الاستدامة وحماية البيئة في الممارسات الزراعية التقليدية

8 مواقع عربية على لائحة التراث الزراعي العالمي

عامل يقوم بقطف التمور خلال موسم الحصاد السنوي في دهشور جنوب محافظة الجيزة بمصر 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
عامل يقوم بقطف التمور خلال موسم الحصاد السنوي في دهشور جنوب محافظة الجيزة بمصر 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
TT
20

الاستدامة وحماية البيئة في الممارسات الزراعية التقليدية

عامل يقوم بقطف التمور خلال موسم الحصاد السنوي في دهشور جنوب محافظة الجيزة بمصر 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)
عامل يقوم بقطف التمور خلال موسم الحصاد السنوي في دهشور جنوب محافظة الجيزة بمصر 21 سبتمبر 2022 (إ.ب.أ)

بدأت الأنشطة الزراعية في أجزاء مختلفة من العالم منذ نحو 12 ألف عام. وأدّى تطور الزراعة إلى تغيُّر الطريقة التي يمارسها البشر لتأمين البقاء، حيث تحولوا من أنماط الحياة القائمة على الصيد وجمع ما تيسّر مما تنتجه الطبيعة، إلى العيش في مستوطنات دائمة تعتمد على الزراعة.
واقترح العلماء عدداً من الفرضيات لنشأة الممارسات الزراعية، أبرزها نمو التجمعات البشرية التي تميل إلى الاستقرار في مناطق محددة، ما استتبع الحاجة لتوفير الغذاء لها على نحو يتجاوز طرق الصيد والجمع التي كانت سائدة. وترتبط نشأة الزراعة في بلاد الشام بتغيُّر المناخ المحلي بعد العصر الجليدي الأخير، حيث أصبح جزء كبير من الأراضي عرضةً لمواسم جفاف طويلة، ما دعم انتشار الزراعات الموسمية. ومكّنت وفرة الحبوب والبقول البرية القابلة للتخزين بسهولة، الصيادين من تكوين أولى القرى المستقرة في ذلك الوقت.
وخلال آلاف السنين، نجحت المجتمعات البشرية في تطوير ممارساتها الزراعية. وفي أكثر من مكان، كان للخبرات والمعارف الزراعية المتراكمة دور في زيادة إنتاجية المحاصيل واستدامتها في تناغم مع الطبيعة والنظم الإيكولوجية المحيطة. كما قام المزارعون والمجتمعات الريفية بابتكار سبل زراعة بارعة تحفظ التنوُّع البيولوجي على نحو مستدام يحمي سبل عيشهم والمناظر الطبيعية التي يعيشون في أحضانها.
- العودة إلى الجذور لحماية البيئة
تُعد الزراعة في كثير من الأحيان أحد المحركات الرئيسية لتغيُّر المناخ وتدهور الأراضي والنظام البيئي. وتهدد الممارسات الزراعية والاستخدام غير المستدام للأراضي الأمن الغذائي العالمي، وسبل العيش، والقِيَم الثقافية للمجتمعات الريفية.
ومع حركة التمدّن التي تدفع الشباب إلى هجرة الأراضي الزراعية، ونتيجة انتشار أنماط الزراعة الحديثة القائمة على المكننة واستخدام المواد الكيميائية وسلالات المحاصيل ذات الإنتاجية المرتفعة، أصبحت النظم الزراعية التقليدية مهددة على نحو غير مسبوق. وهذا ما دفع منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قبل 20 عاماً إلى إطلاق برنامج للحفاظ على المعارف والمهارات الزراعية التقليدية تحت عنوان «نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية».
ويهدف برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية إلى حماية المعارف التقليدية للمجتمعات الريفية، ودعم قدرة ممارساتها الزراعية التطبيقية على الصمود، وتعزيزها عن طريق تشجيع حفظها على نحو ديناميكي يضمن تنمية النظم الإيكولوجية الزراعية الفريدة على نحو مستدام.
ولا تمثل أنظمة التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية المناظر الطبيعية المذهلة فحسب، بل تهتم أيضاً بالممارسات الزراعية التي تخلق سبل العيش في المناطق الريفية، وتجمع بين التنوُّع البيولوجي والنظم الإيكولوجية المرنة والتقاليد والابتكار بطريقة فريدة. وبين عام 2005 واليوم، حددت منظمة الأغذية والزراعة 67 نظاماً في 22 دولة كمواقع للتراث الزراعي، بينما يوجد 13 اقتراحاً جديداً لنظم زراعية في 8 دول مختلفة قيد الدراسة حالياً.
ويتعيّن على المناطق المرشَّحة للانضمام إلى قائمة نظم التراث الزراعية ذات الأهمية العالمية أن تستوفي 5 معايير، لتستفيد في المقابل من دور البرنامج في تنشيط المجتمعات الريفية وتعزيز التنمية الريفية. وتشمل هذه المعايير مدى مساهمة النظام الزراعي المقترح في الغذاء والأمن المعيشي للمجتمعات المحلية، وتميُّزه بالتنوُّع البيولوجي والموارد الوراثية ذات الأهمية للأغذية والزراعة، ومحافظته على المعارف والممارسات التقليدية المحلية والقيّمة، وهويته الثقافية وانتمائه للمكان، وتكامله مع المناظر الطبيعية في المنطقة أو الإقليم.
وتتوزّع قائمة «فاو» لنظم التراث الزراعية ذات الأهمية العالمية على خمس مناطق؛ هي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وأفريقيا، وأوروبا وآسيا الوسطى، وأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، وآسيا والمحيط الهادي، التي تضم وحدها 45 نظام تراث زراعياً مهماً.
وتمثّل هذه النظم ثروة معرفية يمكن الاستفادة منها في مواجهة التحديات البيئية العالمية، بما فيها مشاكل الغذاء والماء والمناخ. وعلى سبيل المثال، تتسبب قلّة هطول الأمطار في المنطقة الجافة من سريلانكا في تدني إنتاج المحاصيل، لا سيما في موسم الجفاف. غير أن المجتمعات المحلية في هذه المنطقة اعتمدت مع مرور الوقت استراتيجيات تمكّنها من التكيُّف مع الظروف المناخية المختلفة وضمان إمدادات المياه من خلال بناء الخزانات.
ويتألف النظام الزراعي في هذه المنطقة من خزانات وحقول أرز وغابات وحدائق منزلية متصلة بنظام فريد لإدارة المياه بغية احتواء مياه الفيضانات، فضلاً عن توزيع المياه والاحتفاظ بها على مدار السنة. وقد حافظ هذا النمط من التكيُّف، بالإضافة إلى الممارسات المستدامة في تربية الأسماك وزراعة المحاصيل، على ضمان التنوُّع البيولوجي وازدهاره.
وفي مصر، تُعدّ واحة سيوة تجسيداً لقدرة المزارعين على تكييف الزراعة مع الظروف المناخية الصعبة. وتساعد الممارسة الزراعية في هذه المنطقة الصحراوية على تحسين وفرة الغذاء وتربية الثروة الحيوانية والحفاظ على الأنواع الحيّة، بموازاة ترشيد استخدام المورد النادر، وهو الماء.
وتسود زراعة أشجار النخيل في نظام واحة سيوة، وتتخللها محاصيل أخرى مثل أشجار الزيتون والبرسيم. وبصورة عامة، يوجد في واحة سيوة 46 نوعاً مختلفاً من المحاصيل، وهي توفّر الموئل والمياه للحيوانات البرية مثل البرمائيات والزواحف وكثير من أصناف الطيور. وقد أنشأ هذا النظام المتكيّف مناخاً محلياً ملائماً لإنتاج المحاصيل وضرورياً لضمان سبل عيش المجتمع المحلي وأمنه الغذائي.
- نظم زراعية تتقن التكيُّف مع الطبيعة
من بين نظم التراث الزراعية المهمة أيضاً نظام مصاطب الأرز المروية في جبال كوريليرا بالفلبين، الذي يبلغ عمره 2000 عام. وقد حفر السكان الأصليون تلك المصاطب بأيديهم وفق منحنيات الجبال، وهي تتميز بنظام ري مقنّن وتُعدّ أعجوبة هندسية من العالم القديم. وأسهم تسجيل هذا النظام على قائمة «فاو» في تنفيذ مشروع لإضفاء بعض التحسينات وإيجاد توازن بين صون التنوُّع البيولوجي الزراعي في المنطقة واستغلاله المستدام، كما ساعد في زراعة محاصيل عالية القيمة مثل القلقاس والبطاطا الحلوة والباذنجان والزنجبيل.
وفي اليابان، تمثّل شبه جزيرة نوتو عالماً مصغّراً عن المناطق الريفية التقليدية، حيث تترابط الجبال والغابات والمناطق الساحلية في نظام زراعي رائع. وتتميّز شبه الجزيرة بنظام «ساتوياما»، وهو مجموعة من النظم الإيكولوجية الأرضية والمائية تشمل الغابات المختلطة وحقول الأرز والأراضي العشبية والجداول والبرك وأحواض الري، ونظام «ساتومي» الذي يضم مناظر طبيعية بحرية وساحلية أمكن تشكيلها والحفاظ عليها من خلال التفاعل المطوَّل بين البشر والطبيعة. وقد دفع إدراج شبه جزيرة نوتو على قائمة «فاو» إلى إنشاء نظام لإصدار شهادات ضمان أصل المنتجات المحلية، وتشجيع المنتجات الزراعية الصادرة عن الإقليم، من أجل زيادة دخل المزارعين.
وفي ولاية وادي سوف الجزائرية، جرى تصميم نظام واحات الغوط في القرن الخامس عشر، وهو يقوم على زراعة نخيل التمور في حفر شبيهة بفوهة البركان أو أحواض تدعى الأغواط أو الغيطان. ويساعد الغوط نخيل التمور في الازدهار ببيئة صحراوية تصارع فيها معظم أنواع الحياة من أجل البقاء والنمو. وتكون أشجار النخيل في هذا النظام محمية أيضاً من مخاطر المناخ، وليست هناك حاجة لنظام ري، لأن الجذور تكون قريبة من المياه الجوفية نتيجة الحفر.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، عمل برنامج نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية من أجل إنشاء أنشطة مدرّة للدخل لصالح المجتمعات المحلية في وادي سوف، إلى جانب حماية التنوُّع البيولوجي فيها. وعلى سبيل المثال، جرى دعم أحد المجتمعات المحلية في المنطقة لزراعة أحد أصناف نخيل التمور التي كانت على وشك الاندثار، كما أُدخلت سلالة محلية من طيور الحمام إلى المنطقة لتجنُّب انقراضها.
وإلى جانب واحات الغوط في الجزائر وواحة سيوة في مصر، يوجد في العالم العربي 6 مواقع أخرى مدرجة ضمن نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية، هي واحات نخيل التمر التاريخية في العين وليوا التي تمثّل جزءاً من التراث الزراعي للإمارات، ونظام الواحات في جبال أطلس وكذلك النظام الزراعي الرعوي القائم على زراعة شجر أرغان في منطقتي آيت صواب وآيت منصور بالمغرب. وفي تونس، جرى إدراج النظم الزراعية في واحة قفصة، والحدائق المعلّقة في دجبة العليا، وأنظمة محاصيل الرملي في بحيرات غار الملح.
كانت للمعارف المتوارثة أباً عن جد في المجتمعات الزراعية المحلية أهمية حاسمة في نشأة الحضارات، وضمان سُبُل العيش، وصون وحفظ التنوُّع البيولوجي الضروري للكوكب برمّته. والحفاظ على الموروث الزراعي التقليدي، الذي يحمي النظم الإيكولوجية ويتيح للمجتمعات العيش في تناغم مع الطبيعة، قد يكون طوق النجاة في مواجهة المشاكل البيئية العالمية والتكيُّف معها.


مقالات ذات صلة

نحو الاستدامة البيئية… زراعة أكثر من 3.5 مليون شجرة في السعودية خلال عام

يوميات الشرق أكثر من 975 هكتاراً من مدرجات زراعية في الجنوب الغربي للبلاد مؤهّلة ومجهزة بتقنيات حصر مياه الأمطار (الشرق الأوسط)

نحو الاستدامة البيئية… زراعة أكثر من 3.5 مليون شجرة في السعودية خلال عام

نفذ «المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر» في السعودية، عام 2024، عدداً من المبادرات لتعزيز الإدارة المستدامة للغابات في إطار «رؤية السعودية 2030»

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد مواطنون يساهمون في تعزيز حماية الموارد الطبيعية (واس)

السعودية في 2024... نموذج متكامل للتنمية البيئية والاستدامة العالمية

بينما تواصل السعودية خطواتها الواسعة نحو تحقيق «رؤية 2030»، تبرز البيئة كأحد أعمدة التنمية المستدامة، في مسار متوازن يجمع بين بناء الإنسان والحفاظ على الطبيعة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية

غازي الحارثي (الرياض)
بيئة أدى تراجع الأمطار قبل 6 آلاف عام إلى تحوّل المنطقة مجدداً لبيئة قاحلة (واس)

«كاوست»: «الربع الخالي» كان موطناً لأنهار ومروج خضراء

كشفت دراسة بحثية علمية حديثة أن «الربع الخالي»، أكبر صحراء رملية متصلة في العالم لم تكن في الماضي كما نعرفها اليوم أرضاً جافة وقاحلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الظبي الرملي من الأنواع الأصيلة في السعودية المعرضة للانقراض (واس)

ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية

احتفت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025، ليصل بذلك إجمالي عدد الظباء الرملية التي وُلدت في المحمية إلى 94 مولوداً.

«الشرق الأوسط» (تبوك)

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
TT
20

توجّه سعودي لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً في «الشبكة العالمية لليونيسكو»

جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من «فوهة النعي» و«عين عنتر» في موقع «سلمى جيوبارك» (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت «اليونيسكو» عن انضمام موقعي «شمال الرياض جيوبارك»، و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة «الجيوبارك العالمية لليونيسكو»؛ في خطوة تعزز من دور السعودية في الحفاظ على التراث الجيولوجي، وتعزيز التنمية المستدامة، حيث جاء الإعلان استناداً إلى «معايير دقيقة تتبعها المنظمة الدولية، وتشمل إدارة المناطق الجيولوجية ذات الأهمية العالمية بأسلوب شامل يجمع بين الحماية والتعليم والتنمية المستدامة، مع التركيز على إشراك المجتمعات المحلية.

مميزات خاصة بـ«شمال الرياض» و«سلمى»

وكشف المهندس حسام التركي، مدير مبادرة «جيوبارك السعودية»، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، عن أبرز المميزات الجيولوجية في «شمال الرياض» و«سلمى»، حيث يمتد موقع «شمال الرياض جيوبارك» على مساحة 3321 كم مربع، ويتميّز بتكوينات صخرية رسوبية تعود إلى أكثر من 150 مليون سنة، وتحتوي على مميزات جيولوجية على غرار منطقة نهاية العالم في «جبل طويق» التي تمثِّل كتلة صخرية من الحجر الجيري بارتفاع يمتد نحو 800 متر، وبها طبقات رسوبية تحمل تراثاً جيولوجياً لصخور مصدر البترول، كما يحتوي موقع «شمال الرياض جيوبارك» على أحافير من العصر الجوراسي إلى الطباشيري إلى جانب «الدحول» وهي عبارة عن تجويف كهفي تتجمع فيه مياه الأمطار والسيول وتتشكل في صخور الحجر الجيري.

شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
شمال الرياض جيوبارك (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت التركي إلى أن «شمال الرياض» يستعرض العمليات الجيولوجية، بما في ذلك ارتفاع الصفيحة العربية وتراكم الرواسب القديمة، مؤكّداً القيمة السياحية والتعلمية للموقع.

أما موقع «سلمى جيوبارك»، الواقع جنوب شرقي حائل بمساحة تقارب 3145 كيلومتراً مربعاً، فيتميز، وفقاً للتركي، بصخور القاعدة التي يعود عمرها إلى 735 مليون سنة تقريباً، ووجود «الفوّهات والحرّات البركانية المختلفة والتي تشكلت نتيجة لانفجارات بركانية في عصور مختلفة، إلى جانب براكين حرة الهتيمة».

واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
واحة برودان في منطقة القصب (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ويتضمّن موقع «سلمى جيوبارك» تراثاً ثقافياً على غرار (قصة أجا وسلمى، ودرب زبيدة التي يعود عمرها لأكثر من 1000 سنة، وقصة حاتم الطائي قبل 1500 سنة، وعنتر قبل 1500 سنة، والمصائد الصحراوية قبل 7000 سنة، والنقوش الثامودية عمرها أكثر من 10000 سنة) بينما تأتي أهميّتها التعلّمية، في تمتعها بإمكانات كبيرة في مجال السياحة الجيولوجية، والأنشطة التعليمية، والحفاظ على البيئة.

علامة جودة دولية

وحول الإنجاز الذي تحقّق بإعلان (اليونيسكو) رسمياً انضمام «شمال الرياض جيوبارك» و«سلمى جيوبارك» إلى شبكة الجيوبارك العالمية، شدّد التركي على أن هذا الإنجاز يمثّل «علامة جودة دولية، تسهم في جذب السياح من داخل السعودية وخارجها»، وقال إن «الجيوبارك» ستكون محرّكاً للسياحة البيئية، بما توفّره من تجارب أصيلة وآمنة وتعليمية، تُعزز بقاء الزائر فترة أطول في المنطقة، مما يُنعش الاقتصاد المحلي، وأردف أن تسجيل هذين الموقعين من شأنه أن يُسهم في «ترويج البلاد دولياً كمركز رئيسي في المنطقة للجيولوجيا والسياحة المستدامة».

وكشف التركي عن أن الإنجاز «تطلّب جهداً تكاملياً بين المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر ومبادرة الجيوبارك، استمر لأكثر من عامين، وشمل تنفيذ دراسات علمية وميدانية دقيقة، وإعداد ملفات الترشيح وفق معايير اليونيسكو التفصيلية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والمكونات التفسيرية والتعليمية للمواقع، مع إشراك المجتمع المحلي ورفع الوعي بدور الجيوبارك».

جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
جانب من جبال «سلمى» في منطقة حائل شمال السعودية (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

ولفت إلى أن التحديات التي واجهتهم تتعلّق بـ«تكثيف العمل خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، وبتوحيد جهود الجهات المختلفة» معيداً الفضل في تجاوز ذلك لـ«دعم القيادة وتفاني الفريق»، ممّا مكنهم من إنجاز هذا الملف بكفاءة عالية وبشهادة خبراء «اليونيسكو» أنفسهم. وفقاً لحديثه.

معايير «اليونيسكو»

وإجابةً عن سؤال «الشرق الأوسط» حول المعايير التي اعتمدتها (اليونيسكو) في قبول هذين الموقعين ضمن شبكتها العالمية للجيوبارك، قال التركي إنها تتضمن «وجود قيمة جيولوجية ذات أهمية دولية، وتوفّر نظاماً متكاملاً للإدارة والحماية، مع وجود برامج تعليمية وتوعوية موجّهة للزوار، وإشراك المجتمع المحلي في تطوير وتشغيل الموقع، علاوةً على وجود خطة واضحة للربط بين التراث الطبيعي والثقافي، وتعزيز السياحة المستدامة»، وتابع: «تم استيفاء هذه المعايير في شمال الرياض وسلمى، وأكثر أيضاً، وفقاً لتقارير المراجعين والخبراء المعتمدين من (اليونيسكو)».

وبالنظر لأهمية القطاع البيئي في «رؤية السعودية 2030»، وهو ما عكسه العديد من المشاريع الكبيرة والمبادرات على الصعيدين المحلي والإقليمي للبلاد، قال التركي في هذا الصدد، إن «الجيوبارك تُترجم مستهدفات رؤية السعودية 2030 على أرض الواقع من خلال نحو 31 هدفاً من أهداف المستوى الثالث للرؤية». ومن إسهاماتها طبقاً للتركي، «تعزيز الاستدامة البيئية عبر الحماية الفاعلة للموارد الجيولوجية، ودعم السياحة البيئية والداخلية ضمن مسار تنويع الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل محلية وتحفيز ريادة الأعمال في مجالات الإرشاد البيئي، والخدمات السياحية، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الوطنية وربط الإنسان بجغرافيا المكان، مع دعم التعليم والتدريب من خلال التجارب الميدانية والأنشطة العلمية».

فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)
فوّهة الحمراء في حائل (المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي)

بعد انضمام هذين الموقعين إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، سيكون هنالك خطط مستقبلية لتطويرها بما يضمن استدامتها ورفع مستوى الوعي البيئي، وبحسب التركي، يعمل المركز على خطة تشغيل وتطوير مستدامة تشمل «توسيع البرامج التعليمية بالتعاون مع وزارة التعليم والجامعات، وتطوير المراكز التفاعلية ومحتوى الزائر بلغات متعددة، وتعزيز البرامج المجتمعية لإشراك السكان المحليين في التشغيل والتوعية، مع إعداد خطة تسويقية وطنية ودولية لتعزيز الجذب السياحي»، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيشمل «إطلاق مبادرات تطوعية وبحثية لتعميق فهم المجتمع بالبيئة الجيولوجية»، ونوّه التركي بأن ذلك كله يتم «وفق إطار واضح للمتابعة والتقييم لضمان حماية الموقع على المدى البعيد».

توجّه لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً أخرى

«الشرق الأوسط» سألت التركي بوصفه مدير مبادرة «جيوبارك السعودية» حول التوجّه لترشيح مواقع جيولوجية أخرى في البلاد للانضمام إلى «شبكة الجيوبارك العالمية لليونيسكو»، في المستقبل القريب، ليجيب: «نعم، ولدينا خطة طموحة في المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر لتسجيل 13 موقعاً جيولوجياً إضافية في السعودية في شبكة الجيوبارك العالمية ضمن مراحل متعددة». وطبقاً للتركي، تشمل هذه المواقع «حرّة رهط، وجبل القارة في الأحساء، وجبل طميّة، ومواقع أخرى تمتاز بتكوينات جيولوجية وتاريخية فريدة»، وأردف أن كل موقع سيخضع للدراسة والتأهيل وفق المعايير الدولية، مع إشراك الجهات المحلية والمجتمع في مسار تطويره.