بين إنسانيتين... إطلالة على الزمن المفقود (2)

تُظهر هذه الصورة التي قدمتها «أمازون» سبتمبر الماضي جهاز الإنذار الذكي Halo Rise بجانب السرير، وهو جهاز يمكنه تتبع أنماط النوم من دون سوار معصم باستخدام مستشعرات عدم الاتصال والذكاء الصناعي لقياس حركة المستخدم وأنماط التنفس (أ.ب)
تُظهر هذه الصورة التي قدمتها «أمازون» سبتمبر الماضي جهاز الإنذار الذكي Halo Rise بجانب السرير، وهو جهاز يمكنه تتبع أنماط النوم من دون سوار معصم باستخدام مستشعرات عدم الاتصال والذكاء الصناعي لقياس حركة المستخدم وأنماط التنفس (أ.ب)
TT

بين إنسانيتين... إطلالة على الزمن المفقود (2)

تُظهر هذه الصورة التي قدمتها «أمازون» سبتمبر الماضي جهاز الإنذار الذكي Halo Rise بجانب السرير، وهو جهاز يمكنه تتبع أنماط النوم من دون سوار معصم باستخدام مستشعرات عدم الاتصال والذكاء الصناعي لقياس حركة المستخدم وأنماط التنفس (أ.ب)
تُظهر هذه الصورة التي قدمتها «أمازون» سبتمبر الماضي جهاز الإنذار الذكي Halo Rise بجانب السرير، وهو جهاز يمكنه تتبع أنماط النوم من دون سوار معصم باستخدام مستشعرات عدم الاتصال والذكاء الصناعي لقياس حركة المستخدم وأنماط التنفس (أ.ب)

ما زلنا نطل على العقد المفقود (2020 - 2030) بكل تجلياته، وكنا في المقال السابق قلنا إننا على أعتاب عقد فريد، وكأنه مدرج للتسليم والتسلم بين إنسانيتين... وكأن الإنسانية تخلع عن كاهلها معاني وأفهاماً ومصطلحات وأدوات - شكلت واقعها لثلاثمائة سنة - لتبدأ سطوراً أولى في فصل جديد به مفردات اقتصاد جديد وسياسة جديدة، ووعي جديد ومجتمع جديد، بِسُنَّةِ الحياة، جديد أفضل من سابقه ليس على إطلاقه ولكن بنسبية حياتنا.

عالم ستحدد قسماته ثنائية سيكون لها القول الفصل في ولاية عقل أو في تسيد جهل... في عموم عدل أو في تفشي ظلم... في رشادة تعاون أو في شطط صراع... في تأجيج مخاطر أو في ترسيخ سلم وأمن... في انطلاق اقتصاد أو تعثره... في نجاعة سياسة أو إخفاقها... في بقاء سلطة أو زوالها... قلنا تلك هي ثنائية «الوباء والذكاء»!
وفصلنا في مقالنا السابق في شأن الوباء، وها نحن مع ثانية الثنائية، وهي عالم «الذكاء» الصناعي... وإرهاصاته الحالية، وأثره العميق الذي سيرمي بسهامه الأولى في قلب البشرية - التي عهدناها - في نهايات هذا العقد المفقود.
يتصاعد الآن صراع بين أميركا والصين، ليس مرده اتهام الصين بتصنيع فيروس الوباء، وليس مآله فقط الابتزاز الاقتصادي، ليس بالحرب التجارية التقليدية، وإن تطور عسكرياً فلن يكون حرباً عسكرية تقليدية.
ليس صراعاً على مواطئ استراتيجية، وإن كانت المواطئ الاستراتيجية هي الخلفية الجغرافية لنطاق الحرب، وليست حرباً على مصادر الطاقة، فذاك موضوع قد حُسِم على نحو كبير بتحالفات وولاءات تكاد تكون غير قابلة للمساومة.
هي ببساطة حرب على من يقود «العالم نحو المستقبل» ومِن ثَم من سيقود «عالم المستقبل»!
أما عن مسوغات قيادة العالم نحو مستقبله، فتتلخص في أمر واحد، هو «من يملك ناصية علم الذكاء الصناعي من حيث القاعدة البحثية والبنية التحتية؟».
أما قيادة «عالم المستقبل» فستكون للقادر على وضع فلسفات وأفكار هذا العالم الجديد، الذي يتماهى فيه الإنسان والآلة حتى يكادا يكونان صنوين لخلق جديد!
«الذكاء الصناعي»... أو اصطلاحاً (A.I) الذي تدور حوله رحى حرب اليوم والمستقبل... ليس ذلك المعنى البدائي المحدود لحواسب قادرة على تحليل البيانات - والمعروفة بالبيانات الكبرى (Big Data) - لتنتهي إلى نتائج إحصائية تعين البشر على اتخاذ القرار... وإن كانت تلك مزية كبيرة ما زالت بلاد كثيرة، ومنها بلادنا، تحبو خطواتها الأولى نحوها، إنما المقصود بالذكاء الصناعي متجاوز لذلك الأفق بآفاق أبعد... هو آلات قابلة للتعلم ولتطوير ذكائها بنفسها!
ليس في ذلك أي شبهة خيال علمي، بل هي الحقيقة التي يعمل على تطويرها ثمانون ألف عالم أميركي وينافسهم أربعون ألف عالم صيني على الضفة الأخرى.
استطاعت الصين - وبسبق ملحوظ عن بقية العالم - أن تطور «الجيل الخامس» من تكنولوجيا الإنترنت، وأن تتفرد بصدارة إنتاج بنيته التحتية، ولم يكد تطبيق قدرات الجيل الخامس يبدأ في نهايات عام 2019، حتى بزغ بالفعل سباق أبحاث تكنولوجيا «الجيل السادس» بين أميركا والصين واليابان وتكتلات غربية، مع وعد للإنسانية بأن تصبح تلك «التكنولوجيا الحلم» متاحة للبشر بين عامي 2027 و2030، أي على مقربة سبع سنوات منا فقط... أي بنهاية عقدنا المفقود!
وإن كانت تكنولوجيا الجيلين الخامس والسادس، هي البنية التحتية لعالم المستقبل... فإن نتاجهما هو شكل هذا العالم الجديد الذي ستأتي به على مستوى الفرد والمجتمع والدولة... على مفهوم الاقتصاد والسياسة... على حقيقة القوة والهيمنة والقيادة... على جوهر التعلم... والأهم على رقي القدرة العقلية للإنسان ذاته... وعلى تصنيفات جديدة ستقاس عليها البشرية، متجاوزة العِرق والدين والثقافة والجغرافيا... ليبقى تصنيف حاد - لن يجامل أو يحابي أحداً - وهو بشر أرقى ذكاءً وبشر أدنى ذكاءً... بل - ودون خوف أو فزع - بين بشر ذكي وآلات أذكى!
ولكي نعي ما نحن مقبلون عليه... فإن تكنولوجيا الجيل الخامس... والتي حولها كل التضييق والمنع بل والحرب... هي التي ستطلق آفاق عالم جديد يسمى «إنترنت الأشياء»... من السيارات ذاتية القيادة... إلى حماية الأمن العام والمنع الاحترازي للجريمة... إلى إجراء عمليات جراحية عن بُعد قد تكون بتركيب أعضاء بشرية مُخلقة جينياً ومنتجة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في جسد إنساني مريض.
إن كان ذلك بعضاً مما ستتيحه تكنولوجيا الجيل الخامس التي ستفقد صلاحيتها في غضون سبع إلى عشر سنوات فقط... فالتالي لها هو ما ستبدأ به طبعة ثالثة من حياة الإنسان ليس على كوكبنا فقط، ولكن في الكون الفسيح كله.
تكنولوجيا «الجيل السادس» - التي تبعد عنا عشر سنوات على الأكثر- هي الفاتحة للآلة القادرة على تطوير ذكائها بنفسها... وهو فتح لو تعلمون عظيم ومخيف في آن واحد!
أما عن الأثر المجتمعي على البشر من كل هذه الفتوحات العلمية، فهو ما يشغل العالم العاقل حتى وهو يتصارع ويتحارب... ولتُنشأ مراكز بحثية معنية بذلك، مثل «معهد مستقبل الحياة» و«معهد الأسئلة الأساسية»... وهي مراكز فكر إنساني موجودة بيننا تقوم عليها عقول من أمثال ماكس تيجمارك عالم الكونيات والفيزيائي، وأندرو ماكافي أحد أبرز علماء وفلاسفة الإدارة... وجيفري ساكس الاقتصادي الأشهر والمعني بمحاربة الفقر ورئيس «معهد الأرض» في جامعة كولومبيا.
ما يشغل هؤلاء العقلاء - ومن مثلهم - ومن ورائهم الساسة وصناع القرار المتلهفين لمعرفة ما تنتهي إليه كلمة العلم والعلماء... هو سبب وجود المؤسسات ذاتها في المستقبل... أي لماذا الاقتصاد، لماذا السياسة، من أجل أي غاية نعلم، بل حكمة وجود العمل الإنساني أكثر من طبيعته... مدى الاحتياج لدور البشر في منظومة العمل في عالم تديره آلات ذكية ليست فقط دقيقة أو قادرة.
وهو بعض مما أسميته في مقالات سابقة بـ«أسئلة الحقيقة»!
أما السؤال الفلسفي الأهم، فهو كما أجمله ماكس تيجمارك... إلامَ نقود الذكاء الصناعي حتى لا يتمكن هو من قيادنا؟!
أعمق ما انتهى إليه هؤلاء العدول من البشر أن المسار الذي يلزم أن ينتهجه العالم في مواجهة بطالة عالمية كارثية إثر استبدال الآلات بالبشر... هو أن يتحرر البشر أكثر - فكراً وتعبيراً وممارسة - فبالحرية وحدها هم قادرون على ابتكار أنماط الأعمال التي ستقرر نوع الحياة الإنسانية وطبيعة استعمار الإنسان في الكون على نحو جديد.
وأن ما سيقاوم الكوارث الصحية والبيئية هو عالم أقل فقراً وأكثر رفاهة، أي ضرورة التوجه لتنمية اقتصادية عالمية أكثر عدلاً تعم عوائدها كل البشر... وإن بقي حق التفاوت محفوظاً فيمن يملك أدوات الذكاء الصناعي دون غيره... ليهنأ بعض البشر بآفة الإحساس بالعنصرية والعلو!
ما ينتهي إليه من «يؤرخون للمستقبل» المهمومون به... من يصنعونه أكثر منهم يتنبأون به... إنه لا بقاء لبشر في مواجهة فناء مادي إلا بمجتمعات أكثر حرية وأكثر عدلاً!

بعد زوال... وعند حلول
أخيراً... سيتعافى البشر من كل وباء؛ لأن توقهم للحياة والحرية أقوى من كل داء يمنعهم الحرية ويهدد حلم الحياة الأكرم والأسعد والأعدل... ولكن ستبقى مساراتنا لحماية الحرية والحياة، أولى من مجرد قدرتنا على انتزاعهما من براثن داء خبيث.
مسارات تعيد ترتيب أولويات الإنسانية وتلزم بالتعاون في كل المشترك - المتوجب التعاون فيه - من أجل بقائنا كلنا سالمين، أقوياء وضعفاء... أغنياء وفقراء... الوثابين منا في مضمار الحضارة والمتعثرة خطاهم... سواء بسواء!
مسارات علم واقتصاد وسياسة لن يوجد في غيرها ارتحال...
«مسار علم» يعيد لأهلية العلم والعلماء موقع القيادة والحل والعقد فوق هرم كل سلطة... في بشرية صارت فيها مواجهة المرض والوباء مكافئة لحفظ الأمن والسلام العالميين.
«مسار اقتصاد» تستحدث فيه كيانات جديدة وأدوات جديدة للتعامل مع تآكل الموارد وتراجع الإنتاج وانحسار الطلب وتضخم البطالة.
«مسار سياسة» يعني برشد الحكم وبخلق مؤسسات قادرة على استشراف احتياجات مجتمعاتها... والأهم مشروعات حكم قادرة على إلهام مجتمعاتها وتعبئة طاقاتها نحو المستقبل على قاعدة منطق، لا بعصا الحشد أو الخوف.
إنها قسمات الزمن المفقود، تلك التي أطللنا عليها... ومع ما يعتريها من توجس وريبة... فكأنها تبشر بإرهاصات بداية حقيقية يتبوأ فيها العلم والإبداع موقعهما الطبيعيين ويُمَكَّنا بتمكين الأهلية لا بتمكين السلطة.
قسمات وإن بدت شاحبة قلقة من عالم على شفا الصدام... فكأنها تبشر بإرهاصات نظام عالمي قد يحمل على فضائل العدل المشاع.
وكأنها تبشر بعالم جديد... قد يثاب رغم أنفه!
في أصداء سيرته الذاتية... سأل نجيب محفوظ الشيخ عبد ربه التائه: «كيف لتلك الحوادث أن تقع في عالم هو من صنع رحمن رحيم»... فأجابه الشيخ بهدوء: «لولا أنه رحمن رحيم ما وقعت».
فَكِّرُوا تَصِّحُوا...
* كاتب ومفكر مصري



طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».