ثلاثة أفلام من «منصة الشارقة»: الإنسان في المواجهة

اثنان من تونس وثالث من صقيع مونتنيغرو

الخناق المؤجل في فيلم «قدحة حياة ثانية»
الخناق المؤجل في فيلم «قدحة حياة ثانية»
TT

ثلاثة أفلام من «منصة الشارقة»: الإنسان في المواجهة

الخناق المؤجل في فيلم «قدحة حياة ثانية»
الخناق المؤجل في فيلم «قدحة حياة ثانية»

هذه الأفلام الثلاثة مما تسنّت مشاهدته خلال الدورة الخامسة من «منصة الشارقة للأفلام» (من 21 إلى 30 أكتوبر (تشرين الأول)؛ اثنان من تونس وآخر من الأصقاع البعيدة: مونتنيغرو. الأول هو «قدحة، حياة ثانية» لأنيس الأسود، والثاني «نادية وسارة» كتحية للمخرجة الراحلة مفيدة التلالي (خصّتها الدورة بأكثر من فيلم)، ليأتي من الصقيع الكثيف شريط «عندما يذوب الثلج» عن أب وابنة لا تجمعهما سوى كلمات قليلة.

«قدحة: حياة ثانية»: الخناق المؤجل
قدحة فتى في بدايات المراهقة، شقي وحزين. غياب الأب أكثر أسئلة خبأت الأم أجوبتها بين طبقات من الألم الصامت. تعرّضه لحادث يضعه أمام قدر آخر. هذه المرة، تخطّه الأم المُثقلة بالمسؤوليات لظنها أن الفرص لا تتكرر.
حاجة عائلة ثرية لكلية لابنها المريض، تفتح دفتر قدحة على صفحات لم يفهم سطورها. تلتهمه نظرات استغراب وهو يدخل منزلاً ليس منزله، ليصبح عالمه ثمناً لكلية تبرّع بها للصبي المدلل بلا علمه، كتواطؤ الكبار على حيوات الصغار.
الفيلم محاكاة للفقر الاجتماعي حين يُرغم على خيارات صعبة. الشرخ الطبقي له حضوره، وإن يستتر خلف التبسيط المشهدي. لا مغالاة درامية، مما يخفف الوطأة على المتلقي. يمرّ بجانب قضايا شائكة كالاستغلال والغضب والصدمة، بلا إبحار عميق. يوصل الرسائل بالاستلقاء على الشاطئ.
من خلال قدحة ووالدته، ومعهما عائلة الصبي العائد إلى الحياة بعد عملية الكلية، يصبح العيش متاحاً بشرط وجود المقابل. لكل الأشياء أثمانها، فرحيل الأب يُقلّب جمر الابن ويقود الأم إلى اللعب بالنار؛ وحين تنكشف الكذبة (إخفاء التبرع بالكلية على الصغيرين)، تطفو على السطح أحقاد تُفجر خناقات مؤجلة.

«نادية وسارة»: الذات المهشّمة
الفيلم التونسي «نادية وسارة» يضرب على الوتر. المرأة في مرحلة منتصف العمر، بشراهتها واضطراباتها ومخاوفها وإحساسها بالصقيع الداخلي، أمام كاميرا المخرجة بكامل غرابتها. تتحوّل المعلمة في المدرسة الثانوية نادية (أداء ممتاز لهيام عباس) من حالة إلى أخرى على مرأى من زوجها وابنتها. هوسها بسنّها وذعرها من زحف السنوات، يدمّران تصالحها مع صورتها. يهشّمان حب الذات.
47 عاماً هو عمر نادية، يذكّرها زوجها! يُظهر الفيلم تحوّلات خطيرة في علاقتهما تكاد تصيبها بالعطب. الحلقة الأضعف هي التفاهم ودوره في استدراك الوضع. فلا الزوجة تبدي استعداداً للبوح والصراحة، ولا الزوج يضاعف المجهود للاحتضان والتقبّل. ممارسته حياته كأن زوجته وحدها مَن يتقدّم في السن، ليبقى هو شاباً مدى العمر، ورميه مسؤولية إنقاذها على ابنته، يكشفان ما يكرّسه المجتمع في الرجل: النَفَس الأناني في التعامل مع ضعف المرأة.
يثبت الفيلم مقولة ألا شيء يبقى على حاله، خصوصاً الإنسان. اصطدام بطلته بجسدها، يحيلها على إعادة مراجعة ذاتية تشمل العائلة والمهنة. من دون قرار منها، تنهار الدنيا من حولها. يقبض النسيان على ذاكرتها وتتحكم الفوضى بيومياتها، إلى أن تنجو بالحب والفرصة الأخيرة.
يحاكي الفيلم إشكالية فائقة الحساسية، تتجاوز عمر المرأة نحو نظرتها إلى نفسها. لنادية صديقة تفرّق بينهما أشهر، لكنّ تعاملها مع مرحلة انقطاع الطمث ليست على النحو الدراماتيكي المتعلق بمقاربات البطلة. تعلم المتغيرات وتتكيّف معها، لتشهد بأم العين على تصدع حياة صديقتها وارتمائها في الكآبة.
درة زروق في دور الابنة سارة، النسخة المستحيلة التي لم تكنها أمها. هي صورتها المبتورة عن نفسها، وما تعجز عن استعادته من نضارة وشباب وجاذبية. بينهما الفارق الزمني والفوارق في النظرة الاجتماعية إلى المرأة قبل خمسينها. محاولتها تقليدها بلباسها وتبرّجها واستمالة الرجال إليها، تفشل حين تختار لها مكاناً لا يليق. عودتها إلى توازنها تسبق ارتطامها بموجة أوشكت على ابتلاعها.
مرحلة منتصف العمر ليست مرضاً، تفسّر الطبيبة لنادية وعبرها لنساء يخشين تراكم الأيام. أهي الهشاشة الإنسانية التي تختزلها، فتتخذ من عتبة الخمسينات ذريعة للعذاب؟ أهي ما تتشرّبه النساء من إسقاطات جاهزة تزعزع الثقة بالنفس وتحيل الحياة في دواخلهنّ على التقاعد؟ يقف الفيلم في الوسط بين كون المسألة ذاتية (نادية استثناء وليست قاعدة) وبين تعميم المخاوف على نساء يتساءلن عن المستقبل وما يخبئه. تتلقاه المرأة بحسب قدراتها الدفاعية. في كل الأحوال يخضّها.

«عندما يذوب الثلج»: صقيع العلاقات
الفيلم للمخرج الروسي أليكسي جولوفكوف، يصوّر صقيع العلاقات. في غابات مونتنيغرو الشاسعة، حيث يفترس المشهد الأبيض العين ويمدّها بلحظات من الرهبة، يمضي الأب أياماً بلا جدوى. تظهر الحقيقة قبل الدقائق الأخيرة من الشريط الطاغية عليه سلطة المكان. فالشابة على الجانب الآخر من الأرض، الجوّالة في روما وبين كنوزها، هي ابنته التي شقّت طريقها. وحدها رسالة بكلماتها القليلة تعيدهما أباً وابنة.
الإنسان نقطة في الطبيعة العظمى المدجّجة بالخوف والأسئلة. تكاد تقضمه بلقمة، لولا إرادة البقاء. لا أحداث في الفيلم ولا أزمات. ساعة من تطويع القسوة وإلحاق الدفء بالأيام. تعذُّر اللقاء لا يعني الاستغناء عن الحب كقدرة وحيدة على تحمّل المشقات. العزلة الكبرى داخلية. المكان ذريعة.


مقالات ذات صلة

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

يوميات الشرق انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

تقع أهمية النسخة الـ10 من المهرجان بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

بدأت المرحلة الثانية لـ «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر قبل إعلان الفائزين في فبراير.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تجسّد لبنى في «خريف القلب» شخصية السيدة الثرية فرح التي تقع في ورطة تغيّر حياتها

لبنى عبد العزيز: شخصية «فرح» تنحاز لسيدات كُثر في مجتمعنا السعودي

من النادر أن يتعاطف الجمهور مع أدوار المرأة الشريرة والمتسلطة، بيد أن الممثلة السعودية لبنى عبد العزيز استطاعت كسب هذه الجولة

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
TT

حبس سعد الصغير يجدد وقائع سقوط فنانين في «فخ المخدرات»

المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)
المطرب الشعبي سعد الصغير (حسابها على «فيسبوك»)

جدد حبس المطرب المصري سعد الصغير الحديث عن وقائع مشابهة لسقوط فنانين في «فخ المخدرات»، وكانت محكمة جنايات القاهرة قضت، الاثنين، بالحكم على الصغير بالسجن المشدد 3 سنوات، وتغريمه 30 ألف جنيه (الدولار يساوي 49.65 جنيه مصري).

الحكم بسجن سعد الصغير وتغريمه جاء على خلفية اتهامه بحيازة «سجائر إلكترونية» تحتوي على مخدر «الماريوانا»، بعد تفتيش حقائبه أثناء عودته من أميركا «ترانزيت» عبر أحد المطارات العربية، عقب إحياء حفلات غنائية عدة هناك.

وكشف الصغير خلال التحقيقات التي جرت أمام الجهات المختصة بمصر، أنه لم يكن على دراية بأن المادة الموجودة في «السجائر الإلكترونية» ضمن المواد المحظور تداولها، مؤكداً أنها للاستخدام الشخصي وليس بهدف الاتجار، وأرجع الأمر لعدم إجادته اللغة الإنجليزية.

الفنانة المصرية برلنتي فؤاد التي حضرت جلسة الحكم، على الصغير، أكدت أن الحكم ليس نهائياً وسيقوم محامي الأسرة بإجراءات الاستئناف، كما أوضحت لـ«الشرق الأوسط» أن «حالة سعد النفسية ليست على ما يرام»، لافتة إلى أنه «بكى بشدة خلف القضبان بعد النطق بالحكم، كما أنه يعيش في توتر شديد نتيجة القضية».

وقبل سعد الصغير وقع عدد من الفنانين في «فخ المخدرات»، من بينهم الفنانة دينا الشربيني، التي تعرضت للسجن سنة مع الشغل وغرامة 10 آلاف جنيه لإدانتها بتعاطي «مواد مخدرة».

الفنان أحمد عزمي (حسابه على «فيسبوك»)

وكذلك الفنان المصري أحمد عزمي الذي تم القبض عليه مرتين ومعاقبته بالحبس في المرة الثانية بالسجن 6 أشهر، بينما أعلن مقربون من الفنانة شيرين عبد الوهاب وقوعها في الفخ نفسه، مما جعلها تختفي عن الأنظار حتى تتعافى، كما أن طبيبها المعالج طالب جمهورها بدعمها. وحُكم على الفنانة منة شلبي بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ وتغريمها 10 آلاف جنيه، في مايو (أيار) الماضي، في قضية اتهامها بـ«إحراز جوهر الحشيش بقصد التعاطي في أماكن غير مصرح لها باستخدامها».

وقبل أشهر قضت محكمة الاستئناف بمصر بقبول معارضة الفنان المصري أحمد جلال عبد القوي وتخفيف عقوبة حبسه إلى 6 أشهر بدلاً من سنة مع الشغل وتغريمه 10 آلاف جنيه، بتهمة حيازة مواد مخدرة بغرض التعاطي.

«ليس كل مشهور مدمناً»

من جانبها، أوضحت الاستشارية النفسية السورية لمى الصفدي أسباب وقوع بعض المشاهير في «فخ المخدرات» من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وأثره على المستوى المهني.

وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «التعميم على جميع المشاهير أمر خاطئ، فليس كل مشهور مدمناً أو خاض تجربة الإدمان»، موضحة أن «ذلك ينطبق أحياناً على بعض الفئات التي حصلت على الشهرة والمال والمعجبين لكنهم في الوقت نفسه يطالبون بامتيازات أكثر».

وأشارت إلى أن «الفكرة تكمن في أن المخدرات ربما تساهم بطريقة أو بأخرى في زيادة مستويات هرمون (الدوبامين) الخاص بالسعادة، وهذا جزء نفسي يدفع البعض للسقوط في فخ المخدرات».

الفنانة منة شلبي (حسابها على «فيسبوك»)

وتستكمل الصفدي: «ربما الوقوع في هذا الفخ نتيجة رفاهية أكثر أو البحث عن المزيد والسعي للمجهول أو الأشياء المتوفرة عن طريق السفر أو الوضع المادي».

واختتمت الصفدي كلامها قائلة إن «هذا الأمر لا يخص الفنانين وحدهم، لكنه يتعلق أيضاً بالكثير من المهن والتخصصات، لكن المشاهير يتم تسليط الضوء عليهم أكثر من غيرهم».