واشنطن تضع نفسها في مواجهة منظمة الطاقة الأقوى في العالم

المقر الرئيسي لمجموعة «أوبك» في فيينا (أ.ف.ب)
المقر الرئيسي لمجموعة «أوبك» في فيينا (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تضع نفسها في مواجهة منظمة الطاقة الأقوى في العالم

المقر الرئيسي لمجموعة «أوبك» في فيينا (أ.ف.ب)
المقر الرئيسي لمجموعة «أوبك» في فيينا (أ.ف.ب)

يستمر التناول الإعلامي في الصحافة الأميركية والغربية لتبعات اجتماع مجموعة «أوبك بلس» رفيع المستوى في العاصمة النمساوية فيينا، الأربعاء الماضي، والذي أقرّ خفض إجمالي إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، بدءاً من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وبعدما ذهبت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير بعيداً إلى حد اعتبار قرار «أوبك بلس» أنه «اصطفاف مع روسيا» برغم تصويت ثلثي الدول في المجموعة لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدعم وحدة أراضي أوكرانيا، في ظل صراعٍ يدور على أراضي الأخيرة بين القوات الروسية والأوكرانية منذ فبراير (شباط) الماضي.
وانبرى عدد من المشرعين في الحزب الديمقراطي الأميركي إلى مهاجمة القرار، وتركيز الهجوم صوب السعودية - أكبر منتج للنفط في منظمة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس» - وروسيا، معتبرين في بعض الأحيان هذا القرار شكلاً من أشكال التحالف الموجّه ضد واشنطن من قبل الرياض وموسكو، وفي أحيان أخرى لاستهداف الاقتصاد الأميركي، الذي يعاني من التضخم وأزمات متعددة منذ فترة طويلة.
ويرى كثير من المختصين أن الهجوم الصادر من الإدارة الأميركية، أو الذي يمثل موقفها أو موقف الحزب الديمقراطي، هو هروبٌ للأمام من خلال إلقاء التهم جزافاً حول استهداف الاقتصاد الأميركي، والإصرار على وضع قرار «أوبك بلس» في قالب سياسي، بينما تؤكد دول عديدة في المجموعة أن القرار الذي اتُّخذ بالإجماع، كان قراراً اقتصادياً يهدف في مصلحة استقرار الأسواق، في محاولة يتيمة لصرف النظر عن الأزمات الاقتصادية التي تفاقمت منذ وصول الإدارة الحالية، فضلاً عن الخلافات أو ما اعتبره البعض انقساماً داخلياً.
ومع تداول أعضاء من الإدارة الأميركية ووسائل إعلام غربية وأميركية مزاعم مفادها أن عدداً من دول مجموعة «أوبك بلس» قد أفصحت خلال محادثات مع واشنطن أنها «أُرغمت على القبول بقرار (أوبك بلس) خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل بدءاً من الشهر المقبل» إلا أن هذه المزاعم سرعان ما جرى تفنيدها عندما أعلن عدد من دول «أوبك بلس» أن قرار المجموعة تم اتخاذه بالإجماع وكان قراراً اقتصادياً بحتاً ومدروساً.
وأكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي عبر حسابه على «تويتر»، أمس (الأحد)، أن «قرار منظمة أوبك الأخير بخفض الإنتاج كان قراراً فنياً بحتاً وقد تم بالإجماع وليس قراراً سياسياً كما يحاول البعض وصفه».
https://twitter.com/HESuhail/status/1581748448625164288?s=20&t=4YjLHD72Vc0Syn0J-78hog
كما رحّب الأمين العام لمنظمة «أوبك» ووزير الطاقة والمناجم الجزائري بالقرار خلال لقائهما أمس الأحد في الجزائر، وفي حديثٍ لوسائل إعلام محليّة قال الوزير الجزائري إن قرار «أوبك بلس ممتاز وتاريخي وسيكون له تأثير إيجابي في استقرار الأسواق».
ونوّهت دول البحرين‬، والكويت‬، وعُمان‬، والعراق‬ بقرار «أوبك بلس»، مؤكّدة على مضمونه الاقتصادي وانسجامه مع قرارات المجموعة السابقة، وأنه اتُّخذ بالإجماع بين دول المجموعة كافة.
ومع تصاعد حدة الهجوم الأميركي تجاه السعودية تحديداً، استمرت الرياض في الدفاع عن موقفها وكشف الحقائق التي كانت حبيسة المحادثات، وسلّط بيان الخارجية السعودية الصادر، الخميس الماضي، الضوء على اقتراح الولايات المتحدة تأجيل قرار خفض الإنتاج لمدة شهر، مما أثار التساؤلات في الداخل الأميركي عن ماهيّة هذا الطلب ومسبباته.
واشتعلت في البلاد أزمة سياسيّة جديدة أبطالها مشرّعون جمهوريون طالبوا رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، بالتحقق مما ورد في البيان السعودي عن طلب الإدارة الأميركية تأجيل قرار خفض الإنتاج لمدة شهر، على اعتبار أنه في حال ثبتت صحة ذلك، فقد تكون محاولة من الإدارة للتأثير على نتائج انتخابات الكونغرس في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
واستمراراً لدفاع السعودية عن موقفها، وفي رد فعلٍ لافت، استنكر وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، استمرار اتهام بلاده بالاصطفاف إلى جانب روسيا عبر قرار «أوبك بلس»، وكتب الوزير السعودي، أمس، عبر حسابه على «تويتر»: «رغم أن قرار أوبك، الذي اتُخذ بالإجماع، كان لدوافع اقتصادية بحتة، فإن البعض اتَهم المملكة بوقوفها بجانب روسيا!!»، مضيفاً: «‏إيران كذلك عضو في (أوبك)، فهل يعني هذا أن المملكة وقفت بجانب إيران أيضاً؟».
https://twitter.com/kbsalsaud/status/1581683114262216706?s=20&t=SHu0COsFp6MLqbF0Rna3fQ
وجاءت تغريدة وزير الدفاع السعودي في أعقاب حزمة مساعدات قدّمتها بلاده إلى أوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، في تأكيد متجدّد على عدم اصطفاف بلاده إلى جانب روسيا ضد أي طرف آخر.
ومع تجديد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر تاريخ التهديد والوعيد لـ«أوبك» بالقول إنهم يبحثون «الأدوات التشريعية للتعامل مع إجراء أوبك، بما في ذلك قانون نوبك»، استغرب وزير الخارجية السعودي هذا الطرح بعد قرار المجموعة، متعهداً في الوقت ذاته بأن بلاده سوف تحمي مصالحها على كل حال.
وأشار مختصون في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الولايات المتحدة قد تحاول من خلال تجييش الرأي العام الأميركي والغربي إلى استهداف مشروعية وموثوقية منظمة «أوبك»، التي تستحوذ على ما يقرب من نصف إنتاج النفط العالمي وثلثي احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، في سبيل انتزاع سيطرتها وإدارتها المباشرة وغير المباشرة لأسواق الطاقة، رغم كون «أوبك» لا تعمل لصالح الاقتصاد الأميركي، بل تعمل لصالح استقرار أسواق الطاقة العالمية على حدٍّ سواء.
واعتبر المحلل السياسي نضال السبع أن الصراعات المنتشرة في العالم والتي تجد الولايات المتحدة نفسها طرفاً فيها «أسهمت في تكريس هذه النظرة الاستعلائية لدى واشنطن، مما يسمح لأي إدارة أميركية بالتدخل في شؤون أي دولة أو منظمة فضلاً عن (أوبك) منظمة الطاقة الأهم». وجادل السبع بأن الولايات المتحدة مع أنها قد تكون الدولة الأقوى في العالم إلا أنها قد سخّرت في مواقف كثيرة نفوذها وتأثيرها على القوى الغربية لصالح «السيطرة على منظمات دولية هامة مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل تمرير قرارات تصب في صالحها وتتعارض أو تضرّ بمصالح كثير من الدول حول العالم، وبالتالي فلن يكون غريباً أن تفرض محاولات من هذا النوع على منظمة أوبك، في ظل استقلالية المنظمة وعدم خضوعها للتأثير المباشر من الإدارات الأميركية».
وأبان مستشار التحرير في منصة «الطاقة» المتخصصة أنس الحجي، بأن الهجوم على «أوبك» قديم وعمره 50 سنة تقريباً، وقد اشتد عدة مرات خلال هذه العقود. ولفت الحجي أن ما يجعل هذا الهجوم مختلفاً أنه «ركّز على السعودية من جهة، وأنه كان بسبب إعلان تخفيض للإنتاج أثره محدود جداً ولا يمكن مقارنته بما حصل في الماضي».
ويعزز الحجي رأيه بالإشارة إلى البيانات التي أثبتت أن «أثر التخفيض الفعلي في إمدادات النفط العالمية بسيط جداً في حال وُجِد، ومن ثم فليس له انعكاسات اقتصادية أو سياسية، إلا أن إدارة بايدن قررت تضخيم الموضوع اقتصادياً وسياسياً».
وبالسؤال عن مشروع «نوبك»، أجاب الحجي بأن المشروع «قديم وتم تمريره في الكونغرس ومجلس الشيوخ مرتين، ولكن تجاهله الرئيسين السابقين جورج دبليو بوش وباراك أوباما، ولذلك لم يصبح قانوناً، والآن هناك محاولات أخرى لتمريره، وبحال تم التصويت عليه وتمريره، فيمكن للرئيس جو بايدن أن يوقّعه ويصبح قانوناً» ويستطرد الحجي: «ولكن إذا تم التصويت على مشروع لا أوبك بغالبية الثلثين في الكونغرس، فإن قرار الرئيس بايدن سيكون لا قيمة له سواءً وافق أو استخدم حق النقض، أو بعبارة أخرى، يمكن أن يصبح قانوناً حتى لو استخدم الرئيس حق النقض».
ووفقاً للحجي فإن «الأمر هنا يصبح في يد الرئيس بايدن حيث يمكنه تفعيل القانون عن طريق مطالبة وزارة العدل بإجراء التحريات ومحاكمة شركات دول منظمة أوبك، أو تجاهل الأمر تماماً ووضعه على الرف، لكن في هذا الجو المشحون، ستكون احتمالية تمرير القانون كبيرة، ولكنه سيوضع على الرف لأسباب عدة، وأحد هذه الأسباب التي تمنع تمرير القانون أو لأنها تضعه على الرف إذا تم تمريره هو أن الرئيس السابق دونالد ترمب، باعتباره الممثل القانوني للولايات المتحدة، قد طلب في وقت سابق بشكل رسمي من دول أوبك، في مارس (آذار) من عام 2020 تخفيض الإنتاج وقد شكَرهم على ذلك، وبالتالي فلا يُمكن أن تطلب الولايات المتحدة من دول أوبك تخفيض الإنتاج وتشكرها على إدارة السوق ثم تعاقبها على ذلك».
وتمثّل المطالب الأميركية الحاليّة لمنظمة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس»، حلقة من سلسلة مطالبات عديدة، تقدمت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولجأت واشنطن في كثير من المناسبات إلى أسلوب التهديد والوعيد حينما لا تستجيب «أوبك» ودولها الأعضاء لمطالبها، بيد أن «أوبك» أصرت في كل مناسبة على الالتزام بسياسات تضمن استقرار الأسواق ومصالح المنتجين والمستهلكين، حسبما تفيد المنظمة.


مقالات ذات صلة

بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

الاقتصاد بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

بوتين يبحث مع رئيس وزراء العراق التنسيق في «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط

قال الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ناقشا خلاله اتفاق «أوبك بلس» الخاص بإنتاج النفط.

«الشرق الأوسط» (بغداد) «الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد ناقلة نفط خام في محطة نفط قبالة جزيرة وايدياو في تشوشان بمقاطعة تشجيانغ (رويترز)

النفط يرتفع وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، يوم الخميس، وسط مخاوف بشأن الإمدادات بعد تصاعد التوتر الجيوسياسي المرتبط بالحرب الروسية - الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رجل يقف بجوار شعار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في أذربيجان (رويترز)

«أوبك» في «كوب 29»: التحول المتوازن في مجال الطاقة مفتاح الاستدامة العالمية

قال أمين عام «أوبك» إن النفط والغاز الطبيعي «هبة من الله»، وإن محادثات الحد من الاحتباس الحراري يجب أن تركز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الأمين العام لمنظمة «أوبك» يتحدث خلال مؤتمر «كوب 29»... (رويترز)

الأمين العام لـ«أوبك» في «كوب 29»: النفط هدية من الله

قال الأمين العام لمنظمة «أوبك»، هيثم الغيص، الأربعاء، خلال مؤتمر المناخ «كوب 29» في باكو، إن النفط الخام والغاز الطبيعي هما «هدية من الله».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد الطيور تحلِّق بالقرب من مصفاة «فيليبس 66» في لوس أنجليس (أ.ف.ب)

النفط يستقر وسط مؤشرات على نمو واردات الصين من الخام

استقرت أسعار النفط للجلسة الثانية على التوالي يوم الأربعاء، مع ازدياد المخاوف من أن يؤدي تصاعد الأعمال العدائية في حرب أوكرانيا إلى عرقلة إمدادات النفط.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».