هل تتخيّل أن يغني الغراب ويُطرب مسامعك؟ تبدو الفكرة عجيبة، لكنها وصلت إلى أذهان كل من استوقفه فيلم المخرج السعودي محمد السلمان «أغنية الغراب»، وهو فيلم روائي طويل يشق طريقه للعالمية، بعد أن اختارته هيئة الأفلام السعودية لتمثيل المملكة رسمياً في مسابقة الأوسكار المقبلة عن فئة أفضل فيلم دولي.
لماذا الغراب؟ ولماذا بوستر الفيلم يحمل صورة حمامة بيضاء وليس غراباً؟ أسئلة كثيرة يثيرها الفيلم، ولكن يكتفي السلمان بإرجاع ذلك إلى الرغبة بخلق حالة من الرمزية، واللعب على وتر المفارقة ما بين الغراب والحمامة، وهو مغزى يتكشف للجمهور بشكل تدريجي أثناء مشاهدة الفيلم الذي يعود لعام 2002. أي قبل عقدين من الزمن، وهي الفترة التي يصفها السلمان بـ«المثيرة في السعودية».
المخرج السعودي محمد السلمان
«أغنية الغراب»
وعن الفيلم الذي ينقله إلى السجادة الحمراء في الأوسكار، أوضح السلمان أن الفيلم فاز بدعم مبادرة ضوء للأفلام التابعة لهيئة الأفلام السعودية، الساعية لاكتشاف ودعم المواهب السعودية الجديدة في صناعة الأفلام. ويضيف: «كان الفيلم أشبه بحلم يراودني منذ عام 2015، ولكن الأمر كان صعب التحقق في ذاك الحين، بعكس ما هو حاصل الآن، فنحن جيل محظوظ بدعم السينما السعودية». ولفت السلمان إلى أن شرارة الفكرة أتت من نص قديم كتبه لكنه لم يكمله، وعندما وجد دعماً من مبادرة «ضوء» عاد لتطوير النص، مبيناً أن الشخصية الرئيسية في العمل تبدو بسيطة تصل إلى حد السذاجة أحياناً، في مجتمع مليء بالآيديولوجيات الصارخة (عام 2002)، فحين يلتقي صاحبه بامرأة مختلفة تماماً عن عالمه، يُفتن بها، فيقنعه أن يكتب بها قصيدة لتُغنى، الأمر الذي سيدخل الشخصية في مأزق التعامل مع الشعراء التقليديين والحداثيين، فيحتك بشكل ساخر وهزلي بالجماعات المثقفة.
من الهندسة إلى صناعة الأفلام
تبدو قصة السلمان مع السينما مثيرة هي أيضاً، حيث درس الهندسة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران (شرق السعودية)، والتحق أثناء دراسته بنادي المسرح الجامعي، التقى خلالها بالعديد من الفنانين الذين أصبحوا فيما بعد نجوماً يشار إليهم بالبنان، بحسب السلمان.
وبعد أن عمل لفترة في الهندسة اقتحم السلمان عالم الأفلام القصيرة، لينتقل تدريجياً من الهندسة إلى صناعة الأفلام، بعد تجارب فنيّة متنوعة. ويشير إلى أنه مع بداية الألفية الجديدة كانت هناك مرحلة انتقالية في السعودية تجاه الفنون، في التوجه من القصيدة والشعر والرسم إلى الصورة والفوتوغراف ثم ناحية تصوير الفيديو، إلا أنه وجد نفسه يستقر في عالم الإخراج تحديداً، قائلاً: «أدهشني دور المخرج، باعتباره هو من يصمم تجربة المشاهد، وهي مسؤولية كبيرة لكنها مليئة بالمتعة».
أفلام المهرجانات
وعند سؤاله عن توصيف «أغنية الغراب» إن كان فيلم مهرجانات أم فيلماً تجارياً للجمهور، يعترض السلمان على ذلك، معتبراً أن ذلك نوع من الغلو، حيث يرى إمكانية أن ينجح الفيلم في الوصول للمهرجانات وأن يحوز على إعجاب الجمهور في آنٍ واحد، مع تأكيده أنه لا يسعى لإرضاء الجميع بقدر رغبته في تقديم عمل يستمتع به الجمهور والنقاد على حد السواء.
تجدر الإشارة إلى أن المخرج السينمائي السعودي محمد السلمان، كاتب سيناريو ومنتج، نشط في صناعة الأفلام الناشئة السعودية، وعُرف بأفلامه القصيرة غير التقليدية. وفي بداية مشواره، أخرج عدة أفلام وثائقية قصيرة عن شخصيات محلية، إضافة لكتابة وتحرير إعلانات إبداعية، قبل أن يُخرج في عام 2015 أول فيلم قصير تجريبي بعنوان «من بين»، الذي اُختير ليكون فيلم الافتتاح بمهرجان أفلام السعودية عام 2015، ثمّ عُرض الفيلم في عدة مهرجانات سينمائية في أوروبا وأميركا وكندا. وحصل فيلم «من بين» على جائزة أحمد خضر للتميز في صناعة الفيلم العربي في مهرجان الأفلام الأوروبية المستقلة – باريس 2015، ثم جرى اختياره ضمن المشاركة الرسمية في مهرجان الفيلم الوطني لشباب - سياتل 2015، ومهرجان فيلم كويست - يوتا 2015، ومهرجان الفيلم الأطلسي - كندا 2015، كما شارك في مهرجان كان السينمائي 2015 ضمن ركن الأفلام القصيرة.
وفي عام 2017 كتب السلمان وأخرج وأنتج فيلم «لسان»، الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيلم السعودي، والجائزة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان الأحساء للأفلام، كما شارك في «أيام الفيلم السعودي» في لوس أنجليس، إلى جانب ذلك عُرض للسلمان فيلمان في شبكة نتفليكس وهما «27 شعبان» و«ستارة»، ضمن مجموعة أفلام تحمل عنوان «6 شبابيك في الصحراء»، عرضت في 190 بلداً من حول العالم.