تكيُّف أم تخلٍّ... ما بدائل المصريين لمواجهة الغلاء؟

طبقات اجتماعية تلجأ لسلع أرخص مع استمرار انخفاض الجنيه

انخفاض الجنيه مقابل الدولار خلّف ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على المصريين (أ.ف.ب)
انخفاض الجنيه مقابل الدولار خلّف ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على المصريين (أ.ف.ب)
TT

تكيُّف أم تخلٍّ... ما بدائل المصريين لمواجهة الغلاء؟

انخفاض الجنيه مقابل الدولار خلّف ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على المصريين (أ.ف.ب)
انخفاض الجنيه مقابل الدولار خلّف ضغوطاً اقتصادية واجتماعية على المصريين (أ.ف.ب)

مع سقوط أولى قطرات المطر إيذاناً بالطقس البارد، توجهت المصرية دينا مراد، وهي ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، نحو خزانتها لاستخراج «ملابس الشتاء»، وعلى غير عادتها لم تستغنِ عن القطع التالفة أو تلك التي باتت لا تناسب نمو أطفالها، بينما قررت أن تُصلح ما يمكنها إصلاحه، ووفَّقت بعض القطع بين فتياتها الثلاث، مبررة الأمر بـ«ضيق ذات اليد».
بالمعايير الاجتماعية، ربما تنتمي السيدة الثلاثينية إلى شريحة أولى من الطبقة المتوسطة، إذ تسكن في منطقة القاهرة الجديدة، وأبناؤها ملتحقون بمدارس دولية، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن دخل أسرتها الشهري «يتخطى 750 دولاراً أميركياً (الدولار يساوي 24 جنيهاً في المتوسط)»، كما أنها تمتلك سيارة، وتحظى باشتراك في نادٍ رياضي.
وقدّرت «وكالة فيتش» للتصنيف الائتماني، دخل الأسرة المصرية التي تنتمي للطبقة المتوسطة بحد أدنى 4269 دولاراً أميركياً سنوياً، وبحد أقصى 8533 دولاراً، في تقرير نُشر في أبريل (نيسان) الماضي.
وتواجه مصر حالة من الارتباك في الأسواق وتغيرات كبيرة في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، خصوصاً بعدما أعلن «البنك المركزي المصري» قبل أقل من أسبوع، عن قرار لتحرير سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، وإثر ذلك انخفضت قيمة الجنيه بنحو 22% مقابل الدولار.
غير أن الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها على أسرة دينا، كغيرها من المصريين، حسبما تقول السيدة لـ«الشرق الأوسط»، معربةً عن اعتقادها أن «أبناء الطبقة المتوسطة يعانون بسبب القلق بشأن مكانتهم الاجتماعية التي باتت على المحكّ، بينما يصعب كذلك الاستغناء عن بعض الاحتياجات بسبب ضغوط مجتمعية متأصلة».
ومع ذلك تقرّ السيدة بأنها وضعت خططاً أو تصورات لتخطي الأزمة، تقول: «ستكون هناك تغييرات، لكن الأولوية بالنسبة لي ولزوجي هو البقاء في المستوى التعليمي نفسه. قد تطرأ علينا بعض التغيرات الغذائية، وربما لا مساحة للترفيه وشراء الملابس الجديدة، غير أن ثمة تحدياً لنعبر الأزمة دون أن نضطر لتغيير نمط حياة أبنائنا بصورة محسوسة».
وأثار قرار تحرير سعر الصرف الذي أعقبه فقدان العملة المحلية جزءاً كبيراً من قيمتها الشرائية، قلقاً عبَّر عنه مصريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالفكاهة والحلول المُجربة، وشاركت حسابات على «مواقع التواصل» مشهداً شهيراً للممثلة الراحلة سهير البابلي في مسلسل «بكيزة وزغلول»، التي عانت الفقر بعد ثراء (في الحبكة الدرامية) وعلى لسانها كلمة: «جربعة مش هتجربع»، في إشارةٍ إلى أنها ترفض أن تتأثر بالمتغيرات أو تلجأ لشراء سلع رديئة، حسب رأيها.
الدكتور خالد عبد الفتاح، رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة حلوان، يرى أن «التغيرات الاجتماعية قادمة لا محالة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد التخلي اختياراً، بل ضرورة في مواجهة أزمة اقتصادية تَلوح من كل حدب وصوب، وبات التكيف مع المتاح والضروري هو الملاذ الوحيد».
ويعلق أستاذ الاجتماع على دعوات الاستغناء التي يتبناها البعض ويقول: «حين نُقيّم الأزمة علينا أن نرتكز على الطبقة التي تشكل الغالبية، فإذا كنا نتحدث عن مصر التي يشكل أكثر من نصفها أبناء الريف، الذين لا يعرفون (كسوة الموسم) ونزهة نهاية الأسبوع، فإن طلبات الاستغناء على غرار الأوروبيين غير واقعية».
ويوضح عبد الفتاح أنه من الأولى أن «نحدِّث الناس عن طريقة إدارة الموارد الاقتصادية»، ويقول: «المصريون على مر أزمات عدة يمتلكون أدوات التكيُّف، فنحن أمام ظروف استثنائية تفرض علينا (عيشة الضرورة) التي تختلف أولوياتها عن الظروف العادية».
ولا يستبعد الأكاديمي المصري «حدوث تغييرات في نمط حياة الطبقات الاجتماعية إذا استمرت الظروف الاقتصادية في هذا المسار»، ويشرح: «أتوقع هبوط شرائح اجتماعية إلى طبقات أدنى، لا سيما في ظل وجود فجوة بين المستوى التعليمي والمهني والاجتماعي للأفراد وبين دخولهم الاقتصادية، فقد نرى من هم على المحك يهبطون إلى طبقات أدنى».
وقُبيل إعلان «قرارات التعويم» الأحدث، شهد شهر سبتمبر (أيلول) أعلى معدلات التضخم خلال السنوات الأربع الماضية، بعدما وصل إلى 15% مقابل 14.6 في أغسطس (آب)، حسب بيانات صادرة عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» في مصر.
الحكومة المصرية بدورها تعوّل على أن «تعويم» الجنيه «سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد المصري ما قد يحدّ تداعيات الأزمات العالمية بعد جائحة كورونا والأزمة الروسية - الأوكرانية»، وهو ما يؤيده اقتصاديون يعتقدون أن هناك «استقراراً قريباً في سعر الصرف».
لكن الدكتورة هبه الليثي، أستاذ الإحصاء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، لا ترى في «استقرار سعر الصرف بصيصاً يشير إلى انخفاض أسعار السلع»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «تحرير سعر الصرف ربما يعقبه استقرار في الأسعار خلال شهرين أو ثلاثة، لكن هذه النتيجة مرهونة باستقرار سعر الدولار أولاً».
وترى الليثي أن «التعلق بانخفاض الأسعار غير مجدٍ، بينما الخروج من الأزمة يتطلب إعادة النظر في أولويات الأسرة المصرية»، وتضيف: «بعض الأسر قد تضطر إلى خفض ميزانية التغذية، وهذا مخرج قد يكون له أثر سلبي على الصحة على المدى البعيد».
وتستكمل: «ربما تتجه أُسر أخرى إلى خفض الإنفاق على التعليم، وجميعها حلول مسكنة تؤثر على المجتمع لاحقاً». وتضيف ناصحةً: «ترتيب الأولويات يتطلب نظرة إلى المستقبل، فالاستثمار في التعليم أولوية، وكذلك الغذاء، بينما يمكن خفض تكاليف بنود لا تحمل آثاراً جذرية لاحقاً، مثل التخلي عن بعض الرفاهية».


مقالات ذات صلة

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
TT

ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)

قالت منظمة التجارة العالمية، في بيان، إن رئيسة المنظمة نغوزي أوكونجو - إيويالا أُعيد تعيينها لفترة ثانية في اجتماع خاص، يوم الجمعة، مما يعني أن ولايتها الثانية ستتزامن مع ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وتتوقع مصادر تجارية أن يكون الطريق أمام المنظمة، التي يبلغ عمرها 30 عاماً، مليئاً بالتحديات، ومن المرجح أن يتسم بالحروب التجارية، إذ هدد ترمب بفرض رسوم جمركية باهظة على السلع من المكسيك وكندا والصين.

وتحظى أوكونجو - إيويالا، وزيرة المالية النيجيرية السابقة التي صنعت التاريخ في عام 2021 عندما أصبحت أول امرأة وأول أفريقية تتولى منصب المدير العام للمنظمة، بدعم واسع النطاق بين أعضاء منظمة التجارة العالمية. وأعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي أنها ستترشح مرة أخرى، بهدف استكمال «الأعمال غير المكتملة».

ولم يترشح أي مرشح آخر أمام أوكونجو - إيويالا. وقالت مصادر تجارية إن الاجتماع أوجد وسيلة لتسريع عملية تعيينها لتجنب أي خطر من عرقلتها من قبل ترمب، الذي انتقد فريق عمله وحلفاؤه كلاً من أوكونجو - إيويالا ومنظمة التجارة العالمية خلال الفترات الماضية. وفي عام 2020، قدمت إدارة ترمب دعمها لمرشح منافس، وسعت إلى منع ولايتها الأولى. ولم تحصل أوكونجو - إيويالا على دعم الولايات المتحدة إلا عندما خلف الرئيس جو بايدن، ترمب، في البيت الأبيض.

وفي غضون ذلك، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، من الإضرار بالعلاقات مع كندا والمكسيك، وذلك بعد تصريحات لخليفته المنتخب دونالد ترمب بشأن فرض رسوم جمركية على البلدين الجارين للولايات المتحدة.

وقال بايدن للصحافيين رداً على سؤال بشأن خطة ترمب: «أعتقد أنه أمر سيأتي بنتائج عكسية... آخر ما نحتاج إليه هو البدء بإفساد تلك العلاقات». وأعرب الرئيس الديمقراطي عن أمله في أن يعيد خليفته الجمهوري «النظر» في تعهّده فرض رسوم تجارية باهظة على البلدين «الحليفين» للولايات المتحدة.

وأثار ترمب قلق الأسواق العالمية، الاثنين، بإعلانه عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنّ من أول إجراءاته بعد تسلّمه مهامه في يناير (كانون الثاني) المقبل ستكون فرض رسوم جمركية نسبتها 25 بالمائة على المكسيك وكندا اللتين تربطهما بالولايات المتحدة اتفاقية للتجارة الحرة، إضافة إلى رسوم نسبتها 10 بالمائة على الصين.

وتعهّد ترمب عدم رفع هذه الرسوم عن البلدين الجارين للولايات المتحدة قبل توقف الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، مؤكداً أن التجارة ستكون من أساليب الضغط على الحلفاء والخصوم.

وبعدما أعربت عن معارضتها لتهديدات ترمب، أجرت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي المنتخب، الأربعاء، تطرقت إلى تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى الولايات المتحدة عبر حدود البلدين ومكافحة تهريب المخدرات... وأعلن ترمب أنّ شينباوم «وافقت» على «وقف الهجرة» غير الشرعية، بينما سارعت الزعيمة اليسارية إلى التوضيح بأنّ موقف بلادها «ليس إغلاق الحدود».

ورداً على سؤال بشأن التباين في الموقفين، قالت الرئيسة المكسيكية في مؤتمرها الصحافي اليومي الخميس: «يمكنني أن أؤكد لكم... أننا لن نقوم أبداً، ولن نكون قادرين أبداً، على اقتراح أن نغلق الحدود».

وحذّر وزير الاقتصاد المكسيكي مارسيلو إبرار، الأربعاء، من أنّ مضيّ ترمب في فرض الرسوم التجارية على المكسيك سيؤدي إلى فقدان نحو 400 ألف وظيفة. وأكدت شينباوم، الخميس، أنّ أيّ «حرب رسوم تجارية» بين البلدين لن تحصل، وأوضحت أنّ «المهم كان التعامل مع النهج الذي اعتمده» ترمب، معربة عن اعتقادها بأن الحوار مع الرئيس الجمهوري سيكون بنّاء.

إلى ذلك، شدّد بايدن في تصريحاته للصحافيين في نانتاكت، إذ يمضي عطلة عيد الشكر مع عائلته، على أهمية الإبقاء على خطوط تواصل مع الصين. وقال: «لقد أقمت خط تواصل ساخناً مع الرئيس شي جينبينغ، إضافة إلى خط مباشر بين جيشينا»، معرباً عن ثقته بأنّ نظيره الصيني لا «يريد ارتكاب أيّ خطأ» في العلاقة مع الولايات المتحدة. وتابع: «لا أقول إنه أفضل أصدقائنا، لكنه يدرك ما هو على المحك».