اقتباسات

من مسلسل تشيللو
من مسلسل تشيللو
TT

اقتباسات

من مسلسل تشيللو
من مسلسل تشيللو

«هلق بلش الامتحان الصعب لقوت علاقتهن».‬
يقول الراوي في الدقيقة الحادية عشرة من الحلقة التاسعة من «تشيللو» إخراج سامر البرقاوي وكتابة نجيب نصير (على art حكايات).
الراوي رجل متقدّم نوعًا بالسن يسرد الأحداث التي نراها من الحلقة الأولى وما بعد. وهو يرويها جالسًا على مقعد خشبي عريض وإلى جانبه ممرضة ذات لهجة مغربية محببة. إذا كانت كل حلقة من أربعين دقيقة فمعنى ذلك أنه أمضى حتى مطلع الحلقة 9 أكثر من 5 ساعات وهو يروي، وما زال لديه أكثر من خمس عشرة ساعة يقص فيها حكايته… كل هذا وهو ما زال جالسًا على ذلك المقعد والممرضة ليس لديها أي عمل آخر بل منصرفة لسماع الحكاية التي نراها بين كل ظهور لهما وآخر.
الحكاية ذاتها مكتوبة بتفاعل مع مكوّنات الحياة الاجتماعية الحاضرة: حب، أزمات اقتصادية، أزمات عاطفية، غيرة ولحظات تفكير طويلة. في الواقع، وهذه ميزة لا يختص بها «تشيللو» وحده، لا يتم الحوار على النحو الذي نتحدث به أنت وأنا. هناك فترة صمت بين «مرحبا، كيفك؟» وبين «الحمد الله، أنا بخير». لكن هذا من شروط المسلسلات والعك الذي تشتهر به.
لولا ذلك لانتهى المسلسل الواحد في غضون ثلاثة أيام أو أربعة إذا ما كان ممتلئًا بالأحداث.
مفهوم ولا بد من القبول به لمن ينتظر المسلسلات الرمضانية لكي يشاهدها برغبة مطلعها شوق ومنتصفها صبر ونهايتها فرج.
«تشيللو» إنتاج لبناني مأخوذ عن فيلم أميركي قديم نوعًا (مطلع التسعينات) عنوانه «عرض غير أخلاقي» وفيه يوفّـر رجل أعمال مساعدة لزوجين بغية الوصول إلى الزوجة التي يحب. هناك تعليق يصاحب الفيلم في مطلعه، إذا كنت أتذكر جيّـدًا، وهو ما تم إيجاد حل له هنا بتقديم الراوي الذي نشاهده جالسًا في الحديقة الغناء ولديه كل الوقت في العالم لكي يسرد حكايته.
في الفيلم هناك وودي هارلسون وديمي مور وصاحب العرض غير الأخلاقي هو روبرت ردفورد: مليونير أعجبته الزوجة فعرض أن يدفع مليون دولار لكي تكون ملكه لليلة واحدة. وعرضه يصل في وقت «الحشرة» فالزوجان يمرّان بأزمة اقتصادية. الحال ذاته هنا مع كل التغيير اللازم لكي يتم مط كل خمس دقائق من الفيلم بثلاثة أرباع الساعة من المسلسل.
لا تفهموني خطأ. هذا هو فعل ضروري أفهمه. واقع ضروري لمسلسل وإلا من أين سيأتي بما يشغل البال والوقت على نحو يرضي النقاد؟ نادين نسيب نجيم في الدور الذي لعبته ديمي مور، وكلتاهما جيّـدة في الواقع. يوسف الخال في دور وودي هارلسون وكلاهما أيضًا جيد ولو أن يوسف في الحلقة التاسعة كثيرًا ما ينظر إلى زوجته حين يتحدث إلى شخص ثالث. المشهد الذي يقع في المصرف عندما يكتشف أن «البنك» باع مسرحهما من دون إعلامه مسبقًا له وقع جيد وملح وحس حقيقي.
لجانب «العراب» و«العراب - نادي الشرق» و«24 قيراط» فإن «تشيللو» هو رابع مسلسل مقتبس عن أفلام أميركية هذا الموسم. مسألة ليس فيها مشكلة بالنسبة للمتلقي السائد، سواء شاهد العمل الأصلي أو لم يشاهده. في حالة «تشيللو» فإن قبوله لدى هذا المشاهد أسهل من قبول «العرّاب» لأن ذلك فيلم كلاسيكي خالد في الأصل وأي اقتباس منه سيدخل مجال المقارنة التي لن تكون من مصلحة العمل التلفزيوني.
كان يمكن، في الحقيقة، لأي من «العرابين» العربيين أن يستخدم «العرّاب» الأميركي كموديل وأن يصوغ حكايته على نحو مختلف. وهذا تم جزئيًا في المسلسلين. لكن المشكلة الشاملة لكل هذه الاقتباسات أنها قلما تستطيع تجاوز الأصل. بعض المشاهدين لا يعرفون أن «24 قيراط» و«تشيللو» عملان مقتبسان، وذلك لأنهما، وعلى عكس «العراب»، لا يستخدمان العنوان الأصلي ذاته. بذلك فهما بمنأى أفضل من المقارنة.
في مقابلة على محطة « nun» ينتقد الكاتب اللبناني طوني شمعون مسألة الاقتباس من وجهة نظر صائبة، إذ يقول ما فحواه: إذا كنت تريد الاقتباس فتجاوز العمل الأصلي لما هو أفضل منه. طبعًا هذا ليس هينّـًا وعمليًا ليس ممكنًا نسبة لشروط العمل التلفزيوني والمسلسلاتي.
شاهدت أيضًا ما مر من حلقات «بنت الشهبندر» وهذا عن كتابة أصلية لهوزان عكّـو ومن إخراج سيف الدين سبيعي. جيد التوليفة ويستخدم الحارة الشعبية في مطلع القرن بملابسها وديكوراتها وتصاميمها على نحو جيد. الموضوع يتطاير بين الحلقات بحيث إن التقدّم من نقطة أ إلى نقطة ب يتم على مراحل. لكنه، كسواه، لا يشكو من شيء في خانة التمثيل: قصي خولي، منى واصف، سلافة معمار، رفيق سبيعي وقيس شيخ نجيب. الحوار الذي ينطق به الممثلون السوريون جيّـد. ذلك الذي يتولاه الممثلون اللبنانيون يتم باستخدام لكنة وكلمات حديثة يعرف البيروتي مثلي أنها لم تكن واردة آنذاك.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».