تفسير رياضي جديد لتغيّر لمعان النجوم

منهجية «كاوست» مفيدة لتحديد مواعيد تجميع طاقة أشعة الشمس في السعودية

تفسير رياضي جديد لتغيّر لمعان النجوم
TT

تفسير رياضي جديد لتغيّر لمعان النجوم

تفسير رياضي جديد لتغيّر لمعان النجوم

تداولت وسائل الإعلام العالمية في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام، خبراً مفاده أن علماء من اليابان تمكنوا من حل لغز النجم العملاق الأحمر Betelgeuse الذي يبعد عن الأرض بنحو 550 سنة ضوئية، والذي تعرّض قبل عامين لخفوت هائل في السطوع. وبحسب هؤلاء العلماء، فإن هذا الخفوت يعود إلى حدوث مزيج من التبريد وتكثف الغبار على الأرجح في مكان قريب نتج عنه فقدان النجم لمعانه.
إن دراسة النجوم التي يتغيَّر ضوؤها خفوتاً وسطوعاً كانت ولا تزال تثير اهتمام العلماء حول العالم؛ فجميع النجوم لا تتألَّق بالدرجة نفسها طوال الوقت، فمن الممكن أن يتغيَّر تألقها بشكل سريع جداً في أجزاء من الثانية، أو بشكل بطيء على مدى سنوات؛ لذلك أطلق العلماء على هذا النوع من النجوم «النجوم المتغيّرة».

النجوم المتغيّرة
يعدّ النجم متغيراً إذا تم تغيير حجمه الظاهري، أي سطوعه بأي شكل من الأشكال حينما ننظر إليه من الأرض. ويمكن أن تحدث هذه التغييرات على مدار سنوات أو مجرد أجزاء من الثانية، ويمكن أن تتراوح بين واحد بالألف وعشرين من مقدار السطوع.
ولقد حدَّد العلماء التغيّر في سطوع النجوم بسبب نوعين من التغيرات الداخلية والخارجية، فالداخلية قد تحدث بسبب وقوع انفجارات أو انكماشات أو تمدّد، والخارجية بسبب دورية دورانها أو مرور نجم آخر أو كوكب آخر أمامها، بسبب قوّة جذب النجوم الأخرى، وقد يصبح من الصعب تبيُّن هذا التغيُّر أو تفسيره رياضياً عندما يطرأ.
على مدى آلاف السنين، نظر الإنسان إلى النجوم على أنها أبدية وغير متغيرة، ثابتة إلى الأبد في الزمان والمكان، لكن هذه الفرضية قد تغيرت في الفترة بين كوبرنيكوس ونيوتن. فلقد اشتعلت النيران عبر المسرح السماوي، وذلك عندما أعلن نجمان جديدان ولادة العلم الجديد، حيث ظهرت نجم تايكو (1572) ونجم كيبلر (1604) اللذان اختفيا بشكل غير متوقع إلى الأبد.
أما النجوم المتغيّرة، فهي حالة مختلفة؛ فالنجم المتغيّر الأقدم والألمع والأكثر إثارة للجدل «مَيرا»، الذي تعود قصته إلى عام 1569، كان مهماً لأنه ظهر واختفى مراراً وتكراراً. ففي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، اكتشف القس الألماني ديفيد فابريسيوس، أن أحد النجوم التي يقوم برصدها قد لمع بشكل غير معتاد عن عادته ثم اختفى تماماً، إلا أنه عاد وشاهده مرة أخرى في شهر فبراير (شباط) من عام 1009. بعد ذلك قدر الهولندي يوهانس هولواردا دورة هذا النجم بمقدار 11 شهراً، وأطلق عليه اسم «مَيرا».
وعبر ثلاثة قرون، دفعت النجوم المتغيّرة علماء الفلك إلى إعادة التفكير في خلق استراتيجيات جديدة من حيث التنظيم، وعمل ملاحظات مستمرة، وتتبع الأحجام المتغيّرة وشرح الأطوار النجمية.

منهجية «كاوست»
في هذا الإطار، وخلال الآونة الأخيرة، وضع كل من والبروفسور مارك جِنتون، الأستاذ المتميز في الرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية، وسوميا داس، الباحث في مرحلة الدكتوراه بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، منهجية لدراسة هذا التطور في دورية تألُّق النجوم، مُستوحاة من إطار رياضي يسمى «الإشارة الدورية الثابتة» cyclostationary.
والإشارة الدورية الثابتة هي إشارة لها خصائص إحصائية تختلف دوريا حسب الوقت، ويمكن النظر إليها باعتبارها عمليات ثابتة متعددة ومتداخلة.
يقول داس «قد يكون من الصعب تفسير التنوّع في درجة تألُّق النجوم المتغيِّرة، ما لم يكن تألُّقها يتبع نمطاً منتظماً بمرور الوقت. ومع ذلك، فقد صممنا في هذه الدراسة منهجياتٍ لتفسير مسار تطوُّر تألُّق النجوم المتغيِّرة، حتى إن لم يحدث هذا التألُّق بصفة دوريّة ثابتة أو لم تكُن سِعة موجاته واحدة على طول الخط».
إن رصد التنوّع في العمليات الدورية الثابتة التقليدية بمرور الوقت عادة ما يكون سهلاً، فعلى سبيل المثال، يمكننا تبيُّن مدى التغيّر في إضاءة المنارات البحرية، أو مدى التنوّع السنوي في الإشعاع الشمسي بمواقع معينة. وتجدر الإشارة إلى أن كلمة «ثابتة» في هذا السياق تشير إلى مدى استمرارية الطبيعة الدورية لهذه العمليات بمرور الوقت، وتصف الكلمة العمليات المتوقَّعة لدرجة تجعل حدوثها يبدو بديهياً، مثل دوران عمود ناقل الحركة في سيارتك أو دوران الشعاع الضوئي الصادر عن منارة بَحرية. ولكن إذا تغيَّرت دورية هذه العمليات أو سعة موجاتها ببطء على مدى دورات عدّة، فلن تخضع عندها للحسابات الرياضية نفسها التي تخضع لها العمليات الدورية الثابتة.
يقول داس «نُطلق على هذا النوع من العمليات اسم (العمليات الدورية الثابتة المتطورة من ناحية مدى الدورية والسعة) evolving period and amplitude cyclostationary process، أو اختصاراً عمليات EPACS. وبما أن تلك العمليات تُعدّ أكثر مرونة من العمليات الدورية الثابتة التقليدية، فيمكن الاستفادة منها في وضع نماذج تُحاكِي مجموعة كبيرة من المواقف التي تحدث على أرض الواقع».
وقد وضع داس وجِنتون بالفعل نموذجاً للدورية والسعة غير الثابتتين، بوصفهما من الدوال المتغيِّرة بمرور الوقت، موسِّعين بذلك تعريف العمليات الدورية المستقرّة ليصف على نحو أفضل العلاقة بين المتغيرات، ومنها درجة تألق النجوم المتغيَّرة ومدى انتظام دورتها. وبعد ذلك، استخدم الباحثان منهجية تكرارية لصَقْل المعطيات الرئيسية التي يقوم عليها النموذج، ومن ثَمَّ ضمان محاكاة النموذج للواقع المرصود.

نجم «آر. هيدري»
ويقول داس «طبَّقنا هذه المنهجية لوضع نموذج للضوء الصادر عن النجم المتغيِّر (آر. هيدري) R. Hydrae، الذي تباطأت دوريته من 420 يوماً إلى 380 يوماً فيما بين العامين 1900 و1950. وقد أثبتنا أن (آر. هيدري) يتطوَّر على فترات زمنية طويلة، وعلى دورة واسعة، وهو ترابط لم ترصده أي دراسات سابقة».
والأهم من ذلك، أن هذه المنهجية تربط بين عمليات «العمليات الدورية الثابتة المتطورة من ناحية مدى الدورية والسعة» ونظرية الدورية الثابتة التقليدية، ومن ثَمَّ فإن انطباق هذه المنهجية على متابعة «العمليات الدورية الثابتة المتطورة من ناحية مدى الدورية والسعة» يعني أنه من الممكن للمنهجيات القائمة بالفعل أن تنطبق على دراسة العمليات الدورية الثابتة.
ويضيف داس «كذلك يمكن الاستفادة من المنهجية التي وضعناها في دراسة ظواهر أخرى مماثلة، غير النجوم المتغيّرة، مثل الظواهر التي يتناولها علم المناخ وعلم القياسات البيئية، وبخاصة ظواهر الإشعاع الشمسي، وهو الأمر الذي قد يفيد في توقُّع المواعيد المناسبة لتجميع الطاقة من أشعة الشمس في المملكة العربية السعودية».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»
TT

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

توصَّل باحثون في «مركز علوم الحياة بجامعة» فيلنيوس في ليتوانيا، إلى اكتشاف طريقة جديدة رائدة في مجال البحث الجيني تسمح بإسكات (أو إيقاف عمل) جينات معينة دون إجراء قطع دائم للحمض النووي (دي إن إيه).

وتُقدِّم الدراسة مساراً جديداً محتملاً لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً يشبه الضغط على زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا.

آلية عمل نظام «كريسبر» الجديد

اكتشف فريق البروفسور باتريك باوش من معهد الشراكة لتقنيات تحرير الجينوم بمركز العلوم الحياتية في جامعة فيلنيوس بليتوانيا، بالتعاون مع خبراء دوليين في البحث المنشور في مجلة «Nature Communications» في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، نظاماً جديداً مختلفاً للتعديل الجيني.

وعلى عكس نظام «كريسبر كاس9 (CRISPR-Cas9)»، المعروف الذي اشتهر بقدرته على قطع الحمض النووي (DNA)، يعمل نظام «كريسبر» من النوع «آي في إيه» (IV-A CRISPR) بشكل مختلف، حيث يستخدم مركباً موجهاً بالحمض النووي الريبي لإسكات الجينات دون انشقاق خيوط الحمض النووي «دي إن إيه (DNA)».

كما يستخدم النظام الجديد مركباً مؤثراً يجنِّد إنزيماً يُعرف باسم «دين جي (DinG)». ويعمل هذا الإنزيم عن طريق التحرك على طول خيط الحمض النووي (DNA)، وتسهيل إسكات الجينات من خلال عملية غير جراحية.

تقنية «كريسبر-كاس9» للقص الجيني

هي أداة تعمل كمقص جزيئي لقص تسلسلات معينة من الحمض النووي (دي إن إيه). وتستخدم الحمض النووي الريبي الموجه للعثور على الحمض النووي المستهدف. و«كاس9» هو البروتين الذي يقوم بالقص، وهذا ما يسمح للعلماء بتعديل الجينات عن طريق إضافة أو إزالة أو تغيير أجزاء من الحمض النووي، وهو ما قد يساعد على علاج الأمراض الوراثية، وتعزيز الأبحاث.

** آفاق جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي

بروتينات وحلقات

يستخدم نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» بروتينين مهمين، هما «Cas8»، و«Cas5» للعثور على بقع محددة على الحمض النووي (DNA). ويبحث هذان البروتينان عن تسلسل قصير من الحمض النووي بجوار المنطقة المستهدفة التي تتطابق مع دليل الحمض النووي الريبي. وبمجرد العثور عليه يبدآن في فك الحمض النووي وإنشاء هياكل تسمى حلقات «آر (R)».

وحلقات «آر» هي الأماكن التي يلتصق فيها الحمض النووي الريبي بخيط واحد من الحمض النووي (DNA)، وتعمل بوصفها إشارةً للنظام لبدء إيقاف أو إسكات الجين.

وكما أوضح البروفسور باوش، فإن «آر» في حلقة «R» تعني الحمض النووي الريبي. وهذه الهياكل أساسية لأنها تخبر النظام متى وأين يبدأ العمل. ولكي تكون حلقات «آر» مستقرةً وفعالةً يجب أن يتطابق الحمض النووي، ودليل الحمض النووي الريبي بشكل صحيح.

وظيفة إنزيم «دين جي»

يساعد إنزيم «DinG» نظام «كريسبر» على العمل بشكل أفضل من خلال فك خيوط الحمض النووي (DNA). وهذا يجعل من الأسهل على النظام التأثير على قسم أكبر من هذا الحمض النووي، ما يجعل عملية إسكات الجينات أكثر فعالية وتستمر لفترة أطول.

وأشار البروفسور باوش إلى أنه نظراً لأن إنزيم «DinG» يمكنه تغيير كيفية التعبير عن الجينات دون قطع الحمض النووي، فقد يؤدي ذلك إلى تطوير أدوات وراثية أكثر أماناً في المستقبل.

تطبيقات محتملة لتخفيف تلف الحمض النووي

يحمل الاكتشاف إمكانات هائلة لتحرير الجينوم والبحث في المستقبل، إذ يمكن أن تخفف الطبيعة غير القاطعة لهذه الطريقة من المخاطر المرتبطة بتلف الحمض النووي( DNA). وهو مصدر قلق عند توظيف تقنيات تحرير الجينات الحالية.

ومن خلال تمكين تعديل الجينات دون إحداث تغييرات دائمة في الحمض النووي( DNA) يمكن أن يكون هذا النهج الجديد مفيداً بشكل خاص في التطبيقات السريرية مثل العلاج الجيني للاضطرابات الوراثية. كما أن القدرة الفريدة لهذا النظام على عبور الحمض النووي دون إجراء قطع، أمر مثير للاهتمام لتطبيقات تحرير الجينات المتقدمة.

الدقة والسلامة

ويعتقد فريق البحث بأن هذه الطريقة يمكن أن تزوِّد العلماء وخبراء التكنولوجيا الحيوية بأدوات أكثر دقة لدراسة وظائف الجينات وتصحيح التشوهات الجينية بطريقة خاضعة للرقابة.

ويمثل الاكتشاف تقدماً كبيراً في مجال البحث الجيني؛ حيث يفتح نظام «كريسبر» من النوع «IV-A» آفاقاً جديدة لتعديل الجينات بشكل أكثر أماناً وغير جراحي، ويمكن أن تحدث هذه الطريقة ثورةً في كيفية دراسة الأمراض الوراثية وعلاجها، مع التركيز على الدقة والسلامة.