تفاقم ظاهرة التضييق على حرية الإعلام في دول جنوب آسيا

المنظمات الدولية المتخصصة ترصد الوضع بقلق

محمد زبير مؤسس «أولت نيوز» الهندي
محمد زبير مؤسس «أولت نيوز» الهندي
TT

تفاقم ظاهرة التضييق على حرية الإعلام في دول جنوب آسيا

محمد زبير مؤسس «أولت نيوز» الهندي
محمد زبير مؤسس «أولت نيوز» الهندي

تواجه منطقة جنوب آسيا تزايداً غير مسبوق في القيود المفروضة على حرية الإعلام، ويواجه الصحافيون والمؤسسات الإعلامية في مختلف دولها العديد من التحديات. وعبر هذه المنطقة تتفق تقارير موثوقة على أن المناخ العام المفعم بالفعل بتحديات مهنية أمام وسائل الإعلام الحرة، قد تدهور بشكل أكبر خلال العام الماضي.
بين أبرز هذه التقارير، تقرير أصدره الاتحاد الدولي للصحافيين عن حرية الصحافة، وكشف أن منطقة جنوب آسيا التي تمتد من شرق شبه جزيرة الهند الصينية غرباً حتى باكستان وأفغانستان، شهدت عام 2021-2022 تراجعاً في التصنيف السنوي لكل من الهند وباكستان وبنغلاديش وميانمار وسريلانكا. وأشار بصورة خاصة إلى التهديدات التي تتعرض لها سلامة الصحافيين وحرياتهم، والأعمال القمعية والرقابة العلنية من قبل الحكومات، وبيئة الإنترنت الفوضوية.


-    ميكروفونات وسائل إعلام أفغانية

في هذا الصدد، قالت مادلين إيرب، المحللة والباحثة لدى منظمة «فريدوم هاوس»: «ثمة تزايد واضح في أعمال الرقابة، وتعرضت العديد من وسائل الإعلام للحظر، في حين تتراجع حرية الإنترنت على مستوى جنوب شرقي آسيا. وفي الوقت الراهن، يواجه كثرة من الصحافيين اتهامات. ونحن نعاين بعض التكتيكات المحددة كحظر مواقع إلكترونية، وإجراءات توقيف واعتقال، وهجمات سيبرانية، وانتهاكات أخرى».

صحافيون هنود
يواجهون قضايا جنائيةفي الهند، كبرى دول المنطقة، أسهمت الزيادة الحادة في أعداد الدعاوى الجنائية المرفوعة ضد صحافيين داخل الهند بسبب عملهم الإعلامي، في تردي المناخ العام لحرية التعبير داخل البلاد. وشهد العقد الماضي، اعتقال أو احتجاز أو التحقيق، أو توجيه إنذار دون بيان الأسباب، إلى 154 صحافياً في الهند بسبب عملهم المهني، وجاء ما يزيد قليلاً على هذه الحالات خلال عام 2020. كذلك واجه 9 صحافيين أجانب الترحيل أو إلقاء القبض عليهم أو التحقيق معهم أو حُرموا من دخول الهند.
اللافت أيضاً، أن اتهامات تتعلق بـ«الإرهاب» والتحريض، جرى توجيهها على نحو متزايد للصحافيين. وراهناً، تحتجز السلطات الهندية 3 صحافيين بناءً على أقسام مختلفة من قانون مكافحة الأنشطة غير القانونية الصادر عام 1967، وأدين أحدهم بالفعل وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة. ويُعد اعتقال كل من الصحافي محمد زبير، وهو أحد مؤسسي موقع تدقيق الحقائق «أولت نيوز»، وتيستا سيتالفاد، الصحافية والناشطة المناهضة للطائفية، بمثابة مؤشر مرعب على وضع حرية التعبير داخل الهند. وهذا مع الإشارة إلى أن الصحافيين نالا حكماً بالإفراج عنهما بكفالة من المحكمة العليا، ولكن في مطلق الأحوال، تكشف الأرقام أنه حتى اليوم، ألقي القبض على 9 صحافيين على الأقل خلال عام 2022. وبصورة إجمالية، يقبع خلف القضبان داخل سجون الهند في الوقت الحاضر 14 شخصاً يعملون في الحقل الإعلامي. وحول هذا الوضع، طلبت منظمة «مراسلون بلا حدود» الدولية اللاربحية، ومعها 9 منظمات أخرى معنية بحقوق الإنسان، من السلطات الهندية وقف استهداف الصحافيين والمنتقدين عبر الإنترنت بسبب عملهم.

-    على شاشة «أيه آر واي» الباكستانية

حظر وسائل إعلام باكستانية
في باكستان، الوضع لا يختلف كثيراً؛ إذ تعرّضت وسائل الإعلام الباكستانية لقمع بالغ على امتداد السنوات الكثيرة الماضية. وفي الآونة الأخيرة، أُغلق عدد من القنوات الإخبارية في البلاد، وألقي القبض على الكثير من الصحافيين. ويأتي توقيف واعتقال مسؤولين تنفيذيين رفيعي المستوى في شبكة «إيه آر واي»، بمثابة أحدث صفعة لحرية الصحافة داخل باكستان. وكان قد جرى إيقاف «إيه آر واي نيوز»، التي تملك أكبر قناة إخبارية خاصة في باكستان، واعتقال الصحافي البارز فيها، أحمد يوسف، الذي يتولى مسؤولية المحتوى الإخباري للقناة، وذلك لادعاءات توجيهه انتقادات للحكومة وبث محتوى «تحريضي».
وفي وقت سابق من العام الحالي، وجدت المحطة الإخبارية نفسها في مأزق عندما أوقفت هيئة تطوير الإعلام الباكستاني بثها في عدة أجزاء من البلاد، إلا أن هذا التعليق للبث لم يستمر طويلاً، بفضل تدخل محكمة إسلام آباد العليا. وبالمثل، أوقفت هيئة تطوير الإعلام الباكستاني بث كل من «بول نيوز» و«لبيك تي في». ويشير المتابعون إلى أن شبكتي «إيه آر واي» و«بول تي في» تعتبران من بين أكثر المحطات التلفزيونية احتراماً وشهرة على مستوى باكستان. وسبق لـ«إيه آر واي» مراراً مع جهات تنظيمية باكستانية.
في هذا السياق، كتبت الصحافية الباكستانية مهرين زهرة مالك، في تغريدة عبر «تويتر»: «خنق الإعلام أمر سيئ، وينبغي التنديد به». وما يستحق الذكر، في هذا الصدد، أن باكستان تأتي في المرتبة 157 على «مؤشر حرية الصحافة العالمي» الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2022، مما يضعها في مرتبة أدنى من أفغانستان التي مزقتها الحروب والاضطرابات.
وأيضاً، تلعب القوانين دوراً في باكستان على صعيد حرية الصحافة. فخلال عام 2021، اقترحت الحكومة السابقة التي كان يرأسها عمران خان، إنشاء هيئة تطوير الإعلام الباكستاني، التي من سلطاتها عقد «محاكم إعلامية» يمكنها فرض غرامات ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية تنتهك ميثاق الشرف الذي تقره الهيئة، أو ينشرون ما تعتبره الهيئة «أخباراً زائفة». وأبدت مؤسسات إعلامية ونشطاء حقوقيون معارضة شديدة لهيئة تطوير الإعلام الباكستاني. وخرج مئات الصحافيين في مظاهرات احتجاجاً على مشروع القانون المقترح، الذي اعتبره البعض بمثابة إعلان حرب ضد الصحافيين.
وفي تعليقه على القانون المقترح، قال الصحافي ومؤسس ورئيس «اتحاد الإعلام الحر بجنوب آسيا»، إمتياز علم، خلال مقال نشره في «ذي واير»، إن هدف القانون الجديد «خنق جميع وسائل الاتصال، وهو الهدف الذي جرى من أجله تصميم هيئة تطوير الإعلام الباكستاني، وذلك من أجل هدف واحد يتمركز حول فرض سيطرة استبدادية لتشديد الخناق على الإعلام حتى القضاء عليه تماماً».

حجب المواقع
بصفة عامة، يُسجّل في جميع دول منطقة جنوب شرقي آسيا تقريباً تزايد لافت في أعداد المواقع المحجوبة، كما هو موثق من قبل مراقبي الإنترنت المستقلين، وهو ما يُعد جزءاً من تراجع أوسع في حرية المعلومات عبر أرجاء المنطقة. وما بدأ كخطوة لتقييد الوصول إلى بعض المواقع «غير المشروعة»، مثل تلك التي تستضيف مواد إباحية أو محتوى محمياً بحقوق الطبع والنشر، تحوّل إلى سلطة واسعة غير خاضعة للرقابة من قبل وكالات إدارة الإنترنت في كل بلد لمنع الوصول إلى مواقع إلكترونية، وكذلك بشكل متزايد اعتقال مواطنين بسبب ما ينشرونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أمرت الهند في وقت قريب بحظر 8 قنوات إخبارية على «يوتيوب»، منها قناة تعمل من باكستان، بدعوى نشرها «محتوى كاذباً يضر بالتناغم المجتمعي والنظام العام والعلاقات الخارجية للهند»، حسبما ذكرت وزارة الإعلام والإذاعة.

ميانمار ودول أخرى
من جوانب عديدة، شكلت ميانمار خيبة الأمل الكبرى، وذلك مع تراجع ترتيبها في «مؤشر حرية الصحافة»، حتى بعدما نجحت أول انتخابات مفتوحة بالبلاد في قيادة «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، وأون سان سو تشي، إلى السلطة. وتبعاً لما كشفته «مراسلون بلا حدود» عبر مؤشرها، أصبحت ميانمار ثاني أكبر دولة بالعالم تسجن الصحافيين على مستوى العالم، ثم إنها تحتل اليوم المرتبة 140 في «مؤشر حرية الصحافة العالمي».
أيضاً، كشف مسح أجرته «مراسلون بلا حدود»، أنه منذ تولي جماعة «طالبان» السلطة في 15 أغسطس (آب) 2021 في أفغانستان، فقدت أفغانستان 39.59 في المائة من وسائل الإعلام لديها، و59.86 في المائة من صحافييها، خاصة النساء، اللائي يعاني ثلاثة أرباعهن من البطالة في الوقت الراهن.
ومن ناحيتها، وصفت إبي خاطرة نجات، الصحافية التي فرّت من أفغانستان، الظروف التي دفعتها نحو العيش بالمنفى، وقالت في تصريحات لـ«مراسلون بلا حدود»: «عملت في إذاعة (راديو هامسيدا) بولاية تخار لمدة 7 سنوات، ولكن في 8 أغسطس 2021، دخلت (طالبان) المنطقة، وكان من بين أول ما فعله مسلحوها تدمير المعدات الإعلامية وإغلاق مقار وسائل الإعلام؛ لذا هربنا مع عائلتي من منزلنا، ولجأنا إلى العاصمة كابل، غير أن الوضع اختلف بعد سقوط كابل في 15 أغسطس، ولم يعد هناك أي أمل في المستقبل. وعليه، بعد مكوثي لفترة طويلة قليلاً، فررنا أخيراً إلى خارج البلاد».
والواقع، أن النساء عانين أكثر من غيرهن من المذبحة التي تعرضت لها الصحافة الأفغانية العام الماضي، واختفين تماماً من المشهد الإعلامي في 11 ولاية من أصل 34 ولاية في أفغانستان. ومن بين 2756 صحافية وعاملة في مجال الإعلام في أفغانستان قبل 15 أغسطس 2021، لا تزال 656 فقط يعملن. ومن بين هؤلاء 84.6 في المائة يعملن في العاصمة كابل.
واستطراداً، لا تزال بعض الصحافيات الأفغانيات يناضلن في ظل ظروف مأساوية، ومن بينهن مينا حبيب، مديرة «رويدا نيوز»، وهي وكالة أنباء مقرها كابل، أسستها بعد 15 أغسطس 2021. وفي تصريحات لـ«مراسلون بلا حدود»، قالت حبيب: «فضّلت البقاء في بلدي لنقل الأخبار والدفاع عما حققته المرأة خلال السنوات العشرين الماضية». وما يُذكر هنا، أن جميع الجمعيات المدافعة عن حقوق الصحافيين داخل أفغانستان مؤلفة من الرجال، وتعمل لصالح الرجال.
وعودة إلى «مؤشر حرية الصحافة العالمي» لعام 2022، فيما يخص بنغلاديش، فإن هذا المؤشر وضعها في فئة البلدان ذات الوضع «البالغ الخطورة»؛ إذ احتلت بنغلاديش المرتبة الـ152 من أصل 180.
ومن جهة أخرى، تصنف المنظمة نفسها سريلانكا في المرتبة 146 على مؤشرها حول حرية الصحافة.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».