الأمم المتحدة تدحض ادعاء موسكو عن استخدام سفن الحبوب غطاءً لمهاجمة سيفاستوبول

من جلسة مجلس الأمن (أ.ف.ب)
من جلسة مجلس الأمن (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة تدحض ادعاء موسكو عن استخدام سفن الحبوب غطاءً لمهاجمة سيفاستوبول

من جلسة مجلس الأمن (أ.ف.ب)
من جلسة مجلس الأمن (أ.ف.ب)

أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارتن غريفيث، لأعضاء مجلس الأمن الاثنين، أنه خلافاً للادعاءات الروسية، لم تكن هناك سفن مشتركة في صفقة حبوب في البحر الأسود، موجودة في الممر الإنساني خلال ليلة 29 أكتوبر (تشرين الأول) حين تعرض الأسطول الروسي في خليج سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم لهجوم واسع.
وعلى الرغم من إعلان روسيا تعليق مشاركتها في مبادرة حبوب البحر الأسود، التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا لتيسير تصدير الحبوب من أوكرانيا، بالإضافة إلى الحبوب والأسمدة من روسيا، فإن الشحنات من أوكرانيا تدفقت بوتيرة قياسية، الاثنين، لاستباق أي تطورات أكثر حدّة.
وبطلب من روسيا، عقد مجلس الأمن جلسة «للنظر في الهجمات التي شنت على الأسطول الروسي وأثرها على مادة الحبوب»، واستمع الأعضاء إلى إحاطة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارتن غريفيث، الذي كشف أنه «في إطار مبادرة حبوب البحر الأسود، اشترت 38 دولة نحو تسعة ملايين طن من الحبوب من أوكرانيا»، معترفاً بأن هذه الكمية «لم تذهب كلها إلى البلدان الأشد حاجة».
واستدرك أن «كل ذلك له تأثير إنساني»، مشيراً إلى خفض الأسعار وتهدئة تقلبات السوق. ورد استيراد إسبانيا لـ1.8 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا «جزئياً إلى الجفاف الشديد».
وأكد أن الادعاءات الأمنية «تشكل مصدر قلق كبير» للأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش، علماً بأن «العديد من الدول الأعضاء تشعر بالقلق من أن الصفقة في مأزق».
وعلق غريفيث على قرار روسيا تعليق مشاركتها، معتبراً أن ذلك «سيكون في الواقع انتهاكاً خطيراً لمبادرة حبوب البحر الأسود إذا استخدمت بأي شكل من الأشكال لتحقيق ميزة عملياتية عسكرية». وأبدى استعداد الأمم المتحدة «للتحقيق، جنباً إلى جنب مع الدول الأعضاء الأطراف في المبادرة، في أي وفي كل الأدلة المقدمة، إذا طُلب منها ذلك»، لافتاً إلى أن «مركز التنسيق المشترك - المؤلف من ممثلين لجميع الموقعين الأربعة على المبادرة - أنشأ غرفة عمليات لمثل هذه الحوادث».
وشدد على ثلاث نقاط تتعلق بالصلة المزعومة للمبادرة بهجمات سيفاستوبول والأضرار التي لحقت بالسفن العسكرية والبنية التحتية الروسية هناك، مؤكداً أن «أي سفن أو طائرات أو أصول عسكرية لم تشارك - أو شاركت - في دعم المبادرة»، علماً بأن الأصول العسكرية «ممنوعة من الاقتراب أكثر من عشرة أميال بحرية من سفن الشحن».
وأوضح أيضاً أن الممر «لا يوفر غطاء ولا حماية للعمل العسكري الهجومي أو الدفاعي»، فضلاً عن أنه «لا يمكن استخدامه كدرع أو مخبأ».
وتعليقاً على سوء الاستخدام المزعوم لسفن الشحن في المبادرة لأغراض عسكرية، أكد أنه «لم يكن أي منها في الممر ليلة 29 أكتوبر عندما وقعت الهجمات». لكن كبير المسؤولين الدوليين في الشؤون الإنسانية قال: «نحن على استعداد لمناقشة أي مخاوف من المبادرة»، مضيفاً أنه «يمكن تتبع رحلات سفن الشحن في المبادرة في الوقت الفعلي على مواقع الويب العامة»، إذ إن كل الأطراف «تشترك في نفس المعلومات حول السفن والبضائع والتفتيش والوجهات»، ملاحظاً أن «المفتشين الروس قاموا بتمشيط مخازن التخزين وغرف المحركات وخزانات السفن أكثر من 800 مرة». وقال: «نحن نهدر الوقت، وصناعة الشحن تهدر المال، ونؤخر توصيل الطعام عندما يعاني الملايين من الجوع ولا يستطيعون دفع فواتيرهم».
وأصر على أن «الصادرات من كل من سلتي الخبز العالميتين، أوكرانيا وروسيا، أمر حيوي»، متوقعاً من كل الدول «العمل على دعم تنفيذ مذكرة التفاهم مع الاتحاد الروسي لضمان وصول صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة إلى الأسواق العالمية».
وأكد أنه «متشجع بتأكيدات روسيا بأنها لن تنسحب من المبادرة وأنها فقط تعلق مؤقتاً نشاطها في التنفيذ». وكشف أن 12 سفينة أبحرت من الموانئ الأوكرانية الاثنين، علماً بأن إحداها تتجه جنوباً وهي محملة بـ30 ألف طن من القمح (من برنامج الغذاء العالمي) لإثيوبيا، فيما تتجه أخرى (من منظمة بانغيو) إلى اليمن وأفغانستان.
وفي إحاطة ثانية، ذكرت الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) ريبيكا غرينسبان أن أوكرانيا وروسيا توفران نحو 30 في المائة من صادرات القمح والشعير، وخُمس الذرة، وأكثر من نصف زيت عباد الشمس في العالم.
وأضافت أن روسيا هي أكبر مصدر للأسمدة في العالم، بما يمثل 15 في المائة من الصادرات العالمية. وأوضحت أن خطة غوتيريش تضمنت «التنفيذ الموازي» لمبادرتين: مبادرة حبوب البحر الأسود، ومذكرة التفاهم بشأن تشجيع الصادرات من دون عوائق للأغذية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، مؤكدة أن ذلك أدى إلى زيادة الصادرات وخفض الأسعار عالمياً. لكن «عدم اليقين في شأن استمرار مبادرة حبوب البحر الأسود يتسبب الآن في ارتفاع الأسعار مرة أخرى».
وإذ عرضت لجهود تصدير الأسمدة، توقعت أن تغادر الشحنة الأولى من الأسمدة إلى أفريقيا في الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، معتبرة أن هناك «حاجة إلى زيادة توضيح الإعفاءات للأغذية والأسمدة ضمن أنظمة العقوبات المختلفة». ودعت كل الأطراف إلى «بذل كل جهد لاستئناف مبادرة حبوب البحر الأسود وتوسيعها».


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟