شكّلت أروقة واجتماعات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة حول المناخ «كوب 27»، ساحة استعرضت خلالها الدول الصناعية الكبرى (دول الشمال)، مستهدفاتها بشأن مواجهة التغيرات المناخية، بداية من السعي لخفض الانبعاثات الكربونية، والدعوة لتمويل التكيف مع التغيرات المناخية، وصولاً إلى المطالبة بتشكيل تحالفات عالمية لمواجهة التحدي الأخطر الذي يواجه كوكب الأرض.
وتتواصل اجتماعات ممثلي أكثر من 100 دولة حول العالم، في مدينة شرم الشيخ المصرية، حتى 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في محاولة لوضع خطة عملية لمواجهة التغيرات المناخية، في القمة التي يُطلق عليها «قمة التنفيذ».
وبسبب انعقاد المؤتمر في دولة أفريقية، كان لأفريقيا حضور واسع في المناقشات، باعتبارها تضم «أكثر الدول تضرراً من المناخ»، في الوقت الذي «لا تساهم فيه إلا بـ(3) في المائة فقط من الانبعاثات الكربونية»، حسب وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، اليوم (الثلاثاء)، في كلمته ضمن جلسة حملت عنوان «جهود المجتمع الدولي لدعم البرنامج الأفريقي للتكيف مع المناخ»، ضمن فعاليات «كوب 27».
وتضمنت الجلسة التي عُقدت بدعم فرنسي، تأكيدات أوروبية على «دعم تمويل جهود القارة الأفريقية للتكيف مع المناخ». وأكدت فرنسا، على لسان وزيرة الدولة للتنمية والفرنكوفونية كريسولا زاكاروبولو، «التزام فرنسا تجاه دعم البرنامج الأفريقي للتكيف مع المناخ».
وجاء البرنامج الأفريقي للتكيف مع المناخ استجابة أفريقية لمواجهة آثار التغيرات المناخية في القارة، بهدف عرض احتياجاتها لتقليل الأضرار الناجمة عن المناخ في أكثر المناطق ضعفاً، ويرصد البرنامج نحو 25 مليار دولار لتعزيز إجراءات التكيف بحلول عام 2025، لكن الرئيس السنغالي ماكي سال، قال خلال الجلسة، إن «أفريقيا تحتاج إلى 100 مليار دولار».
وأكدت بلجيكا والنرويج وألمانيا، خلال الجلسة، «التزامها بدعم التكيف مع المناخ في القارة»، وقال المستشار الألماني، أولاف شولتس، إن «بلاده ملتزمة بتمويل مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية»، لكن المستشار لم يكتفِ بدعم مشروعات التكيف، بل حاول تشكيل تحالف عالمي لمواجهة التغيرات المناخية، داعياً، خلال جلسة أخرى رفيعة المستوى ضمن فعاليات «كوب 27»، إلى «إنشاء درع وقائية ضد مخاطر المناخ، وتأسيس نادٍ للمناخ»، قال إنه «يمكن من خلاله أن تتفق الدول على جانب مشروعات أكثر صداقة للبيئة والمناخ».
وأكد شولتس أن «ألمانيا ستتخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري دون أي قيد أو شرط»، مشيراً إلى «عزم الحكومة الألمانية تعزيز استخراج الغاز من حقول في أفريقيا على سبيل المثال»، كوسيلة لمواجهة أزمة الغاز التي تسببت فيها الحرب الروسية - الأوكرانية.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فحثّت على خفض الانبعاثات الكربونية، وقال تقرير حكومي، مساء أمس، إن «أميركا بحاجة إلى إجراء تخفيضات أسرع وأعمق بكثير لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مدى العقود الثلاثة المقبلة، لتحقيق الأهداف الدولية الرامية للسيطرة على أسوأ آثار تغير المناخ».
وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية بعد الصين. وحسب مسودة التقييم الوطني الخامس للمناخ، المطلوب من «الكونغرس» نشره كل 4 سنوات، فإن «أميركا نجحت في تخفيض الانبعاثات بنسبة 12 في المائة بين عامي 2007 و2019، اعتماداً على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، وتحسين الكفاءة»، لكن التقرير أكد على «ضرورة أن تنخفض بأكثر من 6 في المائة سنوياً، لتحقيق هدف إزالة الكربون بحلول عام 2050».
ودعا جون كيري، وزير الخارجية الأميركي الأسبق والمبعوث الرئاسي الخاص للمناخ، في كلمة ألقاها بجناح القطاع الخاص لأميركا في «كوب 27»، إلى «بذل جهود كبيرة للحد من الانبعاثات الكربونية»، موضحاً أنه «للحفاظ على الهدف المناخي بإبقاء درجات الحرارة عند 1.5 درجة، لا بد من تسخير جميع الإمكانات والطاقات، بالتعاون بين القطاع الخاص والحكومات ورواد الأعمال».
ويرى وليد منصور، مدير برنامج المناخ والطاقة في مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية، أن «الدول الكبرى تستهدف تحقيق السلام بشكل عام»، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المقصود بالسلام ليس فقط منع الحروب العسكرية، بل أيضاً مواجهة أزمات الأمن الغذائي والمائي، وأي مشكلات أخرى قد تتسبب في نزوح مهاجرين، مما يؤثر على دولهم سياسياً واقتصادياً، لا سيما أن اقتصادهم مبنيّ على التصنيع والتصدير لدول الجنوب».
ويقول منصور، إن «حكومات الدول الكبرى وهي تسعى لتحقيق الاستقرار المناخي، تعتمد آليات مختلفة في بلدان الجنوب عن تلك التي تعتمدها في دولها، فتجدهم يطرحون حلولاً تتعلق بتوفير تمويل على سبيل المثال»، مشيراً إلى أن «هذه الحلول تبقى بلغة المناخ حلولاً بيضاء؛ أي قررها الرجل الأبيض، دون أن يأخذ في اعتباره احتياجات دول الجنوب»، ويضيف أن «دعم التحول البيئي في مصلحة الجميع، سواء في الشمال أو الجنوب».
وكان رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، طالب (اليوم) المجتمع الدولي بـ«تفهم مطالب أفريقيا التي هي أقل مساهمة في الانبعاثات الكربونية»، داعياً إلى «تمويل المخاطر والأضرار التي لحقت ببلدان القارة من تبعات التغيرات المناخية». كما أكد الرئيس السنغالي ماكي سال، في نفس الجلسة، أن «التمويل هو مفتاح النجاح في مواجهة التغيرات المناخية».
ما المستهدفات الحالية للدول الكبرى بشأن المناخ؟
أميركا لتخفيض الاحتباس... وفرنسا تسعى للتكيف... وألمانيا تروّج لـ«نادٍ دولي»
ما المستهدفات الحالية للدول الكبرى بشأن المناخ؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة