واشنطن تتوقع «لحظات صعبة» خلال تنفيذ الاتفاق اللبناني ـ الإسرائيلي

يدخل حيز التنفيذ بعد تأكيد الطرفين موافقتهما على أحكامه

قطعة بحرية إسرائيلية خلال دورية قبالة رأس الناقورة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)
قطعة بحرية إسرائيلية خلال دورية قبالة رأس الناقورة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تتوقع «لحظات صعبة» خلال تنفيذ الاتفاق اللبناني ـ الإسرائيلي

قطعة بحرية إسرائيلية خلال دورية قبالة رأس الناقورة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)
قطعة بحرية إسرائيلية خلال دورية قبالة رأس الناقورة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)

غداة توصل لبنان وإسرائيل إلى مسودة اتفاق وصف بأنه «اختراق تاريخي» لتسوية نزاع حدودي بحري عمره عقود حول السيطرة على الموارد على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، أقر مسؤولون أميركيون كبار بأنهم يتوقعون «لحظات صعبة أخرى» خلال تنفيذ هذا الاتفاق، مؤكدين أن المفاوضات لم تجر «في ظل تهديدات (حزب الله)»، ولم تتضمن مشاورات مع التنظيم المدعوم من إيران.
ووفقاً للنص النهائي للمسودة المؤرخة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 والتي سربت عبر صحافي إسرائيلي، «يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في التاريخ الذي تُرسل فيه حكومة الولايات المتحدة إشعاراً يتضمن تأكيداً على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في هذا الاتفاق». وفي اليوم الذي يرسل فيه هذا الإشعار، سيرسل لبنان وإسرائيل في الوقت ذاته إحداثيات متطابقة إلى الأمم المتحدة تحدد موقع الحدود البحرية، على أن يبقى الوضع الراهن قرب الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية الحالي.
وأوضح مسؤول أميركي رفيع لمجموعة من الصحافيين أن الوساطة التي قادتها الولايات المتحدة في شأن النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل «بدأت منذ أكثر من عشر سنين» في عهد الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس آنذاك جو بايدن، ولم تؤد إلى أي نتيجة حتى عام 2020 حين «اتخذت منعطفاً تمثل بتوقف الطرفين عن التفاوض». ولكن إدارة الرئيس جو بايدن عاودت وساطتها في خريف 2021 وأوائل عام 2022، «في إطار السعي إلى (…) تحول نموذجي من شأنه أن يسمح بتحقيق اختراق» تمثل خلال الأسابيع القليلة الماضية باتفاق كل من الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية مع الولايات المتحدة «على إنهاء هذا النزاع». وشدد على أن هذا الاتفاق «ليس ثنائياً» بين لبنان وإسرائيل، بل من خلال الولايات المتحدة. لكنه «يرسم حداً يسمح لكلا البلدين بمتابعة مصالحهما الاقتصادية من دون نزاع».
- لا اتفاق مباشراً
هذا ما كشفه مصدر أميركي آخر عندما أوضح أن ما حصل هو «اتفاقان منفصلان»، الأول بين الولايات المتحدة وإسرائيل والثاني بين الولايات المتحدة ولبنان، «عوض الاتفاق المباشر» بين إسرائيل ولبنان.
وإذ أشار المسؤول الأميركي الرفيع إلى الاتصالين اللذين أجراهما الرئيس بايدن الثلاثاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد والرئيس اللبناني ميشال عون، فقد أكد أن ما حصل سيكون لمصلحة لبنان الذي «يعاني أزمة اقتصادية كبيرة - تشمل كل قطاعات الاقتصاد»، مضيفاً أنه «من دون معالجة أزمة الطاقة والكهرباء، يستحيل رؤية أي أمل في التعافي الاقتصادي». وأكد أن هذا الاتفاق سيوفر للبنان «إمكانات جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر»، ولا سيما في قطاع الطاقة، فضلاً عن «البدء في استكشاف الموارد الهيدروكربونية في البحر الأبيض المتوسط باعتبارها الدولة الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط التي لم تفعل ذلك بعد».
وكذلك لفت إلى أن إسرائيل «نجحت للغاية» في تطوير موارد غاز وموارد هيدروكربونية كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، والاتفاق مع لبنان «سيوفر لها نوعاً من الأمن والاستقرار»، علما بأن التصدير يجعلها «جزءاً من الحل العالمي والأوروبي لأزمة الطاقة». وأكد أن «المفاوضات لم تكن سهلة»، متوقعاً أن «تكون هناك لحظات صعبة أخرى» خلال تنفيذ هذا الاتفاق، موضحاً أن الولايات المتحدة «ستواصل تقديم مساعدتها في تسهيل أي مناقشات في المستقبل».
ورداً على سؤال حول أثر التهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله على المفاوضات والاتفاق، قال المسؤول الأميركي الرفيع إن «حقل كاريش ليس في المنطقة المتنازع عليها»، مشدداً على أن «المفاوضات لم تجر في ظل (…) التهديدات»، علما بأن الولايات المتحدة «دعمت دائماً حق إسرائيل في تطوير كاريش»، على أن يكون حقل قانا ضمن الحدود البحرية اللبنانية. وتوقع توقيع البلدين على الاتفاق ودخوله حيز التنفيذ «في أسرع وقت ممكن». وأكد أن «المفاوضات التي أجريت بوساطة أميركية لم تتضمن مناقشات مع (حزب الله)».
- مستثنى من العقوبات
وسئل عن اتفاق خط الغاز العربي، فأجاب أن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن «استيراد الغاز من مصر عبر الأردن، وصولاً إلى لبنان، هو تطور إيجابي بالنسبة لبنان» الذي «لا يزال عليه اتخاذ بعض الخطوات»، بالإضافة إلى «خطوات البنك الدولي بعد ذلك». وقال: «سنقوم بإجراء مراجعة نهائية في الولايات المتحدة للتأكد من أنها تتماشى مع العقوبات الأميركية»، في إشارة إلى «عقوبات قيصر» ضد سوريا، معبراً عن «ثقته بأنه يمكننا توصيل الغاز إلى لبنان على أساس سريع إلى حد ما إذا اتخذت بالفعل خطوات الإصلاح التي التزمها لبنان».
ويأمل المسؤولون الأميركيون في أن تمنح الصفقة، التي توسط فيها المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستاين، إسرائيل مزيداً من الأمن، على أن تتيح للبنان مجالاً أكبر في المستقبل لتخفيف أزماته المتعلقة بالطاقة، وتزويد أوروبا بمصدر جديد محتمل للغاز وسط النقص الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ووصف الرئيس بايدن الاتفاق بأنه «اختراق تاريخي في الشرق الأوسط»، لأنه «يمهد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً، وتسخير موارد الطاقة الحيوية الجديدة للعالم».
ويحدد الاتفاق فقط الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وليس الحدود البرية التي يبلغ طولها 80 كيلومتراً والتي لا تزال محل نزاع وتخضع لمراقبة دوريات القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، (اليونيفيل).
وتأتي الصفقة في الوقت الذي تعيد فيه اكتشافات الغاز رسم خريطة الطاقة في البحر الأبيض المتوسط فيما تبحث أوروبا عن مصادر طاقة بديلة عقب غزو روسيا لأوكرانيا. ويمكن لدبلوماسية الغاز أن تؤدي أيضاً إلى إذابة الجليد في العلاقات المتوترة بين إسرائيل وتركيا، حيث يسعى البلدان إلى إحياء خطط جرى التخلي عنها منذ فترة طويلة لبناء خط أنابيب يمر عبر تركيا إلى أوروبا.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن «هذا الاختراق يعني بداية حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط»، لأنه «سيوفر الطاقة الحيوية لشعوب المنطقة والعالم». واعتبر أن الإعلان «يوضح قوة التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط وخارجه». وشدد على أنه «من الأهمية بمكان الآن أن تقوم كل الأطراف بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق بسرعة والوفاء بالتزاماتها للعمل نحو التنفيذ لصالح المنطقة والعالم».


مقالات ذات صلة

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

المشرق العربي توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

توتّر على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد تظاهرة لأنصار «حزب الله»

دعت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، مساء الجمعة، إلى الهدوء بعد توتر بين حرس الحدود الإسرائيليين وأنصار لـ«حزب الله» كانوا يتظاهرون إحياءً لـ«يوم القدس». ونظّم «حزب الله» تظاهرات في أماكن عدّة في لبنان الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، وقد اقترب بعض من أنصاره في جنوب لبنان من الحدود مع إسرائيل. وقالت نائبة المتحدّث باسم يونيفيل كانديس أرديل لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ عناصر القبعات الزرق «شاهدوا جمعاً من 50 أو 60 شخصاً يرمون الحجارة ويضعون علم حزب الله على السياج الحدودي».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

تباين بين «أمل» و«حزب الله» بشأن صواريخ الجنوب

ذكرت أوساط سياسية لبنانية أنَّ «الصمت الشيعي» حيال إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه منطقة الجليل في شمال إسرائيل لا يعني أنَّ «حزب الله» على توافق مع حركة «أمل» بهذا الشأن، بمقدار ما ينم عن تباين بينهما، إذ ارتأيا عدم إظهاره للعلن لقطع الطريق على الدخول في سجال يمكن أن ينعكس سلباً على الساحة الجنوبية. وقالت المصادر إنَّ حركة «أمل»، وإن كانت تتناغم بصمتها مع صمت حليفها «حزب الله»، فإنها لا تُبدي ارتياحاً للعب بأمن واستقرار الجنوب، ولا توفّر الغطاء السياسي للتوقيت الخاطئ الذي أملى على الجهة الفلسطينية إطلاق الصواريخ الذي يشكّل خرقاً للقرار 1701. وعلى صعيد الأزمة الرئاسية، ذكرت مصادر فرنسية مط

العالم العربي المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

المطارنة الموارنة يستنكرون تحويل جنوب لبنان إلى «صندوق» في الصراعات الإقليمية

استنكر المطارنة الموارنة في لبنان، اليوم (الأربعاء)، بشدة المحاولات الهادفة إلى تحويل جنوب لبنان إلى صندوق لتبادل الرسائل في الصراعات الإقليمية. ووفق وكالة الأنباء الألمانية، طالب المطارنة الموارنة، في بيان أصدروه في ختام اجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي في بكركي شمال شرقي لبنان اليوم، الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية بالحزم في تطبيق القرار 1701، بما في ذلك تعزيز أجهزة الرصد والتتبُّع والملاحقة. وناشد المطارنة الموارنة، في اجتماعهم برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، «القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمل أعباء لم تجلب عليه ماضياً سوى الخراب والدمار وتشتيت ا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب على إسرائيل

ميقاتي: عناصر غير لبنانية وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب

أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم الأحد، أن العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والانتهاك المتمادي للسيادة اللبنانية أمر مرفوض، مؤكدا أن «عناصر غير لبنانية» وراء إطلاق الصواريخ من الجنوب. وقال ميقاتي إن «الهجوم الإسرائيلي على المصلّين في الأقصى وانتهاك حرمته أمر غير مقبول على الإطلاق، ويشكل تجاوزاً لكل القوانين والأعراف، ويتطلب وقفة عربية ودولية جامعة لوقف هذا العدوان السافر». وعن إطلاق الصواريخ من الجنوب والقصف الإسرائيلي على لبنان، وما يقال عن غياب وعجز الحكومة، قال ميقاتي إن «كل ما يقال في هذا السياق يندرج في إطار الحملات الإعلامية والاستهداف المجاني، إذ منذ اللحظة

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

لبنان لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن رفضاً لاعتداءات إسرائيل

قررت الحكومة اللبنانية تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن ضد إسرائيل، على خلفية الغارات التي نفذتها على مناطق لبنانية بعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

السلطة الفلسطينية تطلق حملة أمنية ضد المسلحين في الضفة

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية تطلق حملة أمنية ضد المسلحين في الضفة

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)
عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

أطلقت السلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، ضد مسلحين في المخيم الشهير، مخيم جنين، في بداية تحرك هو الأقوى والأوسع من سنوات طويلة، ويفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.

وأعلن الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني، العميد أنور رجب، أن الأجهزة الأمنية بدأت، فجر السبت، حملة «حماية وطن» لحفظ الأمن والسلم الأهلي، وبسط سيادة القانون، وقطع دابر الفتنة والفوضى في مخيم جنين.

وأكد رجب، في بيان، أن هدف هذه الجهود استعادة مخيم جنين من سطوة الخارجين على القانون، الذين نغصوا على المواطن حياته اليومية، وسلبوه حقه في تلقي الخدمات العامة بحرّية وأمان. وتعهد بالمضي وبلا هوادة في إنفاذ وتنفيذ القانون.

أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية ينظر من داخل مركبة خلال دورية وسط اشتباكات في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

واندفعت قوات الأمن الفلسطيني إلى مخيم جنين في واحدة من المرات القليلة، قبل أن تندلع اشتباكات واسعة بين عناصر الأمن ومسلحين فلسطينيين تابعين للفصائل هناك. وأظهرت مقاطع فيديو تبادلاً للرصاص وانفجارات وحرائق ودخاناً في أزقة المخيم، قبل أن تعلن الفصائل أن السلطة قتلت أحد قادة «كتيبة جنين» التابعة لـ«الجهاد الإسلامي».

ونعت «الجهاد» يزيد جعايصة «الذي ارتقى برصاص أجهزة السلطة في جنين»، متهمة السلطة «بملاحقة المقاومين والمطلوبين للاحتلال» في استهداف متصاعد ومتعمد «يتماهى بشكل تام مع عدوان الاحتلال وإجرامه».

ودعت «الجهاد» الفصائل لاتخاذ موقف حاسم ضد السلطة، فلاقتها حركة «حماس» التي رأت «ما تنفذه أجهزة السلطة بالضفة الغربية استهدافاً واضحاً للمقاومة المتصاعدة». وطالبت «حماس» قيادة السلطة بـ«لجم سلوك أجهزتها وتصحيح بوصلتها الأخلاقية والوطنية نحو خيار الوحدة والمقاومة لردع الاحتلال وصد عدوانه».

لكن موقفي «حماس» و«الجهاد» لم يلقيا آذاناً مصغية في رام الله، باعتبار أن الحركتين متهمتان بالسعي إلى تقويض السلطة الفلسطينية.

وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططاً لنشر الفوضى في الضفة الغربية، وصولاً إلى تقويض السلطة وإعادة احتلال المنطقة.

وأكد مصدر أمني كبير لـ«الشرق الأوسط» أن الحملة تستهدف إنقاذ الضفة من مصير مشابه لمصير قطاع غزة. وقال: «إسرائيل تتربص بالضفة، وتدعم الفوضى حتى تبرر العالم في وقت لاحق خطتها لاستكمال ما بدأته في غزة؛ تدميراً وتهجيراً، ومن ثم تقويض السلطة الفلسطينية».

وأضاف المصدر أن السلطة على علم بمخططات إسرائيلية واضحة وصلت حد التنفيذ، لإغراق الضفة في الفوضى، مشيراً إلى أن «ما حدث في غزة لن يحدث في الضفة. لقد تعلمنا الدرس جيداً».

وبدأت الحملة الفلسطينية في جنين، التي تحولت إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد)، ضمن وضع تعرّفه الأجهزة بأنه «تدحرج حجارة الدومينو». وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن التقديرات في أجهزة الأمن بأن تدهوراً محتملاً في الضفة قد يقود كذلك إلى انهيار السلطة. وتصف إسرائيل المواجهات في جنين بأنها «غير عادية».

أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية يوجه سلاحه خلال اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

وجاءت التقديرات الإسرائيلية الجديدة، وهي متكررة منذ سنوات، وتزايدت جديتها بعد هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في ذروة الاشتباكات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومسلحي جنين.

والاشتباكات بين مسلحين وقوات أمنية فلسطينية في جنين تعد ترجمة لحرب أخرى أشرس على منصات التواصل الاجتماعي. ويمكن رصد تحريض كبير على السلطة الفلسطينية في منصة «تلغرام» بوصفها (أي السلطة) شريكاً للإسرائيليين في مواجهة المقاتلين في الضفة.

وهدد مسلحون في جنين ومناطق أخرى في الشمال قيادة وعناصر السلطة بأنهم سيدفعون ثمن «أفعالهم»، لكن السلطة أكدت أنها ماضية، بل حققت إنجازات في يومها الأول.

وفي رسالة حول جديتها هذه المرة، اجتمع رئيس الوزراء محمد مصطفى بقادة المؤسسة الأمنية في جنين، وقال مصطفى من هناك إن «هدف ما بجري إنقاذ المخيم وحماية المواطن، ووقف المعاناة... نعمل على استعادة زمام المبادرة في كافة محافظات الوطن، والنتيجة ستكون إيجابية للجميع».

وحضر مصطفى على رأس قادة الأجهزة الأمنية فيما كانت الاشتباكات مندلعة في مخيم جنين القريب.

عناصر من الأمن الفلسطيني في أثناء اشتباكات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة السبت (رويترز)

وقال الناطق الأمني إن عناصر الأجهزة الأمنية نجحوا في إعطاب عشرات العبوات المفخخة في شوارع مدينة جنين، واعتقلوا مسلحين، وسيطروا على مركبة مفخخة كانت مُعدّة لمهاجمتهم.

وحصلت السلطة على الدعم من «منظمة التحرير» وحركة «فتح». وأكد نائب أمين سر اللجنة المركزية لـ«ـفتح» صبري صيدم، أن المرحلة الحالية تتطلب مواجهة مظاهر الفلتان الأمني، وقطع الطريق أمام من يريد زعزعة السلم الأهلي والمجتمعي.

وأكد عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، أحمد مجدلاني، ضرورة أن تكون هناك سلطة واحدة، وقانون واحد، وسلاح شرعي واحد. وقال: «لا للفلتان الأمني تحت شعار المقاومة».

والحملة في جنين مؤجلة منذ فترة طويلة، تجنبت فيها السلطة الدخول في مواجهات داخلية فيما هي محاصرة من قبل إسرائيل سياسياً ومالياً. لكن الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، والتغييرات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وضعتا السلطة على المحك.

ويعمل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على إحداث أوسع تغيير ممكن في السلطة، استجابةً لمطالب دولية بإجراء إصلاحات وتغييرات، تمكن السلطة من تسلم قطاع غزة. وأجرى خلال الشهور الماضية تغييراً حكومياً، وعين محافظين جدداً، وأجرى تنقلات لقادة الأجهزة الأمنية، وفي السفارات الفلسطينية، وأصدر مرسوماً يحدد فيه من يتسلم منصبه في حال شغوره فجأة.

ووجدت السلطة نفسها في مواجهة مستعجلة مع المسلحين، بعدما بدأت تشعر أنهم بدأوا يدخلون إلى الفراغ، ويهددون بقاءها في أعقد ظرف ممكن. وتراقب إسرائيل ما يحدث في جنين عن كثب. وقالت «القناة الـ12» إن السلطة تلقت رسالة ساخنة من إسرائيل قبل فترة وجيزة مفادها: «ابدأوا بالتحرك وإلا فسنضطر إلى الدخول بأنفسنا». لكن السلطة لا تربط بين إسرائيل وعمليتها في جنين، والتي ستتوسع إلى مناطق أخرى لاحقاً.

وقال الناطق باسم الأجهزة الأمنية: «للأسف نواجه فئة باعت نفسها لصالح امتيازات دنيوية رخيصة، تقوم بأفعال داعشية، لا تمثل الشعب الفلسطيني»، وأضاف: «سنجتث هذه الفئات الخارجة على القانون، وأفعالها الإجرامية».

ورد مسلحون على السلطة وهددوها بدفع الثمن، وخرج أحد الملثمين من وسط مخيم جنين ملوحاً بيده صارخاً: «مقابل يزيد (الذي قتلته السلطة في اليوم الأول للاشتباكات) سيكون هناك مائة عسكري من السلطة».