«عين اللبخة»... وجهة سياحية خام في الوادي الجديد بمصر

تأخذك للماضي البعيد وتروي أسطورة نجل الملك مينا

جمال الطبيعة
جمال الطبيعة
TT

«عين اللبخة»... وجهة سياحية خام في الوادي الجديد بمصر

جمال الطبيعة
جمال الطبيعة

وجهة سياحية «خام»... ربما يكون الوصف الأقرب لمنطقة «عين اللخمة» الواقعة في الوادي الجديد بمصر، على مسافة 43 كم شمالاً من واحة الخارجة داخل الصحراء الغربية، فلم تطأها سوى أقدام قليلة حتى الآن، رغم ما تتمتع به من مناظر طبيعية وهدوء وإمكانيات استشفائية تجعل منها مقصداً ممتازاً للاسترخاء بعيداً عن الضوضاء وصخب المدن، إلى جانب ما تثيره من شغف زائريها سعياً وراء معرفة تفاصيل الأسطورة المشوقة التي اشتهرت بها وتداولها أهلها على مر العصور.
حين تزور «عين اللبخة» تأخذك إلى تاريخ قديم يعود إلى آلاف السنين، فتشعر أنك تتنزه عبر محطات زمنية لمسافات طويلة ما بين مجموعة متنوعة من أعرق الأماكن وأجمل المشاهد الساحرة لا سيما وقت الغروب، لكن ربما أكثر ما يستوقفك هو منظر المياه المتدفقة ذاتياً على مدى نحو 4000 سنة، ولا تحاول أن تسأل هناك عن مصدرها لأن أحدا لن يجيبك سوى بمقولة: «لا أحد يعرف!».
لكن في الوقت نفسه ستستمتع بحكاية يتناقلها الناس هناك وهي أن الملك المصري مينا حين أراد أن يخطب لنجله اختار له ابنة ملك الواحات، فطلب منه الأخير أن يقوم بتوصيل المياه من الواحات الخارجة لتلك المنطقة كمهر لابنته، وبالفعل جرى تنفيذ 16 منوراً صخرياً تحمل المياه من باطن الأرض إلى سكان المنطقة، من خلال فتحات مكشوفة، ومنذ ذلك اليوم لا يزال هناك بئر توجد بها مياه حتى الآن وهو نبع قديم، يحاط بأشجار النخيل والأكاسيا والتمر، وكانت المناور توفر المياه للقلعة والمستوطنة، واللافت وفق خبراء الآثار أن حجم البئر الجوفية كان يشير إلى أن مجتمعا كبيرا كان يعيش في هذا المكان.


واحة للاستشفاء بالمياه الكبريتية

يقول المهندس والرحالة ياسر الرسول لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة بمثابة متحف أثري مفتوح في قلب صحراء الوادي الجديد ومكان مثالي للاستجمام النفسي والجسدي، حيث يمتلك إطلالات بانورامية تضفي الصفاء الذهني في قلب ناظريها، إذ إنها عبارة عن سهل منخفض تحيط به من الجهات الشمالية والغربية مجموعة من السلاسل الجبلية والمرتفعات».
ويتابع: «في هذا المكان الساحر أقام الرومان مدينة كاملة، ضمت معبدين الشمالي والجنوبي، وقلعة للحراسة وبها أيضاً جبانة مزخرفة للموتى ومساكن أثرية ومقصورة أحد الأثرياء من العصر الروماني، ومما يمنح المكان الذي يعود إلى ما بين القرنين الثاني والخامس الميلادي مكانة خاصة إنه كان يقع على طريق درب الأربعين الذي كان في السابق خط الربط بين مصر والسودان ودول غرب أفريقيا».
ويلفت «أهم ما تشعر به عند زيارتها هو حضور الماضي بقوة فيها وكأنك تستشعر روح الإنسان الذي عاش فيها قديماً، وتعيش معه حياته اليومية وطقوسه، لا سيما إذا استكملت زيارتك لها بالتوجه إلى متحف الوادي الجديد القريب منها».
عندما تزور المعبد الشمالي تجد على أرضه بقايا مادة سوداء وهي بقايا الزيوت التي كانت تسكب كجزء من الطقوس المقدسة، وتشعر بالهيبة أمام مبناه، لأنه مشيد على ربوة عالية من الحجر الرملي ترتفع حوالي 500م تقريباً، وعلى القرب منه أطلال مبان أخرى تبدأ من الأرض المسطحة وتتجه ناحية الغرب في بطن الجبل، وكأنها تقودك للسير واستكشاف المزيد عن المكان، لكن ينبغي أن يكون ذلك في وجود دليل يعرف أسرار المكان وطريقك في الصحراء.
وحين تنزل إلى بئر المياه الكبريتية الساخنة التي تتدفق من باطن الأرض يمكنك أن تفعل مثل أهل المنطقة في الماضي لإزالة آلام العظام والروماتيزم والروماتويد بعد الجلوس لساعات متقطعة داخل البئر الاستشفائية، بينما تستمتع بروعة اللون الأخضر للأشجار والنخيل والخضراوات حول البئر التي تحولت إلى قبلة للسياح.
مشاهدة ما تبقى من المناور يجعلك تعيش مع المزارع المصري في هذه الحقبة الزمنية وتتعرف على كيف عرفت المنطقة العمار والزراعة في وقت مبكر من التاريخ، فالكلمة التي تشير إلى النور كانت بمثابة دليل إرشادي للفلاح لكي يرى حركة المياه في القنوات الموجودة أسفل الأرض، ومن ثم يتمكن من متابعتها وإزالة أي مشكلات تواجهها، كحدوث انسدادات لتطهيرها، إضافة إلى سهولة السيطرة عليها من حيث الكمية المستخدمة وموعد الفتح والإغلاق.


هنا يقبع الماضي

وإذا أراد السائح التعرف على طراز المعمار وجانب من فنون أهل المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 150 فداناً فيمكنه زيارة «مقصورة بيريس» وهو أحد النبلاء المحليين في المنطقة، الذي تم تأليهه، وهناك خرجت تفاصيل معمارية رائعة من قباب وحوائط مزخرفة إلى جانب قطع أثرية مثل تمثال المعبود حورس الصقر والأواني الفخارية ومسارج ومباخر وقطع معدنية، لكنك ستجد نفسك في حاجة إلى استكمال التعمق في هذا المجال عبر زيارة متحف آثار الوادي الجديد بمدينة الخارجة لأنه يحتفظ بمقتنيات المقصورة وغيرها من آثار وحفائر عين اللبخة.
ويفسر ياسر الرسول، مؤسس المنصة الإلكترونية «المستكشف المصري» إطلاق هذا الاسم على المكان «عين اللبخة» لوجود عيون مياه طبيعية بالمنطقة كانت مستخدمة في الزراعة، وأشهر تلك العيون العين القريبة من المعبد الجنوبي، أما المقطع الثاني من الاسم فهو نسبة إلى أشجار اللبخ المنتشرة بها وهي أشجار متعددة الفوائد الطبية والتجميلية.
ورغم الطابع الصحراوي للوادي فإنك تستطيع ببساطة أن تستمتع بإقامة في مكان مُرضٍ لك بالقرب منه، ففي الوادي الجديد وفي الخارجة تحديداً بالقرب من «عين اللبخة» توجد العديد من الفنادق مصممة كنموذج يحاكي البيئة الطبيعية ومعظم محتوياتها الإنشائية من الخامات البيئية، وسيمثل لك قاعدة تنطلق منها للمغامرة ونحو جميع عجائب الصحراء الغربية الأخرى مثل معبد هيبس الذي يقع خارج مركز الخارجة مباشرة، وجبانة البجوات وقصور الناضورة وقصر مصطفى الكاشف ومعبد الغويطة ومعبد دوش بباريس ومعبد قصر الزيان.
بعض تلك الفنادق يبعد 10 دقائق فقط عن مطار الخارجة، وثلاث ساعات عن الأقصر، وسبع ساعات عن القاهرة.
نصيحة أخيرة الآن قد تكون «عين اللبخة» هي مقصد سياحي مناسب مع بداية الخريف واقتراب الشتاء.


مقالات ذات صلة

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

الاقتصاد صورة لوزيرة السياحة البحرينية فاطمة الصيرفي مع مسؤولي برنامج الربط الجوي السعودي خلال مؤتمر مسارات العالم (الشرق الأوسط) play-circle 00:46

السعودية تستقطب شركات طيران وتفتح مسارات جديدة في 2024

تحدّث الرئيس التنفيذي لبرنامج الربط الجوي السعودي، ماجد خان، لـ«الشرق الأوسط»، عن نجاح البرنامج، هذا العام، في جذب 12 شركة طيران.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق الرياض تستضيف أكبر الفعاليات الترفيهية الشتوية في العالم (الشرق الأوسط)

1000 فعالية سياحية يشهدها «شتاء السعودية» لخَلْق تجارب لا تُنسى

تتيح منصة «روح السعودية» للسياح والزوار الراغبين في معلومات إضافية عن برنامج هذا العام، الاطّلاع على العروض والباقات والخصومات الخاصة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة نافورة بحيرة لومان الاشهر في المدينة (شاترستوك)

جنيف... أناقة بالخط العريض

هل تعلم بأن أكثر من %40 من سكان مدينة جنيف هم من غير السويسريين؟ والسبب هو أن هذه المدينة تضم العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

جوسلين إيليا (جنيف)
سفر وسياحة مشهد الغروب يؤكد استثنائية التجربة البصرية (حساب «C-Lounge» في «فيسبوك»)

مغيب الشمس من سطوح بيروت... استثنائية التجربة البصرية

تحلو الجلسة المُطلَّة على مشهد يُبهج النفس ويهدِّئ همَّ الأيام. في بيروت، تتعدَّد الأماكن المشرفة على العاصمة ببحرها ومبانيها وأفقها البعيد حيث تتوارى الشمس

فاطمة عبد الله (بيروت)
الاقتصاد يقوم عدد من مقدمي طلبات التأشيرات في مركز التأشيرات بالرياض بإكمال إجراءات طلباتهم (الشرق الأوسط)

نمو طلبات تأشيرات «شنغن» في السعودية بنسبة 23 % هذا العام

كشفت شركة «في إف إس غلوبال» عن أن الطلب على تأشيرات «شنغن» في السعودية شهد نمواً ملحوظاً بنسبة 23 في المائة هذا العام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)

الوضع الراهن في لبنان ينعش السياحة الداخلية في قراه وجباله

جسر اللبن (فيسبوك)
جسر اللبن (فيسبوك)
TT

الوضع الراهن في لبنان ينعش السياحة الداخلية في قراه وجباله

جسر اللبن (فيسبوك)
جسر اللبن (فيسبوك)

في ظلّ الأوضاع غير المستقرة في لبنان، وبعد ارتفاع أسعار رحلات السفر بشكل ملحوظ، قرر اللبنانيون التركيز على السياحة الداخلية. واختارت غالبيتهم مناطق جبلية تنعم بالهدوء والطقس البارد. فالحرارة المرتفعة على الساحل شكّلت بدورها سبباً رئيسياً للهروب من العاصمة وضواحيها. كما رأت معظم العائلات اللبنانية بتوجهها نحو مناطق بعيدة عن العاصمة خير ملاذ لأولادهم. فهناك لا أصوات جدار صوت تخيفهم، ولا قلق من التجول ليلاً. فشوارع المدينة تغرق في العتمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. هؤلاء حزموا أمتعتهم واستقلوا سياراتهم وتوجهوا نحو الجبال.

جسر اللبن (فيسبوك)

وشكّلت مناطق عدة كفاريا وفقرا وإهدن ودوما وريفون ومزيارة وبسكنتا وغيرها الوجهات الأكثر استقطاباً. وهي مناطق تشهد نشاطات فنية وثقافية، تنظم فيها المهرجانات الغنائية والوجبات القروية. كما تشهد حركة رياضية من خلال تخصيصها مسارات لممارسة هواية المشي (هايكنغ).

وفي هذا الصدد اختارت «الشرق الأوسط» وجهتين جبليتين لإلقاء الضوء عليهما.

طائرة مزيارة الشهيرة (فيسبوك)

مزيارة بلدة الأحلام

تعدّ من القرى اللبنانية التي تنعم بمناظر طبيعية رائعة وتاريخ يعبق بالعمران والمزارات. ويعدّ مزار «أم المراحم» الأشهر فيها، وقد بناه أحد أبنائها المغتربين في عام 1992. هجرة أبنائها باكراً إلى القارة الأفريقية، أسهمت في إعدادها قرية نموذجية، فبنوا فيها القصور والبيوت الفخمة ليبقوا على علاقة مع جذورهم. وتتمتع هذه القرية بنهضة عمرانية تلفّها الغرابة. فبعض منازلها يأخذ شكل طائرة أو معبد يوناني أو هرم مصري أو مستوحى من قلعة بعلبك. ويلقبها أهلها بتحفة فنية تقع في عمق منطقة الشمال القريبة من بلدة إهدن.

في عام 1991 قرر أحد أبنائها المهاجرين بناء منزله ليكون على شكل طائرة من طراز «إيرباص». فحطت بالفعل على أرض القرية كنسخة طبق الأصل عنها، ولتصبح منزلاً يتألف من طوابق ثلاثة. وهي موجودة على تلة تطل على سهول عكار والكورة وطرابلس وزغرت، يقصدها زوار مزيارة لالتقاط صورة تذكارية بقربها.

تعرف مزيارة بأحراجها الكثيفة وبينها «غابة السنديان» الأكبر من نوعها في لبنان، وفيها الأودية والجبال والأنهر والطواحين، وتنظم فيها رحلات السير على الأقدام تستقطب زوارها من كبار وصغار.

يفيد ما ظهر من بقايا أثرية في محيط بلدة مزيارة، أن المنطقة شهدت أنشطة لشعوب قديمة قبل تاريخ نشوء البلدة الحالي. وهي عبارة عن نواويس وأبنية تعود إلى العهود السامية القديمة. وفي منطقة السواقي بقايا أثرية مماثلة، تريك بأن شعوباً آرامية وفينيقية وكنعانية أقامت فيها.

إضافة إلى فندقها وسط البلدة، تحتوي مزيارة على عدد من المطاعم، بينها ما يقدم المأكولات الأجنبية والمازة اللبنانية، وبيوت الضيافة تقدّم لزائرها أطباق مزيارة الشهيرة، ومن بينها «المعكرونة بالتوم» و«القريصة» و«الكشاكل» و«مجدرة اللوبياء». طبق تتمسك ربات المنزل في مزيارة بإعداده بشكل دائم، وتعتبرنه من تراث قريتهن التي ورثنها عن الأجداد.

منطقة كفرذبيان الجبلية (فيسبوك)

فقرا -كفرذبيان سحر الطبيعة وعبق التاريخ

تعدّ منطقة فقرا كفرذبيان وجهة سياحية محببة عند اللبنانيين. وتشهد في فصل الصيف كما في الشتاء حركة ناشطة، وتتلون بمهرجانات فنية ورياضية ومعارض يدوية وأسواق بيع للمونة اللبنانية. مؤخراً شهدت فقرا كفرذبيان والبلدات المحيطة بها زحفاً بشرياً هائلاً من قبل اللبنانيين. فموقعها الجغرافي على بعد 45 كيلومتراً عن العاصمة يجعلها وجهة من السهل الوصول إليها في قضاء كسروان. وإذا ما قصدها الناس خلال عطلة الأسبوع، لا بد يعلقون في زحمة سير خانقة. وفي ظل الأوضاع الراهنة في لبنان أصبحت تشكل عنواناً رئيسياً للابتعاد عن حالة التوتر في المدينة.

مدخل أم المراحم التي تحولت إلى معلم سياحي (فيسبوك)

تعد فقرا - كفرذبيان مادة دسمة تتناولها عروض الـ«ستاند أب كوميدي» في لبنان. وعادة ما يعلّق الفنانون على أسلوب العيش الراقي فيها من قبل الأثرياء. فهي مركز إقامة معروف للمشاهير من فنانين وسياسيين. وتعدّ من البلدات اللبنانية التي تسكنها الحركة في الليل والنهار، وتزخر بنشاطات رياضية وفنية، وتعدّ مركز تسلية وترفيه لجميع أفراد العائلة. وتضم كفرذبيان أقدم وأكبر منتجعات التزلج في لبنان والشرق الأوسط، مثل مزار وفقرا كفرذبيان، بالإضافة إلى العديد من المواقع التاريخية والسياحية، مثل قلعة فقرا. وفي أغسطس (آب) من عام 2023، وقّعت كفرذبيان مع بلدية تولوز الفرنسية اتفاقية تعاون لتبادل الخدمات السياحية بين الطرفين.

وفي عام 2024 أعلنت كفرذبيان عاصمة السياحة العربية الشتوية. فإلى جانب رياضة التزلج التقليدية على الجبال، يمكن للزائرين ممارسة رياضة التزلج على الجليد والتزلج الليلي. وفي الصيف يمكن زيارة قلعة فقرا الأثرية وعروض الأزياء ومعارض رسم ونحت، كما تشهد مهرجاناتها الدولية إقبالاً من مختلف المناطق اللبنانية. وكان قد أحيا ليالي فقرا هذا الصيف نجوم عدة بينهم راغب علامة وزياد البرجي.

وعدا كونها مقصداً للتزلج والاستجمام، فهي تشتهر أيضاً بما تحتضنه من آثار رومانية، إذ إن الرومان حطوا فيها منذ نحو ألفي سنة، وتركوا معبداً واحداً يعتبر من أكثر معابدهم ارتفاعاً عن سطح البحر. يقع المعبد على ضفاف نهرين يتدفقان من نبعي العسل واللبن، وتحيط بهما المطاعم والمقاهي التي يقصدها اللبنانيون من كل حدب وصوب، فينسابان بين فاريا وفقرا تحت جسر نحتته الطبيعة، يعرف بـ«جسر الحجر» ويبلغ ارتفاعه 38 متراً فوق سطح النهر.

ومن أشهر المطاعم في فقرا «مونتانيو» و«شي ميشال» و«تير برون» وغيرها من المحلات والمقاهي التي تقدم أطباقاً لبنانية وأجنبية.