خبراء: أشد الداعين لتجريد روسيا من قوتها لا يريدون شن حرب ضدها

TT

خبراء: أشد الداعين لتجريد روسيا من قوتها لا يريدون شن حرب ضدها

طوال شهور الغزو الروسي الثمانية لأوكرانيا، واصل الرئيس فلاديمير بوتين، تأكيده أن حربه هي صراع وجودي بالنسبة لروسيا، ومعركة من أجل نظام عالمي جديد، حسبما ذكر الكاتب والمحلل السياسي ليونيد بيرشيدسكي. ويضيف بيرشيدسكي، أنه يبدو الآن أن مفكرين سياسيين بارزين توصلوا إلى النتيجة نفسها، وهي أن الحديث تحوّل من مساعدة أوكرانيا على الانتصار إلى تشكيل نظام عالمي ما بعد الحرب يهمش روسيا، ويجعلها غير قادرة على التسبب في مزيد من المتاعب.
وقال بيرشيدسكي، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إن هذا التحول يمثل تحدياً للحكمة التقليدية بأن الحرب سوف تنتهي بنوع ما من الحل الوسط عن طريق التفاوض - قبل أو بعد سقوط نظام بوتين. وكثيرون في الغرب - وليس فقط في وسط أوروبا، حيث يسود دائماً، على نطاق واسع، الاعتقاد بأن روسيا لن تتغير مطلقاً - سوف يقولون إن هناك حاجة لتجريد روسيا من دورها الدولي الكبير الحجم. سوف يقول البعض، وبعلانية متزايدة، إنه ينبغي تركيع روسيا، مثل ألمانيا النازية أو حليفتها اليابان، قبل إمكانية إعادة بنائها وإعادة دمجها في العالم.
وقد طرح أستاذ العلوم السياسية الفرنسي نيكولاس تينزر، هذا الرأي، ببلاغة، على منصة النشر الذاتي «سابستاك»، حيث كتب يقول إنه كان من الخطأ محاولة إعادة التواصل مع روسيا ما بعد الشيوعية على أساس «وهم نتيجة آمال عام 1991» - خطأ ارتكبه سياسيون فاسدون وحمقى.
وقال تينزر، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية، إنه يتعين على الغرب ألا يخجل من تحديد أهدافه الخاصة بالنسبة للحرب، حتى لو لم يكن جزءاً رسمياً من الحرب الأوكرانية - ويجب أن تشمل تلك الأهداف القصوى انسحاباً روسياً من كل دولة ومنطقة بها وجود لنظام بوتين حالياً، ولا يقتصر الأمر على أوكرانيا وجورجيا، بل يشمل أيضاً سوريا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، ودول وسط آسيا ودول أفريقيا وأميركا اللاتينية التي تعمل فيها مجموعة «فاغنر»، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة بموسكو.
ووفقاً لهذا الرأي، يتعين أيضاً أن تفقد روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي، وكل إمكانات الوصول للنظام المالي الغربي، وشبكات نفوذها في الغرب. وكتب تنزير أن أي «شبه هزيمة» ستظل انتصاراً لروسيا لأنها سوف تحتفظ بطموحاتها العالمية؛ وهناك حاجة إلى تحويل روسيا إلى «دولة عادية» - ولا يمكن تحويلها من الداخل فقط.
وقال بيرشيدسكي، إن عالمة السياسة الأميركية فيونا هيل، وهي من أبرز الخبراء بشؤون روسيا في الولايات المتحدة، طرحت نسخة أقل راديكالية من الرأي نفسه، في مقابلة جرت مؤخراً مع مجلة «بوليتيكو» الأميركية. فقد دعت أيضاً إلى أن تفقد روسيا حق النقض في مجلس الأمن. وقالت إن الحرب لا تتعلق في الحقيقة بأوكرانيا. ونقل عنها قولها «إنه صراع قوى كبرى كبير، ثالث صراع قوى كبرى في الفضاء الأوروبي في فترة أكثر قليلاً من قرن... وهو نهاية النظام العالمي الحالي. عالمنا لن يكون مثلما كان من قبل».
وفي هذا النموذج، كما هو في نموذج بوتين، تتجاوز المصالح الغربية تماماً سقوط نظامه. فالهدف الاستراتيجي هو أن تكون روسيا ضئيلة دائماً. ومع ذلك، فإنه حتى مع معاناة قواته انتكاسة تلو الأخرى في أرض المعركة، ما زال بوتين يشكل المسار، لأن الغربيين الداعين إلى الحاق «هزيمة استراتيجية» به لا يستطيعون تدبير كيف يحدث ذلك فعلاً. وأوضح بيرشيدسكي، أنه لن يمكن إيقاف بوتين عما يفعله بمجرد الإدانة، كما أظهرت العديد من عمليات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت بأغلبية ساحقة ضده.
وتساءل عن كيف يمكن أن تتخلى روسيا عن وجودها العسكري في أنحاء الاتحاد السوفياتي السابق وأنحاء من العالم النامي، إذا لم تتم هزيمتها بحسم في حرب أوسع نطاقاً من الحرب الأوكرانية؟ فإذا ما تم فقط إرغامها على الانسحاب من بعض أو حتى كل الأراضي الأوكرانية، ستظل تمتلك القوة والموارد الكافية للاحتفاظ بنفوذها في مناطق أخرى، والاستعداد لمحاولة أخرى في أوكرانيا أيضاً. وفي حقيقة الأمر ليس هناك أحد، بما في ذلك أشد الداعين لتجريد روسيا مما تبقى من دورها البارز بعد الحرب العالمية الثانية، يقترح خوض حرب كاملة ضد روسيا. وحتى تينزر أوضح فيما كتبه أنه لا يدعو القادة الغربيين لإعلان الحرب ضد روسيا - لكنه يدعو إلى التوصل إلى نتائج لا يمكن تحقيقها إلا فقط في حرب شاملة.
هذا الرفض للمواجهة العسكرية المباشرة يعد من مخلفات الحرب الباردة: ويعتمد على فكرة أن روسيا سوف ترد بتدمير العالم نووياً. وسواء كان ذلك ممكناً فعلاً أم لا، فإن الخوف قوي للغاية، لدرجة أنه لا يريد أي خبير عسكري مسؤول تجاوز ذلك الخط - في الوقت الحالي. واختتم بيرشيدسكي تقريره بأن ما يعنيه ذلك هو أن أي أمل في نظام عالمي جديد تصبح فيه روسيا ضعيفة ووديعة يقع الآن على أكتاف الأوكرانيين. والأمل والتوقع يتمثلان في أن يكونوا قادرين على هزيمة الجيش الروسي بدون أن يتعرضوا لهجوم نووي نتيجة لذلك - أو ما لا يقال هو إنهم إذا ما تعرضوا لهجوم نووي، فإن موتهم شهداء سوف يخدم الهدف الأسمى، وهو تحويل روسيا إلى دولة منبوذة تماماً، وبالتالي يتم إضعافها على الدوام.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.