النيابة العامة الليبية تكشف لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل «محرقة المهاجرين»

وكيل النيابة الليبية علي زبيدة «الشرق الأوسط»
وكيل النيابة الليبية علي زبيدة «الشرق الأوسط»
TT

النيابة العامة الليبية تكشف لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل «محرقة المهاجرين»

وكيل النيابة الليبية علي زبيدة «الشرق الأوسط»
وكيل النيابة الليبية علي زبيدة «الشرق الأوسط»

كشف وكيل النيابة في مكتب النائب العام الليبي المستشار علي زبيدة تفاصيل جريمة مقتل 15 مهاجراً غير نظامي، كانوا يستقلون قارباً على شاطئ مدينة صبراتة، الجمعة الماضي، وأحدثت ردود فعل غاضبة محلياً ودولياً.
وقال زبيدة في حديث إلى «الشرق الأوسط» إن خلافاً اندلع بين تشكيلين يمتهنان عمليات تهريب المهاجرين، أطلق أحدهما أعيرة نارية باتجاه خزان وقود القارب الذي كان يقل المهاجرين فأدى إلى إضرام النار فيه بمن عليه، مخلفاً 15 حالة وفاة من بينها 11 جثة متفحمة.
وأضاف وكيل النيابة العامة الليبية أن القارب الذي كان يرسو على شاطئ صبراتة، كان يحمل مهاجرين من الجنسيتين الإريترية والإثيوبية، لافتاً إلى أنه فور ورود بلاغ للنائب العام المستشار الصديق الصور، تم تكليف رئيس النيابة يرافقه وكيلا للنيابة وانتقلا إلى مسرح الجريمة للمعاينة وتحريز المحتويات الموجودة على متن القارب.
وتابع زبيدة: «فريق التحقيق انتقل إلى ثلاجة الموتى بمستشفى صبراتة لمعاينة الجثث، ومن ثم تم استدعى الطبيب الشرعي وأمره بأخذ عينات الحمض النووي والكشف على مواطن الإصابات وأسبابها، وأسباب الوفيات بالإضافة لتحديد الإناث من الذكور».
وكانت البعثة الأممية قد سارعت إلى إدانة الحادث ووصفته بـ«عملية القتل الشنيعة» بعد العثور على 11 جثة متفحمة داخل القارب، وأربع أخرى خارجه. كما دخلت بعثات دبلوماسية غربية، في ليبيا على خط جريمة «محرقة المهاجرين»، ودعت السلطات المحلية إلى إجراء تحقيق «سريع ومستقل وشفاف»، لتقديم جميع المتورطين إلى العدالة.
وفي ما يتعلق بالقبض على الجناة، أضاف وكيل النيابة، إنه بعد سماع شهادات الشهود الناجين من الحادث، وتعيين مترجم يجيد لغاتهم ولهجاتهم، «تبين جلياً أن الواقعة تشكل جرماً جنائياً؛ وحامت الشبهات حول 4 أشخاص، فصدرت بحقهم أوامر ضبط، وكلفت النيابة مديرية أمن صبراتة وقسم البحث الجنائي بالمدينة وقوة دعم المديريات بالمنطقة الغربية بالقبض عليهم.
وتابع: «بعد البحث تم القبض على أول المطلوبين بإشراف ومتابعة النائب العام، وأحيل لتوه على النيابة العامة، وبعد مواجهته بالشهود فتعرفوا عليه وأكدوا أنه من بين المشاركين في الواقعة».
وأوضح وكيل النيابة العامة أن قوة دعم المديريات في المنطقة الغربية باشرت بإشراف المحامي العام في محكمة استئناف الزاوية ورئيس نيابة الزاوية الابتدائية وبتكليف من النائب العام تنفيذ أوامر البحث والتحري عن دلائل الواقعة والأشخاص الضالعين بارتكاب الجريمة، فأسفرت التحريات عن ضبط المتهم الثاني من أصل أربعة.
ولفت إلى أنه بمواجهة الناجين تم التعرف عليه هو الآخر، وتأكيد مسؤوليه المباشرة هو والمتهم الأول «بجرائم القتل الجزافي وحيازة السلاح والذخائر بالإضافة لجرائم إيواء وتهريب المهاجرين غير النظاميين».
واستكمل وكيل النيابة، أن هذه الإجراءات المكثفة «نتج عنها اكتشاف 6 أوكار لإيواء المهاجرين، عثر بداخلها على 159 مهاجراً غير نظامي، من جنسيات مختلفة، بالإضافة لضبط قوارب ومعدات إبحار وأطقم نجاة وأسلحة نارية لتنفيذ هذه الجرائم، كما تم ضبط 3 أفراد تابعين لعصابات تهريب في وقائع أخرى».
وتطرق وكيل النيابة إلى أن العقوبات التي تنتظر المتهمين حال انتهاء التحقيقات والتثبت بشكل نهائي من تورطهم، تتفاوت وتختلف من حيث تعدد الجرائم، ومن بينها القتل الجزافي، وحيازة ذخيرة وسلاح بدون ترخيص، بالإضافة إلى تهريب مهاجرين، وقال في هذه الواقعة التي نحن بصددها 4 جرائم أشد عقوباتها الإعدام، مستدركاً: «لكن مسألة الحكم من اختصاص محكمة الجنايات، ويختص سيادة النائب العام بتحريك ورفع ومباشرة الدعوى الجنائية».
وصبراتة المطلعة على البحر المتوسط (70 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس)، تعد من أهم نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين إلى دول أوروبا، إلى جانب مدن أخرى مثل الزاوية وزوارة والقرة بوللي، شرق العاصمة وغربها، حيث تنشط مافيا تهريب المهاجرين عبر البحر بعيداً عن أعين الشرطة.


مقالات ذات صلة

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

أوروبا عنصر من الشرطة الفرنسية في ستراسبورغ (أ.ف.ب)

مقتل 5 في إطلاق نار بشمال فرنسا... والمشتبه به يسلم نفسه للشرطة

نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصادر أمنية، السبت، أن اثنين من رجال الأمن ومهاجرَين قُتلوا بإطلاق نار في لون بلاج بالقرب من مدينة دونكيرك الشمالية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا سفينة على متنها مهاجرون غير شرعيين ترسو في جزيرة كريت اليونانية (أرشيفية - رويترز)

غرق مهاجر ومخاوف من فقد آخرين بعد انقلاب قارب قبالة اليونان

قال خفر السواحل اليوناني، اليوم السبت، إن السلطات انتشلت جثة مهاجر وأنقذت 39 آخرين من البحر بعد انقلاب قارب.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شمال افريقيا حرس جزر الكناري الإسبانية يقدم مساعدات لمهاجرين أفارقة انطلقوا من سواحل تونس بعد غرق مركبهم (إ.ب.أ)

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

قضى تسعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفُقد ستة آخرون بعد غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات طرابلس تضبط 40 باكستانياً قبل تهريبهم إلى أوروبا

يقول «جهاز دعم الاستقرار» الليبي بطرابلس إنه «تم جلب هؤلاء المهاجرين عبر تشكيل عصابي دولي يتقاضى 20 ألف دولار أميركي من كل مهاجر مقابل إرساله إلى ليبيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.