مقاربة مغايرة من سياسي أوروبي لمستقبل التجربة الأميركيّة

التاريخ عند ماسيس لا ينتهي... بل بدأ للتوّ

مقاربة مغايرة من سياسي أوروبي لمستقبل التجربة الأميركيّة
TT

مقاربة مغايرة من سياسي أوروبي لمستقبل التجربة الأميركيّة

مقاربة مغايرة من سياسي أوروبي لمستقبل التجربة الأميركيّة

إذا تأمل المرء عناوين الكتب المعنيّة باستطلاع مستقبل التجربة الأميركيّة، التي صدرت خلال العقد الأخير، لا فرق أكانت نتاج فكر الاقتصاد السياسي، أو من إبداعات الروائيين، فسيجد دون شك ثيمة واحدة غالبة تجمع بينها كخيط ذهبيّ؛ هذه أمّة تتجه للانحدار.
أول المنذرين كان بروس أكيرمان في «انحطاط وسقوط الجمهوريّة الأميركيّة – 2010» الذي اعتبر أن نظام الترشيح الرئاسي القائم سينتج مزيداً من الرؤساء الشعبويين من خارج المؤسسة السياسيّة الذين سيصلون إلى المنصب التنفيذي الأهم في الولايات المتحدة من خلال حشد الرأي العام وراء أجندات متطرفة وغير واقعيّة، وأن هؤلاء سيعتمدون في إداراتهم على ولاء المقربين لا كفاءة البيروقراط، وسيعمدون إلى التلاعب بالدّستور أو إيجاد الذرائع لتجاوزه وهكذا سيسقط النظام بفساد أعلى رأسه. ومن الملاحظ أن أكيرمان كان يكتب قبل 5 سنوات كاملة من انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
ويبدو أن سياق الأحداث في الولايات المتحدة مكّن لتشاؤم أكيرمان من الغلبة على المزاج الجمعي الذي شرع يتقبل بشكل متزايد سرديّة الانحطاط المحتّم لمجمل التجربة، فأصبحت روايات ديستوبيا أميركيّة مثل «تروبيك أوف كانساس – 2017» لكريستوفر براون، و«حرب أميركيّة - 2018» لعمر العقّاد الأكثر مبيعاً؛ حيث تتحوّل الولايات المتحدة في خضمّها إلى أكبر دولة فاشلة في العالم، يحكمها رئيس فاشيّ، وتغطي سماءها درونات قاتلة، وتسيطر على شوارعها الميليشيات، وتتحول ملاعبها الرياضيّة إلى سجون ضخمة، وتندلع فيها حروب أهليّة، فيما تضطر المكسيك لحفظ أمن حدودها إلى غزو ولاية تكساس الجنوبيّة.
وإذا كان منهج أكيرمان وروائيّي الديستوبيا الجديدة وصف انحطاط أميركا من بوابة السياسة، فإن آخرين، مثل ديفيد كليون في مقالته ذائعة الصيت «الإمبراطوريّة الأميركيّة رجل القرن الحادي والعشرين المريض» (انظر دورية الفورين بوليسي عدد 2 أبريل – نيسان 2019) اعتبروا أن فشل التجربة الأميركيّة مرده دور النخب المتنفذة التي حوّلت الجمهوريّة إلى منصّة معولمة للفساد وسوقاً تتبارى فيه أطراف مشبوهة من جهات العالم الأربع على شراء الذمم والتأثير على القرارات، في الوقت الذي تحولت فيه الشركات الأميركيّة الكبرى إلى متعددة جنسيات، تتوزع عملياتها عبر الكوكب، ويديرها تنفيذيون تترابط مصالحهم وولاءاتهم مع تنفيذيين زملاء لهم من جنسيات متعددة أكثر مما يجمعهم ببقية الأميركيين. وكتب تيرلر كوين في «انحطاط وسقوط الإمبراطوريّة الأميركيّة – 2018» أنّ مقتل النظام الأميركي سيكون من بوابة الاقتصاد تحديداً؛ حيث تباطأ نمو الإنتاجيّة وتضخمت الديون الفيدراليّة ولم يعد أمام الحكومات سوى اللجوء إلى تعظيم الضرائب أو تقليل الإنفاق العام على نحو أضعف قدرة البلاد على تجديد بنيتها التحتيّة أو المحافظة على تفوقها التكنولوجيّ.
في مواجهة كلّ هذا الصخب المتشائم حول مستقبل التجربة الأميركيّة، تأتي من الجهة الأخرى للأطلسي مقاربة مغايرة تماماً من البرتغالي برونو ماسيس الذي يرفض حتميّة سقوط روما المعاصرة، ويذهب إلى حد التبشير بإرهاصات ولادة جديدة للتاريخ الأميركيّ، واستحالة انتهاء هيمنة الولايات المتحدّة حتى في ظل سقوط الغرب الأوروبي أو صعود القوى الآسيويّة (الصين والهند) أو كليهما معاً.
شغل ماسيس منصب وزير الدولة البرتغالي للشؤون الأوروبية من عام 2013 إلى عام 2015 وهو الآن زميل غير مقيم في معهد هدسون ومؤلف لعدة كتب ترصد آفاق مستقبل القوى الكبرى، لعل أهمها «فجر أورآسيا... على درب النظام العالمي الجديد – 2018»، و«الحزام والطريق... نظام عالمي صيني – 2018»، إضافة إلى كتابه الذي رشّح للقائمة الطويلة لجائزة أورويل للعام 2021، «التاريخ قد بدأ للتوّ... ولادة أميركا الجديدة» (2020).
يتعمق ماسيس في مسألة الوجود الغربي بعمومها، ويرى معالم لا تنكر لانحطاط أوروبا الغربية الضعيفة والمتحللة، لكنّه يندفع بحماسة لمواجهة الفكرة الزاعمة بأن أميركا ستحذو في الانحطاط حذو القارة القديمة الأم، إذ يعتقد أنّ الولايات المتحدة تشهد تحولاً، وقد وصلت إلى مشارف ولادة جديدة أو أنها تسير بالفعل تجاه نقطة انطلاق ستدفعها إلى الأمام، مدعياً أنه «بالنسبة لأميركا، فإن عصر بناء الأمة قد انتهى، ولقد بدأ عصر بناء العالم». نظريّة ماسيس هنا تستند إلى حقيقة عمليّة واحدة، وهي أن الولايات المتحدة بالفعل القوّة العظمى الوحيدة في العالم، فيما أوروبا تتراجع، وروسيا تفتقد للقدرة على تأسيس ثقافة متباينة مع الغرب، وتقصر الصين إلى الآن عن مقارعة الجبروت الأميركي، وإن كنت هي القوّة الوحيدة التي قد تفعل ذلك مستقبلاً بحكم منظومة قيمها القويّة التي تمنع ذوبانها في الثقافة الأميركيّة.
ماسيس يرى أن هذه الولادة الجديدة للتجربة الأميركيّة ستخلق صيغة عيش ذات خصائص ليست غربيّة بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما تكتفي باستلهام التراث الأوروبي كمكون واحد من جملة مكونات فحسب، وبعكس ما يرى المؤرخون التقليديون الذين طالما اعتبروا الولايات المتحدة جناحاً غربياً وامتداداً طبيعياً للتجربة الأوروبيّة. ولذا، وفق ماسيس فإن سقوط المشروع الغربي في نسخته الأوروبيّة لا ينسحب بالضرورة على الجانب الأميركيّ، والأخير قادر تماماً على المباعدة بنفسه عن آثار ذلك السقوط.
يستقرئ ماسيس صيغة المجتمع الليبرالي الأميركيّة التي تسمح لكثير من المذاهب المختلفة والمتناقضة بالازدهار، شريطة أن يتفقوا جميعاً في النهاية على بعض المبادئ السياسية الأساسية، بما يسمح بالحفاظ على النسيج الاجتماعي والاقتصادي في شكله القائم، لكن مع منح كل شخص حرية الخروج عن الأعراف في حياته الشخصيّة، وهي ليبرالية قد لا تتوافق كثيراً مع المزاج الأوروبي الذي يلمح هتلراً وراء كل مختلف، لكنّها كفيلة باستمرار دوران عجلة الرأسماليّة. ويرصد هنا ما يمكن تسميته بالظاهراتية السياسيّة في المجتمع حيث الجميع ينظر إلى العالم والآخرين بشكل درامي ويتعايش الجميع سياسيين ومواطنين معاً بوصف كل منهم صاحب حكاية رؤيوية سهلت من تعملقها في خيالاتهم وسائل التواصل الاجتماعيّ. ويقول ماسيس إن على الولايات المتحدة لتأبيد هيمنتها أن تضمن لكل جزء صغير من العالم إمكانيّة متابعة طريقة حياته الخاصة بذات النهج الليبرالي الأميركي دون التحوّل إلى أميركيين، وهذا يعني بالضرورة منع أي قوى كبرى من مدّ سيطرتها على مجتمعات أخرى، وبالتالي إلغاء إمكانيّة فرض منظومات قيم قد تتناقض مع الليبرالية الأميركيّة. وفي هذا السياق تبدو العمليّة الديمقراطيّة عند ماسيس أقرب إلى محاولة دوريّة للجمع بين عدة حكايا لشخصيات مختلفة في وقت واحد، وتحديد أيها يمتلك مجالاً للنمو، وأيّها يجب أن يلعب دوراً ثانوياً أو ينتقل إلى الخلفية، ما يخلق فضاء صحياً لإعادة توليد النخب وجدل الرؤى.
طَرْح ماسيس في «التاريخ قد بدأ للتوّ» طموح وشجاع، وإن رآه البعض أقرب إلى بضاعة تاجر أوهام نظريّة يروّج للنفوذ الأميركي، لا يقلّ في جموحه الفكري عن أنبياء الانحطاط على الجانب الآخر. لكن على أي حال، فإن تأملاته العميقة وطريقته في نسج صورة كبرى من تفاصيل صغرى متفرقة مثيرة للإعجاب، وما أن يدلّ قارئه على ظاهرة ما تحت السطح حتى تعلق بذهنه، ولا يعد بقادر على ألا يراها، ناهيك أن نثره قراءة ممتعة للغاية، ومثيرة للتفكير.


مقالات ذات صلة

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

ثقافة وفنون «المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يشهد استحداث ممر تكريمي للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن (وزارة الثقافة)

تجلّيات الثقافة والفكر تُزيّن معرض الرياض الدولي للكتاب

المعرض يُعدّ تظاهرة ثقافية وفكرية سنوية بارزة بالمنطقة تجسّد منذ عقود الإرث الثقافي للمملكة وترسّخ ريادتها في صناعة الثقافة وتصدير المعرفة.

عمر البدوي (الرياض)
خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام play-circle 01:52

خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

في الحلقة الأخيرة من مذكراته، يوضح رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، حقيقة الدور الفرنسي في جهود تحرير الحرم المكي الشريف من مجموعة جهيمان العتيبي.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
يوميات الشرق تبدأ فصول من المعرفة والفكر والثقافة على مدى 10 أيام من عمر المعرض (واس)

رحلة معرفية جديدة تنطلق في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

تنطلق (الخميس)، التظاهرة الثقافية الدولية للكتاب، تحت شعار «الرياض تقرأ»، التي تبدأ معها فصول من المعرفة والفكر والثقافة.

عمر البدوي (الرياض)
كتب دليل من أجل الحكم الرشيد

دليل من أجل الحكم الرشيد

أسئلة مهمة يطرحها هذا الكتاب بشأن السمات والمهارات وطرائق التفكير التي تصنع القائد الناجح، ويقترح عليهم مؤلفه من وحي خبرته الشخصيّة أموراً ينبغي للقادة فعلها - أو تجنُّب القيام بها - للحصول على صيت خالد في التاريخ.

ندى حطيط (لندن)

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

اختلافات جوهرية في سياسات ترمب وهاريس الخارجية

هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)
هاريس وزيلينسكي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

شهدت نيويورك، هذا الأسبوع، اجتماعات مكثفة لقمة المستقبل تحت سقف الأمم المتحدة، شارك فيها زعماء العالم، وألقى خلالها الرئيس الأميركي جو بايدن خطابه الأخير أمام الجمعية العامة قبل مغادرته منصبه وتسليم الشعلة إما لكامالا هاريس أو لخصمها دونالد ترمب.

في هذه الأثناء، لم يجلس هاريس وترمب ساكنين بانتظار نتيجة الانتخابات، فوجود قادة العالم على الأراضي الأميركية فرصة ذهبية لإثبات أهليتهما على صعيد السياسة الخارجية. وعقدا اجتماعات دلّت بشكل من الأشكال على أولوية كل منهما في ساحة الصراعات الدولية، التي لا تخلو من تحديات متزايدة، بدءاً من أوكرانيا مروراً بالمنافسة مع الصين، وصولاً إلى التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، نقاط الاختلاف بين المرشحين في هذه الملفات المعقدة، بالإضافة إلى مدى اهتمام الناخب الأميركي بالسياسة الخارجية.

التصعيد في الشرق الأوسط

بايدن في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض في 26 سبتمبر 2024 (أ.ب)

يُخيّم شبح التصعيد في المنطقة على الانتخابات الأميركية. ويقول جيمس جيفري، السفير السابق إلى العراق وسوريا والمبعوث الخاص السابق للتحالف الدولي لهزيمة «داعش»، إن المرشحين يركزان لدى تطرقهما إلى هذا الملف على السياسة الأميركية تجاه إيران. ويشير جيفري إلى أنه سيكون على المرشحين التعامل مع هذا الواقع في المنطقة، مضيفاً: «إن الفارق الرئيسي بينهما هو أن ترمب سيكون مصراً جداً على فرض العقوبات، بينما ستتبع هاريس سياسة بايدن، وربما موقف أوباما، لمحاولة التوصل إلى اتفاق من أجل مشاركة المنطقة مع إيران».

وتعدُّ لورا كيلي، مراسلة صحيفة «ذي هيل» للشؤون الخارجية، أن إيران تُشكّل قضية أساسية في حملتي كل من ترمب وهاريس، مشيرةً إلى أن ترمب يقدم نفسه على أنه «الرجل القوي» الذي يستطيع مواجهة إيران إن وصل إلى البيت الأبيض ويرغمها على القيام بما يريد وبالتراجع، بينما ستحرص هاريس على إكمال ما بدأت به إدارة بايدن، وهو محاولة التنسيق بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط، مضيفة: «لكن كما نرى حالياً، ما يجري على أرض الواقع يتغلب على كافة الجهود الدبلوماسية».

ترمب يتحدث مع الصحافيين في نيويورك في 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويوافق روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في سوريا والجزائر، على أن سياسة هاريس ستكون «استكمالاً لسياسة بايدن في الشرق الأوسط، على الأقل في البداية»، مضيفاً: «إنها لا تملك خبرة واسعة في العمل على قضايا المنطقة، ولا تعرف القادة كما كان يعرفهم بايدن، وبصراحة أعتقد أن اهتماماتها تصب أكثر على القضايا المحلية والصين وحتى روسيا». واستبعد فورد أن تتخذ هاريس أي مبادرات رئيسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط. وفيما يتعلق بترمب، ذكّر فورد بأنه من الصعب توقّع مواقف الرئيس السابق في القضايا الدولية، مضيفاً: «لقد صرح مرتين خلال حملته هذا الشهر بأنه قد ينظر في رفع العقوبات عن طهران، ليس بسبب طريقة تصرّف هذه الأخيرة تحديداً، لكن لأنه قلق حول انتشار استخدام العملة الصينية في الأسواق العالمية».

ويوافق جيفري الذي عمل في إدارة ترمب على أنه من الصعب التكهن بمواقف الرئيس السابق، مُذكّراً بإعلانه مرتين عن نيته سحب القوات الأميركية من سوريا، وتراجعه عن ذلك، لكنه شدد على أهمية الفريق المحيط بالرئيس، عادّاً أن ترمب كان لديه فريق متميز في السياسة الخارجية. وأضاف: «عندما يكون لديك فريق عمل كهذا، من الأرجح أن نرى سلوكاً يسهل التنبؤ به في إطار رؤية دونالد ترمب للعالم».

وهنا عقّبت كيلي على تصرفات ترمب التي لا يمكن توقعها في بعض الأحيان، مشيرةً إلى تصريح أدلى به مؤخراً قال فيه إن إيران «ترغب بأن تكون طرفاً في اتفاقات إبراهام»، مضيفة: «لقد ألقى هذا التصريح ضوءاً مثيراً للاهتمام على طريقة تفكيره وشعوره حول كيفية تغيير الأوضاع في الشرق الأوسط». لكن كيلي أشارت في الوقت نفسه إلى أنه في حال وصول ترمب إلى البيت الأبيض، فإن عدداً كبيراً من مستشاريه السابقين لن يكونوا معه بسبب توتر العلاقات بينهم، أما بالنسبة لهاريس فثمّة توقعات بأن يتسلم مدير الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ويليام بيرنز منصب وزير الخارجية، على حد قولها.

«الضغط» على نتنياهو

تتزايد الدعوات لإدارة بايدن بوقف الأسلحة لاسرائيل (أ.ب)

وفيما تواجه إدارة بايدن انتقادات حول تعاطيها مع ملفات المنطقة، وفشلها في وقف التصعيد في غزة ولبنان، يعدُّ فورد أن سياسة بايدن تجاه إسرائيل هي انعكاس لآراء الرئيس «الذي يتمتع بتاريخ طويل مع منطقة الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن القرارات المتعلقة بهذا الملف مرتبطة باعتقاداته.

وتحدث فورد عن التوتر في العلاقة بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فأشار إلى فارق أساسي في مقاربة الطرفين، قائلاً: «يبدو أن نتنياهو يؤمن بوجود حل أمني لمشكلة غزة، وللمشاكل في لبنان، ويعتقد أنه لا يجب أن يكون هناك وجود للدولة الفلسطينية، وأنه على إسرائيل أن تحكم هذه الأراضي إلى الأبد، وأن الفلسطينيين في هذه الأراضي لن يكون لهم الحق بتقرير مصيرهم. إنها ببساطة رؤية يملكها رئيس وزراء إسرائيل مع قسم كبير من حكومته، إن لم يكن معظمهم. إذن هذا هو الفارق الرئيسي مع العديد من الديمقراطيين، لكن هناك أيضاً جمهوريين يدعمون حل الدولتين، من حيث المبدأ على الأقل. وطالما هناك هذا الفارق بين الأميركيين الذين يدعمون حل الدولتين والحكومة الإسرائيلية المحافظة، دائماً ما سيكون هناك احتكاك في ما يتعلق بالاستراتيجيات والسياسات».

ويرجح فورد أن نتنياهو «يفضل عودة ترمب إلى البيت الأبيض»، لكن رغم ذلك «فهو مضطر إلى التعاون مع إدارة بايدن لقرابة الأربعة أشهر المتبقية في ولايته».

ترمب يتحدث أمام المجلس الأميركي الإسرائيلي في 19 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويواجه بايدن دعوات من أعضاء حزبه التقدميين لفرض قيود على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، واستعمالها ورقة ضغط على نتنياهو، وهو ما رفضه بايدن ونائبته هاريس. وهنا، تقول كيلي إنه من غير المؤكد أن حجب الولايات المتحدة للأسلحة عن إسرائيل سوف يؤدي إلى دفع نتنياهو لاتخاذ قرارات تتماشى أكثر مع إدارة بايدن، مضيفة: «لكن إن نظرنا إلى إدارة ترمب، فهو قد يعطي المجال لنتنياهو لإطلاق العنان للقوة العسكرية على نطاق واسع دون أي قيود قد تفرضها إدارة بايدن».

أوكرانيا

زيلينسكي مع زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر (يمين)، وزعيم الأقلية ميتش ماكونيل (أ.ف.ب)

تحتل أوكرانيا مساحةً كبيرةً من النقاش في الموسم الانتخابي، وقد سلّطت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي للولايات المتحدة الضوء على التجاذبات الداخلية الحادة المحيطة بالملف. ففيما اجتمع الزعيم الأوكراني بهاريس ومن المتوقع أن يلتقي ترمب، فإن مواقف كل منهما مختلفة فيما يتعلق بحل الصراع هناك.

وبينما يعرب جيفري عن تفاؤله في قضية أوكرانيا، مشيراً إلى أن روسيا لم تحقق الفوز «فهي متوترة وتحارب دولة أصغر منها»، على حد تعبيره، تشير كيلي إلى أن السباق الانتخابي الحالي يعكس «أوقاتاً عصيبةً جداً لأوكرانيا»، مشيرة إلى الجدل الذي ولدته زيارة زيلينكسي إلى بنسلفانيا لدى الجمهوريين الذين اتهموا الرئيس الأوكراني بمحاولة التدخل في الانتخابات الأميركية من خلال زيارته لولاية متأرجحة. وقالت كيلي إن هذه الخطوة ساهمت في «تغذية التعصب الحزبي المتزايد بشأن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا»، مشيرةً إلى أن زيلينكسي «تلقى أبرد استقبال على الإطلاق في الكونغرس خلال زيارته إلى واشنطن».

الناخب الأميركي والسياسة الخارجية

هاريس في حدث انتخابي في ويسكونسن في 20 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

رغم القضايا الخارجية العالقة والتوترات المتزايدة، فإن الناخب الأميركي لا يركز عادة على السياسة الخارجية لدى توجهه إلى صناديق الاقتراع. وهذا ما تحدث عنه فورد قائلاً: «عندما فكر كيف تنظر أميركا إلى العالم وهي على مشارف الانتخابات، أعتقد أن السؤال الأكبر هو ما مقدار الاهتمام الذي يريد الشعب الأميركي أن توليه واشنطن للسياسة الخارجية مقارنة بالقضايا الداخلية؟ وبرأيي هذه الانتخابات في 2024 تتمحور بشكل أساسي حول القضايا المحلية مثل الاقتصاد والهجرة، وهذا التفضيل الشعبي سيؤثر على الوقت الذي يمضيه إما الرئيس ترمب أو الرئيسة هاريس على السياسة الخارجية».

أما جيفري فلديه مقاربة مختلفة، ويقول «إن الأميركيين يتجاهلون السياسة الخارجية حتى تأتي هذه الأخيرة وتهز كيانهم». وأعطى مثالاً على ذلك في هجمات سبتمبر التي «جرّت أميركا إلى حرب كبيرة أدت إلى سقوط عدد هائل من الضحايا في العراق و أفغانستان». وأضاف جيفري: «في الواقع رغم التجاذبات التي نتحدث عنها لدينا سياسة حول العالم من خلال حلفائنا ومعهم، تسعى للحفاظ على هدوء العالم». ويحذر قائلاً: «إن تزعزع الأمن في العالم، يحدث أمران: أولاً التجارة والعولمة واستخدام الدولار الأميركي وغيرها من الفوائد التي يستفيد منها الأميركيون ستختفي. ثانياً وهي النقطة الأهم هناك 20 أو 30 دولة، إن لم تستطع الاعتماد على الولايات المتحدة في الحالات الطارئة، فهي ستجد بديلاً نووياً مما سيؤدي إلى عالم مسلح نووياً سينعكس سلباً على السلام العالمي وعلى فرص نجاة الولايات المتحدة».