مع كل ظاهرة مناخية متطرفة شهدها العالم خلال عام 2022، كان صوت الخطر المناخي يرتفع محذراً من أوضاع أكثر مأساوية إذا تجاوز العالم عتبة الـ1.5 درجة مئوية زيادة في درجة حرارة سطح الأرض التي حددتها اتفاقية باريس للمناخ عام 2015.
ولا يزال العالم في نطاق الـ1.1 درجة زيادة في درجة حرارة سطح الأرض، مقارنة بما قبل الثورة الصناعية، ومع ذلك كانت هذه الزيادة كافية ليواجه العالم هذه الظواهر المناخية المتطرفة، والتي كانت بمثابة إنذار مناخي يدعم الحاجة إلى اتخاذ مواقف أكثر حسماً تجاه تقليل الانبعاثات المسؤولة عن الاحترار العالمي في قمة المناخ التي تستضيفها مصر الأحد في شرم الشيخ.
وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن هذا المعنى في مؤتمر صحافي عقده في 5 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حينما قال إن «العمل الذي ينتظرنا في (كوب 27) هائل، فثلث باكستان غمرتها المياه، وشهدت أوروبا أحر صيف منذ 500 عام، كما أن إعصار إيان في الولايات المتحدة يذكرنا تذكيراً وحشياً بأنه لا يوجد بلد ولا اقتصاد في مأمن من أزمة المناخ».
كما أن أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، يذكر العالم بأن تلك الظواهر المناخية المتطرفة قد تصبح أكثر تواتراً وأشد قسوة، لأن الزيادة في درجة حرارة سطح الأرض، وفق التقرير، تتجه بخطورة متزايدة نحو تجاوز عتبة الـ1.5 درجة مئوية، التي قالت اتفاقية باريس، إنه لا ينبغي تجاوزها.
ورغم هذا التقرير والظواهر التي عايشها العالم، أعطت العودة الأوروبية لاستخدام الفحم في توليد الكهرباء، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من الضغط الروسي على بعض دول أوروبا بقطع إمدادات الغاز عنها، رسائل محبطة، بأن القارة الأوروبية التي كانت صاحبة مواقف أكثر حماساً لصالح البيئة، قد تتخلى عن هذه الحماسة في «كوب 27».
لكن اجتماع وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ الاثنين الماضي، للاتفاق على الموقف التفاوضي للكتلة الأوروبية في «كوب 27»، حمل رسائل مطمئنة. وقال فرانس تيمرمانز، نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومسؤول ملف المناخ، والذي سيمثل الكتلة الأوروبية في قمة المناخ، إن الحرب في أوكرانيا لم تفسد الخطط الطموحة لتحقيق الحياد الكربوني، رغم العودة للفحم.
وأضاف في تصريحات للصحافيين: «الاستنتاج الوحيد الذي توصلنا إليه من الحرب هو أننا بحاجة إلى تسريع عملية انتقال الطاقة لدينا، لذلك حتى إذا استخدمنا المزيد من الفحم اليوم، فسنكون أسرع بكثير في الانتقال للطاقة المتجددة، لذا مع التوازن، ستنخفض الانبعاثات».
وبينما جاءت الرسائل من أوروبا مطمئنة، فإن مواقف أفريقيا تبدو حذرة للغاية قبل (كوب 27)، حيث لم تشذ عن الهدف العالمي في تحقيق صافي الصفر من الانبعاثات، لكنها أعربت في الوقت ذاته، عن الحاجة إلى الوقت والمال لتنفيذ ذلك. وقالت مفوضة الاتحاد الأفريقي للطاقة، أماني أبو زيد، لوكالة «الصحافة الفرنسية» في 5 أكتوبر، على هامش قمة أفريقيا للطاقة الخضراء في كيب تاون بجنوب أفريقيا، إن «أفريقيا مقتنعة تماماً وملتزمة بحدود الصفر الصافي وتدعم أجندة المناخ، ولكن ما قد نختلف فيه هو الإطار الزمني».
وقالت من المقرر أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا البالغ 1.3 مليار نسمة بحلول عام 2050، وتهدف دول الاتحاد الأفريقي إلى توفير طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة للجميع.
وترى دول أفريقيا أنه من الغبن إلزامها بهذا الهدف البيئي الذي يحرمها من الفحم والنفط والغاز لتشغيل تنميتها، بينما لم تتلق الدعم الكافي من الدول الغنية للتحول نحو الطاقة الخضراء.
ومن المرجح أن يكون تمويل التحول الأخضر في أفريقيا نقطة ساخنة في «كوب 27»، حيث تعهدت الدول الغنية بموجب اتفاقية باريس، بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة البلدان النامية على الحد من تغير المناخ. لكنهم فشلوا حتى الآن في الوفاء بالوعد، ولا يتوقع أن يحدث أي اختراق في هذا الملف بشكل أكبر هذا العام بسبب الآثار الاقتصادية المدوية لوباء (كوفيد - 19) وحرب أوكرانيا.
وقال نائب وزير الطاقة الغاني محمد أمين آدم لوكالة «الصحافة الفرنسية» في 5 أكتوبر الماضي، إن الاستثمار الدولي في الطاقة الخضراء في أفريقيا «لا يزال ضئيلاً للغاية»، حيث يمثل نحو 2 في المائة فقط من الإجمالي العالمي.
وفي الوقت نفسه، تحتاج الدول الأفريقية أيضاً إلى تأمين التمويل لمشاريع النفط والغاز، حيث إن عائدات الوقود الأحفوري ضرورية لتمويل إجراءات التكيف مع المناخ. وأشار آدم إلى البيانات التي تظهر أن معظم منتجي النفط والغاز في أفريقيا يعتمدون بشكل كبير على عائدات التصدير المستمدة من هذه الأنواع من الوقود.
وقال: «إذا تخلينا عن هذا، فكيف يمكننا حتى تمويل قدرتنا على التكيف مع تأثيرات المناخ؟ لا يمكننا ذلك، ما لم يكن لدينا بديل لإيراداتنا».
وعبر وزير الطاقة الجنوب أفريقي جويدي مانتاشي عن موقف شبيه، وقال خلال أسبوع النفط الأفريقي في كيب تاون، إن التخلص من الفحم بسرعة كبيرة ليس في مصلحة البلاد، لأنه سيضر بالاقتصاد ويكلف آلاف الوظائف.
وتعد جنوب أفريقيا منتجاً ومستهلكاً رئيسياً للفحم في القارة، فضلاً عن كونها واحداً من أكبر 12 مصدراً لانبعاثات الكربون في العالم.
وفي العام الماضي، حصلت الحكومة على تعهدات بتقديم 8.5 مليار دولار من القروض والمنح من مجموعة من الدول الغنية لتمويل الانتقال إلى بدائل أكثر مراعاة للبيئة، لكن الاتفاق معلق وسط مفاوضات مشحونة مع الدول المانحة حول كيفية إنفاق الأموال.
وقال مانتاشي: «عندما تأتي إلينا الاقتصادات المتقدمة وتقول سيتم إنفاق جزء من 8.5 مليار دولار على تسريع خروج الفحم، أشعر بأن هذا ليس في مصلحتنا».
وبلهجة بدت أكثر حدة، رفضت جمهورية الكونغو الديمقراطية مطالبات بالتخلي عن حقول النفط والغاز التي طرحتها للمزاد في المناطق الحساسة بيئياً.
وفي أحد المؤتمر التمهيدية لـ«كوب 27» التي عقدت في كينشاسا، تساءلت إيف بازيبا وزيرة البيئة في جمهورية الكونغو الديمقراطية عما إذا كان ينبغي على الحكومة أن تترك الأطفال يموتون بدلاً من جني مواردها الأحفورية، وقالت: «بقدر ما نحتاج إلى الأكسجين، نحتاج أيضاً إلى الخبز».
«كوب 27»... حذر أفريقي ورسائل مطمئنة من أوروبا
على طريق خفض الانبعاثات الكربونية
«كوب 27»... حذر أفريقي ورسائل مطمئنة من أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة