وقَّع الرئيس اللبناني، ميشال عون، مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية، منفذاً بذلك تهديداً سابقاً اعتبرته قوى سياسية «لزوم ما لا يلزم»، باعتبار أن الحكومة مستقيلة بالفعل بقوة الدستور الذي ينص صراحة على اعتبارها مستقيلة، مع بداية عهد البرلمان الجديد في يونيو (حزيران) الماضي. لكن عون أرفق ذلك برسالة طلب فيها من البرلمان سحب تكليف تأليف الحكومة من الرئيس نجيب ميقاتي، طالباً من البرلمان الاجتماع للنظر في ذلك، وهي سابقة في تاريخ لبنان.
وكشف رئيس البرلمان نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أنه سيدعو خلال اليومين المقبلين مجلس النواب للاجتماع لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية «وفقاً للأصول»، لكنه اعتبر أن الحكومة «مستقيلة بموجب المادة 69 من الدستور التي تعدِّد حالات اعتبار الحكومة مستقيلة، ومنها انتخابات مجلس النواب»، معتبراً أن هذا الأمر «لا يحتاج إلى قرار». وعن تداعيات ما يحصل على الوضع اللبناني، قال بري إن عنوان المرحلة المقبلة «هي انتخاب رئيس للجمهورية، لأن الفراغ مرفوض»، مكرراً نيته بحث إمكانية إطلاق حوار حول الموضوع.
رسالة عون
ودعا عون في رسالته مجلس النواب إلى أن «يبادر إلى نزع التكليف عن الحكومة، فيما هو مَن أعطاه إياه، كي يصار فوراً إلى تكليف سواه، وإصدار مراسيم التشكيل فور ذلك، تجنباً للفراغ». واستهل الرسالة بالحديث عن «امتناع (ميقاتي) عن تأليف حكومة، في حين أن لبنان على مشارف خلو سدة الرئاسة بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ما يشغر الموقع الأول في الدولة ويفرّغ السلطة الإجرائية من القائم بها، أي مجلس الوزراء، وذلك في ضوء الاستحقاقات الداهمة على جميع الصعد الوطنية، التي لا تحتمل أي شغور بالنظر إلى تداعياتها الخطيرة على الشعب والكيان والميثاق».
وقال عون في رسالته إلى النواب: «نعلمكم بأن رئيس الحكومة المكلف السيد محمد نجيب ميقاتي قد أعرب لنا خلال لقاءاتنا لتأليف الحكومة، كما أعرب لسوانا، عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة، منها أن الأولوية هي لانتخاب رئيس، وإذا حصل ذلك؛ فلماذا نبادر لتشكيل حكومة، أو قوله إنه لا مصلحة في تأليف حكومة جديدة، وتحمل كامل المسؤولية بصفته رئيساً لها في حال خلوّ سدة الرئاسة، في حين أنه لا مسؤولية كاملة عليه والحكومة في حال تصريف أعمال، وكانت لقاءاتنا تدور في حلقة من العراقيل المتنقلة التي تفرغها من كل تقدم مفيد وعملي على صعيد التأليف، وتدل على عدم رغبته في تأليف حكومة تمثل أمام مجلسكم الكريم لنيل الثقة، ووضع حد لتصريف الأعمال بالمعنى الضيق، حتى إن أتى مودعاً لنا في القصر الجمهوري قبل أيام من انتهاء الولاية الرئاسية أبدينا إصراراً على التأليف، داعين إياه إلى الاجتماع مساءً في القصر للاتفاق على إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لأحكام الدستور، إلا أنه لم يأبه، ولم يعر أذناً صاغية حتى للوسطاء لبذل أي جهد على صعيد التأليف، ما رسخ يقيننا بأنه غير راغب في تأليف حكومة، بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف أعمال والمراهنة على الوقت كي تشغر سدة الرئاسة.
وأضاف عون في رسالته: «فيستحيل عندئذ التأليف بغياب الشريك الدستوري الكامل في تأليف الحكومة. والأدهى والأخطر، وهو ما لا أوافق عليه قطعاً؛ أن تمارس هكذا حكومة لا تتولى اختصاصها الذي ناطه الدستور بها في المادة 17 منه إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي صلاحيات يمارسها الرئيس تحت القسم، ولا يستطيع توليها مَن انحسرت دائرة اختصاصه أصلاً بعدم توافر ثقة مجلسكم الكريم بسلطته. وما يزيد في الأمر خطورة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، المكلف والممتنع عن التأليف، يرغب في عقد جلسات لمجلس الوزراء ورقابة مجلسكم منعدمة، مخالفاً مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيق ومبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وهو من ركائز نظامنا الدستوري الديمقراطي البرلماني».
«حافة الهاوية»
ودعا عون النواب «بصورة عاجلة وماسة، إلى أن تتم فوراً ومن دون أي إبطاء، الإجراءات التي تقتضيها هذه الرسالة، والظروف الخطيرة التي دفعتنا إليها؛ فيُنتخب رئيس جمهورية أو تؤلف حكومة في اليومين المتبقيين من ولايتنا، ونتفادى جميعنا حافة الهاوية التي اعتمد سياستها مَن ائتمنتم على تأليف حكومة جديدة، وهو الرئيس المكلف الذي يرفض تأليف حكومة جديدة بقرار سياسي منه؛ فيؤبد حالة التصريف، ويفاقم الفراغ فراغاً، ويسطو على رئاسة الجمهورية، وهي معقودة بميثاق العيش المشترك لسواه، مراهناً على ممارسة صلاحياتها، في حين أن المادة 62 من الدستور تنيطها وكالة بمجلس الوزراء حين خلو سدتها لأي علة كانت، وحكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيق تستحيل عليها هذه الممارسة، وهي التي لا تمارس أصالة كامل اختصاصها الدستوري».
واتهم عون ميقاتي بأنه «يحبس التأليف، ويؤبد التصريف، مراهناً على الفراغ القاتل لميثاقنا وهويتنا ودستورنا وكياننا والمهدد لاستقرارنا الأمني»، مضيفاً أن «رئيس الحكومة المكلف لم يعتذر، وإلا كنا بادرنا إلى استشارتكم والتشاور مع رئيس المجلس، وكلفنا وألفنا وتجاوزنا الأخطار والفوضى الدستورية التي تستولد كل الحالات الشاذة. وعليه، يتوجب على دولة الرئيس المكلف أن يعتذر، لكي يُصار فوراً إلى تكليف سواه وإصدار مراسيم التشكيل فور ذلك تجنباً للفراغ. هذا إذا لم يبادر مجلسكم الكريم إلى نزع التكليف، فيما هو مَن أعطاه إياه».
الحكومة تتابع عملها
وفي المقابل، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة، ومن بينها تصريف الأعمال وفق نصوص الدستور والأنظمة التي ترعى عملها وكيفية اتخاذ قراراتها المنصوص عليها في الدستور وفي مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء، ما لم يكن لمجلس النواب رأي مخالف.
واعتبر ميقاتي، في كتاب وجهه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن «المرسوم الذي قبل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلاً بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية».
وصدر بتاريخ 3/ 10/ 2022 المرسوم رقم 10942 بقبول استقالة الحكومة «المُستقيلة»، بسبب بدء ولاية مجلس النواب، دون أن يقترن بصدور مرسوم تكليف الرئيس الذي وقع عليه اختيار السيدات والسادة النواب لتشكيل الحكومة استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة.
ورأى ميقاتي أن مرسوم قبول استقالة حكومة مستقيلة «يرتدي، دون ريب، الطابع الإعلاني وليس الإنشائي، مع ما يترتّب على ذلك من نتائج، أهمها أن تصريف الأعمال يمسي من واجبات الحكومة المستقيلة أو التي تُعتبر بحكم المستقيلة، دونما حاجة لقرار يصدر عن رئيس الجمهورية بهذا الخصوص». وخلص ميقاتي إلى «إعلام» البرلمان بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة وفقاً لنصوص الدستور وللأنظمة التي ترعى عملها وكيفية اتخاذ قراراتها المنصوص عليها في الدستور.