك أن يتقمّص ويجسّد. فقط أن يتحرك. هذا رائع لأنه أفضل «متحرك» في دور من المفترض أن يكون غير بشري.
هنا يختلف الوضع وهو اختلف منذ أن تقرر أن ينتقل شوارتزنيغر إلى جانب الخير. إلى ذلك هناك كم من العوامل التي تعقد الحبكة من دون أن توفر تشويقًا. نحن في عام 2029 والمتمرد على سطوة نظام إلى جون (جاسون كلارك)، يكتشف أن الكون الخارجي بعث بسيبورغ جديد لقتل والدته… الميّتة أصلاً؟ كيف؟ هذا الروبوت المتقدّم سيخترق الزمن إلى عام 1984 لكي يقتل الأم (لعبتها ليندا هاملتون في الجزأين الأول والثاني وتؤديها هنا إميليا كلارك) ليعاود محاولة قتلها قبل إنجابه. لست متأكدًا إذا ما أراد جون إنقاذ حياته أو إنقاذ والدته لكنه يجد طريقة للعودة إلى الوراء بدوره ولقاء أمه التي لم تكن أنجبته بعد!
كيف ولماذا ومتى وماذا لو … هي بدايات أسئلة تتطاير باتجاهك والفيلم لا يقوى على منعها. تكشف عن ثغرات عدّة. من أهمها أن السيبورغ المتقدّم الذي شوهد سابقًا يعيد تأليف نفسه وشكله بعد كل محاولة نسف ودهس وتدمير (هذا هو شوارتزنيغر) لم يستطع الحفاظ على عمره. شاخ. هنا يحاول الفيلم تبرير ذلك بالإيحاء أن لهذا المخلوق غير الآدمي خلايا يصيبها التغيير كتلك التي عند الإنسان.
تقنيًا، الفيلم منفّذ مثل سواه هذه الأيام حيث تأثير التنفيذ الصناعي عليه طاغ على لذاته. لعل الجمهور المنتظر يعود يومًا.
(*1): لا يستحق | (*2): وسط | (*3): جيد | (*4): ممتاز | (*5): تحفة‬



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز