ميلوني تسعى لطمأنة الأوروبيين... وبروكسل تترقب أفعال روما

تردد في أوساطها أن مثالها الأعلى ثاتشر البريطانية لكنها أقرب إلى لوبان الفرنسية

ميلوني تصافح رئيس المجلس الأووبي شارل ميشال ببروكسل في 3 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
ميلوني تصافح رئيس المجلس الأووبي شارل ميشال ببروكسل في 3 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

ميلوني تسعى لطمأنة الأوروبيين... وبروكسل تترقب أفعال روما

ميلوني تصافح رئيس المجلس الأووبي شارل ميشال ببروكسل في 3 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
ميلوني تصافح رئيس المجلس الأووبي شارل ميشال ببروكسل في 3 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

اعتادت رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة جيورجيا ميلوني أن تردّد بين المقرّبين منها، أن مثالها الأعلى في السياسة هي مارغريت ثاتشر. لكن على الرغم من المزايا التي تؤهلها لهذا الدور، ما زالت أقرب إلى زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف السابقة مارين لوبان منها إلى رئيسة الحكومة البريطانية السابقة.
تملك ميلوني سلاحين سياسيين قاطعين أشهرتهما ببراعة في خطابها الأول منذ أسبوعين أمام البرلمان يوم تسلّمت مهامها. سلاحان اكتسبتهما بشكل طبيعي ويتوقف على براعتها في استخدامهما مستقبلها السياسي كأول امرأة في تاريخ إيطاليا تترأس الحكومة. فهي الفتاة العصامية التي شقّت وحدها طريقها في عالم السياسة الذي يسيطر عليه الرجال، وفي حزب يمجّد صورة الذكر مثل «الحركة الاجتماعية الإيطالية»، وريثة الحزب الفاشي، التي تدرّجت فيه خلال المراحل الأولى، في بلد فحولي بامتياز مثل إيطاليا. وهي أيضاً، وبشكل خاص، تلك السيرة حول نشأتها في كنف عائلة فقيرة، هجرها الوالد باكراً وتولّت الوالدة وحدها تربيتها مع شقيقتها في أحد أحياء الطبقة العاملة، التي تجرد المعارضة اليسارية من الحجة والقدرة على انتقادها، وتمدّها بالقدرة على ترسيخ زعامتها لليمين الإيطالي في وجه حلفائها الذين يتربصون بها بعد أن اضطروا للتسليم على مضض بهذه الزعامة التي لم تكن يوماً في حساباتهم.
على الجبهة الاقتصادية، اختارت ميلوني أن تبدأ مسيرتها على رأس الحكومة في خطى الرئيس السابق ماريو دراغي الذي كانت وحدها تقف ضده في صف المعارضة. لكنها لم تتأخر في التجاوب مع أنصارها المتشددين الذين كانوا يطالبون بسماع أنغام يد النظام الحديدية في سيمفونية الحكومة الجديدة، وكان أول قرار تتخذه حظر الاحتفالات الموسيقية غير المرخصة التي تلجأ عادة إلى تنظيمها مجموعات فوضوية ويسارية متطرفة، وإنزال عقوبة بالسجن ست سنوات ضد مخالفي هذا القرار.
في موازاة ذلك، كانت مجموعات تحتفل بمئوية مسيرة الفاشيين على روما في المكان الذي يوجد فيه ضريح بنيتو موسوليني، من غير أن تتدخل قوات الشرطة لمنعهم بعد تصريحات مذهلة لوزير الداخلية الجديد الذي قال إن مثل هذا الاحتفال يتكرر كل سنة من دون إخلال بالأمن.
وإلى جانب ذلك القرار، كانت الحكومة الجديدة تستعيد سياسة إقفال الموانئ في وجه المنظمات غير الحكومية التي تحاول إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين في عرض البحر، مدشّنة بذلك أول أزمة مع شركائها الأوروبيين.
لكن في المقابل، حرصت ميلوني على طمأنة الحلفاء في الاتحاد، واختارت أن تكون زيارتها الخارجية الأولى إلى بروكسل، في وقت أعلنت فيه أنها تحضّر لزيارة قريبة إلى كييف للاجتماع بالرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي وتأكيد استمرار الدعم الإيطالي له. ويقول المقربون منها إن الهدف من هذه الخطوات هو توسيع دائرة المواجهة السياسية وتوطيد زعامتها للمعسكر اليميني المهيمن، بالتشدد على الجبهة الآيديولوجية من جهة، والتزام الخط الأوروبي في العناوين الكبرى للسياسة الخارجية من جهة أخرى.
واللافت أن الرأي العام الإيطالي استقبل صعودها إلى صدارة المشهد السياسي بالفضول والترقّب، وبقدر من المديح في صفوف بعض المعارضة اليسارية النسائية، على الرغم من أنها اختارت أن تتحدّى هذه المجموعة الأخيرة عندما أصرّت على أن يكون لقبها «رئيس» وليس «رئيسة» الحكومة. ويتحدّث المراقبون عن «شهر عسل» بين ميلوني وشريحة سياسية من المفترض أن تكون في عداد المعارضة لحكومتها، لكنهم لا يتوقعون أن يدوم ذلك طويلاً، ليس فقط لأنها لا تمتلك كثيراً من مواصفات ثاتشر، بل لأن الهبوط على المسرح السياسي الإيطالي من خارج الدوائر التقليدية مغامرة محفوفة بكل أنواع المكائد والمخاطر التي لم يسلم منها أحد في الماضي.
وبخلاف ثاتشر، لم تجد ميلوني في والدها قدوة تحتذى، بعد أن هجر العائلة وهي صغيرة وانتهى به الأمر في السجون الإسبانية مداناً بتهمة الاتجار بالمخدرات. لكنها في المقابل، واجهت صعوبات كبيرة في نشأتها كما تحكي في سيرتها الذاتية «أنا جيورجيا: جذوري وأفكاري»، الأمر الذي يسبب حرجاً كبيراً لليسار الإيطالي الذي يتعذّر عليه توجيه سهام انتقاداته إلى سيرتها الذاتية الصعبة، لا سيما أن الحضور النسائي في المواقع القيادية اليسارية ضئيل جداً.
ويبقى الرهان الأساسي الذي سيحدد مسار ميلوني هو سياستها الأوروبية التي تبدو حريصة جداً ومتأنية في تحديد خطواتها، لا سيّما أن حليفيها في الحكومة، زعيم حزب «فورتسا إيطاليا» سيلفيو برلوسكوني وزعيم حزب «الرابطة» ماتيو سالفيني، لا يحظيان بثقة المؤسسات الأوروبية التي أوضح رؤساؤها مؤخراً أن العلاقات مع روما لن تتعرّض لأي اهتزاز طالما التزمت الحكومة الإيطالية الجديدة القواعد والمبادئ الأساسية المتوافق عليها في الاتحاد.
إلى جانب ذلك، تواجه ميلوني مشكلتين أساسيتين لترسيخ دعائم مشروعها السياسي. الأولى، طي صفحة الماضي الفاشي بصفة نهائية، الذي لا توفر مناسبة أو تصريحاً لتبديد الشكوك حوله، لكن من غير أن تحقق نتائج ملموسة حتى الآن، لا سيّما بعد اختيارها إيغناسيو دي لا روسّا لرئاسة مجلس الشيوخ، وهو من الرموز الرئيسية للفاشيين الجدد. والثانية، عدم تمكنها من الوفاء بوعدها بتشكيل حكومة من شخصيات سياسية بارزة.

حيث إن معظم الوزراء من شخصيات الصف الثاني أو الثالث فرضها حليفاها اللذان لا يشكّ أحد في أنهما يسعيان، منذ اليوم الأول لفوزها في الانتخابات، إلى إزاحتها عن الموقع الذي يعد كل منهما أنه الأحقّ به.
ويتردد في أوساط المؤسسات الأوروبية أن محاولات ميلوني لتطمين الشركاء في الاتحاد بتصريحات حول استعدادها للتعاون، لم تقنع المسؤولين الأوروبيين الذين توقفوا بقلق عند قراراتها الأولى التي استهدفت حرية التعبير بقسوة غير معهودة، والتطرف في ملف الهجرة الذي كان جبهة مفتوحة بين بروكسل وروما طوال وجود سالفيني في وزارة الداخلية الإيطالية. وتصرّ حكومة ميلوني منذ أسبوعين على إقفال الموانئ البحرية في وجه 4 قوارب إنقاذ تحمل على متنها ما يزيد على ألف مهاجر، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، على الرغم من تحذيرات المنظمات الإنسانية بأن وضع المهاجرين الصحي يتدهور بسرعة، وأن سوء الأحوال الجوية ينذر بكارثة في عرض البحر بين لحظة وأخرى.
وكان مسؤول في المفوضية الأوروبية علّق أول من أمس (الاثنين)، على هذا الوضع بقوله: «كيف نفسّر للعالم أن بلدان الاتحاد الأوروبي قد فتحت أبوابها من غير قيود لملايين اللاجئين الأوكرانيين منذ بداية الغزو الروسي، وهي اليوم ترفض استقبال بضع مئات من المهاجرين المعرضين للخطر داخل مياهها الإقليمية؟».


مقالات ذات صلة

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

ألمانيا تشن حملة أمنية كبيرة ضد مافيا إيطالية

في عملية واسعة النطاق شملت عدة ولايات ألمانية، شنت الشرطة الألمانية حملة أمنية ضد أعضاء مافيا إيطالية، اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. وأعلنت السلطات الألمانية أن الحملة استهدفت أعضاء المافيا الإيطالية «ندرانجيتا». وكانت السلطات المشاركة في الحملة هي مكاتب الادعاء العام في مدن في دوسلدورف وكوبلنتس وزاربروكن وميونيخ، وكذلك مكاتب الشرطة الجنائية الإقليمية في ولايات بافاريا وشمال الراين - ويستفاليا وراينلاند – بفالتس وزارلاند.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

إيطاليا ترفع الحظر عن «تشات جي بي تي»

أصبح برنامج «تشات جي بي تي» الشهير الذي طورته شركة الذكاء الاصطناعي «أوبن إيه آي» متاحا مجددا في إيطاليا بعد علاج المخاوف الخاصة بالخصوصية. وقالت هيئة حماية البيانات المعروفة باسم «جارانتي»، في بيان، إن شركة «أوبن إيه آي» أعادت تشغيل خدمتها في إيطاليا «بتحسين الشفافية وحقوق المستخدمين الأوروبيين». وأضافت: «(أوبن إيه آي) تمتثل الآن لعدد من الشروط التي طالبت بها الهيئة من أجل رفع الحظر الذي فرضته عليها في أواخر مارس (آذار) الماضي».

«الشرق الأوسط» (روما)
العالم إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

إيطاليا في «يوم التحرير»... هل تحررت من الإرث الفاشي؟

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) من كل عام تحتفل إيطاليا بـ«عيد التحرير» من النازية والفاشية عام 1945، أي عيد النصر الذي أحرزه الحلفاء على الجيش النازي المحتلّ، وانتصار المقاومة الوطنية على الحركة الفاشية، لتستحضر مسيرة استعادة النظام الديمقراطي والمؤسسات التي أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم. يقوم الدستور الإيطالي على المبادئ التي نشأت من الحاجة لمنع العودة إلى الأوضاع السياسية التي ساهمت في ظهور الحركة الفاشية، لكن هذا العيد الوطني لم يكن أبداً من مزاج اليمين الإيطالي، حتى أن سيلفيو برلوسكوني كان دائماً يتغيّب عن الاحتفالات الرسمية بمناسبته، ويتحاشى المشاركة فيها عندما كان رئيساً للحكومة.

شوقي الريّس (روما)
شمال افريقيا تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

تعاون مصري - إيطالي في مجال الاستثمار الزراعي

أعلنت الحكومة المصرية عن عزمها تعزيز التعاون مع إيطاليا في مجال الاستثمار الزراعي؛ ما يساهم في «سد فجوة الاستيراد، وتحقيق الأمن الغذائي»، بحسب إفادة رسمية اليوم (الأربعاء). وقال السفير نادر سعد، المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، إن السفير الإيطالي في القاهرة ميكيلي كواروني أشار خلال لقائه والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، (الأربعاء) إلى أن «إحدى أكبر الشركات الإيطالية العاملة في المجال الزراعي لديها خطة للاستثمار في مصر؛ تتضمن المرحلة الأولى منها زراعة نحو 10 آلاف فدان من المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاج إليها مصر، بما يسهم في سد فجوة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي». وأ

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.