10 مليارات دولار حجم التكلفة الإعلامية في الانتخابات النصفية الأميركية

الأثرياء يمولون الإنفاق على الحملات

ارقام وتقديرات على شاشة «سي إن إن».
ارقام وتقديرات على شاشة «سي إن إن».
TT

10 مليارات دولار حجم التكلفة الإعلامية في الانتخابات النصفية الأميركية

ارقام وتقديرات على شاشة «سي إن إن».
ارقام وتقديرات على شاشة «سي إن إن».

ككل انتخابات أميركية، يدخل الإنفاق على الحملات الانتخابية، في صلب التنافس السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وتتحول وسائل الإعلام لميادين مواجهة مفتوحة، مباح فيها استخدام شتى أنواع الأسلحة، للنيل من الخصم، حتى ولو اتخذ بعضها أشكالا قبيحة، كالتحريض أو التهكم أو حتى الكذب.
ومع تحول الإعلانات السياسية لأمر ضروري في كل الحملات، شهدت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات النصفية، التي ستجري غداً، تكثيفاً غير مسبوق في عددها والميادين التي استهدفتها. بيد أن المفارقة التي لفتت انتباه المراقبين، أن الإنفاق عليها سيسجل رقما مذهلا يطيح حتى بالرقم القياسي الذي سجل في الانتخابات الرئاسية والعامة عام 2020؛ إذ توقعت مؤسسات متخصصة في متابعة الإنفاق على الانتخابات الأميركية، أن يقترب الرقم من نحو 10 مليارات دولار أميركي، أي أكثر بنحو مليار دولار عن الانتخابات الرئاسية، التي تنافس فيها دونالد ترمب وجو بايدن، وأكثر من ضعفي ما أنفق في حملة الانتخابات النصفية التي نظمت عام 2018، عندما سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب.


تاكر كارلسون... على «فوكس نيوز»

عادة ما تكون دورات الانتخابات الرئاسية أكثر تكلفة من دورات التجديد النصفية. بيد أن المنافسة «الشاملة» هذا العام على كل شيء، وضعت الحزبين الديمقراطي والجمهوري أمام معركة قاسية من شأنها أن تغير، ليس فقط نتائج الصراع على الكونغرس، ومستقبل التنافس على الرئاسة في 2024، بل أيضاً مستقبل الديمقراطية والسياسة الأميركية، والنظرة إليها داخل الولايات المتحدة وخارجها.
هذا العام يتوقع الجمهوريون أن يسيطروا على مجلسي الشيوخ والنواب، لتكون المرة الأولى التي يتمكن فيها الحزب اليميني المعارض (ولونه الرمزي الأحمر)، من قلب السيطرة على المجلسين معا، منذ عام 2006 عندما سجل الديمقراطيون «موجة زرقاء». ومع توقعات معاكسة تشير إلى احتمال احتفاظ الديمقراطيين بسيطرتهم على مجلس الشيوخ، يحتدم الصراع أيضاً على مناصب حكام الولايات وعلى المسؤولين الحكوميين الكبار في الولايات الذين سيلعبون دورا في إعادة توزيع المناطق الانتخابية، والأهم منها، المصادقة على نتائج الانتخابات. وبالفعل، شهدت الإعلانات التلفزيونية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والمنشورات والملصقات، لدعم المرشحين، تسجيل أرقام قياسية لناحية عدد المرات التي ظهرت فيها تلك الإعلانات.


تغطية «إم إس إن بي سي نيوز»

سيطرة الأثرياء

هذا، وفي حين نجح الحزبان في تنظيم حملات تبرعات ناجحة، سجلت مراكز متخصصة في قراءة الانتخابات الأميركية، أن المرشحين الأثرياء وكبار الممولين من الأثرياء الذين يقدمون التبرعات، باتوا يسيطرون على المشهد الإعلامي في الانتخابات الأميركية، سواء لدى الجمهوريين أو الديمقراطيين. وحقاً، أسهم الاستقطاب السياسي الحاد الذي يقسم البلاد اليوم في تحويل «الحزبية» إلى العامل الرئيسي في الترويج للمرشحين، وفي سهولة الوصول إلى أدوات جمع التبرعات عبر الإنترنت. وتوقعت تلك المؤسسات إنفاق 2.43 مليار دولار على سباقات الحكام، و2.37 مليار دولار على سباقات مجلس الشيوخ، و1.88 مليار دولار على سباقات مجلس النواب، و2.99 مليار دولار على سباقات المسؤولين الحكوميين في الولايات.
أيضا، توقع المتخصصون أن يتجاوز البث الإعلاني بالفعل حوالي 5 مليارات دولار خلال الأسبوع الأخير قبل يوم الانتخابات. وهو ما يتجاوز بالفعل أكثر مما جرى إنفاقه على الإعلانات خلال الانتخابات النصفية عام 2018 بأكملها. وفي حين سجلت ولاية فلوريدا نسبة الإنفاق الأعلى بين الولايات في سباق مجلس الشيوخ عام 2018 متجاوزة مبلغ 100 مليون دولار، شهدت ولايات جورجيا وأريزونا وبنسلفانيا ونيفادا وويسكونسن وأوهايو أرقاما مذهلة هذا العام. فقد سجل السباق على مقعد مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا وحدها، إنفاق أكثر من 200 مليون دولار، على الإعلانات والرسائل التلفزيونية. وشهد السباق على المقاعد النيابية في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، أكبر إنفاق منذ أوائل سبتمبر (أيلول)، علما بأن الولاية تشهد منافسات حادة على منصب الحاكم وكلا المجلسين في الكونغرس. وحلت مدينة فيلادلفيا، كبرى مدن ولاية بنسلفانيا، في المركز الثاني من حيث الإنفاق، على مقاعد مجلس الشيوخ والحاكم، بينما حلت مدينة بوسطن عاصمة ولاية ماساتشوستس في المرتبة الثالثة. وللعلم، فإن السباق الأكثر تكلفة على الإعلان في معارك حكام الولايات كان على منصب حاكم ولاية تكساس.

10 أولويات مختلفة

في إحصاء لمؤسسة «آدأيمباكت»، عن أكثر وأهم 10 مواضيع، جرى تناولها أو تغطيتها أو التحريض عليها في البث والإعلانات التلفزيونية والكابل، بالنسبة للديمقراطيين، في سباقات مجلسي النواب والشيوخ منذ بداية سبتمبر، كانت: الإجهاض، والرعاية الصحية، والجريمة، والتأمين الصحي، وشخصية المرشح، والضرائب، والاهتمامات الخاصة، والوظائف، وتطبيق القانون، والضمان الاجتماعي.
وفي المقابل فإن المواضيع العشرة الأكثر شيوعا وتغطية لدى الجمهوريين، كانت: الضرائب، وجو بايدن، والتضخم، والجريمة، ونانسي بيلوسي، والهجرة، وشخصية المرشح، والطاقة، وتمويل الشرطة، وإصلاح العدالة الجنائية. وهو ما دفع، في الآونة الأخيرة الديمقراطيين وعدداً من المراقبين إلى تحميل الجمهوريين مسؤولية تزايد العنف في الحملات الانتخابية، مستدلين بذلك، على حملاتهم المركزة والتحريض على رئيسة مجلس النواب بيلوسي. وهو ما أدى، بحسب قولهم، إلى تعرض زوجها لاعتداء جسدي خطير داخل منزلهما في ولاية كاليفورنيا، من أحد المتطرفين اليمينيين. وتبين أنه كان يريد خطف بيلوسي وتحطيم ركبتيها بمطرقته.
وكجزء من تركيز الجمهوريين على ربط أعلى نسبة تضخم منذ 4 عقود بسياسات الديمقراطيين، أصبحت صور مضخات البنزين وممرات متاجر البقالة «كليشيهات» سياسية هذا العام، واستخدمت في العديد من إعلانات مرشحي الحزب الجمهوري. وبحسب «آدأيمباكت»، بلغت الإعلانات المتعلقة بالبنزين والغاز ضعفي عدد الإعلانات التي تناولت «البقالة» و«الطعام». ثم إن الجمهوريين أداروا الكثير من الإعلانات السلبية عن الديمقراطيين، في حين أشاد الديمقراطيون بما أنجزوه. وبحسب المؤسسة نفسها، حظيت 5 ولايات، في السباق على مقاعد مجلس الشيوخ، على أعلى نسبة من الإعلانات «السلبية» عبر البث التلفزيوني والكايبل. وسجلت ولاية ألاسكا 75 في المائة من الإعلانات ذات النبرة السلبية، وويسكونسن 71 في المائة، وأوهايو 68 في المائة، وكل من كولورادو وأريزونا 64 في المائة.
وفي سياق متصل، وجهت إلى بعض الرموز والشخصيات الإعلامية البارزة من اليمينيين المتشددين، أمثال الإعلامي الشهير على محطة «فوكس نيوز»، تاكر كارلسون، انتقادات شديدة. فقد قاد كارلسون حملة وصفت بـ«القذرة» و«تجاوزت الأخلاقيات»، عبر التحريض والتهكم على المرشح الديمقراطي لمنصب مجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا جون فيترمان، الذي أصيب بجلطة دماغية خلال أغسطس (آب) الماضي. إذ صوره كارلسون بـ«الرجل الآلي» بسبب استخدامه في الأيام الأولى من علاجه أدوات تقنية مساعدة للدماغ ومربوطة بحاسوب خاص.
ولقد أثار تهكمه هذا تساؤلات عن دور الإعلام وشرعية استخدامه في «حملات تضليل»... وكيف يمكن للصحافة أن تدحض زيف التلميح إلى تضخيم إعاقة بعض المرشحين والحؤول دون المعلومات المضللة؟ وفعلاً انطلقت حملات شارك فيها العديد من محطات التلفزة الأميركية، بينها «إن بي سي» و«إم إس إن بي سي»، ووسائط التواصل الاجتماعي، وكذلك «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» وغيرها، بحسب بعض المراكز البحثية.


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».