غبريال يمّين: ماذا كسب كبار الفن في لبنان؟

الممثل والكاتب والمخرج لا يريد شيئاً من المهنة

غبريال يمّين خلال تسلمه «موريكس» عن مجمل مسيرته
غبريال يمّين خلال تسلمه «موريكس» عن مجمل مسيرته
TT

غبريال يمّين: ماذا كسب كبار الفن في لبنان؟

غبريال يمّين خلال تسلمه «موريكس» عن مجمل مسيرته
غبريال يمّين خلال تسلمه «موريكس» عن مجمل مسيرته

يخلع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني غبريال يمّين، عنه أي لقب يسبق الاسم في بداية حديثه مع «الشرق الأوسط»، ويرجو نداءه بـ«غابي». لا دكتور، ولا أستاذ، ومبدع، وسائر ما يُرفق بأصحاب العطاء على الألسن. يعلل بأنه ليس تواضعاً منه رغبته في إسقاط التسميات، لكن الألقاب تفقد قيمتها وتتحول فضفاضة باهتة. «إن كنتُ أنا المبدع، فبأي صفة يُلقب ليوناردو دافنشي؟ فنانو اليوم جميعهم مبدعون وفق السائد، فماذا نقول عن جاك بريل؟ عن فيروز وعاصي الرحباني؟ أقوم بما تعلمته وأجيد القيام به. لستُ مبدعاً ولا أسعى لأُلقب».
لم يخطر له نقاش يتعلق بالجوائز ومعنى التقدير في نظره، خلال تسلمه «موريكس» عن مجمل مسيرته وسط تصفيق تراءى من القلب. وهو ليس من أتباع مقولة «عملي أكبر جوائزي»، فالفنان في لبنان، برأيه، «يُعطي حتى أنفاسه الأخيرة وقد لا ينال شيئاً في المقابل»، وحفلات التكريم «برامج تشهدها الشاشات، كسواها من البرامج». لا يملك جواباً حاسماً عن ضرورة إقامتها من عدمه.
يمتن للفن كقيمة، فقد قدم له السكينة وأهداه سعادة تجعله يُرجئ احتمال الدخول في استراحة والإذعان لفراغ يُمرر الآتي من العمر. له أحلام يأمل أن تطول الأيام فيحققها: «أن أعمل مثلاً في النجارة، فهي رغبة قديمة تلح لترى النور. وأن أتعلم الإلكترونيك، فقد بحثتُ مع ابني إمكان التسجيل معه في الجامعة لأعود طالباً بين يدي المعرفة. لا أتعب من المزيد».
يهبط على النبرة عتبٌ مدو، فترتفع لتغدو حسرات: «تسألين عن مقابل لسنوات يفنيها الفنان في فنه، تقولين إنها المكانة والسمعة. أهذا يكفي؟ لا! فنانون قضمت المهنة من صحتهم وحيواتهم ولم تعطهم شيئاً. ماذا ترك الفن لريمون جبارة؟ أنطوان ولطيفة ملتقى، مَن يعرفهما اليوم، وهما من قامات المسرح اللبناني؟ مَن يطمئن إلى أحوالهما في الظرف القاهر واشتداد العتم؟ حتى طلابي في الجامعة لا يدرون بهما. الناس في الشارع يعرفون لاعبي كرة القدم. ناجي معلوف، وبيار شمعون، ماذا نالا من الفن برغم المكانة التي بلغاها؟».
وأنتَ ماذا نلت؟ أتنطبق المرارة عليك؟ جوابه أنه «حالة خاصة»، «فأنا لم أنتظر شيئاً لأناله. ليس الفنان مَن يستعطف التقدير ويمضي العمر في انتظاره. يمنحه له المحيطون به والدولة. لا أريد من المهنة مكاسب. فكرة أنني أنشغل في الفن هي مكسبي».
لا يرمق سنوات فنت في الانغماس بالعمل بنظرة ملامة، بل على العكس، يمتن لسعادة تمنحها الأعمال لأصحابها حين يؤدونها بشغف. أمنيته أن تُولد الأرحام فنانين يحظون بالمخيلة الخلاقة والعقل النقدي للاستثمار بالفن، «عندها تستمر الحياة لجهة الجدوى».
يزيده النتاج الفني فرحاً ويقلص مساحات القلق التي «يجدر بها التراجع فتنمو مكانها الطاقة الإيجابية»، الدافع والمُحرك. لا يمثل غبريال يمّين ليتيح لأصناف التوتر التحكم به والسيطرة عليه. «أمثل لأفرح». حتى إنه بات ينتقي أدواراً تكرس شعوره بالسعادة خلال التصوير: «معيار الموافقة على شخصية هو ظروف العمل. أشاء أن أكون مرتاحاً وأنا أؤديها. وأن ألهو مع أصدقائي وأصنع ذكريات تبقى».

الممثل والكاتب والمخرج اللبناني غبريال يمّين

عدا الأدوار المركبة، وهي ليست دائماً النوع المفضل لديه والأقرب إلى قلبه، لا ينهكه التمثيل ويعاقب مزاجه بمراكمة الضغوط. يعود إلى شخصية ترافقه في يومياته، وتشكل نبذة عن علاقته بالعطاء والالتزام: أستاذ الجامعة، ليشرح ماذا يعني «الدور الأبيض»: «هي النصوص المكتوبة ليُملأ الدور بأي كلام وتمريره بأي مواقف. فراغها له حضوره في الدراما، وهذا لا ينبغي انتشاره».
أمام الخيال الخلاق، يروقه التوقف. قد يرتمي الجسد ويُعطب، وتسكنه آلام وأمراض، لكن المخيلة «مستحيل!». لا تشيخ. لا تعرف التقاعد. هي رهانه الرابح في سباقات الأيام ونكهاتها الحلوة والمرة، وما يُشعله حين يهمد كل شيء من حوله. يربط التقدم في الحياة بما يتعلمه المرء من الطفولة إلى شبابه وشيخوخته. فالخبرة والنضج، برأيه، «يخولان الإنسان البحث عن وجوده في مجالات مختلفة عما سبق وعثر عليه. كالسينما مثلاً بأفلام وأدوار فريدة، وما لم أقدمه من قبل في فني».
هذه المخيلة، رفيقته وملهمته، «تصادق الفنان حتى النهاية، إن أحسن توظيفها». غبريال يمّين يوظفها في التعليم، فهو رئيس قسم التمثيل في الجامعة اللبنانية، معهد الفنون الجميلة، وفي الكتابة والدراما والإخراج. يصور دورين في مسلسلين، وأنهى كتابة فيلم. مشروعه الكبير، غنائي مسرحي، ينجزه للسعودية. يتحفظ عن المزيد التزاماً بشروط العقود.
آلمته كآبة افترشت وجوه طلابه، وإحباط غل في الملامح. يتخرجون ويصطدمون بضآلة الفرص وتفاوت الحظوظ. لا يكشف سراً وهو يتحدث عن استبعادهم من مسلسلات وإنتاجات درامية، «إلا لأدوار ثانوية عابرة لعدم ملاءمتهم المعايير الجمالية والأشكال المطلوبة». حن عليهم قلبه وهرع لنجدة المواهب: «هم نحو 30 طالباً، أعددتُ لهم مسرحية باسم (رحيل) من اقتباسي وإخراجي، نعرضها في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على (مسرح المدينة)، شارع الحمراء. لعلها نسمة هواء تجعلهم يهزمون اختناقهم».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.