«بحث علمي» حول قطعة أثرية مسروقة يفجّر جدلاً في مصر

ظهرت لآخر مرة في مزاد إسرائيلي منذ 7 سنوات

لوحة أثرية مصرية من معبد سرابيط الخادم في سيناء (صورة منشورة في بحث علمي عن اللوحة)
لوحة أثرية مصرية من معبد سرابيط الخادم في سيناء (صورة منشورة في بحث علمي عن اللوحة)
TT

«بحث علمي» حول قطعة أثرية مسروقة يفجّر جدلاً في مصر

لوحة أثرية مصرية من معبد سرابيط الخادم في سيناء (صورة منشورة في بحث علمي عن اللوحة)
لوحة أثرية مصرية من معبد سرابيط الخادم في سيناء (صورة منشورة في بحث علمي عن اللوحة)

جدد بحث علمي يخص لوحة مقتطعة من معبد سرابيط الخادم بسيناء، الجدل في مصر حول اللوحة التي عرضتها صالة مزادات إسرائيلية للبيع قبل سبع سنوات؛ إذ تعرّض الباحثون لانتقادات حادة من أثريين اعتبروا نشر البحث «جريمة»، لا سيما أن اللوحة خرجت من مصر بطريقة «غير شرعية»، إبان فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.
وقالت الدكتورة مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إنها «ستتقدم غداً (الخميس) ببلاغ للنيابة الإدارية للتحقيق في قيام مسؤول بوزارة السياحة والآثار المصرية، بنشر بحث علمي عن قطعة أثرية مسروقة»، معتبرة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن نشر البحث بمثابة «جريمة أخلاقية».
وأضحت حنا، أنها «سبق أن عرضت صورة للقطعة الأثرية المنشورة في البحث، ضمن محاضرة ألقتها في أبريل (نيسان) عام 2016، عن آثار معبد سرابيط الخادم، بناءً على دعوة من وزارة الآثار، والتي كانت معروضة للبيع في مزاد في إسرائيل»، مشيرة إلى أن «اللوحة الأثرية إما أنها خرجت من مصر خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، ضمن مجموعة موشي ديان (وزير الدفاع الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت)، أو ربما تكون قد سُرقت من مخزن القنطرة شرق، والذي تعرض للسرقة في أحداث 2011».
وكانت إدارة الآثار المستردة بالمجلس الأعلى للآثار بمصر قد أعلنت في ذلك الوقت، «اتخاذ الإجراءات القانونية لإيقاف بيع اللوحة الأثرية»، التي عُرضت للبيع ضمن مجموعة موشي ديان، وأوضح أثريون في ذلك الوقت، أن «إسرائيل عملت في معبد حتحور بسرابيط الخادم طوال فترة تواجدها في سيناء، وأنها نقلت أشياء كثيرة منه إلى تل أبيب، لم يعد منها إلا عمود حتحور، وأربع قطع أثرية أخرى».
وحسب مصادر بوزارة السياحة والآثار تحدثت لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم ذكر اسمها، فإن «اللوحة اختفت من على موقع المزاد بعد أسبوع من عرضها، ولا يعلم أحد مكانها الآن»، مؤكداً أن «اللوحة سُرقت في فترة تواجد إسرائيل في سيناء، وأن المسؤولين بالوزارة تحركوا فور ظهورها في المزاد».
وقال الدكتور محمد عبد المقصود، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق بالمجلس الأعلى للآثار، في منشور عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»، إن «اللوحة لم تسترد من إسرائيل ولم يبلغ عنها الإسرائيليون ضمن مجموعة ديان»، مطالباً بـ«إخطار الإنتربول بشأن اللوحة التي أصبح مكانها مجهولاً».
عودة الجدل بشأن اللوحة، بعد مرور 7 سنوات على عرضها للبيع، جاء بعد نشر بحث علمي مشترك، باسم المشرف العام على منطقة آثار سيناء، والأثري الفرنسي بيير تاليه؛ الأمر الذي اعتبره أثريون «تقنيناً لعملية السرقة».
وقالت حنا، إنه «لا يجوز نشر أبحاث علمية عن أعمال مسروقة»، مشيرة إلى أن «دقة الصور والمعلومات الموجودة في البحث المنشور باللغة الفرنسية تشير إلى أن القائمين على البحث قد تواصلوا مع من يمتلك اللوحة الآن؛ الأمر الذي يثير تساؤلات أخلاقية وأمنية، كما أنه يعد مخالفة لقوانين حماية الآثار».
لكن مصادر بوزارة الآثار أكدت، أن «النشر العلمي عن القطعة يعدّ بمثابة توثيق لها، ومنحها شهادة ميلاد، تؤكد على مصريتها»، نافية أن «يكون أي من موظفي الوزارة أو الآثاريين العاملين بها قد تواصل مع إسرائيل أو من اشترى اللوحة»، ومشددة على أن «ما ورد في البحث من معلومات مبني على صور نشرت ضمن الكتالوج الخاص بالمزاد».
في كتابه «العيش مع التوراة»، تحدث ديان عن زيارته لمنطقة سرابيط الخادم وسط سيناء، عام 1956، و1969، وأشار إلى أنه «أخذ مجموعة من اللوحات الأثرية إلى منزله بتل أبيب». واستعادت مصر مجموعة من الآثار التي أخدتها إسرائيل خلال تلك الفترة.
وتقع سرابيط الخادم جنوب غربي شبه جزيرة سيناء، وبها مناجم التعدين القديمة، ومعبد حتحور، وتضم المنطقة تماثيل تحمل أسماء الملك سنفرو من الأسرة الرابعة، والملك منتوحتب الثالث، والملك منتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشرة، ونقوشاً للملك سنوسرت الأول، ووالده الملك أمنمحات الأول، وعام 1905 تم اكتشاف ما يسمى بالنقوش السينائية، وهي أصل الأبجديات.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.