الجيش السوداني يقترح رئيس دولة مدنياً بدلاً من «مجلس للسيادة»

رفض الإدانات المباشرة لقادته وطالب باعتبار «الدعم السريع» جزءاً من القوات المسلحة

جانب من احتجاجات في الخرطوم تطالب بالحكم المدني (رويترز)
جانب من احتجاجات في الخرطوم تطالب بالحكم المدني (رويترز)
TT

الجيش السوداني يقترح رئيس دولة مدنياً بدلاً من «مجلس للسيادة»

جانب من احتجاجات في الخرطوم تطالب بالحكم المدني (رويترز)
جانب من احتجاجات في الخرطوم تطالب بالحكم المدني (رويترز)

اشترط قادة الجيش السوداني على «الآلية الثلاثية» الدولية، التي تتوسط بين العسكريين والمدنيين للتوصل إلى حل للانسداد السياسي في السودان، التوافق على رئيس دولة مدني يمثل السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة بدلاً عن «مجلس للسيادة موسع»، لكي يوافق الجيش على مسودة الدستور الانتقالي الذي اقترحته نقابة المحامين. كما اشترط قادة الجيش النص في مسودة الدستور على أن تصبح «قوات الدعم السريع» جزءاً من الجيش، وتوضيح الخطوات العملية لإدماجها في القوات المسلحة، وأيضاً حذف النصوص التي تدين القادة العسكريين مباشرة، وذلك لكي تصبح المسودة المقترحة أساساً عملياً للتفاوض المزمع بينهم وبين تحالف «الحرية والتغيير» الذي يقود المعارضة الشعبية للحكومة الحالية، ويطالب بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم السلطة للمدنيين.
وأعلنت مصادر مقربة من الآلية الثلاثية، التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة «إيقاد»، أن الآلية ستبدأ مفاوضات مباشرة بين العسكريين وتحالف «الحرية والتغيير» قريباً جداً، وتأمل أن تنتهي المفاوضات خلال 14 يوماً. كما نقلت «سودان تربيون» عن القيادي في «الحرية والتغيير» نور الدين بابكر، أن الآلية الثلاثية حددت 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لبدء المحادثات الرسمية بين «الحرية والتغيير» وقادة الجيش وأطراف عملية السلام لإنهاء الأزمة السياسية المتفاقمة منذ تولي الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
* دستور المحامين
وذكرت مصادر متطابقة في إفادات لـ«الشرق الأوسط» أن العسكريين في مجلس السيادة سلموا ملاحظاتهم على مسودة دستور نقابة المحامين الذي يؤسس للانتقال إلى حكم مدني، وهي المسودة التي وجدت قبولاً واسعاً محلياً ودولياً، شمل «الآلية الثلاثية» نفسها، بالإضافة إلى «الوساطة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا والإمارات، كما عدها الكثيرون الأهم من بين جميع المبادرات الأخرى المطروحة لحل الأزمة السياسية المتفاقمة منذ أكثر من عام. وكانت نقابة المحامين قد أعدت مسودة الدستور بالتعاون مع قوى سياسية عديدة، بما فيها تحالف «الحرية والتغيير»، إلى جانب حزب «المؤتمر الشعبي» والحزب «الاتحادي الديمقراطي»، وهي تنص على تسلم المدنيين السلطة خلال فترة انتقالية تبلغ 24 شهراً، فيما يتولى العسكريون «مجلس الأمن والدفاع».
وقال مصدر مطلع إن الآلية ستشرع في تصميم عملية مراحل المفاوضات، والتي ستنقل خلالها ملاحظات العسكريين للطرف المدني لإبداء الرأي حولها، ثم تعود للعسكريين بملاحظات المدنيين، حتى الوصول إلى توافق مقبول على القضايا الخلافية، في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، ليعرض ذلك في ختام العملية على بقية الأطراف.
* رأس الدولة
وتتلخص ملاحظات العسكريين في ضرورة تحديد شكل العلاقة بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية، ويتمسكون بأن يكون رأس الدولة شخصية مدنية تكون أيضاً بصفتها الاعتبارية «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، وذلك بدلاً من أن يكون رأس الدولة مجلساً موسعاً يضم قادة من الحركات المسلحة، وهو ما ترفضه القوات المسلحة أن تكون تحت إمرة هذه الحركات. وتابع المصدر «العسكريون قد يقبلون قيادة مدنية، لكنهم لن يقبلوا قادة الحركات المسلحة لرئاسة القوات المسلحة، لذلك اقترحوا مدنياً واحداً لا علاقة لهم باختياره». وأوضح مصدر قريب من المباحثات، أن العسكريين كانوا يطالبون بمجلس أعلى للقوات المسلحة، وهو الطلب الذي لم يوافق عليه المدنيون، وتم الاتفاق على «مجلس الأمن والدفاع»، ويجري النقاش حول تركيبته. وأوضح المصدر أن «مجلس الأمن والدفاع مؤسسة في الدولة، يرأسه رئيس الوزراء المدني، ويشمل الوزارات المعنية وقادة الجيش، وتتعلق مهامه بالأمن والدفاع فقط»، مضيفاً «ليس لدى المدنيين مشكلة مع مجلس الأمن والدفاع بشرط أن يكون برئاسة رئيس الوزراء المدني».
وبحسب المصدر ذاته، فإن العسكريين اعترضوا في ملاحظاتهم على البنود في الدستور المتعلقة بـ«العدالة الانتقالية» والتي اعتبروها تحمل إدانة مباشرة لهم، قائلاً إنهم «يرفضون الموافقة على دستور يقر إدانات مباشرة ضدهم، ويصرون على حذف أي نصوص تدينهم مباشرة. ولم يطلبوا تطمينات لأن وجودهم في المؤسسة العسكرية يمنحهم حصانة. أما نحن المدنيين فنرى ألا تشمل الحصانات الحق الخاص، لأن ذوي الضحايا وحدهم هم من يقررون في ذلك الأمر».
* غياب البدائل المقبولة
ورجح المصدر أن تقاوم المؤسسة العسكرية محتوى الدستور، قائلاً: «لن تقبله بسهولة، وسيساندها في ذلك أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير وفلوله من الإسلاميين المتشددين، حفاظاً على مصالحهم التي تتقاطع مع الوصول لأي تسوية سياسية في البلاد، فهناك جهات كثيرة تعمل في الاتجاه المعاكس لتخريب الوصول إلى تسوية، لكنهم حتى لو أفلحوا في تخريب التسوية فليست لديهم بدائل مقبولة». وأشار إلى أن أنصار الرئيس البشير يعملون على توسيع الهوة والتناقضات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتابع: «ما يقوم به أنصار البشير حالياً الهدف منه تغذية هذا الصراع، وهم على استعداد لإشعال حرب في الخرطوم للعودة إلى الحكم مجدداً». كما أشار إلى وجود جهات تعمل على الإيقاع بين الجيش و«الدعم السريع» الذي يقوده نائب رئيس مجلس السيادة الحالي الفريق محمد دقلو المعروف باسم «حميدتي»، مؤكداً أن المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير لن يستغل أي تناقضات قد تقع بين الطرفين، ولن يعمل على إذكائها، لأنها ستعرقل الحل وتكوين جيش وطني واحد، وهو أمر لا يستطيع أي من الطرفين فرضه على الآخر».
وأفلحت جهود المبادرة الرباعية في إعادة العسكريين والمدنيين إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، بعد توقف جهود الآلية الثلاثية، عقب إعلان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، الخروج من العملية السياسية في يوليو (تموز) الماضي، ومن ثم تواصلت المباحثات غير المباشرة بين الطرفين تحت ضغوط المجموعة الدولية، حتى بلغت مرحلة الاعتراف بمشروع الدستور المقدم من نقابة المحامين كأساس للتسوية واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني و«الدعم السريع» يوافقان على تمديد الهدنة 72 ساعة

شمال افريقيا الجيش السوداني و«الدعم السريع» يوافقان على تمديد الهدنة 72 ساعة

الجيش السوداني و«الدعم السريع» يوافقان على تمديد الهدنة 72 ساعة

قالت القوات المسلحة السودانية، اليوم (الخميس)، في بيان، إنها وافقت على تمديد الهدنة لمدة 72 ساعة أخرى، وذلك بوساطة سعودية - أميركية، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا اليابان تجلي جميع رعاياها الذين أبدوا رغبة في مغادرة السودان

اليابان تجلي جميع رعاياها الذين أبدوا رغبة في مغادرة السودان

أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، اليوم الثلاثاء، اكتمال إجلاء جميع المواطنين اليابانيين الذين أبدوا رغبة في مغادرة السودان، وذلك ضمن عمليات إجلاء دولية مكثفة بعد اندلاع العنف في الدولة الأفريقية. وأبلغ كيشيدا الصحافيين أنه بالإضافة إلى 45 شخصاً غادروا في وقت متأخر من ليل أمس (الاثنين) على متن طائرة عسكرية يابانية، فقد غادر ثمانية آخرون بمساعدة فرنسا ومجموعات أخرى. ولم يتضح على الفور إن كان هؤلاء الثمانية يشملون أربعة قال كيشيدا في وقت متأخر أمس إنهم غادروا بمساعدة فرنسا والصليب الأحمر الدولي وجهات أخرى. وقال رئيس الوزراء الياباني دون الخوض في تفاصيل «اكتمل إجلاء جميع اليابانيين الذين أ

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
شمال افريقيا الجيش السوداني يوافق على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة

الجيش السوداني يوافق على وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة

قال الجيش السوداني في بيان بصفحته على «فيسبوك»، اليوم الثلاثاء، إنه وافق على هدنة لمدة 72 ساعة بوساطة أميركية وسعودية بدءا من منتصف ليل 25 أبريل (نيسان). كما قالت قوات الدعم السريع، أمس الاثنين، إنها وافقت على وقف إطلاق النار بعد وساطة أميركية لتسهيل الجهود الإنسانية، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء. وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، موافقة طرفي النزاع في السودان على وقف إطلاق النار ثلاثة أيام اعتباراً من (الثلاثاء) على أثر عشرة أيام من المعارك الدامية. وقال بلينكن في بيان «عقب مفاوضات مكثفة على مدار الساعات الثماني والأربعين الماضية، وافقت القوات المسلحة السودانية وقوات

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا تسارع عمليات «معقّدة» لإجلاء الأجانب من السودان مع تواصل المعارك

تسارع عمليات «معقّدة» لإجلاء الأجانب من السودان مع تواصل المعارك

تسارعت، أمس (الأحد)، عمليات إجلاء الرعايا والدبلوماسيين الأجانب من السودان من قبل دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، في وقت تتواصل المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منذ أكثر من أسبوع. وأفاد شهود وكالة الصحافة الفرنسية أن أصوات إطلاق الرصاص ودوي الانفجارات وتحليق الطيران الحربي تتواصل في الخرطوم، وتطغى (الأحد) على ما عداها، لاسيما دعوات التهدئة المتكررة والتي جاءت أحدثها (الأحد) من البابا فرنسيس. وترافق تسارع إجلاء المواطنين الأجانب، مع تزايد المخاوف على مصير السودانيين متى انتهت هذه العمليات. ووصلت (الأحد) الى جيبوتي طائرتين عسكريتين فرنسيتين تحملان زهاء 200 شخص من الرعاي

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
الولايات المتحدة​ بلينكن يلمح: الدعم السريع هاجمت قافلتنا الدبلوماسية

بلينكن يلمح: الدعم السريع هاجمت قافلتنا الدبلوماسية

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم الثلاثاء، أن موكباً دبلوماسياً أميركياً تعرض لإطلاق نار، أمس الاثنين، في السودان من دون إصابة أي من أفراده. وقال بلينكن للصحافيين بعد محادثات وزراء خارجية دول مجموعة السبع «يمكنني أن أؤكد أنه تم إطلاق النار على موكب دبلوماسي أميركي»، مضيفاً أن «جميع أفرادنا سالمون وغير مصابين، لكن هذا العمل كان متهوراً وغير مسؤول». وأشار بلينكن إلى أن «التقارير الأولية تشير إلى أن الهجوم نفذته عناصر مرتبطة بالدعم السريع»، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
TT

مقتل 7 مهاجرين في انهيار بناية غرب العاصمة الليبية

الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)
الدبيبة في موقع انهيار البناية في جنزور غرب طرابلس (حكومة «الوحدة»)

بدأت السلطات القضائية في العاصمة الليبية التحقيق في انهيار بناية بمنطقة جنزور، الواقعة غرب طرابلس، والتي خلفت 7 قتلى على الأقل، جميعهم من العمالة الوافدة.

وعقب انهيار البناية المكونة من 3 طوابق في جنزور، مساء الخميس، سارعت الأجهزة المختلفة وعدد من المسؤولين، من بينهم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى مكان الحادث لتفقد أحوال المصابين.

فرق الإنقاذ تبحث عن ناجين بعد انهيار بناية من 3 طوابق غرب طرابلس (الهلال الأحمر)

وقال مركز طب الطوارئ والدعم، الجمعة، إن فريقه انتشل بالتعاون مع باقي الأجهزة المعنية 7 جثث، إضافة إلى إنقاذ شخصين كانا على قيد الحياة من موقع العمارة السكنية؛ إذ تبيّن أن جميع الضحايا من العمالة الوافدة.

وأشار المركز إلى أن هذه الإحصائية أولية، وسيتم تأكيد الأعداد النهائية بعد التنسيق مع الجهات المختصة، داعياً المواطنين إلى الابتعاد عن موقع الحادث حفاظاً على سلامتهم، ولتمكين فرق الطوارئ من أداء مهامها بشكل آمن وسريع.

بدوره، كلّف رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، رئاسة حكومة «الوحدة» ووزارة داخليته بالتحقيق في الملابسات، التي أدت إلى انهيار العقار، الذي تُشير التقارير إلى أنه حديث الإنشاء.

وفيما طالب المنفي، الذي تقدّم بالتعازي لأسر الضحايا، باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أرواح المواطنين، دعا المجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، الجمعة، الجهات المختصة لإجراء تحقيق «شامل»، ومحاسبة «المقصرين»؛ من أجل «ضمان عدم تكرار هذه الحوادث، والحفاظ على سلامة المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم».

من عمليات البحث عن ناجين بعد انهيار البناية (الهلال الأحمر)

من جانبه، قال الهلال الأحمر الليبي إن فرق الإنقاذ التابعة له تُواصل جهودها المكثفة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض، لافتاً إلى أن المتطوعين يعملون على تقديم الدعم والمساعدة، و«نسعى جاهدين للوصول إلى أي شخص قد يكون بحاجة إلى المساعدة».

ودخلت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا على خط الحادثة، وقالت إن البناية كانت تأوي مهاجرين أفارقة -لم تُحدد جنسياتهم- مشيرة إلى أن القتلى السبعة بينهم نساء وأطفال، كما تم إنقاذ آخرين.

وأعربت المنظمة الدولية عن تعازيها لأسر الضحايا، وتقديرها لفرق البحث والإنقاذ (SAR)، والمتطوعين على «جهودهم الدؤوبة»، مبدية استعدادها «لتقديم المساعدة للمهاجرين المتضررين، ودعم السلطات والشركاء المشاركين في عمليات البحث والإنقاذ».

وسبق أن أحصى رئيس المنظمة الدولية للهجرة، أنطونيو فيتورينو، عدد المهاجرين بمراكز الاحتجاز الرسمية في ليبيا، بـ5 آلاف فرد، لكن هذا العدد لا يُمثل سوى جزء بسيط من المحتجزين بالبلاد، سواء أكانوا طلقاء أم مغيبين في سجون سرية.

وتقول المنظمة الدولية للهجرة إنها ساعدت منذ عام 2015 نحو 80 ألف مهاجر على «العودة الطوعية» من ليبيا إلى بلدانهم الأم بصورة «آمنة وكريمة»، عبر برنامج العودة الطوعية الإنسانية، ورأت أن هذه المبادرة قدمت طوق نجاة بالغ الأهمية للمهاجرين، الذين تقطعت بهم السبل من أكثر من 49 جنسية مختلفة من أفريقيا وآسيا، والذين يرغبون في العودة إلى أوطانهم، وإعادة بناء حياتهم من جديد.