رمضان في المكلا.. طقوس دينية وكرنفالات روحانية وتقارب للقلوب

{ختايم} الليلة التاسعة تتجدد رغم المعاناة بسبب التمرد الحوثي في اليمن

طفل يمني يبيع المسابح في الأسبوع الأول من رمضان في صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يبيع المسابح في الأسبوع الأول من رمضان في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

رمضان في المكلا.. طقوس دينية وكرنفالات روحانية وتقارب للقلوب

طفل يمني يبيع المسابح في الأسبوع الأول من رمضان في صنعاء (أ.ف.ب)
طفل يمني يبيع المسابح في الأسبوع الأول من رمضان في صنعاء (أ.ف.ب)

رغم الأزمة والظروف الصعبة التي يعيشها اليمن الناتجة عن تبعات التمرد الحوثي الذي خرج على السلطة الشرعية في البلاد، فإن ذلك لم يقف حجر عثرة أمام استقبال أبناء مدينة المكلا عاصمة حضرموت لشهر رمضان الفضيل بالفرح والبهجة والسرور، من ناحية، والمبادرة لإطلاق الكثير من الفعاليات التي لا تجد نكهتها إلا في شهر الخير والتكافل والتراحم من ناحية أخرى.
وتنطلق ليلة التاسع من رمضان سنويا في المكلا عاصمة محافظة حضرموت مناسبة تسمى «ليالي الختايم» التي تحتفل فيها المساجد بكرنفالات مسائية روحانية حتى السابع والعشرين من شهر الصوم، لتكون هذه الفترة مناسبة تلتئم فيها الأسرة الحضرمية على مائدة الإفطار لتتذكر ماضي الأجداد وأيامهم الخوالي.
ويتحدث الصحافي اليمني مجدي عبد المجيد وهو رئيس تحرير صحيفة «هنا حضرموت» الإلكترونية، واصفا الختايم الرمضانية في حضرموت بأنها مناسبة ينتظرها الصغار والكبار في المكلا، ضمن عادات قديمة دأب عليها أهالي حضرموت مند نحو 200 عام مضت.
وبحسب عبد المجيد، تقام المباهج والأفراح طوال فترة المساء في مسجد بالتوالي ابتداء من بعد صلاة التراويح، ويتم الإعداد والتهيئة للاحتفاء بهذه المناسبة من وقت العصر، حيث يفترش الباعة في الساحات المحاطة بالمسجد الذي ستقام فيه هذه الأمسية عارضين بضائعهم من لعب الأطفال والحلويات والمكسرات التي يصنع البعض منها خصيصا لهذه المناسبة إلى جانب نصب أراجيح الأطفال.
وتقول ليلى عبده وهي ربة منزل من أهل المكلا، إن الآباء وبعض الأمهات والأجداد يصطحبون أبناءهم وأحفادهم إلى ساحات الاحتفال، وهم يرتدون الملابس الجديدة الخاصة بهذه المناسبة.
وتضيف أن أكثر ما ميز الختايم لم شمل الأسر وصلة الأرحام على مائدة الإفطار، «ولذلك تجد المنازل المجاورة للمساجد مملوءة بالضيوف لتناول وجبة الإفطار والعشاء معا، وهي مناسبة جيدة لتصفية النفوس وتعزيز الوئام بين أفراد الأسرة في الشهر الفضيل».
وتظهر فرحة أبناء المكلا بقدوم هذا الشهر الروحاني، بشكل جلي في قسمات الوجوه التي تعلوها الابتسامة والرضا والروحانية والتزام المساجد وحلقات الذكر وقراءة القرآن وفيض المشاعر، فضلاً عن صور التكافل الاجتماعي التي تشكل عناوين بارزة للمكلا في الشهر الكريم.
ويحافظ شهر رمضان الفضيل في محافظة حضرموت على خصوصيته كل عام، فهو لا يزال شهر الطقوس الدينية التي تشمل نداءات صلاة التراويح وظاهرة الختايم التي تقيمها المساجد حتى نهاية الشهر، إضافة إلى خصوصية التزاور بين الأقارب، إضافة إلى موائد الإفطار التي تقيمها بعض الجمعيات والمحسنين للم الشمل.
وهنا يعود الصحافي اليمني مجدي عبد المجيد ليؤكد أن النكهة الحضرمية تركت بصمة واضحة على طقوس شهر رمضان في اليمن، وجعلتها تبرز على بقية الممارسات الرمضانية.
وبنداءات التراويح يستقبل أبناء حضرموت شهر رمضان الكريم، وهم كغيرهم من المسلمين المنتشرين في أصقاع المعمورة، يبدأون بإحيائها لبقية ليالي الشهر الفضيل بالصلاة والدعاء والقيام إلى ساعات ما قبل الفجر ليتهيأ بعدها المصلون لتناول وجبة السحور.
وتبرز في مدينة المكلا مع حلول شهر رمضان في كل عام أجواء أسرية رائعة؛ إذ تشهد المدينة عددا من الفعاليات الروحانية التي تقارب بين القلوب.
وتعد «ليالي الختايم» من أبرز تلك الفعاليات، حيث يلتئم الماضي الغابر بالحاضر الجميل، فترى أمام ناظريك الشيوخ والرجال والشباب والأطفال في مدينة المكلا أسرة واحدة وهم يحتفلون بمناسبة عظيمة ينتظرونها كل عام بشوق، ومنذ سنوات اتفق أبناء حضرموت على إقامة مناسبات فرائحية أيام وليالي شهر رمضان المبارك يلتئم خلالها شمل الأسرة في ما يسمى «ليالي الختايم».
وفي هذه الأجواء ينطلق بمدينة المكلا قطار الختايم الرمضانية بدءا بمسجد بايعشوت بالمكلا في الثامن من رمضان وحتى السابع والعشرين موعد ختم قبة الولي يعقوب.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم