حقن البوتوكس لعلاج صرير الأسنان... مزايا ومحاذير

الهيئات الصحية الأميركية لم تُجِزْ استخدامها طبياً

صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
TT

حقن البوتوكس لعلاج صرير الأسنان... مزايا ومحاذير

صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين
صرير الاسنان ينجم عن مشاكل احتكاك الفكين

بغرزة إبرة، يستطيع أطباء التجميل مثل ميشيل غرين، إخفاء تجاعيد الجبين وإعادة إحياء منطقة تحت العينين؛ إذ يعمل البوتوكس كالسحر. ورغم أنه يثير القلق بعض الشيء، ولكنّ الطلب عليه كبير، فقد ازدهرت عيادة غرين في نيويورك مع مسارعة الأميركيين لمنح أنفسهم «إشراقة ما بعد الجائحة»، إلّا أنّ الكثير من زبائنها لا يسعون للحصول على الشباب الدائم والجاذبية هذه الأيّام، حيث إن ربع مواعيد الحقن بالبوتوكس تقريباً تعود لأشخاص لديهم دافعٌ مختلف كلياً: مشاكل الاحتكاك الدائم في الفكّين وصرير الأسنان.

مشاكل الأسنان
على امتداد البلاد، يلجأ النّاس الذين يعانون من هذه الحالة المزعجة إلى البوتوكس. وتقول لورين غودمان، ممرّضة تعمل في مجال التجميل في لوس أنجلس «لقد أصبح الأمر شائعاً جداً لدى الأشخاص الذين يعانون من احتكاك الفكين وصرير الأسنان».
تُعرف هذه الحالة علمياً باسم صرير الأسنان Bruxism، وهي عبارة عن فعلٍ لا إرادي يحصل غالباً أثناء النوم ليلاً لأسباب عدّة، أبرزها تناول الكحول، والتدخين، وتوقف النفس أثناء النوم، والتوتر – وهذه الأسباب هي على الأرجح المساهم الأكبر في تنامي هذه الحالة في الولايات المتّحدة خلال الجائحة.
تُمثل الحالة نوعاً من الإزعاج القابل للتحمّل للكثيرين، ولكنّ العوارض قد تصبح جديّة: فمع تنامي مشكلة صرير الأسنان، يشهد أطبّاء الأسنان المزيد من حالات تكسّر وتشقّق الأسنان لدى المرضى، بالإضافة إلى آلام الفكّ والوجه. ويعاني المرضى في الحالات الشديدة من ألم منهك في الرأس وتغيّر في موضع الفكّ. وتساعد العلاجات الشائعة، مثل حماء الفم mouth guards وتغيير العادات اليومية، على التخلّص من العوارض في بعض الحالات فقط. (وحماء الفم جهاز واقٍ للفم، يغطي الأسنان واللثة للوقاية والتقليل من الإصابة للأسنان، الفكين، الشفاه واللثة).


أداة «حماء الفم»

وهذا ما يجعل البوتوكس خياراً مغرياً للعدد المتزايد من المصابين بصرير الأسنان في الفترة الأخيرة. وتعمل حقن الفكّ على إراحة عضلات المضغ التي تحتك وتصدر الصرير – ما يساهم في تخفيف الألم وتجنّب مشاكل الأسنان. هذا الأمر لا يعني طبعاً أنّ كلّ مصاب بصرير الأسنان في الولايات المتّحدة يجري متوجهاً إلى أقرب عيادة بوتوكس، ولكنّ هذا الإجراء ازدهر حقاً منذ بداية الجائحة. فقد علمنا من خمسة أطباء أسنان وتجميل أنّهم لاحظوا تزايداً في عدد المصابين بصرير الأسنان الذين يلجأون للبوتوكس. واعتبرت سامنثا راودن، طبيبة متخصصة بالتعويضات السنية في مدينة نيويورك، أنّ الأشخاص الذين استنفدوا كلّ الطرق التقليدية «لا يريدون شيئاً أكثر من تخفيف آلامهم. وإذا كان هذا الأمر يعني تلقّي حقنة في الوجه، فليكن».
ولكنّ هذه الجوانب الإيجابية للبوتوكس لا تعني أنّه الحلّ الدائم والأكيد الذي بحث عنه أطباء الأسنان والمرضى لوقتٍ طويل. هذه هي قصّة صرير الأسنان: أسبابه المحتملة كثيرة وعلاجاته قد تصيب وقد تخيب – وحتّى فاعليتها لا تسري على الجميع. وكشف جيلز لافين، أستاذ محاضر في طبّ الأسنان في جامعة مونتريال، عن أنّه «لا يقول لمرضاه إنّه يستطيع علاجهم، بل إنه يستطيع مساعدتهم في السيطرة على الحالة». ولكن لماذا ما زلنا لا نعلم حتّى اليوم كيف نتعامل مع هذا الداء الشائع لهذه الدرجة؟

حقن البوتوكس
اكتشف الباحثون في السنوات الماضية أنّ الحقن، التي تشلّ العضلات الماضغة المسؤولة عن صرير الأسنان مؤقتاً، قادرة أيضاً على تخفيف وتيرة وقوّة الصرير. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاستخدام هو واحدٌ من استخدامات كثيرة غير تجميلية شاعت منذ دخول البوتوكس إلى الأسواق عام 1989؛ إذ تعالج هذه الحقن مشاكل أخرى كالتعرّق المفرط تحت الإبطين، وحبّ الشباب، والصداع النصفي.
لم ينل البوتوكس موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA كعلاج لمشكلة صرير الأسنان، إلّا أنّ أي شخص يحمل ترخيصاً لاستخدام البوتوكس يستطيع حقن أي مريض يعاني من صرير الأسنان وبشكلٍ قانوني.
ويمكن القول، إنّ البوتوكس ينطوي، نظرياً على الأقلّ، على فوائد أكثر من علاجات صرير الأسنان التقليدية. إذ قد يساعد حماء الفم على تجنّب حدوث صرير الأسنان، وتفتيتها أثناء النوم، ولكنّه يمكن أن يكون غير فعّال على الإطلاق، حتّى أنّه قد يزيد الحالة سوءاً – لا سيّما إذا كان المريض يعاني من انقطاع النفس أثناء النوم، حسب ما شرح جايمسون سبنسر، طبيب أسنان وخبير في انقطاع النفس أثناء النوم في بويزي، أيداهو. بدورها، تنتمي الأنظمة ذات التدخليّة الطفيفة كاليوغا، والتأمّل، والعلاج السلوكي الإدراكي، والعلاج الفيزيائي، إلى الحلول التي قد تصيب أو تخيب أيضاً. ومن جهة أخرى تساعد مرخّيات العضلات Muscle relaxers بعض الأشخاص، ولكنّها ليست محبّذة لدى أطبّاء الأسنان الذين تحادثنا معهم.
في أفضل الحالات، يمكن لهذا الإجراء أن يساعد بعض المرضى الذين يعانون من صرير الأسنان، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أنّ البوتوكس يمكن أن يخفّف درجة الألم. وتحدّث أحد زائري موقع «ريل سيلف» كيف أنّه جرّب حماء الفم، وتخفيف التوتر، والإقلاع عن استهلاك الكافيين قبل أن يلجأ أخيراً إلى حقنة الفك.
في المقابل، تحيط بالبوتوكس سلبيات حقيقية، فضلاً عن أنّ الكثير من أطباء الأسنان لا يزالون مترددين بالتوصية به. كما يتّسم البوتوكس بسعره الباهظ وتأثيره المؤقت، حيث يكلّف الإجراء المطلوب نحو 1000 دولار ولا يخضع لتغطية التأمين الصحي، بالإضافة إلى أنّه لا يدوم لأكثر من أربعة أشهر. وكما سائر العلاجات المتوفرة، يستهدف البوتوكس عوارض صرير الأسنان وليس أسبابه. ويلفت لافين إلى أنّ «النّاس يحتاجون إلى المضغ دائماً، أي أنّ العضلات الماضغة لن تكون مشلولة بالكامل، وهذا يعني أنّ طحن الأسنان سيستمرّ، ولكن بقوّة أقل».

مخاطر العلاج
علاوة على ذلك، تنطبق المخاطر التي تصاحب البوتوكس التجميلي عادة في هذه الحالة أيضاً، وأبرزها ظهور كدمة في موقع الحقنة، وآلام الرأس، والتحسّس، وتغييرات غير مرغوبة في تعابير الوجه نتيجة حقن البوتوكس في موضع خاطئ. تحدّث أحد زوار موقع «ريل سلف» مثلاً عن عدم حصول أي تحسّن في تقليل آلام الفكّ لديه، وعن ظهور تعبير مخيف أشبه بالتكشير على وجهه بعد الحقنة، بينما كشف آخر عن أن آلام الرأس اختفت بعد الحقنة... والمدهش، أن وجنتيه اختفتا كذلك، شارحاً «أنّه لم يستطع التعرّف على نفسه في المرآة وبدا وكأنّه تقدّم عشر سنوات في العمر خلال بضعة أشهر».
إن صرير الأسنان لا يشابه حوادث كسر الذراع، حيث يكون السبب والنتيجة معروفين وقابلين للعلاج. واعتبر الخبراء أنّ «تعدّد أسباب ألم الفكّ يفرض استهدافه من أكثر من مكان. هذا يعني أنّ كلّ الأشياء التي تساهم في ظهور هذا الألم يجب أن تُعالج»؛ ما قد يفرض الاستعانة بمجالات أخرى غير طبّ الأسنان. من جهته، رأى سبنسر، الباحث المتخصص في انقطاع النفس أثناء النوم، أنّ أطباء الأسنان أنفسهم لا يملكون كلّ المعلومات. نحن لا نتلقّى تعليماً مرتبطاً بحالات صرير الأسنان».
إذن، في الوقت الراهن، فإن أدوات حماء الفم والتأمّل والبوتوكس هي الحلول المتوفرة في جعبتنا ولا أفق بتطوّر العلاجات في المستقبل القريب. ويقول عدد من الخبراء، إنه مع معرفة النّاس لآخرين استجابوا لنتائج جيدة لحقنة البوتوكس لعلاج الصرير، فإنهم يتوقعون حدوث توسّع في استخدام هذا العلاج. ومن هنا، سيستمر مرضى الصرير إما بوضع حماء الفم، أو دفع آلاف الدولارات سنوياً على الحقن المؤقتة في محاولة منهم للتخلّص من آلامهم... فقط لو أنّ البوتوكس يستطيع مسح صرير الأسنان كما يفعل مع التجاعيد العنيدة!

* «ذي أتلانتك» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة
TT

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ذكاء اصطناعي «شديد الحساسية للرائحة» يكتشف المصنوعات المقلَّدة

ابتكر أليكس ويلشكو، مؤسس شركة الذكاء الاصطناعي «أوسمو»، وفريقه نسخة «ألفا» من جهاز خيالي بحجم حقيبة الظهر مزودة بمستشعر شمّ يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنتجات المقلدة من خلال تحليل تركيبها الكيميائي.

وأقامت شركة «أوسمو» (Osmo) شراكة مع منصات إعادة بيع الأحذية الرياضية لإظهار أن اختبار الشم عالي التقنية قادر على تحديد المنتجات المزيفة بدرجة عالية من الدقة.

الجزيئات المتطايرة تحدد الرائحة

كل شيء في العالم له رائحة، من الملابس إلى السيارات إلى جسمك. هذه الروائح هي جزيئات متطايرة، أو كيمياء «تطير» من تلك الأشياء وتصل إلى أنوفنا لتخبرنا بالأشياء. ويختبر الإنسان ذلك بوعي ووضوح عندما يكون هناك شيء جديد قرب أنفه، مثل شم سيارة جديدة أو زوج من الأحذية الرياضية. لكن حتى عندما لا تلاحظ الروائح، فإن الجزيئات موجودة دائماً.

رائحة المنتجات المقلَّدة

الأحذية المقلدة لها رائحة مختلفة عن الأحذية الحقيقية. إذ لا تختلف الأحذية الرياضية الأصلية والمقلدة في المواد، فحسب، لكن في التركيب الكيميائي. حتى الآن، اعتمدت شركات مثل «استوكس» (StockX) على اختبارات الشم البشري والفحص البصري لتمييز الأصالة - وهي عملية تتطلب عمالة مكثفة ومكلفة. وتهدف التقنية الجديدة إلى تبسيط العملية.

خريطة تحليل الفوارق اللونية

تدريب الذكاء الاصطناعي على الاختلافات الجزيئية

ووفقاً لويلشكو، درَّب فريقه «الذكاء الاصطناعي باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية للتمييز بين هذه الاختلافات الجزيئية».

وستغير هذه التكنولوجيا كيفية إجراء عمليات التحقق من الأصالة في الصناعات التي تعتمد تقليدياً على التفتيش اليدوي والحدس. وتهدف إلى رقمنة هذه العملية، وإضافة الاتساق والسرعة والدقة.

20 ثانية للتمييز بين المزيف والحقيقي

ويضيف أن آلة «أوسمو» تستغرق الآن نحو 20 ثانية للتمييز بين المنتج المزيف والحقيقي. وقريباً، كما يقول، ستقل الفترة إلى خمس ثوانٍ فقط. وفي النهاية، ستكون فورية تقريباً.

تم بناء أساس التقنية على سنوات من العمل المخبري باستخدام أجهزة استشعار شديدة الحساسية، كما يصفها ويلشكو، «بحجم غسالة الأطباق»، ويضيف: «تم تصميم أجهزة الاستشعار هذه لتكون حساسة مثل أنف الكلب، وقادرة على اكتشاف أضعف البصمات الكيميائية».

وتعمل هذه المستشعرات على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وتجمع باستمرار البيانات حول التركيب الكيميائي لكل شيء من البرقوق والخوخ إلى المنتجات المصنعة»، كما يوضح ويلشكو.

خريطة الرائحة الرئيسية

تشكل البيانات التي تم جمعها العمود الفقري لعملية تدريب الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة، والتي تساعد في إنشاء فهم عالي الدقة للروائح المختلفة ومنحها موقعاً في نظام إحداثيات يسمى خريطة الرائحة الرئيسية.

إذا كنت على دراية بكيفية ترميز ألوان الصورة في الصور الرقمية، فان الطريقة تعمل بشكل مماثل. إذ تقريباً، يتوافق لون البكسل مع مكان على خريطة RGB، وهي نقطة في مساحة ثلاثية الأبعاد بها إحداثيات حمراء وخضراء وزرقاء.

تعمل خريطة الرائحة الرئيسية بشكل مشابه، باستثناء أن الإحداثيات في تلك المساحة تتنبأ بكيفية ورود رائحة مجموعات معينة من الجزيئات في العالم الحقيقي. يقول ويلشكو إن هذه الخريطة هي الصلصة السرية لشركة «أوسمو» لجعل الاختبار ممكناً في الوحدات المحمولة ذات أجهزة استشعار ذات دقة أقل وحساسة تقريباً مثل أنف الإنسان.

من المختبر إلى الأدوات اليومية

يقول ويلشكو إنه في حين أن أجهزة الاستشعار المحمولة أقل حساسية من وحدات المختبر، فإن البيانات المكثفة التي يتم جمعها باستخدام أجهزة الاستشعار عالية الدقة تجعل من الممكن إجراء اكتشاف فعال للرائحة. مثل الذكاء الاصطناعي لقياس الصورة القادر على استنتاج محتويات الصورة لإنشاء نسخة بدقة أعلى بناءً على مليارات الصور من نموذجه المدرب، فإن هذا يحدث بالطريقة نفسها مع الرائحة. تعدّ هذه القدرة على التكيف أمراً بالغ الأهمية للتطبيقات في العالم الحقيقي، حيث لا يكون نشر جهاز بحجم المختبر ممكناً.

من جهته، يشير روهينتون ميهتا، نائب الرئيس الأول للأجهزة والتصنيع في «أوسمو»، إلى أن مفتاح عملية التعريف لا يتعلق كثيراً بالروائح التي يمكننا إدراكها، لكن بالتركيب الكيميائي للكائن أو الشيء، وما يكمن تحته. ويقول: «الكثير من الأشياء التي نريد البحث عنها والتحقق من صحتها قد لا يكون لها حتى رائحة محسوسة. الأمر أشبه بمحاولة تحليل التركيب الكيميائي».

وهو يصف اختباراً تجريبياً أجرته الشركة مؤخراً مع شركة إعادة بيع أحذية رياضية كبيرة حقق معدل نجاح يزيد على 95 في المائة في التمييز بين الأحذية المزيفة والأحذية الحقيقية.

إلا أن الطريقة لا تعمل إلا مع الأشياء ذات الحجم الكبير، في الوقت الحالي. ولا يمكن للتكنولوجيا التحقق من صحة الأشياء النادرة جداً التي تم صنع ثلاثة منها فقط، مثلاً.

هذا لأنه، كما أخبرني ويلشكو، يتعلم الذكاء الاصطناعي باستخدام البيانات. لكي يتعلم رائحة طراز جديد معين من الأحذية، تحتاج إلى إعطائه نحو 10 أزواج من الأحذية الرياضية الحقيقية. في بعض الأحيان، تكون رائحة البصمة خافتة لدرجة أنه سيحتاج إلى 50 حذاءً رياضياً أصلياً ليتعلم الطراز الجديد.

خلق روائح جديدة

لا يشم مختبر «أوسمو» الأشياء التي صنعها آخرون فحسب، بل يخلق أيضاً روائح جديدة داخل الشركة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي والروبوتات نفسها. أظهر علماء الشركة كيف يعمل هذا بطريقة عملية خلال تجربة أطلقوا عليها اسم مشروع نقل الرائحة. لقد التقطوا رائحة باستخدام مطياف الكتلة للتفريق اللوني الغازي (GCMS)، الذي يحللها إلى مكوناتها الجزيئية ويحمل البيانات إلى السحابة. أصبحت هذه البيانات الملتقطة إحداثيات على خريطة الرائحة الرئيسية. بمجرد رسم الخريطة، يتم توجيه روبوت التركيب في مكان آخر لخلط عناصر مختلفة وفقاً لوصفة الرائحة، وإعادة إنشاء الرائحة الأصلية بشكل فعال.

رائحة مصنّعة لتعريف المنتجات

باستخدام تقنية تصنيع الرائحة نفسها، يتخيل ويلشكو أن «أوسمو» يمكن أن تدمج جزيئات عديمة الرائحة مباشرة في المنتجات بصفتها معرفاتٍ فريدة؛ مما يخلق توقيعاً غير مرئي لن يكون لدى المزورين أي طريقة لاكتشافه أو تكراره. فكر في هذا باعتباره ختماً غير مرئي للأصالة.

وتعمل شركة «أوسمو» على تطوير هذه العلامات الفريدة لتُدمج في مواد مثل الغراء أو حتى في القماش نفسه؛ ما يوفر مؤشراً سرياً لا لبس فيه على الأصالة.

هناك فرصة كبيرة هنا. وكما أخبرني ويلشكو، فإن صناعة الرياضة هي سوق بمليارات الدولارات، حيث أعلنت شركة «نايكي» وحدها عن إيرادات بلغت 60 مليار دولار في العام الماضي. ومع ذلك، تنتشر النسخ المقلدة من منتجاتها على نطاق واسع، حيث أفادت التقارير بأن 20 مليار دولار من السلع المقلدة تقطع هذه الإيرادات. وقد صادرت الجمارك وحماية الحدود الأميركية سلعاً مقلدة بقيمة مليار دولار فقط في العام الماضي في جميع قطاعات الصناعة، وليس فقط السلع الرياضية. ومن الواضح أن تقنية الرائحة هذه يمكن أن تصبح سلاحاً حاسماً لمحاربة المنتجات المقلدة، خصوصاً في أصعب الحالات، حيث تفشل الأساليب التقليدية، مثل فحص العلامات المرئية.

الرائحة هي مفتاح المستقبل

يرى ويلشكو أن النظام جزء من استراتيجية أوسع لرقمنة حاسة الشم - وهو مفهوم بدأ العمل عليه عند عمله في قسم أبحاث «غوغل». إن أساس النظام يكمن في مفهوم يسمى العلاقة بين البنية والرائحة. وتتلخص هذه العلاقة في التنبؤ برائحة الجزيء بناءً على بنيته الكيميائية، وكان مفتاح حل هذه المشكلة هو استخدام الشبكات العصبية البيانية.

إمكانات طبية لرصد الأمراض

إن الإمكانات الطبية لهذه التقنية هي تحويلية بالقدر نفسه. ويتصور ويلشكو أن النظام يمكن استخدامه للكشف المبكر عن الأمراض - مثل السرطان أو السكري أو حتى الحالات العصبية مثل مرض باركنسون - من خلال تحليل التغييرات الدقيقة في رائحة الجسم التي تسبق الأعراض غالباً.

لكنه يقول إنه حذّر بشأن موعد حدوث هذا التقدم؛ لأنه يجب على العلماء أن يحددوا أولاً العلامات الجزيئية لهذه الروائح قبل أن تتمكن الآلة من اكتشاف أمراض مختلفة. وتعمل الشركة بالفعل مع عدد من الباحثين في هذا المجال.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»