هل ينجح «تيك توك» في الحد من الأضرار على «الصحة النفسية»؟

هل ينجح «تيك توك» في الحد من الأضرار على «الصحة النفسية»؟
TT

هل ينجح «تيك توك» في الحد من الأضرار على «الصحة النفسية»؟

هل ينجح «تيك توك» في الحد من الأضرار على «الصحة النفسية»؟

تتجدد بين الحين والآخر التحذيرات من تأثير منصات التواصل الاجتماعي سلباً على الصحة النفسية للمستخدمين، لا سيما فئة الشباب والمراهقين، وتحديداً «جيل زد»، الذي يُعد الشريحة «الأكبر» من مستخدميها. ومقابل هذه الاتهامات والتحذيرات، تعمد هذه المنصات إلى اتخاذ إجراءات أو خطوات بداعي حماية الأطفال والمستخدمين، كان آخرها حملة دشنتها منصة «تيك توك» خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري لـ«إنهاء الوصمة» بشأن المرض النفسي. وفي حين تقول «تيك توك» إنها تعمل على «تحسين رفاهية المستخدمين»، يرى خبراء أن ما تتخذه من إجراءات غير فعال، معتبرين أن الحل يكمن في «التربية الإعلامية».
تزامناً مع «اليوم العالمي للصحة النفسية»، عقدت منصة «تيك توك» في مصر خلال أكتوبر الجاري قمة للصحة النفسية، تابعت «الشرق الأوسط» فعالياتها وتطرقت هذه الفعاليات إلى الأدوات والإجراءات التي اتخذتها المنصة لحماية الصحة النفسية لمستخدميها، ومن بينها إدارة الوقت، ومنح «الرقابة الأبوية» عبر ربط حسابات الأهالي والأطفال، إضافة إلى تقديم نصائح بشأن أفضل الأساليب للتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام. وركزت في معظمها على أهمية «تحديد وقت» لاستخدام هذه المنصات، وأخذ استراحة من الشاشة كل 20 دقيقة، للحد من تأثيراتها السلبية على الصحة النفسية والعقلية.
تأتي هذه «القمة» التي تُعد الأولى من نوعها في هذا المجال دعماً لـ«اليوم العالمي للصحة النفسية». وتحدث طلال الفايز، رئيس السياسة العامة في «تيك توك» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، في لقاء مع «الشرق الأوسط» عن «مزايا الرفاهية» والموارد التي تقدمها المنصة في هذا المجال، ومن بينها حملة «إنهاء الوصمة» (#EndTheStigma) التي أطلقتها منصة «تيك توك» أخيراً بهدف «تمكين أفراد المجتمع من التعبير عن أنفسهم بشكل صادق، عبر توفير مساحة آمنة لهم للقضاء على الفكرة السلبية عن الصحة النفسية». وللعلم، وفقاً لاستطلاع أصدرته YouGov بشأن الصحة النفسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن 59 في المائة من المشاركين في الاستطلاع من «الجيل زد» (18 إلى 24 سنة) «يخشون الحكم عليهم بشكل سلبي من قبل العائلة والأصدقاء عن الحديث عن صحتهم النفسية».
الفايز أكد «التزام منصة تيك توك ببناء مساحة آمنة وداعمة للمجتمع، إضافة إلى التعاون مع خبراء لتطوير مجموعات من الأدوات التي تساهم في تحسين رفاهية المجتمع، وتعزيز الصحة النفسية». وأردف أن «المنصة ستواصل تطوير الموارد المتعلقة بهذا الشأن بهدف التشجيع على قبول الذات والاعتناء بالنفس». ولفت أن «المجتمع يتوق للتحدث في هذه المواضيع، وقد حصد وسم الصحة النفسية أكثر من 45 مليار مشاهدة على المنصة، في حين حصل وسم خاص بالتوعية بالصحة النفسية على 10 مليارات مشاهدة، إضافة إلى مليار مشاهدة للمحتوى المنشور تحت وسم الرفاهية».
ومن جهة ثانية، أطلقت منصة «تيك توك» خلال الفترة الماضية مجموعة من الأدوات التي قالت إنها «تهدف للحد من الآثار السلبية على الصحة النفسية»، بينها أداة إدارة الوقت التي تمنح الأشخاص خيار التحكم في الوقت الذي يمضونه على المنصة من دون انقطاع، مع تنبيهم حال انتهاء الوقت لتشجيعهم على أخذ استراحة من الشاشة. وهنا، ينصح الفايز في «تيك توك» المستخدمين بـ«تعيين تنبيهات يومية لأخذ قسط من الراحة، وفعل شيء آخر لا يتطلب اتصالهم بالإنترنت، كممارسة إحدى هواياتهم أو الجلوس مع الأقارب والأصدقاء»، كما يشجعهم على «طلب الدعم من المحترفين والاختصاصيين عند شعورهم بالحاجة إلى ذلك حفاظاً على صحتهم النفسية».
وفي سياق الإجراءات التي تتخذها منصة «تيك توك» من آن لآخر بهدف «حماية المراهقين»، أعلنت المنصة الأسبوع الماضي عن إجراء تغييرات في خدمة البث المباشر، من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتقضي هذه الإجراءات بحظر الخدمة لمن هم دون الثامنة عشرة من العمر، مع منح المستخدمين خيار توجيه البث للبالغين فقط. وأفادت «تيك توك»، في إعلانها عن هذا التحديث بأن «البث المباشر المخصص للكبار قد لا يرغب صُناعه بمشاركته مع الصغار»، مشيرة إلى أن الهدف من هذا التحديث هو «حماية المراهقين ودعم رفاهيتهم».
على صعيد متصل، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، علق خالد القضاة، الصحافي والمُدرب الأردني المتخصص في الإعلام الرقمي وأخلاقيات المهنة، على هذه الإجراءات بالقول: «رغم هدفها النبيل في الظاهر، فإنها إجراءات يسهل التحايل عليها، وقد تؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية». وتابع موضحاً: «من السهل التحايل على شرط العمر عند تسجيل الحساب، إضافة إلى أن وضع عبارة تشير إلى تخصيص المحتوى للكبار أو البالغين عادة ما تكون جاذبة لمن هم أصغر سناً».
ولخص القضاة الحل لمواجهة التأثيرات السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي في كلمتين هما «التربية الإعلامية»، مشدداً على «تضمينها في المناهج الدراسية، حتى يستطيع المواطن تقييم ما يراه من محتوى». وأضاف: «واقع الأمر أن منصة تيك توك اعتمدت منذ نشأتها على فكرة أنها منصة بلا قواعد أو قيود، ما سمح لها بسرعة الانتشار، على عكس منصات أخرى وضعت بعض القواعد لنشر المحتوى. وهذه الطريقة الذكية مكنتها من تحقيق رواج كبير بين فئة الشباب... إلا أن محاولتها وضع قيود الآن لن تكون فاعلة على الأرض».
جدير بالذكر، أن الأسبوع الماضي شهد تحذيرات رسمية ودينية وبرلمانية في مصر، في أعقاب انتشار تحدٍ جديد على منصة «تيك توك» عُرف باسم «لعبة الموت» أو «كتم الأنفاس». إذ تداول متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر تجمعاً لطلاب يحاولون تشجيع زميل لهم على تنفيذ التحدي، ما أسفر عن حالات إغماء لعدة ثوانٍ. وكانت هذه اللعبة قد انتشرت قبل ذلك بشكل كبير خارج مصر، ما جدد الجدل بشأن تأثير «تيك توك» على صحة المستخدمين البدنية والنفسية.
وفي هذا الصدد، دأبت منصة «تيك توك» طوال الفترة الماضية التأكيد على «اتخاذها إجراءات من شأنها حماية سلامة ورفاهية المستخدمين».
ففي 8 فبراير (شباط) الماضي أعلنت عن تأسيس أول مجلس استشاري للسلامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، يهدف لتقديم المشورة بشأن «سياسات وممارسات تعديل المحتوى»، بالتوازي مع إطلاق تحديثات تتعلق بإرشادات المجتمع، قالت إنها أدت إلى «حذف أكثر من 91 مليون مقطع فيديو مخالف خلال الربع الثالث من عام 2021، وهو ما يمثل 1 في المائة من جميع مقاطع الفيديو التي تم نشرها».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».