الجيش السوداني يتهم «الحركة الشعبية» بخرق وقف النار

مجموعة محلية تتهم قوات «الدعم السريع» بالضلوع في أحداث «لقاوة»

الجيش السوداني (أرشيفية)
الجيش السوداني (أرشيفية)
TT

الجيش السوداني يتهم «الحركة الشعبية» بخرق وقف النار

الجيش السوداني (أرشيفية)
الجيش السوداني (أرشيفية)

اتهم الجيش السوداني، الأربعاء، «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة عبد العزيز الحلو، بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وقصف مدينة «لقاوة» في جنوب كردفان بقذائف «الهاون»، ما أدى إلى إصابة اثنين من قوات «الدعم السريع». وقال إنه صد هجوماً «شنه جيش الحركة على مواقعه وأجبره على الانسحاب».
وهذه أحدث تداعيات العنف القبلي التي تشهدها الولاية منذ أيام بين مكوني «مسيرية» و«نوبة»، والتي أسفرت عن مقتل نحو عشرين شخصاً وإصابة عدد مماثل بجروح، مع تسجيل حركة نزوح كثيفة نتيجة المعارك.
وعلى الجانب الآخر، اتهمت مجموعة محلية، «قوات الدعم السريع» بالتدخل لصالح أحد مكونات الصراع الدائر هناك، وطالبت «بسحبها من المنطقة».
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد الركن نبيل عبد الله في نشرة صحافية: «إن الحركة الشعبية قصفت أحياء: غزاية، ومساليت والسوق، في مدينة لقاوة بقذائف هاون، من قواعدها في منطقة جبل طرين التي تسيطر عليها، وأصابت عنصرين من عناصره».
ووفقاً لبيان العميد عبد الله، فإن الجيش دحر قوة بحجم «سرية مشاة» تابعة للحركة، وأجبرها على الانسحاب. وهو ما يعدّ خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ويجدد باستمرار.
وتسيطر «الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال» بقيادة الحلو على منطقة كاودا الحصينة في ولاية جنوب كردفان، وتعتبرها منطقة «محررة»، وهي تتكون من مقاتلين من شمال البلاد انحازوا إلى الجنوب أثناء الحرب الأهلية.
وحذر الجيش السوداني، الحركة الشعبية من «عواقب خرق وقف إطلاق النار»، واستغلال النزاعات بين المواطنين لتحقيق أجندات «لا تخدم التعايش السلمي... ولا تتسق مع دعوات الانخراط في العملية السلمية».
وقال العميد عبد الله، إن السلطات المحلية «قادرة على التعامل بما يكفل المحافظة على حقوق الجميع بلا تحيز لفئة محددة من مكونات الشعب السوداني»، وأكد التزام «حماية المواطنين، والتصدي لأي محاولة من الحركة الشعبية لخلط الأوراق والتدخل لصالح طرف من الأطراف».
من جهته، وصف «مجلس عموم النوبة» ما يحدث في جنوب كردفان، بأنه صراع قبلي بين مكوني «نوبة» و«مسيرية»، تدخلت قوات «الدعم السريع» لصالح أحدهما. وطالب بسحبها من الولاية ومنطقة «جبال النوبة»، واتهمها بعدم الحياد، ودعا أبناءه في القوات المسلحة للالتحاق بأهلهم للدفاع عنهم.
وقال متحدث باسم التجمع، شمسون خميس كافي، في مؤتمر صحافي بالخرطوم الأربعاء، إن ما تشهده «لقاوة» هو استمرار لما أسماه «الاستهداف الأزلي لمكون النوبة». كما اعتبر رئيس «مجلس عموم النوبة» عبد القادر النور، «أن الهدف من عمليات القتل هو تهجير أهله والاستيلاء على أرضهم».
ووجه النور اتهاماً صريحاً لقوات «الدعم السريع بالاشتراك في العمليات لصالح مكون المسيرية، ولحكومة الولاية والحكومة المركزية، بعدم الحياد في النزاع». وقال: «قوات الدعم السريع تدخلت كطرف، ثم أطلقت النيران باتجاه المناطق التي تسيطر عليها الحركة، وإن الأخيرة اضطرت للرد عليها».
وطالب النور بتشكيل قوات محايدة، وقال: «حكومة ولاية غرب كردفان والسلطات المحلية لم تتحرك للدفاع عن المدنيين، ونتج عن ذلك نزوح معظم سكان المدينة من مساكنهم والاحتماء بالجيش، فيما فر آخرون إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية طلباً للحماية».
وبحسب النور، فإن «القوات المهاجمة التابعة للمسيرية أحرقت عدداً من أحياء المدينة، ونهبت ممتلكات المواطنين ومتاجرهم التي تركوها بعد نزوحهم». ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وإبعاد قوات الدعم السريع من المنطقة، وقال: «على الجيش تحمل مسؤوليته تجاه حماية المدينة والمواطنين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.