العراق... غموض حول موقف الحكومة الجديدة من قضية «الانتخابات المبكرة»

TT

العراق... غموض حول موقف الحكومة الجديدة من قضية «الانتخابات المبكرة»

يبدو الغموض سيد الموقف بشأن قيام حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد السوداني بإجراء انتخابات مبكرة، ومردّ ذلك الغموض إلى تداول نسختين مختلفتين إلى حد ما لبرنامجه الانتخابي، في الأولى يلتزم السوداني بتعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام واحد، أما في النسخة الثانية من المنهاج الحكومي فلا يوجد إلا الالتزام بدعم المفوضية العليا للانتخابات، ودعمها لتتمكن من القيام بإجراء انتخابات مجلس النواب الاتحادي ومجالس المحافظات المحلية.
ليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الجديدة عمدت إلى تسريب نسختين مختلفتين من منهاجها الحكومي لإرضاء القوى السياسية المتصارعة، أم أن تعديلاً ضرورياً أجرته على المنهاج، لاعتبارات عملية تتعلق بقدرتها على تنفيذ برنامجها.
وسواء كان التعديل متعمداً أو لاعتبارات أخرى، فإن قضية إجراء الانتخابات المبكرة تتصدر لائحة اهتمامات التيار الصدري والقوى المدنية والعلمانية خارج البرلمان، غير أنها في الوقت ذاته لا تحظى باهتمام يذكر من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية وحلفائهم من الأكراد والسنة الذين نجحوا في قلب المعادلة السياسية، وتشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني. وبين هذين الاتجاهين السياسيين، ثمة من يشدد على ضرورة إجراء انتخابات مبكرة لاستعادته شرعية النظام، وآخر لا يرى في ذلك إلا مزيداً من إضاعة الوقت.
الصدريون أبرز الاتجاهات السياسية التي ترغب في انتخابات مبكرة، وهي أحد المطالب الرئيسية لزعيمهم مقتدى الصدر، بعد موافقته الضمنية على تمرير حكومة محمد شياع السوداني، وسبق أن طالب بذلك علناً بعد قيامه بسحب كتلته النيابية (73 مقعداً) من البرلمان. ويشاطر الصدريون ذلك قوى الحراك الاحتجاجي وبعض القوى المدنية، وضمنها الحزب الشيوعي العراقي، إلى جانب طيف واسع من الناشطين والمنتقدين لحكومة «الإطار التنسيقي» الجديدة.
أما قوى «الإطار التنسيقي» فلا تحبذ فكرة الانتخابات المبكرة، وتصر على إكمال دورة الحكومة الحالية حتى عام 2025، وترى أن عاماً من الزمن غير كافٍ لعمل أي حكومة، ولن تكون قادرة على تحقيق أي إنجاز، إلى جانب إمكانية عزوف الناخبين الذين ملُّوا من كثرة الانتخابات.
وفي هذا الاتجاه، يقول النائب معين الكاظمي عن كتلة «بدر» المنضوية ضمن «الإطار التنسيقي»: إن «الانتخابات الجديدة المتفق عليها لا بد من أن يكون قبلها تعديل لقانون الانتخابات الذي أوصت به المحكمة الاتحادية. وهذا التعديل يحتاج إلى وقت، فضلاً عن إعادة النظر في المفوضية وتهيئة المستلزمات اللوجستية والأجواء العامة للشعب، ليكون مستعداً للانتخابات».
وأضاف الكاظمي في تصريحات للقناة الرسمية: «نرى أن الوضع العام والمزاج الشعبي ليس مع السرعة في إجراء الانتخابات، ولا بد من أن يكون هناك إنجازات لهذه الحكومة لتعيد الثقة للشعب بالعملية السياسية، وتكون هناك مشاركة فاعلة أكبر من المشاركات التي جرت في الفترة السابقة». وتابع بأن «إعادة النظر في قانون الانتخابات تكون في محاور مهمة، منها قضية الدوائر المتعددة أم نعود إلى اعتبار محافظة ميسان -على سبيل المثال- دائرة واحدة وليست 3 دوائر، وبابل دائرة واحدة وليست 4 دوائر، وهكذا، وهذا موضوع لا بد من مناقشته، وهناك آراء لدى الكتل السياسية والمكونات بهذا الشأن».
من جانبه، يؤكد القاضي والخبير الدستوري رحيم العكيلي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «عدم وجود نص قانوني يحدد القيمة الإلزامية للبرنامج الحكومي، باعتبار تعهدها بإجراء انتخابات مبكرة، وبرنامجها في الغالب وعود أو طموحات سياسية تعد الحكومة أو تسعى لتحقيقها، وقد تتحقق أو لا تتحقق، لذلك لا تعد نصوصه قانونية إلزامية بأي حال من الأحوال».
وأضاف: «في حدود الانتخابات المبكرة، فإن الإشارة إليها إنما هي إشارة إلى التزام الحكومة بتوفير الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات فقط، وليس معناه وعداً ملزماً بإجرائها؛ لأن الأمر منعقد بحل مجلس النواب، وليس بإرادة الحكومة أو برنامجها الحكومي، فإذا لم يحل مجلس النواب نفسه لم يكن ممكناً إجراء انتخابات مبكرة، ولو هيأت الحكومة شروط ومتطلبات إجرائها». ويتفق مدير «المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية» الدكتور غازي فيصل حسين، مع عدم وجود نص دستوري يتعلق بالانتخابات المبكرة؛ لكنها «ظهرت بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي (2019) بفعل الأحداث الدامية كواحد من بين أفضل الحلول لتصويب مسارات النظام السياسي وتحقيق المطالب الشعبية».
ويعود حسين ليؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إجراء انتخابات مبكرة قضية ملحة وملزمة لاستعادة الشرعية الدستورية للبرلمان، بعد انسحاب التيار الصدري الذي يمثل أغلبية برلمانية، كما أنها مطلب وطني من مختلف الأحزاب داخل وخارج البرلمان، لتصحيح الاختلالات التي اجتاحت النظام السياسي».
ويضيف أن «النظام منذ عام يواجه مآزق عديدة، ومن دون الذهاب لانتخابات ديمقراطية مبكرة وتقويض سلطة الفساد، وإنهاء احتكار الأحزاب الدعوية للسلطة، ستعود الاحتجاجات من أجل التغيير».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
TT

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)

كان لافتاً أن يخرج أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أخيراً، للحديث عن مرحلة ما بعد وقف النار وانتهاء الحرب الإسرائيلية، ليعلن أن خطوات الحزب السياسيّة وشؤون الدولة ستكون «تحت سقف الطائف»، ويتحدث عن «مساهمة فعالة» لانتخاب رئيس للجمهورية، مع إشارة واضحة إلى ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي عدّها «الرصيد المتبقّي الذي نستطيع من خلاله أن نبني وطننا». وهذه الثلاثية هي عبارة ترد في البيان الوزاري للحكومات اللبنانية منذ أعوام، وفيها تشريع مبطن لعمل الحزب العسكري.

واختلفت قراءة مواقف الحزب تلك. ففيما عدَّ البعض أنه يمهّد من خلالها لتنازلات في المرحلة المقبلة مرتبطة بسلاحه، رأى آخرون أنها تنحصر بـ«المشروع السياسي»، إذ إن آخر ما قد يُقدم عليه «حزب الله» اليوم طالما الحرب مستمرة وفي أوجها الحديث عن سلاحه ومصيره.

ما الذي نص عليه «الطائف»؟

وقسّم «اتفاق الطائف»، الذي يُعرف بـ«وثيقة الوفاق الوطني اللبناني»، التي صادق عليها مجلس النواب في عام 1989، المراكز والمناصب على الطوائف، وحدد صلاحيات السلطات الأساسية. ونصّ على «حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية»، لكنه في الوقت عينه أشار إلى «اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها».

ولطالما حاول «حزب الله» إبداء تمسكه بـ«اتفاق الطائف». وفي يوليو (تموز) 2023، أكد الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله أن «الحديث عن أن (حزب الله) يريد إلغاء (اتفاق الطائف) والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين هو كذب وتضليل مقصود».

المشروع السياسي

ووصف الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير، المطلع عن كثب على شؤون «حزب الله»، موقف قاسم، بـ«المهم»، معتبراً أنه «يؤكد التزام الحزب بالاتفاق، وأنه لن يكون له مشروع سياسي داخلي مختلف». وشدد قاسم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أنه «ليس لهذا الموقف علاقة بالسلاح باعتبار أن (اتفاق الطائف) له علاقة بالمشروع السياسي».

مصلحة شيعية

من جهته، رأى عضو كتلة «تحالف التغيير» النائب ميشال دويهي أن «مفهوم (اتفاق الطائف) عند عدد كبير من القوى السياسية يتخطى (الطائف) والصلاحيات الدستورية. فنرى هذه القوى، وعلى رأسها (الثنائي الشيعي)، أي (حزب الله) وحركة «أمل»، تنتقي ما تريد من هذا الاتفاق وتطبقه»، متسائلاً: «ألم ينص الاتفاق على حل كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة وهو أمر لم يحصل؟».

وعدَّ دويهي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل السلوك السياسي والدستوري والقانوني لـ(الثنائي)، هو تعدّ على (الطائف)»، مضيفاً: «آخر ملامح خرق (الطائف) تولي الرئيس بري مفاوضات وقف النار بدلاً عن رئيس الجمهورية»، ولافتاً إلى أنه «بعد الحرب الكبيرة والمؤلمة لجميع اللبنانيين، نرى أنه لدينا فرصة لتطبيق (الطائف)، واستعادة الدولة وبناء المؤسسات، ونعتقد أن للطائفة الشيعية مصلحة وجودية وكيانية بالعودة إلى الدولة والمساهمة في بناء دولة قوية».

لا شيء مضمون

أما رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي بول مرقص، فعدَّ أن الشيخ قاسم، وبحديثه في هذا التوقيت عن «الطائف»، إنما «غمز باتجاه أن الحزب سيكون من الآن وصاعداً حزباً سياسياً يعمل وفق أطر اللعبة السياسية التي أرسى قواعدها (اتفاق الطائف) لا ميليشيا مسلحة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قصد أيضاً أن الحزب لن يذهب باتجاه (العد)، أي اعتبار أن أكثرية طائفية معينة يمكنها أن تحتل مركز طائفة أخرى. لكن الأمرين أشار إليهما من باب الغمز، لا من باب الضمانة أو التأكيد، لأن لا شيء يمنع أن يستمر الحزب بحمل سلاحه طالما العبارة لم تأت واضحة وصريحة».

وأضاف مرقص: «(الطائف) نصّ على حل جميع الميليشيات إلا أنه أبقى على مفهوم المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية، لذلك يفسره (حزب الله) على النحو الذي يريده، بحيث يبقي على سلاحه تحت هذا الشعار، من هنا لا يمكن اعتبار عبارة (تحت سقف الطائف) عبارة ضامنة إنما تحتمل الكثير من الالتباس والتأويل».