فيتامين «سي» ونزلات البرد... بين الحقيقة والشياع

فيتامين «سي» ونزلات البرد... بين الحقيقة والشياع
TT

فيتامين «سي» ونزلات البرد... بين الحقيقة والشياع

فيتامين «سي» ونزلات البرد... بين الحقيقة والشياع

تعتبر النظرية القائلة إن فيتامين «سي» يحمينا من الزكام الموسمي جديدة نسبيا، حيث قام لينوس بولينغ الحائز جائزة نوبل بتعميمها أوائل السبعينيات. وفي الوقت نفسه، لم يكن لديه أي دليل قوي يدعم ادعاءه هذا. أما في العقود التالية فقد حاول العديد من العلماء تحديد التأثير الدقيق لفيتامين «سي» على نزلات البرد. غير أن النتائج التي توصلوا إليها كانت مخيبة للآمال في الغالب. بل أكثر من ذلك؛ فقد بينت الدراسات الحديثة نتائج مختلطة. لذا فإن الإجابة على سؤال: هل يساعد فيتامين «سي» في نزلات البرد؟ قد لا تكون واضحة.
وعليه، هل يجب عليك تناول فيتامين سي؟
لنلقي نظرة على أحدث الأبحاث لمساعدتك في تحديد ما إذا كان الأمر يستحق ذلك أم لا. ومع ذلك، فمن الأفضل استشارة طبيبك قبل إجراء أي تغييرات على نظامك الغذائي.

ما هو فيتامين «سي»؟

فيتامين «سي» يلعب العديد من الأدوار المهمة بأجسامنا، وهو ضروري لتكوين العديد من الأنسجة المختلفة، وفق الدكتور يوانيس لياكاس المدير الطبي بشركة Vie Aesthetics، الذي يوضح «فيتامين سي ضروري لإنتاج الكولاجين في الجلد (الكولاجين هو البروتين الأكثر وفرة في الثدييات ويحافظ على الجلد والأنسجة المختلفة في أجسامنا صلبة ومرنة في نفس الوقت). وبشكل عام، يرتبط نقص فيتامين سي بضعف جهاز المناعة وزيادة خطر الإصابة بالعدوى، فيما يساعد حمض الأسكوربيك أيضا بإنتاج الهرمونات واستقلاب الطاقة وتحييد الجذور الحرة وامتصاص الحديد في الجهاز الهضمي».

هل يؤثر فيتامين «سي» على البرد؟

وفقا لمراجعة نُشرت بمجلة «Frontiers in Immunology»، لا توجد حاليا توصيات إكلينيكية تدعم استخدام مكملات عالية الجرعات من فيتامين «سي» لتقليل مخاطر الإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي لدى عامة السكان. ومع ذلك، قد ينصح بهذه الممارسة لمجموعات معينة (مثل الرياضيين أو أفراد الجيش) وللأفراد الذين تظهر عليهم علامات نقص فيتامين «سي».
وقد يُنصح أيضا بتناول مكملات فيتامين «سي» للأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بعدوى شديدة (مثل السمنة أو مرضى السكري أو كبار السن)، لأنها قد تساعد في تقليل الالتهاب.
ويضيف لياكاس «ان الحصول على ما يكفي من حمض الأسكوربيك أثناء الإصابة يعد فكرة رائعة. ومع ذلك، هذا لا يعني أن فيتامين سي يمكن أن يمنعك تماما وبفعالية من الإصابة بنزلة برد خلال أشهر الشتاء. ولا توجد أدلة كافية لإثبات أن فيتامين سي علاج وقائي فعال لنزلات البرد. وبدلا من ذلك، نعلم أن النقص الحاد يمكن أن يجعل من الصعب على أجسامنا مقاومة العدوى. وهذا يعني أنه بمرور الوقت، قد يؤدي عدم الحصول على ما يكفي من فيتامين سي إلى زيادة خطر إصابتك بالمرض».
في الوقت نفسه، يعتقد علماء من مجلة «Life» أن معظم التوصيات الحالية تستند لدراسات شديدة التحيز جرت أواخر السبعينيات. ويزعمون أن المقالات من «JAMA» و«المجلة الأميركية للطب» رفضت الدليل على أن فيتامين «سي» فعال ضد نزلات البرد، وأن موقفهم السلبي ساعد في تشكيل هذا الخطاب «المتحيز» لسنوات عدة.
إذن. ما هي أحدث التطورات العلمية في ما يتعلق بفيتامين «سي» ونزلات البرد؟ وهل يمكن تزويدنا بإجابات محددة؟

هل يساعد فيتامين «سي» في الوقاية من نزلات البرد؟

فحسب مجلة «Nutrients» فإن فيتامين «سي» ضروري للحفاظ على سلامة الحواجز الظهارية (جميع الأسطح التي تمنع أي ملوثات خارجية من دخول أجسامنا. وتعد جدران الجلد والأمعاء أمثلة جيدة على الحواجز الظهارية).
كما يساعد فيتامين «سي» أيضا على حماية بشرتنا من مسببات الأمراض من خلال تقوية بنيتها وتعزيز قدرتها على البحث عن الجذور الحرة وتعزيز قدرة جهاز المناعة لدينا على اكتشاف وتدمير الميكروبات قبل أن تبدأ بتشكيل خطر على صحتنا. لذلك من الناحية النظرية، يجب أن يحمينا فيتامين «سي» من التهابات الجهاز التنفسي الطفيفة.
لكن. وفقا لمراجعة منهجية رئيسية، لا يوجد دليل على أن مكملات فيتامين «سي» تقلل من حدوث نزلات البرد لدى عامة الناس. ومع ذلك، قد يكون مفيدا للأشخاص الذين يتعرضون لفترات قصيرة من التمارين البدنية الشديدة. وتزيد التمارين المكثفة بشكل كبير من الإجهاد التأكسدي، وبالتالي قد تضعف الحواجز الظهارية وتزيد من فرصة الإصابة بالعدوى.

هل يساعد فيتامين «سي» في علاج البرد؟

تقول مجلة «Nutrients» ان فيتامين «سي» يساعد على زيادة إنتاج وانتشار الخلايا الليمفاوية B وT. إذ تصنع الخلايا الليمفاوية B الأجسام المضادة (وهي بروتينات ترتبط بالبكتيريا والفيروسات). وتساعد هذه العملية جهاز المناعة لدينا على التعرف عليها كأجسام غريبة. فيما يتمثل دور الخلايا اللمفاوية التائية بتدمير العناصر غير المرغوب فيها.
ومن الناحية النظرية، يفترض أن يساعدنا فيتامين «سي» في تقصير مدة أعراض نزلات البرد وتخفيفها.
ووفقا لتحليل تلوي نُشر بمجلة «Biomed Research International» يمكن أن يساعد فيتامين «سي» بالفعل بتقصير مدة نزلات البرد.
وقد كان وقت تحسن الأعراض ووقت الشفاء الكلي أفضل مع مكملات فيتامين «سي» مقارنة بالعلاج المضاد للفيروسات وحده. فيما تشير نتائج تحليل تلوي آخر نُشر بنفس المجلة إلى أن تناول جرعات علاجية إضافية في بداية البرد قد يساعد أيضا بتقصير مدة البرد، وكذلك تخفيف الأعراض كألم الصدر والحمى والقشعريرة، وذلك وفق ما نشر موقع «لايف ساينس» العلمي المتخصص.

ما مقدار فيتامين «سي» الذي نحتاجه للبقاء بصحة جيدة؟

يعتمد الاستهلاك اليومي الموصى به لفيتامين «سي» على عدة عوامل، بينها العمر والجنس.
ووفقا للمعاهد الوطنية للصحة، يجب أن تتحصل النساء على 75 ملغم من فيتامين «سي» يوميا، بينما يحتاج الرجال إلى 90 ملغم.
ويعد فيتامين «سي» قابلا للذوبان في الماء؛ ما يعني أن الجسم لا يخزنه ويتم ترشيحه في البول.
ومع ذلك، قد تؤدي الجرعات العالية من فيتامين «سي» إلى آثار جانبية غير مرغوب فيها. لذا يتم تحديد الحد الأعلى عند 2 غرام من هذه المغذيات في اليوم.


مقالات ذات صلة

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الناس يشعرون بعدم الثقة جرّاء ضغوط في العمل (أ.ف.ب)

نصائح لتعزيز الثقة بالنفس وزيادة القدرات الذهنية

يُعدّ الشعور بعدم الثقة بالنفس من المشاعر التي يصعب التعامل معها، وقد نشعر بها جرّاء عوامل خارجية، مثل اجتماع سيئ مع المدير في العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
صحتك «أوزمبيك» و«ويغوفي» (رويترز)

«أوزمبيك»... «نافورة شباب» تبطئ الشيخوخة

وجد باحثون أن دواء إنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» قد يبطئ الشيخوخة وله «فوائد بعيدة المدى» تتجاوز ما كان متصوراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا تظهر العلامات على يد طفلة بعد تعافيها من جدري القردة (رويترز)

منظمة الصحة: تفشي جدري القردة في أفريقيا قد ينتهي خلال 6 أشهر

أعرب رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن اعتقاده أن تفشي فيروس جدري القردة في أفريقيا قد يتوقف في الأشهر الستة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
TT

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

القبلات المتطايرة التي تدفّقت من هاني شاكر إلى أحبّته طوال حفل وداع الصيف في لبنان، كانت من القلب. يعلم أنه مُقدَّر ومُنتَظر، والآتون من أجله يفضّلونه جداً على أمزجة الغناء الأخرى. وهو من قلّة تُطالَب بأغنيات الألم، في حين يتجنَّب فنانون الإفراط في مغنى الأوجاع لضمان تفاعل الجمهور. كان لافتاً أن تُفجّر أغنية «لو بتحبّ حقيقي صحيح»، مثلاً، وهو يختمها بـ«وأنا بنهار»، مزاج صالة «الأطلال بلازا» الممتلئة بقلوب تخفق له. رقص الحاضرون على الجراح. بارعٌ هاني شاكر في إشعالها بعد ظنّ أنها انطفأت.

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

تغلَّب على عطل في هندسة الصوت، وقدَّم ما يُدهش. كان أقوى مما قد يَحدُث ويصيب بالتشتُّت. قبض على مزاج الناس باحتراف الكبار، وأنساهم خللاً طرأ رغم حُسن تنظيم شركة «عكنان» وجهود المتعهّد خضر عكنان لمستوى يليق. سيطر تماماً، بصوت لا يزال متّقداً رغم الزمن، وأرشيف من الذهب الخالص.

أُدخل قالب حلوى للاحتفاء بأغنيته الجديدة «يا ويل حالي» باللهجة اللبنانية في بيروت التي تُبادله الحبّ. قبل لقائه بالآتين من أجله، كرَّرت شاشة كبيرة بثَّها بفيديو كليبها المُصوَّر. أعادتها حتى حُفظت. وحين افتتح بها أمسيته، بدت مألوفة ولطيفة. ضجَّ صيف لبنان بحفلاته، وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات، فكان الغناء بلهجته وفاءً لجمهور وفيّ.

بقيادة المايسترو بسام بدّور، عزفت الفرقة ألحان العذاب. «معقول نتقابل تاني» و«نسيانك صعب أكيد»، وروائع لا يلفحها غبار. الأغنية تطول ليتحقّق جَرْف الذكريات. وكلما امتّدت دقائقها، نكشت في الماضي. يوم كان هاني شاكر فنان الآهات المستترة والمعلنة، وأنّات الداخل وكثافة طبقاته، وعبق الورد رغم الجفاف والتخلّي عن البتلات. حين غنّى «بعد ما دابت أحلامي... بعد ما شابت أيامي... ألقاقي هنا قدامي»، طرق الأبواب الموصودة؛ تلك التي يخالها المرء صدأت حين ضاعت مفاتيحها، وهشَّم الهواء البارد خشبها وحديدها. يطرقها بأغنيات لا يهمّ إن مرَّ عُمر ولم تُسمَع. يكفيها أنها لا تُنسى، بل تحضُر مثل العصف، فيهبّ مُحدِثاً فوضى داخلية، ومُخربطاً مشاعر كوَقْع الأطفال على ما تظنّه الأمهات قد ترتَّب واتّخذ شكله المناسب.

هاني شاكر مُنتَظر والآتون من أجله يفضّلونه جداً (الشرق الأوسط)

تتطاير القبلات من فنان يحترم ناسه، ويستعدّ جيداً من أجلهم. لا تغادره الابتسامة، فيشعر مَن يُشاهده بأنه قريب ودافئ. فنانُ الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى، وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى، وللندبة فتتوارى قليلاً. ولا بأس إن اتّسم الغناء بالأحزان، فهي وعي إنساني، وسموّ روحي، ومسار نحو تقدير البهجات. ابتسامة هاني شاكر المتألِّمة دواخلَه، إصرار وعناد.

تراءى الفنان المصري تجسيداً للذاكرة لو كان لها شكل. هكذا هي؛ تضحك وتبكي، تُستعاد فجأة على هيئة جَرْف، ثم تهمد مثل ورقة شجر لا تملك الفرار من مصيرها الأخير على عتبة الخريف الآتي. «بحبك يا هاني»، تكرَّرت صرخات نسائية، وردَّ بالحبّ. يُذكِّر جمهوره بغلبة السيدات المفتتنات بأغنياته، وبما تُحرِّك بهنّ، بجمهور كاظم الساهر. للاثنين سطوة نسائية تملك جرأة الصراخ من أجلهما، والبوح بالمشاعر أمام الحشد الحاضر.

نوَّع، فغنّى الوجه المشرق للعلاقات: «بحبك يا غالي»، و«حنعيش»، و«كدة برضو يا قمر». شيءٌ من التلصُّص إلى الوجوه، أكّد لصاحبة السطور الحبَّ الكبير للرجل. الجميع مأخوذ، يغنّي كأنه طير أُفلت من قفصه. ربما هو قفص الماضي حين ننظر إليه، فيتراءى رماداً. لكنّ الرماد وجعٌ أيضاً لأنه مصير الجمر. وهاني شاكر يغنّي لجمرنا وبقاياه، «يا ريتك معايا»، و«أصاحب مين»؛ ففي الأولى «نلفّ الدنيا دي يا عين ومعانا الهوى»، وفي الثانية «عيونك هم أصحابي وعمري وكل أحبابي»، لتبقى «مشتريكي ما تبعيش» بديع ما يُطرب.

ضجَّ صيف لبنان بحفلاته وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات (الشرق الأوسط)

استعار من فيروز «بحبك يا لبنان» وغنّاها. بعضٌ يُساير، لكنّ هاني شاكر صادق. ليس شاقاً كشفُ الصدق، فعكسُه فظٌّ وساطع. ردَّد موال «لبنان أرض المحبّة»، وأكمله بـ«كيف ما كنت بحبك». وكان لا مفرّ من الاستجابة لنداء تكرَّر. طالبوه مراراً بـ«علِّي الضحكاية»، لكنه اختارها للختام. توَّج بها باقة الأحزان، كإعلان هزيمة الزعل بالضحكاية العالية.