«تحريم التطعيمات»... فتاوى باكستانية تعيد جدلاً قديماً للواجهة

الأزهر يعتبره «تجنياً على حق الأطفال»

حملات تلقيح الأطفال في باكستان ضد شلل الأطفال (أ.ف.ب)
حملات تلقيح الأطفال في باكستان ضد شلل الأطفال (أ.ف.ب)
TT

«تحريم التطعيمات»... فتاوى باكستانية تعيد جدلاً قديماً للواجهة

حملات تلقيح الأطفال في باكستان ضد شلل الأطفال (أ.ف.ب)
حملات تلقيح الأطفال في باكستان ضد شلل الأطفال (أ.ف.ب)

احتفلت باكستان، أوائل العام الحالي، بمرور عام دون تسجيل أي إصابات بفيروس شلل الأطفال، غير أن هذا النجاح لم يدم طويلاً في تلك الدولة التي لا تزال تصنف مع أفغانستان، على أنهما الدولتان الوحيدتان اللتان لا يزال المرض متوطناً بهما.
ورصدت السلطات الصحية في باكستان، من جديد، عودة قوية لفتاوى تحريم تطعيمات شلل الأطفال، وهي الفتاوى التي على ما يبدو وجدت طريقها نحو الانتشار من جديد مع عودة حركة «طالبان الباكستانية» إلى الظهور.
وتم دحر هذه الحركة التي ترتبط بجذور مشتركة مع «طالبان أفغانستان» عام 2014، لكن الحركة الباكستانية بدأت تستعيد نشاطها في صيف 2020، عقب عودة «طالبان» إلى السلطة في أفغانستان.
ومع استئناف نشاط هذه الحركة من جديد، بدأت حملات التطعيم في باكستان، والموجودة منذ عام 1994، ويعمل بها ما يقرب من 260 ألف شخص، تواجه نفس فتاوى التحريم القديمة، التي تنظر إلى لقاحات شلل الأطفال على أنها «مؤامرة غربية».
وقال رئيس البرنامج الوطني للقضاء على شلل الأطفال شاهزاد بيك، في تصريحات صحافية نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية في 28 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، إن هناك نظريات متعددة روَّج لها رجال دين متشددون، لا سيما في المناطق الريفية، ومنها أن أعضاء فرق التلقيح جواسيس، وأن اللقاحات تصيب بالعقم، وتحتوي على مواد من لحوم الخنزير.
ووفق دراسة بعنوان «اللقاحات.. الحجج الدينية والثقافية من منظور إسلامي» للباحث في العلوم الاجتماعية بجامعة لانكستر البريطانية، المفتي عثمان مرافيا، نشرتها «مجلة الجمعية الطبية الإسلامية البريطانية» في يناير (كانون الثاني) من عام 2020، فإن هذه الفتاوى القديمة التي عادت للظهور من جديد استندت إلى مشاعر مناهضة للقاحات كان يروجها الدكتور عبد المجيد كاتمي (2011)، وهو طبيب نفسي بريطاني متقاعد، كان يجادل بأن تحصين الأطفال عن طريق اللقاحات هو شكل من أشكال «الاعتداء الطبي».
ويرى كاتمي أن لقاحات العضل يمكن أن تؤدي إلى فقدان دائم لجهاز المناعة لدى الأطفال كنتيجة مباشرة؛ لأن التطعيم هو «نظام تدخُّل به خلل قاتل».
وتم نشر أفكار كاتمي في كتيبات تحتوي على أفكاره، وظهرت على أثر ذلك حملات مناهضة التطعيم في باكستان، التي كان القائمون عليها يقتلون العاملين الصحيين الذين حاولوا إعطاء لقاحات شلل الأطفال.
يقول مرافيا في دراسته، إن الأزهر الشريف دخل حينها على خط المواجهة، وعقد في عام 2013، بالتعاون مع الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد اجتماعات في باكستان، حول موضوع «استئصال شلل الأطفال في ضوء الإسلام».
وخلص المشاركون في الاجتماعات إلى أن اللقاح الفموي المتوفر في باكستان لا يحتوي على أي محتوى «حرام»، كما أكدوا أن اللقاحات لا تحتوي على أي محتوى يسبب العقم أو البلوغ المبكر، أو يؤدي إلى أي اضطرابات صحية أخرى.
أعقب ذلك صدور فتوى عن الجامعة الإسلامية (دار العلوم حقانية) تسمح باللقاحات في ضوء توصيات الأطباء المسلمين، وبالمثل، قال المفتي محمد نعيم من جامعة العلوم الإسلامية في كراتشي، إنه «فيما يتعلق بلقاحات شلل الأطفال، كان في الماضي لدي شك بشأنها، لكن ليس بعد الآن، فهذا اللقاح ينقذ الأطفال من إعاقات مدى الحياة».
وفي فبراير 2014، تم إطلاق المجموعة الاستشارية الإسلامية لاستئصال شلل الأطفال، والتي تتكون من مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحشدت الحملة 57 دولة عضواً في منظمة التعاون الإسلامي تهدف إلى القضاء على شلل الأطفال.
وتضمن برنامج الاستئصال، الترويج لاستخدام اللقاحات العضلية والفموية، التي أثبتت فعاليتها.
وأعقب ذلك، صدور فتاوى دينية من الدول الأعضاء تؤكد أهمية هذه اللقاحات، فصدرت فتوى في ماليزيا عام 2016، تؤكد أن «التطعيم واجب إسلامي، وعلى الآباء واجب حماية أطفالهم من أي شكل من أشكال الأذى».
وعلى الرغم من هذا الجهد المبذول، عادت فتاوى التحريم من جديد لتجد مكاناً في باكستان، الأمر الذي تسبب في عودة الإصابات من جديد، حيث وصل عدد حالات الإصابة بشلل الأطفال في باكستان عام 2022 إلى 13 حالة، وفق آخر إحصائية تعود إلى يوليو ( تموز) الماضي.
ودخل الأزهر على خط مواجهة هذه الفتاوى من جديد، وشدد في بيان صدر أمس، على أن التطعيم ضد مرض شلل الأطفال هو واجب ديني وطبي وإنساني، ووصف البيان ما تشهده باكستان من انتشار فتاوى تحريم اللقاح، بأنه « تجنٍّ على حق أطفال باكستان وعائلاتهم»، وأضاف البيان أن «منع اللقاح النافع للطفل، كلقاح شلل الأطفال، أمر محرم شرعاً».
من جانبه، وصف أحمد المنظري، المدير الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، هذه الأزمة بأنها من أبرز المعوقات التي تحول دون تحقيق هدف استئصال فيروس شلل الأطفال من باكستان وأفغانستان، وقال ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» خلال مؤتمر صحافي أقيم اليوم (الخميس) في ختام اجتماعات اللجنة الإقليمية: «أضاعت هذه الفتاوى الكثير من الفرص لتحقيق هدف القضاء على شلل الأطفال».
وأضاف أن وباء المعلومات المغلوطة، التي تمثلها مثل هذه الفتاوى لا يقلل ضررها بل يزيد عن الفيروس نفسه، مشيرا إلى أن المنظمة تسعى لعلاج هذه المشكلة بالتعاون مع المجموعة الاستشارية الإسلامية لاستئصال شلل الأطفال، عن طريق عقد دورات منتظمة لأئمة المساجد، وعمل لقاءات توعية مع المواطنين بشكل مباشر وعبر وسائل التواصل المختلفة، ونأمل أن نتمكن من مواجهة هذا التحدي.
واختتم قائلا: «التحدي كبير، لكننا نعمل على مواجهته، وواثقون من أننا سنتمكن من وضع حد لوباء المعلومات المغلوطة».
 


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

حلُّ لغز العمر الحقيقي لأكبر تمساح في العالم

علاقة آلمها الفراق (إ.ب.أ)
علاقة آلمها الفراق (إ.ب.أ)
TT

حلُّ لغز العمر الحقيقي لأكبر تمساح في العالم

علاقة آلمها الفراق (إ.ب.أ)
علاقة آلمها الفراق (إ.ب.أ)

لعقود، تولّى حارس الحدائق جورج كريغ رعاية تمساح طوله 5.5 متر، يُدعى «كاسيوس». وبعد تقاعده، توقّف التمساح عن الأكل، ودخل في حالة «تدهور سريع».

ووفق «الغارديان»، يحاول الباحثون تحديد العمر الحقيقي لأكبر تمساح في العالم بعد نفوقه في نهاية الأسبوع.

ونفق «كاسيوس»، حامل الرقم القياسي العالمي في موسوعة «غينيس»، لاعتقاد أنه يبلغ 110 أعوام على الأقل، في «مارينلاند ميلانيزيا» بجزيرة غرين الأسترالية، حيث عاش منذ عام 1987.

ولا يزال السبب الدقيق لنفوقه مجهولاً، لكنّ الاحتمال الأكبر يتعلّق بالشيخوخة. وجاء النفوق بعد أسابيع من رحيل أفضل صديق له، مالك «مارينلاند ميلانيزيا»، جورج كريغ، عن الجزيرة، وانتقاله إلى دار للمسنّين.

التمساح العملاق ينفق والعزاء يتدفّق (رويترز)

من جهته، قال حفيد كريغ، تودي سكوت: «يسهُل افتراض أنّ التوتر عجَّل نفوقه، خصوصاً أنّ صلةً وثيقةً تربط جدّي و(كاسيوس)».

وأضاف: «بعد مغادرة كريغ الجزيرة، راح التمساح يرفض الطعام، وبعد أسبوعين وجدناه فاقداً للوعي. 37 عاماً قضياها معاً، وبُعيد أسابيع من الانفصال، فقدنا أحدهما».

كان «كاسيوس» قد وقع في الأسر على أيدي باحثَيْن معنيَيْن بدراسة التماسيح، غراهام ويب وتشارلي مانوليس، في نهر فينيس عام 1987.

وبعد مدّة قضاها في العمل داخل مزرعة للماشية، سافر كريغ آلاف الكيلومترات، ونُقل «كاسيوس» إلى جزيرة غرين، حيث عاش منذ ذلك الحين.

وبتشريح «كاسيوس»، يأمل الباحثون في تحديد عمره الحقيقي الذي لطالما اعتمد على التقديرات.

في هذا السياق، أكد سكوت أنه بمجرّد النظر إلى «كاسيوس»، يمكن إدراك تقدّمه في السنّ.

وأضاف: «بلغ طوله 5.48 متر وتجاوز وزنه الطنّ. كان يبدو أقرب إلى ديناصور حيّ. بدا كأنه حيوان قديم».

ومن المقرَّر عدّ الحلقات الموجودة على عيّنة من عظم فخذه، في محاولة لتحديد عمره، على غرار حلقات الأشجار. كما أُخذت عيّنة من كل عضو رئيسي، وجرى الحفاظ على جلده ورأسه.

عمره الحقيقي حيَّر العلماء (إ.ب.أ)

وعبَّر سكوت عن اعتقاده بأنّ «كاسيوس» لطالما كان «مختلفاً جداً» عن التماسيح الأخرى في جزيرة غرين، بناءً على خبرته بمجال تربية صغار التماسيح طوال 14 عاماً.

وعادةً، يُزال بيض التماسيح من العشّ داخل الحظائر، لئلا تأكلها الذكور. وإنما في التسعينات، ترك كريغ بيضة عن طريق الخطأ.

روى سكوت: «فقست، فوجدنا تمساحاً صغيراً على رأس (كاسيوس) في الصباح». قرّر كريغ ترك التمساح الرضيع الذي أطلق عليه اسم «زينا»، تيمّناً بالأميرة المُحاربة، مع «كاسيوس»، فتولّى تربيتها لـ14 عاماً.

وإذ ذكر أنّ «كاسيوس» كان يحفظ قِطع الطعام في فمه، ثم يمنحها لـ«زينا»، أكّد: «لم يسبق توثيق هذا النوع من السلوك».

من ناحية أخرى، كان «كاسيوس» محبوباً ممَّن زاروه في «مارينلاند ميلانيزيا» لعقود، فتابع سكوت أنّ رسائل التعزية بعد نفوقه تدفّقت من أنحاء العالم، لافتاً إلى أنّ المركز سيركّز على استمرار إرث التمساح العملاق.

اليوم، يعيش أقدم تمساح معروف في العالم، يُدعى «هنري»، في مركز «كروك وورلد» للحفاظ على الحيوانات بجنوب أفريقيا. ومن المقرَّر بلوغه 124 عاماً في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.