المشتبه به في هجمات فرنسا كان على صلة بمتطرفين

ياسين صالحي وضعته أجهزة الأمن على قائمة المشتبهين الأمنيين المحتملين عام 2006

المشتبه به في هجمات فرنسا كان على صلة بمتطرفين
TT

المشتبه به في هجمات فرنسا كان على صلة بمتطرفين

المشتبه به في هجمات فرنسا كان على صلة بمتطرفين

تقول السلطات الفرنسية إن الرجل الذي قطع عنق رئيسه في العمل قبل أن يسعى لتفجير محطة كيماوية أميركية بالقرب من ليون كان محل انتباه جهاز الاستخبارات الفرنسية منذ نحو تسع سنوات بعدما أصبح جزءا من حلقة متطرفة.
وكان المشتبه ويدعى ياسين صالحي، 35 عاما، الذي ألقي القبض عليه في الهجوم يوم الجمعة، والإسلامي الآخر فريدريك جين سالفي، قد قضيا وقتا في بلدة بونتارلي الصغيرة بالقرب من الحدود السويسرية.
واعتنق سالفي الإسلام في السجن ليحمل اسم علي الأكبر. وفي عام 2008، غادر سالفي (أو علي) فرنسا فيما يبدو، إلا أن اسمه طفا على السطح مجددا مع الكشف عن خطة لتنفيذ هجوم إرهابي في إندونيسيا عام 2010. إلا أنه تمكن من الإفلات من قبضة الشرطة والاختفاء وصدر بحقه أمر اعتقال من البوليس الدولي (الإنتربول)، حسب تقارير صحافية.
ورغم أن العلاقة بين الرجلين بدت غير واضحة، فإن ثمة صلة ساهمت في أن يأخذ صالحي منحى متطرفا ويدفع أجهزة الأمن الفرنسية لأن تضعه على قائمة المشتبهين الأمنيين المحتملين عام 2006.
وقال الرئيس الفرنسي يوم الجمعة منتقدا أن «التصنيفات عديمة الجدوى» و«الاشتباه عديم المعنى» كلها يجب أن تنتهي بعدما قطعت رأس ضحية في الهجوم الذي وقع على المصنع بالقرب من ليون بفرنسا.
في عام 2008، قامت أجهزة الأمن بحذف اسم صالحي من قوائم المشتبهين مما أثار التساؤلات حول قدرة الأجهزة الأمنية على رصد عدد متزايد من التهديدات الأمنية المحتملة.
نشأ صالحي في مدينة بونتارلي، بينما وصل سالفي هناك بعد عام 2001 عند خروجه من السجن بمدينة بيسانكو المجاورة. اعتنق سالفي الإسلام، لكن تاريخ أول لقاء جمع الرجلين ظل غير معروف، إلا أن بعض التقارير تشير إلى أن ذلك كان في عام 2004. وكان الرجلان في نفس العمر تقريبا. وفي حين يتذكر الناس في بونتارلي صالحي كمراهق هادئ، كان سالفي متهورا وفظا، حسب عمار رميمي (48 عاما) الذي يعمل أمين خزينة في اتحاد مسجد فيليب غريني بمدنية بونيرلي.
ويقول رميمي «في يوم من الأيام حضر علي إلى المسجد وكان في حالة غريبة، وكان الإمام يلقي الخطبة، ودخل على المسجد وجلس وبعد دقائق معدودة نهض وأخذ ينتقد الإمام بينما يلقي الخطبة، وأمر الإمام أن يتوقف زاعما خطأ الإمام».
ويضيف «حينها وقفت وأمرت علي أن يغادر المسجد. فمن يكون هو حتى يحكم بخطأ الإمام، إضافة إلى أننا لا نريد إسلاميين متشددين هنا».
على النقيض، يتذكر رميمي الأيام التي درس فيها اللغة العربية لصالحي عندما كان في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة قائلا: «كان هادئا ومجتهدا وأراد أن يتعلم، وذلك بفضل جذور عائلته. فأبو صالح توفي عندما كان صالح في سن السادسة عشرة وكان أبوه جزائريا وأمه مغربية».
«وكان صالحي بالفعل يتحدث بعض العربية بلكنة لكنه كان يقرأها بصعوبة عندما بدأ دروسه»، حسب رميمي.
أضاف رميمي أنه «مع نهاية العام الثالث، استطاع صالحي القراءة والكتابة. فكما تعرف كان صالحي صغيرا في تلك الفترة ولم يكن هناك إنترنت ولم تكن هناك كل تلك الحركات الأصولية، ولم أكن قلقا على الإطلاق على الأولاد الذين كنت أدرسهم».
ووصف ناصر بن يحيى، رئيس المؤسسة الإسلامية التابعة لمسجد فيليب غريني بمدنية بونتارلي، صالح كطفل عادي يلعب كرة القدم وليس له اهتمام زائد بالإسلام.
وخلال تلك الفترة: «كان الطفل يتحدث عن كرة القدم أكثر ما يتحدث عن (القاعدة)، ولم ألحظ عليه أي علامات تحول أصولي»، حسب بن يحيى.
بيد أن ذلك بدأ في التغير بعدما وصل سالفي. فإضافة إلى كونه صعب المراس، فقد كان سالفي شخصية مؤثرة، طويل القامة، أشقر ومستبدا، حسب تقارير إخبارية نشرت عنه بعد ذلك بسنوات عندما تورط في محاولة هجوم في إندونيسيا.
وتنقل كل من سالفي وصالحي كثيرا بين بونتريلر وبسانكون، إلا أن مقدار الوقت الذي قضياه معا غير معروف.
بيد أن اسم صالحي أُسقط من قائمة مراقبة الأجهزة الأمنية في نفس الوقت الذي قامت فيه الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بدمج جهازين أمنيين كانا يتعهدان بمسؤوليات متشابكة في مجابهة التهديدات الإرهابية.
ويبدو أن عملية الدمج قد تسببت في ضعف المراقبة أيضا على محمد ميرا الذي قتل سبعة أشخاص عام 2012. منهم شرطيان فرنسيان وخمسة أطفال بمدرسة يهودية.
في حين ارتفع النقد بسبب تسرب ميرا من كشوف المراقبة، انخفضت حدة النقد بالنسبة لصالحي، ربما لأن صالحي لم يكن لديه سجل إجرامي ولم يكن معروفا سعيه للسفر للخارج للحرب في صفوف المتطرفين الإسلاميين.
وقال مسؤول فرنسي مطلع على حالة صالحي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية التحريات «إن هناك عددا من الناس يجب أن تضعهم تحت المراقبة».
وأضاف المسؤول «كان هذا هو الوقت الذي اندمج فيه جهازا الأمن الداخلي، وأشار الناس في هذا التوقيت إلى غياب المتابعة بالنسبة لجريمة تولوز، ولذلك ربما كان هناك عدد من الحالات التي لم تتلق الانتباه الكافي خلال تلك الفترة»، حسب المسؤول الأمني. ومؤخرا عُرف صالحي كشخص متحفظ يجيد الكلام المعسول.
هكذا وصفه جيرانه وكذلك عائلة هيرفي كورنارا، 54 عاما، الذي كان رئيسا لصالحي في العمل في محطة كاليكوم «أي تي سي» حتى يوم الجمعة الماضي عندما قطع صالحي رأسه.
وفي مقابلة مع التلفزيون الفرنسي «تي إف 1» قال كيفين كورنارا، ابن كورنارا الذي عمل كذلك في محطة كوليكوم «أي تي سي»، كان صالحي لطيفا جدا، ودائم الابتسام، وودودا، ومؤدبا جدا».
«لم أرَ منه أي شيء سيئ»، حسب ابن كورنارا.

* خدمة «نيويورك تايمز»



تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
TT

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)

رفعت موسكو سقف تهديداتها للغرب، في إطار مواجهة ما وصف بأنه «تهديدات جديدة» تتعرض لها روسيا. وفي أول خطوة عملية للرد على زيادة معدلات الانخراط الغربي في الحرب الأوكرانية، وضعت التعديلات التي استحدثها الرئيس فلاديمير بوتين في العقيدة النووية الروسية مجالات أوسع لاستخدام محتمل للسلاح غير التقليدي، وخفضت سقف الشروط التي كانت تقيّد اللجوء إلى الترسانة النووية للدفاع عن مصالح روسيا وحماية وحدة أراضيها وسيادتها.

الرئيس الروسي ترأس اجتماعاً الأربعاء لمجلس الأمن القومي خُصّص لمناقشة ملف «الردع النووي» (رويترز)

عقب إعلان الرئيس الروسي اتهمت أوكرانيا القيادة في موسكو بـ«الابتزاز النووي». وقال أندري يرماك، كبير مسؤولي مكتب الرئيس الأوكراني، عبر تطبيق «تلغرام»: «لم يتبق لروسيا سوى الابتزاز النووي. ليس لديها أي وسيلة أخرى لترويع العالم»، مضيفاً أن محاولة الترويع لن تجدي نفعاً.

ولم يخفِ الكرملين أن الرسالة الأولى والأهم في التعديلات على العقيدة النووية موجهة مباشرة إلى الغرب الذي تتهمه موسكو بالانخراط المباشر في الأعمال العدائية على جبهات القتال. وهو أمر أوضحه بشكل جلي الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف عندما قال، الخميس، إن «التغييرات في العقيدة النووية الروسية تحمل إشارة مباشرة للدول غير الصديقة».

وأوضح: «هذه إشارة تحذير لتلك الدول من العواقب إذا شاركت في هجوم على بلادنا بوسائل مختلفة، وليس بالضرورة بالوسائل النووية فقط».

ونبَّه إلى أن «رؤساء الدول العقلاء» كانوا يدركون في السابق خطورة تصريحات بوتين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بـ«مثل هذه المواجهة غير المسبوقة» التي أثارتها المشاركة المباشرة للدول الغربية في الصراع الأوكراني.

المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (إ.ب.أ)

وأضاف بيسكوف أن إمكانات روسيا النووية ودورها الرادع معروفان في جميع أنحاء العالم. ووفقاً له، يجري الآن «تعديل مقومات الردع النووي»، مع الوضع في الحسبان التوتر المتفاقم على طول محيط حدود البلاد. وشدد ممثل الكرملين على أن «ضامن الردع هو الثالوث النووي الروسي» (الحاملات للرؤوس النووية والمقصود هنا الغواصات والطائرات والصواريخ الاستراتيجية).

وكما أوضح بيسكوف، فإن العقيدة النووية تتكون من وثيقتين: «العقيدة العسكرية النووية» و«أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وقد صاغ الرئيس الروسي تعديلات على الوثيقة الثانية، الأربعاء، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي، وهي الوثيقة التي تنظم آليات وشروط استخدام الترسانة النووية. على أن يتم اصدار مرسوم رئاسي في هذا الشأن قريباً، يكون ملزماً بشكل فوري ولا يحتاج إلى تدابير داخلية مثل مصادقة الهيئات التشريعية في البلاد عليه.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستمع إلى الخطاب الافتتاحي للجمعية العمومية (د.ب.أ)

ماذا عدلت روسيا في وثيقتها؟

أعلن بوتين في مستهل اجتماع لمجلس الأمن المخصص لملف الردع النووي، عن قرار تحديث «أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وحدَّد أبرز ملامح التعديلات من خلال التأكيد على أن «العدوان على روسيا من قِبل أي دولة غير نووية بدعم من قوة نووية سيعدّ بمثابة هجوم مشترك؛ ما يمنح روسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية حتى لو كان العدوان الذي تواجهه روسيا يتم باستخدام أسلحة تقليدية، بشكل يهدد سيادتها».

عملياً، تم تخفيض عتبة استخدام جميع الأسلحة الموجودة في الترسانة النووية الروسية التي وصفها بوتين بأنها «الأكبر والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم».

بعبارة أخرى، فقد تم سدّ الثغرة التي واجهتها روسيا لفترة طويلة، خصوصاً منذ اندلاع الأعمال الحربية في أوكرانيا. وهي التي، وفقاً لبوتين «سمحت للقوى الغربية بمحاربة روسيا بالوكالة، باستخدام القوة البشرية للأوكرانيين». مع التعديل بات لدى بوتين سند قانوني وفقاً لتشريعات بلاده يسمح باتخاذ قرار استخدام أسلحة نووية ضد دول غير النووية إذا شنت عدواناً على روسيا بمساعدة قوى نووية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

هذه هي الرسالة التحذيرية الصارمة التي حملتها التعديلات للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وهي البلدان النووية المنخرطة في الحرب وفقاً لوجهة نظر الكرملين. كما أن التهديد ينسحب بشكل مباشر على أوكرانيا وبولندا ورومانيا وبلدان حوض البلطيق وهي بلدان غير نووية تشارك بوتائر مختلفة في الجهد الحربي.

العنصر الثاني اللافت في التعديلات، تمثل في تحديد أنواع الخطر الذي يمكن تفسيره بأنه يسمح باللجوء إلى السلاح النووي. وهكذا نصت التعديلات على إمكانية استخدام الأسلحة النووية رداً على هجمات بالطائرات والصواريخ والطائرات من دون طيار. وهذه طرازات الأسلحة والمعدات التي تستخدمها أوكرانيا بنشاط في شن هجمات داخل الأراضي الروسية. هنا، لم تعد القيود على استخدام الترسانة النووية تقف عند مواجهة طرازات المعدات القادرة على حمل رؤوس نووية، الآن تستطيع روسيا الرد بشكل حاسم على أي محاولة لتحقيق اختراقات كبرى عبر الحدود باستخدام معدات جوية بما في ذلك المسيّرات.

وقد أوضح الرئيس الروسي أن الوضع الجديد يجب أن يكون واضحاً لكل «خصومنا الاستراتيجيين». محدداً أن «شروط انتقال روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية يبرز بوضوح أيضاً، وسننظر في هذا الاحتمال بمجرد أن نتلقى معلومات موثوقة حول إطلاق ضخم للأسلحة الهجومية الجوية وعبورها حدود دولتنا». وأوضح مجدداً أن هذا يشمل «صواريخ كروز والطائرات من دون طيار والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وغيرها من الطائرات».

بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)

العنصر الثالث الذي برز في التعديلات أن روسيا سوف تستخدم أيضاً الردع النووي لحماية أقرب حلفائها، بيلاروسيا. ومعلوم أن موسكو نقلت في وقت سابق أسلحة نووية تكتيكية إلى البلد الجار وهددت باستخدامها في حال تعرّض الحليف البيلاروسي أو المناطق الحدودية المجاورة له إلى خطر أو تهديد. وهكذا باتت التعديلات الجديدة تضع سنداً قانونياً لكبس الزر الأحمر في هذه الحالة.

الخيار النووي.. أخير

لكن التعديلات المطروحة لا تعني انتقال روسيا تلقائياً إلى استخدام الأسلحة النووية، فهي تحمل طابعاً تحذيرياً وعنصراً ضاغطاً على السياسات الغربية من دون أن تستثني اللجوء إلى «الخيار الأخير» في حالات التهديد الخطر والمباشر.

وقد لفت نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف الانتباه إلى نقطة مبدأ العدوان من قِبل دولة غير نووية. ووفقاً له، الجميع يفهم ما هي البلدان التي نتحدث عنها. وأكد أن «التغيير ذاته في الشروط التنظيمية لاستخدام بلادنا المكون النووي يمكن أن يهدئ حماسة هؤلاء للانخراط أكثر في عدوانهم المتواصل».

وهذا الأمر ركز عليه بوتين أيضاً في خطابه عندما شدد على أن التطور يهدف «أولاً وقبل كل شيء، إلى تحديد المبدأ الأساسي لاستخدام الأسلحة النووية، وهو أن استخدام القوات النووية هو إجراء متطرف لحماية سيادة البلاد». مجدداً التأكيد على أن بلاده «تعاملت دائماً مع مثل هذه القضايا بأقصى قدر من المسؤولية. وإذ ندرك جيداً القوة الهائلة التي تمتلكها هذه الأسلحة، فقد سعينا إلى تعزيز الإطار القانوني الدولي للاستقرار العالمي ومنع «انتشار» الأسلحة النووية ومكوناتها».

ووصف الثالوث النووي بأنه «أهم ضمانة للأمن» بالنسبة لروسيا، و»أداة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم». ومع ذلك، تابع بوتين، أن الوضع العسكري السياسي آخذ في التغير، وتظهر مصادر جديدة للتهديدات العسكرية لروسيا وحلفائها، وبالتالي يجب تكييف العقيدة «مع الحقائق الحالية»، مع توضيح شروط استخدام الأسلحة النووية.

زيلينسكي يزور مصنعاً للذخيرة في الولايات المتحدة (أ.ب)

تجب الإشارة إلى الفوارق الرئيسية التي أحدثتها التعديلات عن النسخة السابقة للعقيدة النووية؛ إذ كانت الشروط التي يمكن بموجبها لموسكو استخدام الأسلحة النووية منصوصاً عليها في أساسيات سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي لعام 2020 تقوم على أربعة شروط رئيسية:

حصول روسيا على معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية تهاجم أراضيها و/أو أراضي حلفائها؛ يستخدم العدو أسلحة نووية أو أنواعاً أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا و/أو حلفائها؛ إذا شن الخصم هجوماً بأي وسيلة ضد منشآت حكومية أو عسكرية بشكل يمكن أن يعطل رد فعل القوات النووية الروسية؛ وتعرّض روسيا لهجوم واسع بالأسلحة التقليدية؛ مما يهدد وجود الدولة ذاته.

مع التعديلات لم تعد روسيا في حاجة إلى تحري معلومات أو انتظار هجوم، فهي بات بمقدورها شن هجوم استباقي حتى لو شعرت بخطر عبر استخدام مسيّرات أو هجمات جوية تقليدية.

كيف سار العمل على تغيير العقيدة؟

بدأت القيادة الروسية الحديث عن تغييرات في العقيدة النووية منذ بداية يونيو (حزيران) 2024. ولأول مرة، أدلى بوتين ببيان حول هذه المسألة خلال مشاركته في أعمال نادي «فالداي» للحوار الاستراتيجي أمام عشرات الخبراء من مختلف دول العالم. في تلك الجلسة أثير الحديث عن «فاعلية العقيدة النووية الروسية بنسختها الحالية في مواجهة التهديدات الجديدة»، خصوصاً المتمثلة في «عدوان واسع تشنّه بلدان نووية بشكل غير مباشر».

في ذلك الوقت قال بوتين: «علينا المضي بشكل أكثر صرامة على سلم التصعيد والاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية». إلى ذلك، أشار بوتين إلى بند العقيدة النووية القائل بأن روسيا ستستخدم مثل هذه الأسلحة في حالات استثنائية - إذا كان هناك تهديد مباشر لسيادتها وسلامتها الإقليمية. وخلص إلى أنه «لا أعتقد أن مثل هذه الحالة قد نشأت - ليست هناك حاجة إلى مثل هذه الحالة بعد (...)، لكن هذه العقيدة أداة حية، ونحن نراقب بعناية ما يحدث في العالم، من حولنا، ولا نستبعد إجراء بعض التغييرات على هذه العقيدة».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يمين) يزور مصنع ذخيرة الجيش في سكرانتون بولاية بنسلفانيا (إ.ب.أ)

في تلك الفترة تحديداً، أمر بوتين بإجراء تدريبات واسعة على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وبعد أسابيع من تلك التدريبات التي شملت إجراءات عملية مباشرة، بينها تدريبات على نقل الرؤوس النووية وتخزينها على مقربة من خطوط التماس ثم تفجيرها ضد مواقع العدو الافتراضي، أعلنت قيادة القوات النووية التكتيكية في رسالة وجهت إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة (بوتين) أنها باتت على أهبة الاستعداد.

السلاح النووي التكتيكي

لم تنص التعديلات التي تم الحديث عنها في العقيدة النووية على بند خاص يحدد آليات وظروف استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، على الأقل في الشق المعلن من هذه الوثيقة. لكن بوتين كان قد أشار أكثر من مرة في السابق إلى أن التطور المرتبط باستخدام محتمل للسلاح النووي التكتيكي بات على طاولة النقاش الروسي الداخلي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطب «قمة المستقبل» في «الأمم المتحدة» (إ.ب.أ)

وأوضح في وقت سابق أن سبب التركيز على هذا الموضوع «يرجع إلى ظهور عناصر جديدة - على أي حال، نحن نعلم أن الخصم المحتمل يعمل على ذلك - عناصر تتعلق بخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. على وجه الخصوص، يجري تطوير أجهزة نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية، ونحن نعلم أنه في دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار تتداول حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة وليس هناك أي شيء فظيع في هذا الأمر».

ونبّه خلال زيارة نادرة إلى فيتنام قبل أسابيع «قد لا يكون الأمر فظيعاً، لكن يجب أن ننتبه لذلك». ولم يحدد في حينها كيف ستتغير العقيدة في مجالات الاستخدام المحتمل للسلاح النووي التكتيكي. والشيء الوحيد الذي قاله هو أننا «لسنا في حاجة إلى ضربة وقائية بعد... لأنه في الضربة الانتقامية سيتم تدمير العدو بشكل مضمون».