تحليل: شهر دون غارات إسرائيلية على سوريا... ماذا يحدث؟

تصاعد النيران جراء غارة إسرائيلية على ميناء اللاذقية السنة الماضية (أرشيفية - رويترز)
تصاعد النيران جراء غارة إسرائيلية على ميناء اللاذقية السنة الماضية (أرشيفية - رويترز)
TT

تحليل: شهر دون غارات إسرائيلية على سوريا... ماذا يحدث؟

تصاعد النيران جراء غارة إسرائيلية على ميناء اللاذقية السنة الماضية (أرشيفية - رويترز)
تصاعد النيران جراء غارة إسرائيلية على ميناء اللاذقية السنة الماضية (أرشيفية - رويترز)

تغيب طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، بشكل غامض، منذ أكثر من شهر عن الأجواء السورية، على الرغم من نشاطها هناك منذ ما يقرب العقد من الزمان. وحسب تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست»، اتهمت إسرائيل بتنفيذ مئات الضربات التي استهدفت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، عشرات منها في العام الماضي وحده.
في محاولة لكبح جماح تطلعات طهران للهيمنة الإقليمية وإحباط تهريب الأسلحة المتطورة إلى «حزب الله» في لبنان من إيران، نفذت إسرائيل عدداً كبيراً من الغارات على الأراضي السورية على مدى السنوات العشر الماضية. كانت إيران أحد الحلفاء الرئيسيين للنظام السوري في الحرب التي عصفت بسوريا منذ عام 2011، وأرسلت الآلاف من مقاتلي الميليشيات والمعدات إلى الدولة التي مزقتها الحرب.
ووفقاً لوسائل الإعلام السورية، قصف سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً في جميع أنحاء سوريا، وضرب مؤخراً المطارات السورية، بما في ذلك مطار حلب الدولي ومطار دمشق الدولي.
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الأجنبية، في سبتمبر (أيلول)، تعرض كلا المطارين للقصف بشكل متكرر في أقل من أسبوعين - ورد أنه قصف طائرات إيرانية يُعتقد أنها كانت تحمل شحنات أسلحة متجهة إلى «حزب الله». منذ الضربة التي استهدفت مطار دمشق الدولي في 17 سبتمبر وأسفرت عن مقتل خمسة جنود سوريين، لم ترد أنباء عن غارات إسرائيلية جديدة.
التوترات خارج الشرق الأوسط
يأتي «الانكفاء» الإسرائيلي في سوريا مع استمرار التوترات في التصاعد بين تل أبيب وموسكو. قال الجيش الإسرائيلي، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إنه يدرس كلا اللاعبين (روسيا وأوكرانيا)، من أجل تعلم الدروس التي يمكن أن تتعلق بعملياته وقوته البشرية. وعلى الرغم من أن روسيا حققت نجاحاً كبيراً في سوريا، حيث تمكنت من إبقاء بشار الأسد في السلطة من خلال القصف المكثف على المدنيين، فإن موسكو لم تنجح حتى اليوم في حربها بأوكرانيا.
تتعرض روسيا لانتكاسات في أوكرانيا التي تدعمها الدول الغربية بالأموال والأسلحة. نتيجة لذلك، لجأت موسكو إلى إيران لتزويدها بطائرات من دون طيار مثل «شاهد 131» و«شاهد 136» بالإضافة إلى صواريخ باليستية محتملة.
بعد استخدام روسيا للطائرات من دون طيار لاستهداف البنية التحتية المدنية، تعرضت إسرائيل لضغوط من أوكرانيا لتزويدها بأنظمة أسلحة أو أنظمة دفاع جوي. ومع ذلك، تواصل إسرائيل رفض تزويد كييف بهذه الأنظمة، خشية أن تؤثر على علاقتها بموسكو.
يمتلك الجيشان آلية لتفادي ومنع الاحتكاك غير الضروري أثناء عمليات سلاح الجو الإسرائيلي. وبينما قال ضباط الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي مؤخراً لصحيفة «جيروزاليم بوست» إن آلية تفادي الاحتكاك بين البلدين مستمرة، تساءلوا: «هل من الممكن أن تكون إسرائيل قد لاحظت تغييراً في الطريقة الروسية لنشر قواتها ودفاعاتها الجوية في سوريا؟».
في أواخر أغسطس (آب)، نقلت روسيا بهدوء إحدى بطارياتها للدفاع الصاروخي من طراز «S - 300» من المصيف - وهي منطقة سورية ضربها سلاح الجو الإسرائيلي بشكل متكرر - إلى ميناء روسي بالقرب من شبه جزيرة القرم، من المحتمل أن تساعد في حربها المستمرة في أوكرانيا.
وبينما يندر تعليق الجيش الإسرائيلي على الضربات التي يشنها، شدد مسؤولون أمنيون على أنها ستستمر طالما كان ذلك ضرورياً.
في أواخر سبتمبر، بعد أيام من الغارات الجوية على المطارين، انفجر مخزنان من الذخيرة والأسلحة تابعان لميليشيات إيرانية في قرية بمحافظة حمص شرقي سوريا. لم يسفر الانفجار عن سقوط ضحايا ولا يزال سبب ذلك غير واضح.
استخدمت إيران طرقاً مختلفة لجلب منصاتها إلى سوريا - براً وجواً وبحراً. إسرائيل، بدورها، استخدمت وسائل مختلفة لتدمير تلك المنصات.
في حين أن الضربات الجوية تترك بصمات كبيرة، تنفذ إسرائيل أيضاً أنواعاً أخرى مختلفة من العمليات، اعتماداً على ما تم تحديده ليكون الطريقة الأكثر فاعلية لتدمير الهدف. قد تكون إسرائيل قد واصلت حربها ضد إيران و«حزب الله» في سوريا، لكن بشكل سري.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم